مصرُ تُقبّل جبينَ السعودية

فاطمة ناعوت
f.naoot@hotmail.com

2015 / 1 / 27

في حقل الصحافة، ثمة قاعدةٌ تقول إن الصورة الواحدة تساوي عشرة آلاف كلمة مكتوبة، من حيث اكتنازها المعنى وسرعة وصولها لذهن المُتلقي، على عكس الكلمة المكتوبة التي تتطلب وقتًا من القارئ لفكّ رموز دلالتها والوصول إلى مرام الكاتب الفعلي.
تتجلّى هذه القاعدة في صورة شهيرة التقطها مصورٌ ذكي في يونيو 2014، للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو يُقبّل جبين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز على متن الطائرة الملكية، حينما عرّج الملكُ المحترم على القاهرة في طريق عودته إلى وطنه من المغرب. كان التوقف في سماء مصر لعقد قمّة سعودية مصرية، بعد الانتخابات الرئاسية المصرية، أعلن خلالها الملكُ دعم المملكة الكامل لثورة 30 يونيو 2013، ومباركة السعودية حكومة وشعبًا للسيسي حاكمًا مصريًّا منتخبًا بإرادة شعبية جماعية. ثم أعلن عن مؤتمر "أصدقاء وأشقاء مصر" الذي يوصي بتقديم الدعم اللازم لمصر خلال المرحلة المفصلية المقبلة في تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية والعالم. فما كان من الرئيس المصري إلا أن قال "عشرة آلاف كلمة" صامتة دون أن ينطق، حين طبع تلك القُبلة التاريخية على جبين الملك السعودي.
والحق أنني لم أقرأ تلك القُبلة بوصفها تحية من شقيق لشقيقه، ومن رفيق لصديقٍ داعم ظهر معدنُه الكريم وقت الصعاب، إنما قرأتُها بوصفها قبلةً من مصرَ على جبين السعودية، صديقتها التاريخية. صديقتان تجمع بينهما تواريخُ ومفاصلُ ومنعطفاتٌ وأهدافٌ ومشتركاتٌ ومستقبلٌ واحد. وشعبان تصاهرا منذ قديم الزمان ليكملا العِقد الذي دُرّة أحجاره كانت زواج سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، بالصبيّة المصرية الجميلة "مارية بنت شمعون القبطية"، في العام الثامن الهجري، لتغدو إحدى أمهات المؤمنين، والوحيدة بينهن التي أنجبت ولده الأوحد إبراهيم، الذي كان أول من جمع بين دماء "طِيبة" المصرية ودماء أرض الحجاز، التي ستغدو المملكة العربية السعودية.
وقف الملك السعودي الكريم في وجه فرنسا، ومن وراءها الاتحاد الأوروبي، وفي وجه البيت الأبيض الأمريكي مُحّذرًا ومنذِرًا بأن المملكة، ومعها دولُ الخليج الأربعة: الإمارات والكويت والبحرين، ستقفُ بالمرصاد لكل من يهدد أمن مصر ويبدد حق شعبها في الاختيار. وأن المملكة تختصم كل من لا يسمي انعطافة 30 يونيو بغير اسمها الحقيقي: ثورة شعبية.
وتراجعت فرنسا عن موقفها المتعنّت ومن وراءها أمريكا والاتحاد الأوروبي. ولولا مبادرة الملك لواجهنا خصومات سياسية ما أغنانا عنها ونحن في معركتنا الكبرى مع الإرهاب والانهيار الاقتصادي الذي أعقب ثورتيْ مصر.
رحم اللهُ الملكَ العظيم، وعوّضنا عنه خيرًا، وأحسنَ عزاءنا فيه. طوبى لصنّاع السلام وكان الراحلُ أحدهم، فاستحق أن يكون رجل 2014 كما اختارته جائزة الشيخ زايد للكتاب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن