1 ب2 ف 2 : جريمة التزكية بالصلاح لدى المحمديين

أحمد صبحى منصور

2015 / 1 / 10

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .
الباب الثانى : تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية
الفصل الثانى : التزكية بين الاسلام والتصوف
جريمة التزكية بالصلاح لدى المحمديين
مقدمة
1 ــ بتأثير التصوف تجذّر فى الضمير الشعبى إحتكار الصوفية للصلاح باعتبارهم ( أولياء الله ) ، وإمتد هذا خارج الصوفية فأصبح يحلو للعوام وصف فلان بالصلاح ، نفاقا وتحببا وتزلفا ، ويشيع على الألسنة القول على من مات بأنه ( المرحوم فلان ) ، أى أصدروا قرارا بأن الله جل وعلا قد رحمه وصار مرحوما . وهذا تدخل ممقوت ومرفوض فى إختصاصات رب العزة ، وإعتداء على علمه بالغيب ، وجُرأةُّ على التقول فى أمر الاهى مؤجل الى يوم الحساب حيث يتحدد فى هذا اليوم العظيم من هو الصالح المرحوم ومن هو الخاسر الملعون . بل فى مناسبات العزاء فى الريف المصرى يستسهل بعضهم أن يُقول عن المتوفى ( دخل الجنة حدف ).!! كما لو كان القائل مالكا للجنة ومتحكما فى يوم الدين ومالكا ليوم الدين دون رب العالمين ، جل وعلا .
2 ــ هذا العداء الفاضح لرب العزة جل وعلا ، لا يقع فيه فقط عوام الناس ، بل أيضا الفقهاء العوام ، ومنهم مفتى سابق لمصر مدح فى مجلس عام أحد المتبرعين من دول الخليج فقال ــ حسبما ظهر فى الصحف ــ ( من أراد أن ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر الى فلان ) . هكذا بكل بساطة وتزلفا الى صاحب المال لا يرى هذا المفتى السابق غضاضة فى التعدى على العزيز الجبار جل وعلا . ويتصل بهذه الجُرأة على رب العزة ما إعتاده الاخوان المسلمون من إستخدام إسم رب العزة فى صراعاتهم السياسية ومزايداتهم الحزبية بلا أدنى خجل ، وليس هذا مُستغربا فقد إحتكروا لأنفسهم وصف ( المسلمين ) و دين الاسلام ، وبالتالى فهم وحدهم ( الصالحون ) . ويتصل بهذا ما تفعله داعش بإصدارها شهادات الاسلام لمن يدخل فى طاعتها ، وما يفعله الزعيم الشيعى العراقى مقتدى الصدر بإصدار شهادات بدخول الجنة مدفوعة الأجر . هذا الحضيض الدينى الذى يقع فيه المحمديون على إختلاف طوائفهم يدفعنا الى الاحتكام الى رب العزة فى موضوع (الصلاح ) :ــ
أولا : إطلاق وصف الصلاح على بعض البشر حق لله جل وعلا وحده لا يجوز للبشر التدخل فيه
1ـ . وصف رب العزة بعض الأنبياء فى القرآن الكريم بأنهم من الصالحين فى الآخرة. يقول جل وعلا عن ابراهيم عليه السلام : (وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) النحل ) و: (27) العنكبوت ). ويقول جل وعلا عن بعض ذرية ابراهيم من الأنبياء :( كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ (85) الانعام ). وعن لوط عليه السلام : ( وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) الانبياء )، وعن إسماعيل وإدريس وذى الكفل عليهم السلام: ( وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ (86) الانبياء ). وعن يونس عليه السلام :( فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50) القلم )
2 ـ الملائكة تحمل الوحى وكلمة الله جل وعلا تبشر بصفة الصلاح ، هكذا قالت الملائكة لابراهيم عن ابنه إسحاق عليهما السلام : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (112) الصافات )، وقالت لزكريا عن إبنه يحيى عليهما السلام : ( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (39) آل عمران )، وقالت لمريم عن ابنها المسيح عليهما السلام : ( إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) آل عمران )
3 ــ وخارج الأنبياء فقد وصف رب العزة بعض البشر بالصلاح ، ليس بالأسماء والأشخاص ولكن كصفات . قال جل وعلا عن المهتدين من أهل الكتاب : ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)) آل عمران ). هنا صفات الصلاح والولاية مطروحة أمام الجميع للتحلّى بها. وقد عاش بها ومات طائفة من أهل الكتاب ، ويعيش ويموت بها طائفة منهم .
4 ـ على أن الملاحظ أن رب العزة لم يصف خاتم النبيين محمدا بالصلاح ، لأنه كان حيّا يُرزق عند نزول القرآن لم يمت بعد . والعادة أن الوصف بالصلاح يأتى من رب العزة لمن مات بعد حياة حافلة بالصلاح وتزكية النفس بالتقوى . و بهذا جاء فى القرآن الكريم وصف الأنبياء السابقين بالصلاح بعد موتهم بقرون، أى بعد أن تحددت درجاتهم .
ثالثا : المؤمن فى حياته يدعو ربه أن يُلحقه بالصالحين
1 ـ وكان الأنبياء فى حياتهم يدعون ربهم أن يُلحقهم بالصالحين فى الآخرة يوم الحساب . ونعطى أمثلة : ابراهيم عليه السلام دعا ربه جل وعلا فقال :( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) الشعراء). ونتدبر فى قوله عليه السلام ( وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )، أى أن يلحق يوم القيامة بمن سبقه من الصالحين . وابراهيم عليه السلام دعا ربه جل وعلا أن يهبه إبنا من الصالحين ، فقال ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ (100) الصافات ). ويوسف عليه السلام فى أوج نفوذه دعا ربه جل وعلا أن يُميته مسلما ثم يُلحقه بالصالحين مثل جده ابراهيم ، فقال ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف ). ومثله سليمان عليه السلام الذى أوتى الآيات ( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل ). أى دعا ربه أن يهديه الى شكر النعمة وأن يهديه الى عمل الصالحات ، وان يدخله يوم القيامة فى العباد الصالحين .
2 ــ ونفس الدعاء قال به بعض الصالحين من أهل الكتاب ، قالوا : ( وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) المائدة ). وعليه فالمؤمن الذى يحرص على تزكية نفسه وتطهيرها بالتقوى يدعو ربه ان يموت على الاسلام وأن يُلحقه ربه يوم القيامة بالصالحين . وهكذا كان يدعو الأنبياء عليهم السلام . وعن أصحاب الجنة يقول رب العزة جل وعلا : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) النساء )
3 ــ وعند الاحتضار يتذكر الانسان فضيلة الصلاح عند الموت ، يتمنى فرصة أخرى ليتزكى وليكون من الصالحين. ولهذا يعظ رب العزة جل وعلا المؤمنين فيقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون )
رابعا : إستثناءات للبشر فى الوصف بالصلاح الظاهرى فى موضوعات الزواج :
1 ــ فى موضوعات الزواج يطلب الرجل زوجة صالحة ، ويريد أن يكون صهره رجلا صالحا . هكذا قال الرجل والد الفتاتين فى قصة موسى ، والذى عرض على موسى عليه السلام أن يزوجه إحدى بنتيه ، ووعده أن يكون ــ إن شاء الله ــ من الصالحين : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) القصص ). والله جل وعلا يدعو الى الزواج من الصالحين والصالحات ( حسب الظاهر ) أى أن يكون ( الصلاح الظاهرى ) فى الزواج فى الرجل والمرأة أهم من الصفات الأخرى كالجمال والثروة والمكانة الاجتماعية ، أو أن تكون العروس عذراء ولم يسبق لها الزواج . يقول جل وعلا ــ ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) النور ).
2 ــ يدخل فى التعامل الظاهرى قول مبعوث الملك المصرى ليوسف عليه السلام : ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) يوسف ). ليس هذا تشريعا ، فالتشريع لا يأتى من القصص القرآنى ، ولكنه يأتى بصيغة الأمر والنهى . ولكن المستفاد مما سبق أنهم رأوا بأعينهم صدق يوسف عليه السلام فى تأويل وتفسير الأحلام فخاطبوه طبقا لهذا قائلين : ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ).
خامسا : تطرف الكهنوت الدينى لأصحاب الديانات الأرضية فى تزكية أئمتهم
1 ـ فى القصص القرآنى يأتى وصف الوالى الحاكم فى مصر بالعزيز ، جاء هذا وصفا للوالى الذى ربّى يوسف ، وعن إمرأته الموصوفة بأنها إمرأة العزيز : ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) (قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) يوسف ) . وتولى يوسف نفس المنصب فخوطب بنفس اللقب ( العزيز ) حتى من إخوته الذين لم يتعرفوا عليه ، فخاطبوه بمكانته باعتباره عزيز مصر :( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78)( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)( يوسف ).
كانوا يتعاملون معه على أنه حاكم وليس على أنه نبى. وفى الدولة المدنية توجد ألقاب للحكام ومن حولهم ( عزتلو ، جلالة الملك ، سمو الأمير ، معالى الوزير ، فخامة الرئيس ، سعادة فلان ، جناب فلان ، حضرتك ..الخ ) . هذا يدخل فى التعالى الممقوت على الآخرين ، وليس من صفات المتقين الذين لا يريدون (علوا فى الأرض ولا فسادا ) ( القصص 83 )، ولكنه محصور فى الأغلب فى إطار البشرية لهؤلاء الناس المُتعالين سياسيا ، ويدخل فى مكانتهم السياسية طالما بقوا فى موقع السلطة ، فإذا فقدوها بالعزل أو بالموت لاحقتهم اللعنات . وهذا مخالف للكهنوت الدينى الذى يجعل ألقاب التأليه تصاحب أئمة الكهنوت فى حياتهم وبعد موتهم ، وبل تزداد قداستهم بموتهم ، وتمتد سُلطتهم الخرافية لتشمل الدنيا والاخرة ، ولا سبيل للتحرر من هذه السُّلطة الا بإعتناق الاسلام ؛ الدين الالهى الذى لا تقديس فيه ولا خضوع إلّا لله جل وعلا الواحد القهّار .
2 ــ فى الدين الالهى نعرف من القصص القرآنى أن الأنبياء كانوا يُخاطبون بأسمائهم المجردة ( يا فلان )، يقولها لهم أتباع الأنبياء . بنو اسرائيل شهدوا الآيات على يدي موسى ومنها التى أنقذتهم من فرعون، ومع ذلك كانوا يقولون له ( ياموسى ) بلا أى لقب وبلا أى تكريم ،: ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ (55))، ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ) (61) البقرة )( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ ) (23) ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) المائدة ). ( قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ )138) الاعراف ). ونفس الحال مع عيسى عليه السلام ، كان الحواريون يخاطبونه بإسمه المجرد مع أنهم مثل قوم موسى شهدوا الآيات على يديه :( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ )(112) المائدة ).أتباع الأنبياء لم يكونوا يخاطبون أنبياءهم بألقاب كهنوتية أو رسمية ، لم يكونوا يقولون لهم : ( فضيلتك ، قداستك ، جنابك ، عظمتك ، حضرتك ، سماحتك ، سعادتك ). بل كانوا يقولون لهم ( يا فلان ) .
وخاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، لم يكن بدعا من الرسل متميزا عنهم ( الأحقاف 9 ) بل كان رسولا خلت من قبله الرسل : ( 144) آل عمران ). ولقد وصفه رب العزة بأنه ( رجل منهم ) ( يونس 2 ) فى مكة تعجبوا من أن يكون خاتم النبيين رجلا عاديا ليس عظيما بمقياس العظمة عندهم (31) الزخرف). وكانوا يتندرون به ويستهزئون به ( الأنبياء 36 )( الفرقان41 ، 7 : 9 ). أما أهل المدينة من منافقين ومؤمنين فقد إتفقوا على إيذاء النبى بما إستوجب نزول القرآن ينهى المؤمنين ويتوعدهم ويرد أذى المنافقين القولى، كما جاء فى سورة الأحزاب ( 53 ، 57 ، 69 ) والتوبة ( 61 )، والمنافقون ( 8 ). فى هذا المناخ لا نستبعد أنهم كانوا يخاطبون خاتم النبيىن بإسمه المجرد، يقولون له ( يا محمد ). ولا نستبعد أيضا مخاطبتهم له بوصفه رسول الله و ( النبى ) . وليست هذه أوصافا كهنوتية ، لأنه فعلا رسول الله ونبى الله وخاتم النبيين ، وهو مأمور أن يعلن أنه بشر مثلنا يُوحى اليه ( الكهف 110 ) وهذا الوحى لا يرتفع به فوق مستوى العبودية لله جل وعلا ، بل إنه فى موضع التكريم يوصف فى القرآن الكريم بأنه عبد الله ، يقول عنه ربه ( عبده ) كما جاء فى سور : ( الاسراء 1 ، الكهف 1 الفرقان 1 ، الزمر 36 ، النجم 10 ، الحديد 9 ) ، أو يقول عنه : (عبدنا ) كما جاء فى سورتى : ( البقرة 23 ، الأنفال 41 ) . المستفاد أن النيى يخاطبه المؤمنون باسمه أو بأنه النبى او رسول الله الذى لا يملك لنفسه أو غيره نفعا ولا ضرا .
3 ــ هذا محظور فى الكهنوت . لا يمكن أن تخاطب البابا فتقول له ( يا فلان ) بل تقول له ( قداستك ) ولا يمكن أن تخاطب إماما شيعيا فتقول له ( يا فلان ) بل ( سماحتك ) أو نحوها لا يمكن أن تخاطب شيخا سنيا أو صوفيا فتقول له ( يا فلان ) بل تقول له ( فضيلتك ) . هذا مع أن البابا والامام والشيخ ليسوا جزءا من الدين الالهى ، وليسوا رُسلا وليسوا ملائكة وليسوا آلهة ، ولم يرد ذكرهم فى أى رسالة سماوية . هم مذكورون فقط فى كهنوت الأديان الأرضية ، كلهم يتميزون على بقية الناس بصفات التزكية ، وحتى يتميزون عليهم فى الزى المعين الخاص بهم ، وفى أنهم يعيشون عالة على المجتمع يتفرغون لإفساده وتحجيم حريته وإعاقة تقدمه وإضلاله فى الدنيا ، ثم خسارته فى الآخرة .
4 ـ يعزُّ على أصحاب الكهنوت المحمديين أن يقتصر لفظ ( اكبر ) على رب العزة ، لذا يجعلون من صفات بعض أئمتهم ( الأكبر ) . فالصوفية يصفون محيى الدين بن عربى بأنه ( الشيخ الأكبر ) بل إن الدستور المصرى يصف رسميا ( شيخ الأزهر ) بأنه ( الإمام الأكبر ) ، مع إنه موظف مدنى فى دولة مدنية يعينه رئيس الجمهورية ، وليس معينا من رب العزة ، ويأخذ راتبا من الحكومة وله درجة وظيفية فى مجلس الوزراء . وإذا كان ( فلان بن فلانة ) الإمام الأكبر للمسلمين فهل يكون خاتم النبيين عليه وعليهم السلام هو ( الأمام الأصغر ) ؟ .
ونفس الحال مع وصفهم أبى حنيفة بأنه ( الإمام الأعظم ) وهو لقب لم يعرفه أبو حنيفة فى حياته . فهل أبو حنيفة أعظم من خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . ويجعلون ذكر إسم أبى حنيفة ومذهبه فى عقد الزواج، يقولون: ( على سنة الله ورسوله وعلى مذهب الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان ) فهل كل الزيجات السابقة لأبى حنيفة قبل وجود أبى حنيفة باطلة شرعا لأنها ليست على مذهب أبى حنيفة ؟
وقولهم فى قائد الكهنوت الشيعى أنه ( آية الله ) و (روح الله ) فهل رب العزة جل وعلا بدون فلان هذا بلا آية ؟ وبلا روح ؟ أليس كل هذا سبّا وذمّا فى رب العزة جل وعلا ؟ أليس كل هذا تفضيلا لأئمة الكهنوت على خاتم المرسلين .
فهل نزل منشور من رب العزة يقول إن فلانا هو ( البابا ) أو( رضى الله عنه ) أو ( كرّم الله وجهه ) أو ( الصدّيق ) او ( الفاروق ) أو ( تستحى منه الملائكة ) أو ( حوارى رسول الله ) أو ( العترة ) أو ( سيد الشهداء ) أو( الامام الأعظم ) او ( حجة الاسلام ) أو ( الشيخ الأكبر ) ( منارة الاسلام ) أو ( آية الله ) أو ( روح الله ) أو ( الامام الأكبر )؟ وهل نزل تفويض من رب العزة جل وعلا للأفاقين الذين يقيمون دولا دينية أو يسعون لإقامتها ليسطر كهنوتهم الدينى على الشعب ؟ . سبحانك ربى .. هذا بهتان عظيم .!
5 ـ بل إنهم يفضلون أئمتهم الكهنوتيين على رب العزة جل وعلا . المؤمن يخاطب ربه جل وعلا فيقول له ( أنت ) فى الدعاء والتضرع . وأقرأ فى القرآن الكريم : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) ( الاعراف )( إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) آل عمران )) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران ) ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ). وهذه مجرد أمثلة .
هل تجرؤ أن تخاطب شيخ الأزهر أو شيخ الشيعة أو حتى شيخ الجامع أو أى قسيس فتقول له ( أنت ) ؟ وماذا سيحدث لك لو خاطبته باسمه قائلا : ( إنت يا فلان ) ؟
إنتبهوا أيها الناس ..!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن