السعودية هي المعين الإيديولوجي للتنظيمات الإسلامية السياسية المتطرفة في العالم [الحكم الصادر على رائف البدوي بجلده ألف جلدة و10 سنوات حبس وغرامة مالية نموذجاً]

كاظم حبيب
khabib@t-online.de

2015 / 1 / 31

أصدرت محكمة سعودية حكماً يقضي بجلد الناشط المدني رائف بدوي 1000 جلدة، على أن توزع على 20 أسبوعاً، حيث يجلد كل أسبوع 50 جلدة، إضافة إلى حبسه 10 سنوات في السجون السعودية وغرامة قدرها مليون ريال سعودي، أو ما يقرب من 380000 دولار أمريكي! صدر هذا الحكم عن أحد القضاة السعوديين بعد اعتقال دام أكثر من سنتين، إذ كان قد اعتقل في العام 2012 بتهمة "الإساءة إلى الإسلام" وارتكابه "جريمة إلكترونية" و"عقوق لوالديه"!
هذا الحكم الجائر والفاجر ضد شاب مدني وديمقراطي أثار الرأي العام العالمي وفجر السكوت الواسع النطاق في الدول الغربية على النهج الاستبدادي والسياسات المغرقة في الرجعية واللا إنسانية والتخلف والسلوك الذي لا يعود لحضارة القرن الحادي والعشرين والمواقف المتطرفة للحكام والقضاة وشرطة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في هذه المملكة العجائبية الغرائبية، المملكة العربية السعودية، مملكة الواق واق. فما طالب به رائف بدوي تركز عل دعوة الدولة السعودية إلى إقامة الدولة المدنية والمجتمع المدني الديمقراطي، فهل في هذه المطالبة ما يدعو إلى إصدار مثل هذا الحكم الجائر؟
العالم المتحضر والشعوب ذات القيم الإنسانية كلها تقول بصوت واحد كلا، فالحكم يعتبر تجاوزاً فظاً على حقوق الإنسان وعلى العهود والمواثيق الدولية كافة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان، إنه مخالف لحق الإنسان في التعبير عن رأيه والتصريح به بمختلف السبل المتوفرة. فمن يا ترى ينبغي أن يحاكم في مثل هذه الحالة؟ هل السيد رائف بدوي الذي طرح رأياً واضحاً عبر التواصل الاجتماعي، أم القاضي المهووس بإيديولوجية متزمتة وجامدة والذي أصدر الحكم وكذلك الحاكم الذي نصب هذا القاضي والذي صادق على مثل هذه التشريعات الجائرة؟
على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، الذي يمارس سياسة السكوت على ما يحصل بالمملكة العربية السعودية من تجاوزات فظة على حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو القبول بها بسبب ثروتها النفطية والغازية ورغبة هذه الدول في الحصول على جزء من الكعكة السعودية والاستثمارات السعودية في تلك الدول، ويكيل بمكيالين مما يعرض الشعب العربي في هذه المملكة إلى مخاطر المزيد من الدوس على كرامة وحقوق الإنسان وحياته، وهو أمر لا يجوز ولا يمكن قبوله وعواقبه ستكون وخيمة على هذا الشعب والشعوب المجاورة والعالم. فهذه المملكة التي ما تزال في القرون الوسطى من حيث النظام والقضاء لا تفرض سياساتها على الشعب السعودي فحسب، بل هي تُصدّر أفكارها وسياساتها إلى مختلف بقاع العالم وعبر أساليب وأدوات قديمة وحديثة بما في ذلك المدارس والكتب ووسائل الاتصال الأكثر حداثة. والغريب في هذا السكوت الدولي عما يجري في هذه المملكة هو أن العالم كله يعرف الدور الذي يمارسه الفكر الديني السعودي في ما يحصل اليوم من عنف على الصعيد العالمي.
فالوثائق والدراسات والتقارير والكتب الكثيرة المنشورة عبر وسائل الإعلام الدولية تؤكد بما لا يقبل الشك دور الفكر السلفي الوهابي الذي تلتزم به المملكة العربية السعودية في كل ما ارتكب من جرائم وقتل وتدمير وخراب على أيدي الجماعات والتنظيمات الإسلامية السياسية المتطرفة التي تشكلت وتطورت منذ العقد التاسع من القرن العشرين حتى الوقت الحاضر في جميع بقاع العالم. وهذا الاستنتاج الذي تؤكده حقائق الوضع في السعودية على نحو خاص ناشئ عن أسس وسبل التربية الدينية والكتب المدرسية والثقافة اليومية والفتاوى التي يصدرها أغلب شيوخ الدين السعوديين إن لم نقل كلهم. فالمدارس الدينية بالمملكة العربية السعودية وأكاديمياتها ومدارسها التي أقامتها منذ عدة عقود في مختلف بقاع العالم، ومنها المدارس في أفغانستان وباكستان ودول عربية وأوروبية كثيرة أخرى، وخاصة في أفغانستان وباكستان، كانت وما تزال تربي وتدرس التلاميذ وطلاب المدارس والجامعات على فكر متشدد وعنيف إزاء الآخر، فكر يرفض جميع الديانات الأخرى غير الإسلام من جهة، ويرفض جميع المذاهب في الإسلام إلاّ المذهب الوهابي من جهة أخرى، ويرفض الآخر الذي يؤمن بهذا الدين أو المذهب غير المذهب الوهابي. وليت الأمر يتوقف عند الرفض، بل يتجاوز ذلك غلى التصفيات الجسدية عملياً. والفكر الوهابي الذي يعتمد المذهب الحنبلي المتشدد في الإسلام (الإمام أحمد بن حنبل 162-241هـ أو 780-855م)، وجد في فكر وتفسير وفتاوى أحمد ابن تيمية (661-728هـ) أساساً فكرياً وقاعدة مذهبية يستند إليها في محاربة بقية الديانات والمذاهب وأتباعها. فالسعودية كما هو معروف لم تصدر الفكر السلفي المتشدد والتكفيري فحسب، بل وصدَّرت أيضا شيوخ الدين الذين يلقنون التلاميذ والطلبة بالتعاليم المتشددة المحقرة والحاقدة والكارهة للآخر ودينه أو مذهبه، والمفسرة لمذهبها المتشدد الذي يشيع التعصب في نفوس وسلوك المتعلمين في هذه المدارس والأكاديميات والكتب التي توزعها سفارات السعودية وملحقياتها الثقافية. كما إن المدارس بالسعودية وتلك التي أقامتها بالخارج كانت وما تزال تُصدّر بطرق مختلفة الأموال والكتب وتنتج "المجاهدين!" الأوباش الذين يمارسون القتل والسبي والاستباحة والاغتصاب ضد الناس من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى.
وتعتبر المملكة العربية السعودية المسؤول الأول عن كل التنظيمات المتطرفة والعدوانية التي بدأت تتشكل كجماعات إسلامية سياسية متطرفة في العقد التاسع لمحاربة الوجود السوفييتي بأفغانستان ووجدت الدعم والمساعدة والتبني من جانب الدولة الباكستانية والكثير من التنظيمات السياسية الإسلامية فيها. وكان للمدارس الدينية وشيوخ الدين السعوديين والباكستانيين دورهم البارز من خلال التثقيف والفتاوى التي أصدورها. ونحن على يقين تام بأن هاتين الدولتين، إضافة إلى فكر الأخوان المسلمين في مصر، أصبحتا المصدر الأساس لفكر تنظم القاعدة الإرهابي وبقية التنظيمات الإسلامية السياسية السنية التي تأسست بعد ذاك ، بما في ذلك تنظيم داعش المتوحش. وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في العقد التاسع من القرن العشرين بدور كبير في تغذية هذه التنظيمات ومساعدتها في النهوض والتوسع وكسب "المجاهدين!" بسبب الدور الذي لعبته في أفغانستان في مقاومة الوجود السوفييتي فيها. وحين أطلقت هذه الدول الوحش المفترس المعبأ بالإيديولوجية المتشددة والتكفيرية من قمقمه، أصبح من الصعب السيطرة عليه وعلى أفعاله الإجرامية. وها نحن أمام عالم يحصد ما زرعته تلك الدول في فكر الكثير من الناس المسلمين بالعالم.
توجد في السعودية الهيئات التالية التي تمارس مهمة السيطرة على الأمن الداخلي والقضاء وتطبيق القوانين:
1-- جلس الشورى.
2- الجهاز القضائي.
3- وزارة الداخلية.
4- هيئة التحقيق والادعاء العام.
5- هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- هيئة حقوق الإنسان.
والمشكلة ليس في تعددها ومسمياتها، بل بالفكر الذي يوجهها والسياسات المرسومة لها. فهي تنهل مجتمعة من معين فكري وسياسي واحد ولها رؤية واحدة للشريعة الوهابية، وما يهمها هو ممارسة التشدد في تطبيق الشريعة الوهابية المتشددة على المجتمع السعودي، وهو الأمر الذي لا يساعد على إجراء أي تغيير أو تطوير حقيقي في وضع حقوق الإنسان بالسعودية. فالكل شاهد على ما تمارسه المملكة العربية السعودية حتى يومنا هذا من أساليب عقابية ضد الإنسان في المملكة، وهي أساليب محرمة دولياً تدينها منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ولكن الحكام والقضاة السعوديين لا يستمعون إلى نداء العقل والمنطق ولا يهتمون باحتجاجات الرأي العام العالمي أو مطالبة بعض الدول الخجولة جداً، وكأنها ترتكب معصية، حين تطالب بإيقاف تنفيذ الجلد بحق رائف بدوي. إننا نعيش مجتمعاً دولياً ضاعت فيه الكثير من القيم والمعايير الإنسانية وحقوق الإنسان بسبب المصالح الاقتصادية الضيقة والروح الانتهازية.
يشير موقع الموسوعة الحرة إلى النص التالي بشأن العقوبات التي تمارسها السعودية بحق الإنسان، إضافة إلى غياب حرية الدفاع عن النفس أو احترام الأسس القانونية في إجراء المحاكمات: فـ"المملكة العربية السعودية هي واحدة من حوالي ثلاثين دولة تطبق عقوبات بدنية في إطار قانوني وقضائي وهذا يشمل بتر اليدين أو الساقين كعقوبة للسرقة والجلد على جرائم أقل مثل " الانحراف الجنسي " أو السكر. ولا يوجد عدد محدد للجلدات حسب القانون لذلك فالأمر منوط بالقاضي وتأويله. ويتراوح العدد بين عشرات إلى مئات الجلدات وفي سنة 2004 انتقدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب المملكة العربية السعودية لتطبيق عقوبة بتر الأطراف والجلد التي تقوم بها في إطار تطبيق الشريعة الإسلامية. ورد الوفد السعودي بالدفاع عن "التقاليد القانونية" التي وجدت منذ ظهور الإسلام ورفضت أي تدخل في الشأن السعودي وفي السلطة القضائية. تطبق السعودية أيضا عقوبة الإعدام،. بما في ذلك عمليات الإعدام العلنية بقطع الرأس وتطبق هذه العقوبة على عدد واسع من الجرائم بما في ذلك القتل و الاغتصاب والسطو المسلح وترويج المخدرات والردة والزنا والسحر والشعوذة، وتطبق إما بقطع الرأس أو الرجم أو رميا بالرصاص أو الصلب. وحسب تقرير منظمة العفو الدولية فقد استمرت المحاكم في فرض أحكام الجَلد كعقوبة رئيسية أو إضافية على ارتكاب العديد من الجرائم. فقد حُكم على ما لا يقل عن خمسة متهمين بالجلد من 1000 جلدة إلى 2,500 جلدة. كما نُفذت عقوبة الجلد في السجون. ووردت أنباء عن أن أفعال التعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة للمعتقلين والسجناء المحكومين كانت شائعة ومتفشية وتُرتكب بدون حساب أو عقاب بوجه عام. ومن بين أساليب التعذيب التي ذُكرت: الضرب والتعليق من الأطراف والحرمان من النوم. وكان المحتجون من بين الذين تعرضوا للتعذيب والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أيام أو أسابيع بدون تهمة أو محاكمة." (ويكيبيدا، الموسوعة الحرة، حقوق الإنسان في السعودية). وإزاء هذه المعلومات المهمة والمنشورة في كل مكان يحق لنا أن نتساءل: هل يجوز للعالم المتمدن، للمجتمع الدولي أن يسكت عن ارتكاب مثل هذه الجرائم بحق الإنسان في المملكة العربية السعودية؟ وهل يتناغم هذا مع ملائحة حقوق الإنسان الدولية؟ طبعاً الإجابة الواضحة هي: لا يجوز ذلك بأي حال. ولكن عالمنا الرأسمالي الغارق في عفونة المصالح الضيقة وتعظيم الأرباح واستغلال الإنسان والسكوت عن الجرائم في سبيل تحقيق أقصى الأرباح لا يقبل بكل ذلك فحسب، بل والكثير من دول العالم يمارسها أيضاً، كما مارستها الإدارة الأمريكية في "أبي غريب" بالعراق، أو في المعتقل الأمريكي ببولونيا، أو في معتقل غوانتانامو الأمريكي في خليج الخنازير بكوبا على سبيل المثال لا الحصر!
إن المملكة السعودية تدعي محاربتها للإرهاب الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي بالسعودية والعالم، ولكن ألا يلاحظ السعوديون إن فكرهم وتثقيفهم وكتبهم وفتاواهم وسياساتهم بالسعودية ذاتها والقضاء السعودي يصب في طاحونة قوى الإرهاب الإسلامي العالمي للقاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها من التنظيمات الإسلامية السياسية المتطرفة التي تمارس اساليب فاشية مماثلة في معاقبة الناس؟ إن هؤلاء الإرهابيين ينهلون من المعين الفكري والفتاوى التي يصدرها شيوخ الدين السعوديين وأمثالهم في العالم الإسلامي والممارسات الفعلية بالسعودية. وهناك قوى إسلامية سياسية تتحدث عن داعش ومثيلاتها من التنظيمات الإرهابية التي ترفع راية "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله"، على إنها تنظيمات إسلامية حقاً ما دامت ترفع تلك الراية ولا يجوز اتهامها بالخروج عن الإسلام! هذا ما تحدث به بعض شيوخ الدين في الأزهر بالقاهرة وبعض شيوخ الدين في مناطق أخرى من العالم. ومثل هذا الموقف يتناغم تماماً مع من يقول بأن ما يمارس من قبل هذه التنظيمات بالعراق وسوريا إزاء الإيزيديات من الناس، سواء ببيعهن في سوق النخاسة أو اغتصابهن، وقتل الرجال...الخ، هو الإسلام الحقيقي. وهذا ما صرح به بعض المفتين السعوديين!!!
إن من واجب محكمة حقوق الإنسان في لاهاي أن توجه الاتهام العاجل للقضاة السعوديين الذين يصدرون مثل هذه العقوبات بحق الإنسان، وكذلك ضد الذي أصدر الحكم بالجلد والغرامة والحبس ضد رائف بدوي، فالعقوبات الجسدية محرمة دولياً وينبغي أن تتوقف، إذ لا يكفي أن يحتج العالم ويطالب بإيقاف إصدار وتنفيذ مثل هذه العقوبات بل مواجهة الدولة السعودية بقرارات رافضة ودعوة الانتربول الدولي (الشرطة الدولية) لإلقاء القبض على القضاة الذين أصدروا هذه الأحكام الجائرة والمناهضة لحقوق الإنسان والذين يقومون بتنفيذها وكذلك ضد الحاكم الذي لا يرفضها ولا يوقف تنفيذها ويصادق عليها.
إن الرأي العام العالمي مطالب بالضغط على المجتمع الدولي لكي يتخذ العقوبات الكفيلة بردع السعودية عن تنفيذ مثل هذه العقوبات وإلزامها بتغيير تشريعاتها على وفق مبادئ حقوق الإنسان، فليس لدولة من هذا النوع مكاناً في المجتمع الدولي، في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهيئاتها الدولية.
31/1/2015 كاظم حبيب



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن