اللواء شفيق متري سدراك .. أول من حصل على نجمة سيناء

مصطفى محمود على
history2010@hotmail.com

2015 / 1 / 25

يقول "برتراند راسل" في كتابه (نحو عالم أفضل): "إن وحدة الأمة ثمرة العادات المتشابهة، والميول الغريزية، والتاريخ المشترك، والعزة المشتركة .. إن وحدة الأمة ترجع، إلي حدٍ ما إلي وشائج القربي الحقيقية بين مواطنيها، إلا أنها ترجع إلي حدٍ ما كذلك إلي ضغط العالم الخارجي ومباينته لهذه الأمة".
لعلَّ هذا الكلام يعكس لنا مفهوماً جميلاً، ألا وهو ضرورة وحدة الأمة في مواجهة الأعداء، وليس غريباً علي المجتمع المصري، أمر هذه الوحدة، لأنه الشعب الوحيد الذي سبق العالم إلي الوحدة؛ وكأني أشاهد "الملك مينا" موحد القطرين أمامي الآن، وهو يناقش وزراءه ومستشاريه فيما يتعلق بأمر الوحدة بين أبناء الوطن!
لقد اندلعت أعظم معركة حربية في التاريخ الحديث، بين مصر والعدو الإسرائيلى؛ وأفرزت علي الساحة رجال أكفاء، جادوا بأرواحهم في سبيل رفعة الوطن، ويحق أن نرفع لهم القبعة إجلالاً وتقديراً، من هؤلاء الرجال: اللواء (شفيق متري سدراك) الذي قال عنه السادات في الجلسة التاريخية لمجلس الشعب: "إن اللواء البطل/ شفيق متري هو أول الضباط المقاتلين الذين حصلوا على وسام نجمة سيناء، لأنه أول الضباط المصريين الشهداء".
ولد هذا البطل في عام 1921م بقرية "المطيعة"، وكان طموحاً منذ صغره، مقبلاً علي الحياة بقلب نابض بالتضحية والفداء، وتدرج هذا الطفل الذكي في مدارس التعليم قبل الجامعي، وقبل أن يتجه إلى الكلية الحربية، قضى عامين في كلية التجارة، ولكنه عاد مرة ثانية، والتحق بالكلية الحربية، ليتخرج منها عام 1948م مقاتلاً بسلاح المشاة، ودَفَعهُ تفانيه في أداء رسالته إلي أن يتجه إلي الخدمة في السودان مرتين خلال حياته العسكرية.
وهو من الضباط القلائل الذين حصلوا على شهادة (أركان حرب) وهو برتبة رائد، وعمل مدرساً لمادة التكتيك لطلاب الكلية الحربية، ثم كبيراً للمعلمين بها، وأحد علماء القوات المسلحة في العلوم العسكرية وفنون التكتيك.
لقد خاض معارك مصر قبل 1973م، فاشترك في حرب 1956م، وفى حرب 1967م وكان قائداً لكتيبة مشاة حاربت في منطقة (أبى عجيلة) وهي تعتبر من أشرف وأرقى معارك قواتنا المسلحة في تلك الجولة، وكبد العدو خسائر كبيرة، وحصل على ترقية (استثنائية) بسبب هذه المعركة، وبعد حرب 1967م تمركز مع قواته بالقطاع الأوسط، وشارك معها في معارك حرب الاستنزاف، وقاوم القوات الإسرائيلية في معارك الكمائن بسيناء، وسجل بطولات متعددة في بورسعيد والدفرسوار والفردان وجنوب البلاح، وعندما قامت حرب 1973م كان قائداً للواء 3 مشاة ميكانيكي الفرقة 16 مشاة.
حصل اللواء/ شفيق علي عدة جوائز منها "وسام نجمة سيناء"، عندما قلد الرئيس السادات أبطال القوات المسلحة، الشهداء والأحياء، أوسمة النصر في مجلس الشعب يوم 19 فبراير 1974م.
* * *
فى الخامس من شهر أكتوبر 1973م – التاسع من رمضان 1393هـ بعث هذا البطل رسالة إلى قادة الكتائب قال فيها: "أبعث إليكم بأغلى هدية أستطيع أن أقدمها إلى جميع ضباط وصف وجنود الوحدة .. إن أبناء مصر من عهد مينا إلى الآن ينظرون إليكم بقلوب مؤمنة وأمل باسم، وقد آن الأوان لكي ترفرف أعلام مصر على أرض سيناء الحبيبة، وإني إذ أفوضكم في وضع علمنا الحبيب على أرضنا الحبيبة طبقاً لواجب العمليات، وإني أعدكم بأن كل علم من هذه الأعلام سوف يرفرف فوق أحد مواقع القوات الإسرائيلية في سيناء .. سيكون موضع اعتزاز وتقدير من جميع أبناء مصر وقادتها، لكل من ساهم في رفع هذا العلم، وختاماً أذكركم بقول الله تعالى: "(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)". [الصافات]
لم يكن النصر أسمي من الشهادة؛ وإن كانا شيئان محببان لكل محارب، فمن فاز بالنصر سيجد حلاوته في حياته، وأما من فاز بالشهادة فذلك ذاق طعم النصر قبل موته، ثم هو يعيش حالة النصر في الجنة أبد الآبدين ودهر الداهرين، وكانت الشهادة من نصيب اللواء شفيق ولم يكتمل يوم 10 أكتوبر 1973م، وهو أحد أيام الملحمة الكبرى التي سجل فيها المصريون التاريخ بسطور من دمائهم علي صحائف من جلودهم، وكان المداد هو روحهم السارية عبر التاريخ، لتبعث في النفوس العزة والشهامة، مع عبق الماضي وأصالته، وإنك لتفاخر بينك وبين نفسك أنك مصري، وما كاد اليوم ينقضي، وقد أزفت الشمس على الغروب، وبدأ الشفق يعلن في فخر: أن أول شهيد من الضباط كان اللواء شفيق، وغربت شمس ذلك اليوم، ولكن شمس ذلك الفارس ما زالت ساطعة إلي اليوم، كغيره من نجوم مصر وأبطالها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن