قصة قصيرة؛ مساء عاطل

سعد محمد رحيم

2014 / 12 / 18

الدرب يصعد ملتوياً قاسياً.. تحت أقدامهم تتدحرج الأحجار الصغيرة، والشمس وراءهم تبتعد.. الرضيع في حضن المرأة يغفو. خطواتهم ثقيلة وما زالوا يرون بعض أولئك الذين تسلقوا الجبل قبلهم.. تقول المرأة بهمس حاد:
ـ كان يمكن أن ننتظر خمس دقائق أُخر.
يقول الرجل:
ـ لو تأخرنا خمس دقائق لكنّا الآن جثثاً مرمية على الرصيف.
تقول الفتاة:
ـ عطشانة.
لا يأبهان بكلامها.
تقول المرأة:
ـ أنت لم تبحث عنه جيداً.
ينقل الرجل حزام الحقيبة الصغيرة إلى كتفه الأيمن.. يرفع يده اليسرى.. ينظر إلى معصمه.. يتأكد للمرة العاشرة بأنه نسي ساعته الأولما القديمة على الكوميدينو.. يقول لاهثاً:
ـ بحثت، لم يكن في أي مكان.
ـ لو كنتَ دخلتَ البستان.
ـ لا أظنه ذهبَ إلى هناك.. أبداً لا يدخل البستان لوحده.
ـ ولماذا تراه يذهب إلى السوق، لم يكن معه نقود؟.
ـ هذا الكلام لا يفيد، علينا أن نسرع.
ـ أنت، كأنك لا تهتم.
تمتد الظلال أمامهم.. تتلوى على الصخور والأعشاب اليابسة.. حين بدأوا المسير كانوا بلا ظلال، والسماء شدق ينفث الزرقة والسخونة. لحظتها كان الرجل يفكر بالشمس، ولم تكن المرأة تفكر.. كانت أصوات الإطلاقات تقترب والشمس أكثر ضراوة وعناداً من أن تسمح برؤيتها.. الآن لم يعودوا يسمعون الإطلاقات، وقد اختفى عن ناظرهم آخر فلول المتسلقين.
تقول المرأة:
ـ كان يمكن أن ننتظر.
يرد الرجل:
ـ كنّا آخر من هرب.
يعاود الرضيع البكاء. تُخرج المرأة ثديها وتلقم حلمتها فمه.
ـ لو كنت ناديت عليه من خلف السياج.
ـ لم يكن لدينا الوقت.
ـ لم يكن لديك الوقت لإنقاذ الطفل؟.
ـ ومن يدري، لعلهم كانوا في البستان.
يزفر.. يتحاشى النظر إليها، يلتفت إلى ابنته.. تربكه نظرتها الليلكية المتوسلة.
ـ لم يبق في القنينة سوى قطرات.. أخوكِ سيحتاجها.
ـ هو يشرب الحليب.
تقول المرأة بنبرة حارقة:
ـ وماذا لو كان في البستان وأمسكوا به؟.
تقول الفتاة:
ـ هو دائماً يصعد إلى البيتونة.
يتوقفان.. تلتقي عيونهما.. تجلس الفتاة على صخرة قريبة.. يقول الرجل:
ـ مستحيل. لكان سمعنا ونحن...
تقول المرأة:
ـ أنت لم تصعد..
ـ كان عليكِ أنتِ.... أنا ركضتُ إلى السوق.
تؤكد الفتاة:
ـ هو دائماً ينام في البيتونة.
تبرك المرأة.. تلتم على رضيعها.. تجهش بالبكاء.. يضع الرجل حقيبته على الصخرة إلى جانب الفتاة.. ينحني على المرأة يمسكها من ساعدها النحيل.. يرغب هو الآخر بالبكاء.. لا يستطيع.. تقول الفتاة:
ـ هناك شيء يمشي في الأسفل.
الرجل والمرأة ينتصبان واقفين. وآخر هبة ريح ساخنة تهفهف ثوب الغروب الأدكن.. تأتي الفتاة وتقف معهما.. يبكي الرضيع.. يقطرون في فمه آخر ما في قنينة الماء.. تقول المرأة:
ـ لعله هو لحق بنا.
يقول الرجل:
ـ لا أحد هناك.
ـ لننتظر.
ـ وماذا لو كانوا هم؟.
تصمت المرأة.. الرضيع يستكين.. فيما الثلاثة الآخرون يحدِّقون في بطن الوادي المعتم، وفي عيونهم رجاء ناشف مقهور.
بغداد/ آب 2014



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن