انتفاضة الشعب العربي الاهوازي في الخامس عشر من نيسان ،هل هي مؤامرة خارجبة ام نتاج الاضطهاد القومي الفارسي؟

جابر احمد
jaber_f2000@yahoo.com

2005 / 9 / 2

تبقى انتفاضة الخامس عشر من نيسان من عام 2005 علامة بارزة ومنعطف هام في نضال الشعب العربي الاهوازي من اجل نيل حقوقه المشروعة، والقضاء على كافة المشاريع والخطط الرامية إلى تذويبه في بودقة الثقافة الفارسية وذلك عبر سياسة التطهير العرقي والتهجير والاستيلاء على الأرض.
و رغم أن السلطات الإيرانية استطاعت إن تقمع هذه الانتفاضة عبر وسائل القهر والتنكيل إلا أن جذوتها بقيت مشتعلة حتى يومنا هذا لا بل أن فعلها تجاوز منطقة الأهواز لينتقل إلى مناطق أخرى من إيران وما المظاهرات الصاخبة التي اندلعت في إقليم كردستان والأقاليم الإيرانية الأخرى إلا خير دليل عما نقول.
ورغم أن الانتفاضة جاءت على خلفية سياسة الاضطهاد القومي من جهة ومحاولة الشعب العربي التخلص من هذه السياسة من جهة أخرى ألا أن السلطات الإيرانية و كعادتها وبدل من تحمل مسؤوليتها إزاء ما يجري من ظلم واضطهاد بحق شعبنا العربي، أخذت تضع اللوم والمسؤولية عما ما يجري على الساحة الاهوازية على العامل الخارجي كما هو الحال تحميل مسؤولية ما يجري من مظاهرات وأعمال عنف في منطقة الأهواز العربية على عاتق الحكومة البريطانية حيث ادعت أن القوات البريطانية المشاركة في احتلال العراق والمتواجدة في البصرة هي التي تقف وراء اندلاع هذه المظاهرات، في حين كل من بريطانيا والقوى الوطنية والقومية الاهوازية قد رفضت هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، إذن ما السبب الرئيسي للاندلاع هذه المظاهرات ؟ و ما هي العوامل الرئيسية وراء اندلاعها؟ وفي الإجابة على هذا الأسئلة وغيرها يمكن القول إن ما حدث ما هو إلا تراكمات كمية تحولت وبفعل سياسة الاضطهاد القومي الإيراني المستمر بحق شعبنا إلى تراكمات كيفية عبرت عن نفسها على شكل مظاهرات سلمية شملت ولأول مرة قطاعات واسعة من أبناء شعبنا العربي الاهوازي .
وإذا أردنا تقيم نتائج هذه الانتفاضة يمكن القول إنها حققت عدة مهام منها:
- الوحدة الوطنية، حيث شاركت قطاعات واسعة من جماهير شعبنا بكافة قواها الوطنية والقومية في هذه المظاهرات.
- الشمولية، حيث شاركت كافة المحافظات الاهوازية في هذه المظاهرات.
- تأثير الفعل السياسي داخل إيران، حيث هزت أركان النظام وأوجدت في داخله شرخا إزاء تعامله مع هذه الانتفاضة كما هزت صورته الأخلاقية والعقائدية أمام الرأي العام العربي و الإسلامي.
- أوصلت صوت شعبنا العربي الاهوازي إلى العالم لا سيما إلى دوائر القرار العالمي والى هيئة الأمم المتحدة والهيئات المنبثقة عنها.
إن المتتبع لسياسة الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في إيران وخاصة في عهد الجمهورية الإسلامية يدرك جيدا كيف إن هذه الحكومة ورغم كونها وحسب ما تدعي أنها حكومة إسلامية إلا أنها تعاملت مع قضية القوميات وخاصة قضية الشعب العربي الاهوازي في منتهى القسوة والشدة ويأتي هذا التعامل الشديد واستخدام العنف لعدة أسباب قد بيناها في مقالات ودراسات سابقة منها الثروة النفطية الموجودة في هذا الإقليم، الموقع الجيوبولتيكي والاستراتيجي، مجاورة الإقليم لمناطق عربية ساخنة، ومطالبة أهالي الإقليم المستمرة في تقرير مصيره بنفسهم بعيدا عن تدخل الحكومة المركزية الفضة في شئون هذا الإقليم.
لقد أصبح النفط بالنسبة للحكام الإيرانيين نعمة ولكن بالنسبة للشعب العربي الاهوازي نغمة، حيث لم تخصص الحكومة الإيرانية أي مبلغ من هذا الكم الهائل من البترول المنتج داخل أراضيه أي مبلغ يذكر وعندما حاول مجلس الوزراء الإيراني استباق زيارة مبعوث هيئة الأمم المتحدة إلى الإقليم ليطرح هذا العام تخصيص 1.5% من النفط لصالح أبناء الأهواز رفض مجلس الشورى الإسلامي هذا المقترح ولم يحاول حتى عرضه للمناقشة، وبالتالي لا نجد عجبا حينما قال الموفد الخاص للامين العام لهيئة الأمم المتحدة لقد أصبت في الصدمة وأنا أشاهد الأوضاع الاجتماعية والصحية والسكانية المتردية في هذا الإقليم.
لقد استشهد في اليومين الأول والثاني من هذه الانتفاضة وحسب اعترافات صحافة الحكومة الإيرانية أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 270 مواطن أخر، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 1000 مواطن، وأعلنت في كافة المناطق الاهوازية حالة الطوارئ وقيام حكم عسكري بقي مستمرا حتى الوقت الراهن، كما أن حملات الاعتقالات والمداهمات بحق المواطنين العرب مستمرة مما جعل عدد المعتقلين والمفقودين في تصاعد مستمر.
وفي مقابلة أجرها مراسل جريدة شهر وند الفارسية السيد خسروشيرواني بتاريخ 17 4 | 2005 مع الصحفي الاهوازي وعضو البيت العربي الاهوازي في طهران السيد محمد نواصري حول ألأسباب الرئيسية لاندلاع هذه المظاهرات قال فيها إن احد أسباب اندلاع هذه الانتفاضة هو الاستيلاء المستمر على الأراضي العربية من قبل حكومة الجمهورية الإسلامية، فمنذ عام 1991 وحتى اليوم صادرت الحكومة أكثر من 200 ألف هكتار من أجود الأراضي الزراعية العائدة للفلاحين العرب وان العديد من القرى العربية قد اختفى عن الوجود.
وقال مجري هذه المقابلة السيد خسرو شيرواني انه، استنادا إلى الإحصائيات الرسمية وشبه الرسمية المختلفة ان من بين( 5.500000) خمس ملايين ونصف المليون سكان الإقليم هناك 75% إلى 60 % هم من العرب الشيعة حيث لا توجد لهذه الملايين الكثرة من المواطنتين العرب حتى مدرسة عربية واحدة ، ولم نشاهد وطوال تاريخ هذه المحافظة تعيين محافظ عربي واحد قط ، وفي الوقت الذي يتكلم معظم مواطني هذا الإقليم العربية لا تزال اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية المتدوالة ،و استنادا إلى الإحصائيات الرسمية إن 25% من شباب هذه المنطقة هم من المدمنين على المخدرات وهم إما يسكنون القرى أو المناطق الفقيرة المنتشرة حول المدن ، كما إن جمهرة كبيرة من المواطنين العرب المعدمين قد تركوا أراضيهم والتي هي مصدر رزقهم الوحيد قسرا نتيجة الحرب العراقية ولا يزالون يعيشون ظروف قاسية رغم أنهم يسكنون فوق بحيرة من الذهب الأسود.
وفي معرض رد السيد محمد نواصري على أسباب اندلاع هذه الانتفاضة قال أن المقدمات الأولية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الانتفاضة قد تكونت تاريخيا على تناقض أساسي وهو وجود سلطة مركزية شديدة من جهة والخصوصيات القومية التي تتسم بها بعض المناطق الإيرانية من جهة أخرى، هذا العاملان يشكلان المحور الأساسي لهذا التناقض، ويضيف السيد النواصري إن الرسالة المنسوبة إلى ابطحي والتي نشرت على بعض مواقع الانترنيت الاهوازية والتي تؤكد على تغير النسيج السكاني كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت نيران هذه الانتفاضة لقد بدأت هذه الانتفاضة على شكل تجمع سلمي للمواطنين العرب في حي الدايرة إلا أن تواجد قواي البوليس وتصديه بقوة لمنع هذه المظاهرة سرعان ما تبدلت إلى مواجهات عنيفة بين رجال الأمن والمواطنين، ويبد أن الحكومة ليس لديها أي برنامج للتعاطي مع المطالب القومية للشعب العربي، حيث أن فقدان مثل هذه الأجندة كان السبب في استخدام العنف من قبل قوى الأمن من جهة وانتشار الانتفاضة إلى معظم المناطق الاهوازية من جهة أخرى.
ويضيف السيد النواصري، منذ إن تولى هاشمي رفسنجاني الرئاسة في البلاد والى يومنا تم و عبر " مركز الدراسات الاستراتيجية " وسياسة ما يسمى "باستصلاح الأرض " مصادرة ما يقارب أكثر من 200 ألف هكتار من أجود أراضي الفلاحين العرب التي شملها الإصلاح وكان نتيجة هذه السياسة هجرة عشرات الآلاف من الفلاحين العرب من الريف إلى المدينة وكون أن الفلاحين العرب المهاجرين لا يملكون مكونات التأهيل من حيث والدراسة وقوة العمل، من هنا فإننا نشاهد ازدياد معدلات البطالة وانخفاظ المستوى التعليمي وارتفاع معدلات الإدمان وكذلك ازدياد حدة الخلافات المسلحة البينية بين المواطنين العرب.
وحول طبيعة الانتفاضة وأهدافها وهل هي تدعوا إلى الانفصال قال السيد نواصري وان كانت القلة من المتظاهرين قد رفعوا شعارات انفصالية إلا أن السمة العامة لهذه الانتفاضة لم يكن تهدف إلى الانفصال وأنني الخص ما تدعوا إليه هذه الانتفاضة باختصار جدا وبجملة واحدة وهو أن هذه الانتفاضة تدعوا إلى رفع التمييز والظلم القومي المضاعف الذي يمارس بحق الشعب العربي الاهوازي، وهي بالتالي مطالب سياسية واقتصادية وثقافية، وإما في المجال السياسي فان مطالب الانتفاضة تنحصر في مشاركة العرب كمواطنين من الدرجة الأولى في إدارة شئونهم وليست مطالب تعصب قومي وانفصالية كما يدعي خصومهم.
وحول سؤال كيف تجلت مطالب هذه الانتفاضة في شعاراتها قال السيد النواصري:
إن معظم شعارات هذه الانتفاضة تدور حول الحفاظ على الهوية القومية وإدانة سياسة التفرنس التي تمارس بحق الشعب العربي الاهوازي.
وحول اتهام الحكومة الإيرانية على أن ما جرى ويجري هو عبارة عن مؤامرة أحكيت خيطوها في الخارج قال السيد النواصري، إن مبدأ المؤامرة كان موجودا على الدوام إلا أن الأنظمة الشمولية وكعادتها ليست على استعداد للإجابة على المشكلات والمعضلات الداخلية، من هنا فأنهم يبحثون عن ابسط الحلول واقصرها لذلك فان البحث عن جذور المعضلات على إنها مؤامرة خارجية هي من بين هذه الحلول، لقد حدثت في السنوات الأخيرة انتفاضة مماثلة في مناطق كردستان و صحراء التركمان تدل على إنها نتيجة سياسات داخلية لا دخل للعامل الخارجي فيها.
إن انتفاضة الخامس عشر من نيسان شعلة مضيئة على طريق النضال من اجل إثبات الهوية العربية وخطوة هامة من اجل تحقيق حقوقنا القومية المشروعة بما فيها حقنا في تقرير مصيرنا بنفسنا وبالتالي فهي بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث للاستفادة من معطياتها العظيمة هذه مسئولية هامة يتحمل وزرها المثقفين العرب الاهوازيين وقواها الوطنية والديمقراطية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن