عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة تحليلية للمنظومة التشريعية

زبير فاضل

2014 / 11 / 6

المقدمة:

ما يزال المجتمع الجزائري يجهل الكثير عن عقوبة الإعدام التي يتم النطق بها في مئات المرات في السنة الواحدة، رغم أنه تم تجميد تنفيذها منذ سنة 1993. وتراجعت الجهات التي كانت في وقت سابق تطالب بإلغاء هذه العقوبة "الوحشية"، منذ أن أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بأن هناك مشروعاً قيد الإنجاز على مستوى وزارة العدل. فأصبح الجميع ينتظر الإفراج عن هذا القانون أو الأمر الرئاسي في أية لحظة.

وإذا كان المشرع الجزائري أراد أن يقلص من حجم المواد التي تنص على إدانة مرتكبي بعض الجرائم بعقوبة الإعدام، فإن النقاش الذي ما يزال يفتح نوافذ عديدة هو ما الهدف من إدانة أي متهم بهذه العقوبة ما دامت لا تطبق؟

لقد أدى صدور وتنفيذ حكم الإعدام على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إلى عودة النقاش السياسي حول اتجاه الجزائر نحو إلغاء عقوبة الإعدام، ولم تتردد وسائل الإعلام ولا الناشطين في المجتمع المدني إلى المطالبة بالإسراع بإصدار قانون يلغي هذه العقوبة. وأن تكون الجزائر أول دولة عربية تقدم على مثل هذه الخطوة الشجاعة، منتهجة بذلك مسار الدول المتقدمة التي قررت إلغاء عقوبة الإعدام، وقالت نصف بلدان العالم لا لقوانين تنص على هذه العقوبة ولا لتنفيذها أيضاً.

منذ سنوات طويلة وأحكام الإعدام تصدر في حق الكثير من الجزائريين، باعتبارها أقسى عقوبة يمكن أن تصدر ضد مرتكبي الجرائم "الخطيرة". إذ إنها تعني سلب هذا الإنسان الحق في الحياة. وكانت هذه العقوبة، وما تزال، تصدر أحياناً باسم الشعب والقانون. ولكنها كانت باستمرار تجسد مضامين القسوة القاهرة والمطلقة الكامنة فيها. وكانت هذه العقوبة، وما تزال، تمارس بحجة أنها تمثل ردعاً لآخرين من أجل تجنب ارتكاب جرائم مماثلة تقود إلى وقوع الفرد تحت طائلة حكم الإعدام.

ولكن تجربة الجزائر التي تضاف إلى تجارب الشعوب على امتداد التاريخ، تؤكد بما لا يقبل الشك بأن هذه العقوبة لم تمنع، بأي حال، وقوع جرائم بشعة ارتكبها أشخاص من المنطقة نفسها أو الولاية التي أدين فيها من قبل أشخاص بحكم الإعدام. وحسب ما يتجه إليه المختصون فإن الأساس المادي لمنع الجريمة يكمن في واقع ومستوى تطور المجتمع والظروف التي يعيش فيها الأفراد، وليس بمستوى العقوبة المطبقة و"صرامتها"، وإلا كيف تفسر السلطات الجزائرية، حالة الاكتظاظ التي تشهدها مختلف المؤسسات العقابية، السنة تلو الأخرى.

كما أن التجربة أثبتت بأن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام منذ سنوات، وبسبب تغيرات إيجابية في حياة تلك المجتمعات، قد تقلصت نسبة الجرائم التي كانت تعرض مرتكبيها إلى عقوبة الإعدام. في حين ما تزال ترتكب في الجزائر وفي غيرها من الدول التي تنص قوانينها أو تمارس عقوبة الإعدام.

وتشير المعلومات المقدمة من طرف المؤسسات العلمية والبحث التطبيقي ومنظمة العفو الدولية إلى أن مرتكبي جرائم القتل أو السطو أو الاغتصاب مع القتل...الخ، غالباً ما كانوا يعانون من شتى الأمراض النفسية والعصبية والعقد الاجتماعية. ولهذا فإن الجرائم التي ارتكبوها وأدينوا بها قد ارتبطت مباشرة بتلك العلل والأوضاع الاجتماعية التي كانوا يعانون منها ويعيشون تحت وطأتها.

بالإضافة إلى هذا، فإن عدداً ليس بالهين ممن أصدر في حقهم حكم الإعدام لم يكونوا من مرتكبي تلك الجرائم، بل أبرياء مما نسب إليهم من تهم، وان أخطاء ارتكبت في التحقيق أو أن الشهود زوروا أقوالهم، مما أدى إلى صدور وتنفيذ أحكام إعدام لم يعد ممكناً تصحيحها.

لم تكن العقوبة أمراً شاذاً في حياة المجتمعات والشعوب، بل كانت موجودة على مر القرون، لكن النظرة الحديثة للعقاب أو الجزاء، لم تعد تأخذ بالاعتبار خطورة الوقائع التي يحاكم بها المتهم، بل بالأثر الذي ستحدثه هذه العقوبة على المجتمع بصفة عامة والمتهم بصفة خاصة، مع التفكير المتأني فيما إذا كان الحكم الصادر قانونياً أم لا؟ خصوصاً وأن هذا الأخير؛ أي الحكم، سيصدر باسم الشعب، وأنه سيحدث شعوراً بالعدالة.

ومن خلال الدراسة التحليلية للتشريعات والمواد القانونية الخاصة بالجزائر، سنقوم في هذا البحث بتسليط الضوء على عدة مسائل جوهرية تبين مدى إمكانية اتجاه المشرع الجزائري إلى إلغاء عقوبة الإعدام نهائياً. كما سنتحرى عن نية السلطات الجزائرية ومدى إيمان المجتمع المدني في الإقدام على مثل هذه الخطوة، من دون تجاهل المعوقات والآراء المناهضة لفكرة إلغاء هذه العقوبة.

وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر، والجدال المحتدم بين المؤيدين والمعارضين يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه: هل ستكون الجزائر من بين أولى الدول العربية التي تقدم على إلغاء عقوبة الإعدام؟، وما هي الاستراتيجية التي يجب أن تنتهج من طرف السلطات والمجتمع المدني لخلق فضاءات للنقاش الموضوعي الهادف من أجل رسم ملامح الاقتناع بالإلغاء، بعد أن تم إقرار تجميد التنفيذ سنوات الإرهاب؟

مفهوم العقوبة:

تتعإلى الأصوات في الآونة الأخيرة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين والدساتير العربية، تبعاً لما هو معمول به في الدول الغربية المتقدمة احتراماً لقوانين وحقوق الإنسان.

لكن قبل الحديث عن المواقف المتباينة من هذه العقوبة التي أصبحت توصف بأنها "همجية"، لا بد أن نشير إلى أنه لا يمكن تحديد مفهوم أو مضمون عقوبة الإعدام، من دون الحديث عن خصائص العقوبة بصفة عامة. ما دام الإعدام في الجزائر، ما يزال عقوبة يتم النطق بها في مختلف المحاكم الجنائية.

فما هو مضمون عقوبة الإعدام؟ وما هي خصائص وعيوب عقوبة تنطق باعتبارها حكماً قضائياً في المحاكم الجنائية؟

أ‌. مضمون عقوبة الإعدام:

تبقى عقوبة الإعدام أقصى الأحكام الصادرة في تاريخ الإنسانية، والتي تقابل كل فعل شنيع يرتكب في حق شخص أو عدة أشخاص. ولهذا فقد حددت العقوبة بالمفهوم التقليدي بأنها إجراء يستهدف إنزال آلام بالفرد من قبل السلطة بمناسبة ارتكابه جريمة، أو هي ردة فعل اجتماعية على عمل مخالف للقانون( ).

والإعدام هو "إزهاق روح المحكوم عليه، ويتميز "بأنه مقصور على الجرائم الخطيرة التي تمس بأمن وسلامة الدولة، كجرائم الخيانة والتجسس والاعتداء ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن وغيرها من الجرائم الأخرى كجريمة نشر التقتيل والتخريب"( ).

ويعترف الحقوقيون والمتخصصون في تحديدهم لطبيعة هذه العقوبة بأنها "من أعلى درجات العقاب قسوة وشدة". ولهذا تتجه معظم التشريعات الوطنية نحو تضييق مجال تقرير مثل هذا النوع من العقاب وتطبيقه على بعض الجرائم دون غيرها تبعاً للسياسة الجنائية العالمية.

ومن عيوب عقوبة الإعدام أنها عقوبة وحشية مهما كانت الوسيلة المستعملة، وأنها لا تجدي نفعاً، إذ لم تشهد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام أي ارتفاع في الإجرام( ). كما يؤكد المتخصصون بأن أشد عيوب هذه العقوبة أنها غير قابلة للمراجعة وعليه، فإن الشخص الذي تصدر في حقه العقوبة لا يمكنه أن يقدم الوسائل الكافية لتبرئته من الجريمة التي ارتكبها. وفيما يتعلق بالجزائر، فإن عدم تطبيق العقوبة يجعل من إمكانية مراجعة الحكم الصادر ممكنة في حدود قانونية.

أما في الجزائر، فإن المشرع قلص من عقوبة الإعدام وألغاها في بعض الجرائم مثل جرائم المال المرتكبة من الموظف العمومي أو من في حكمه، حسب ما ينص عليه القانون رقم 09/01 المؤرخ في 26/6/2001 المعدل والمتمم لقانون العقوبات.

ب‌. خصائص العقوبة:

تتميز العقوبة بعدة خصائص منها أنها قانونية وعادلة، وشخصية، لكن الحديث عن خصائص عقوبة الإعدام يبقي التأكيد على ما إذا كانت بالفعل حكماً قانونياً أو عادلاً، ومن هذا المنطلق يتساءل المتخصصون حول ما الجدوى من تطبيق هذه العقوبة.

لكن ما هي العقوبة التي توافق كل مخالفة؟ هل القتل هو فعلاً عقوبة ضرورية وفعالة من أجل الأمن، ومن أجل تعميم النظام في المجتمع؟( )، يتساءل الباحث ولتير لاكير. وهي أسئلة طالما طرحتها الدول المتقدمة، التي وصلت، فيما بعد، إلى قناعة تامة بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام من تشريعاتها القانونية.

والواقع أن عقوبة الإعدام قديمة في التاريخ الإنساني، لكن ما من أحد يستطيع أن يحدد بثقة مطلقة متى طبقت هذه العقوبة لأول مرة. لكنها، قطعاً تزامنت مع نشأة التنظيم في المجتمعات الإنسانية؛ أي بعد أن أصبح البشر يعيشون في تجمعات بشرية كبيرة. ذلك أن هذه التجمعات احتاجت إلى وجود قوانين لمعاقبة الأشخاص الذين يقومون بأعمال تخالف الأعراف والتقاليد السائدة فيها( ).

ومن عيوب عقوبة الإعدام أيضاً أنها غير قابلة للمراجعة، وهو ما يجعل النطق بالحكم ضد الأشخاص المتهمين، كإعدام مسبق حتى ولو لم ينفذ في الجزائر، ولطالما أغمي على أهالي المتهمين في قاعات الجلسات بعد النطق بالحكم. ولهذا فإن إعدام المتهم بجريمة القتل، يعيد مشاهد المأساة ليس بالنسبة لأهل الضحية فحسب بل لأهل المتهم أو المتهمين أيضاً.

"إن عقوبة الإعدام هي من العقوبات التي تتعارض مع فلسفة العقوبة التي غايتها الإصلاح والردع، وهي تفرض حين لا يكون بالإمكان إصلاح وتأهيل المجرم للعودة إلى الحياة الطبيعية بسبب بشاعة ما اقترفه من عمل إجرامي".( )

عقوبة الإعدام: النصوص التشريعية والقوانين

تنطق المحاكم الجنائية بعقوبة الإعدام منذ عشرات السنين، وهذا بموجب المواد القانونية التي يتضمنها قانون العقوبات الجزائري، الذي استمد في بداية الستينات؛ أي بعد الاستقلال مباشرة، معظم مواده من قانون العقوبات الفرنسي.

وفي قراءة أولية لنص العديد من هذه المواد، يشير المشرع الجزائري بعبارات محددة لتسليط هذه العقوبة على المتهمين، وبشكل مباشر، ومن هذه الصياغات القانونية: "يعاقب بالإعدام كل من..." أو "كما يعاقب على...بالإعدام إذا...".

وكانت أولى عملية تنفيذ لعقوبة الإعدام في الجزائر، تلك التي جرت عام 1963 التي أعدم بموجبها العقيد شعباني، وقد صنفت على أنها أشهر عملية إعدام في تاريخ الجزائر المستقلة، وتكمن شهرتها في كون تنفيذها تم بسرعة البرق.

أما الثانية، وهي الأخيرة، فكانت في شهر تشرين الأول من عام 1993 التي صدرت بحق متهمين في تفجير مطار هواري بومدين بالعاصمة، ومنذ هذا التاريخ؛ أي عام 1993، لم ينفذ أي حكم بالإعدام.

أ‌. مضمون قانون العقوبات

يضم قانون العقوبات الجزائري مجموعة من الجرائم التي تحدد عقوبتها بالإعدام، ففيما يخص الجنايات والجنح ضد أمن الدولة وفي القسم الخاص بجرائم الخيانة والتجسس، تنص المادة 61 من القانون رقم 23-06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 على أن من يرتكب جريمة الخيانة، ويعاقب بالإعدام كل جزائري وكل عسكري أو بحار في خدمة الجزائر يقوم بـ:

• حمل السلاح ضد الجزائر.

• القيام بالتخابر مع دولة أجنبية بقصد حملها على القيام بأعمال عدوانية ضد الجزائر.

• تسليم قوات جزائرية أو أراض أو مدن أو...إلى دولة أجنبية أو إلى عملائها.

• إتلاف أو إفساد سفينة أو سفن أو مركبات للملاحة الجوية أو... وذلك بقصد الإضرار بالدفاع الوطني أو إدخال عيوب عليها.

كما أن المادة 62 من القانون نفسه تتحدث عن عقوبة الإعدام المتعلقة بجريمة الخيانة في وقت الحرب في أربع حالات. أما المادة 63 (الأمر رقم 47-75 المؤرخ في 17 يونيو 1975) فتنص أيضاً على أن من يرتكب جريمة الخيانة فإنه يعاقب بالإعدام، وقد حدد القانون مجموعة مكونة من ثماني حالات تقدر فيها العقوبة بالإعدام( ).

أما فيما يتعلق بجرائم القتل العمدي والقتل مع سبق الإصرار والترصد وقتل الأصول والأطفال والتسميم والتعذيب، فإن العقوبة المحددة هي الإعدام أيضاً. حيث يعاقب كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول أو التسميم بالإعدام حسب نص المادة 261 من قانون العقوبات( ).

ولا تتوقف المواد القانونية التي تنص على إدانة المتهمين بهذه العقوبة الوحشية، بل تمتد إلى الأعمال الإرهابية، وقد بلغ عدد الأحكام الصادرة في حق المتورطين في أعمال تهريب وتقتيل للأبرياء في الجزائر، أغلبية النسبة الخاصة بأحكام الإعدام الصادرة سنوياً في كل المجالس القضائية. إذ يعاقب القانون كل من يقوم بعمل إرهابي أو تخريبي، باستهداف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية؛ بهدف بث الرعب والاعتداء وعرقلة سير مؤسسات الدولة، وتكون العقوبة التي يتعرض لها مرتكب الأفعال المذكورة في المادة 87 "الإعدام عندما تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤبد( ).

وننبه هنا إلى أن بعضاً من المتهمين الذين تمت محاكمتهم ثم إدانتهم بعقوبة الإعدام لم يستفيدوا من أحكام "عادلة"، وهو الطرح الذي طالما اتجه إليه الاتحاد الوطني للمحامين، حيث يصدر القضاة "أحكاماً غير مؤسسة خشية إنزال العقوبة بهم"( ). ووفق هذا المنطلق يتضح بأن العقوبة الوحشية التي تصدر في حق عدد من المتهمين ليست عادلة، ولهذا فإن الأسئلة التي طرحها الباحث ولتير لاكير، في سياق حديثه عن سياسة العقاب، تبقى مشروعة، وتطرح الكثير من النقاش في البلدان التي ما تزال تتمسك بتنفيذ عقوبة الإعدام الوحشية، منها: هل العقوبات نفسها هي دائماً فعالة في كل الأوقات؟، وما هو الهدف من سياسة العقوبات؟، هل خلق الرعب في أنفس الآخرين؟، لكن ما هو الحكم الذي يجب أن نصدره، مع أخذ قرينة البراءة في الحسبان؟( ).

لقد كان بعض السجناء قاب قوسين من إعدامهم بعدما أمضوا سنوات عديدة في ظل حكم الإعدام الصادر عليهم. وتشمل السمات المتكررة في حالاتهم سوء سلوك النيابة أو الشرطة، واستخدام شهادات لشهود أو أدلة مادية أو اعترافات غير جديرة بالثقة؛ وتمثيل غير كاف للدفاع.

ب‌. إجراءات المسجونين المدانين بعقوبة الإعدام

يمنع القانون الجزائري تنفيذ حكم الإعدام في حق المرأة الحامل والمرضعة لطفل دون سن 24 شهراً وعلى الشخص الذي يعاني من مرض خطير، كما تمنع القوانين الجزائرية تنفيذ حكم الإعدام في الأعياد الوطنية والدينية وفي يوم الجمعة وخلال شهر رمضان المعظم.

ويشير قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين في الأحكام الخاصة بالمحكوم عليهم بالإعدام، في المادة 153، إلى أن هؤلاء يخضعون إلى نظام الحبس الانفرادي ليلاً نهاراً. غير أنه بعد انقضاء مدة خمس سنوات في نظام الحبس الانفرادي، يمكن أن يطبق عليه نظام الحبس الجماعي نهاراً مع المحبوسين من الفئة نفسها، لا يقل عددهم عن ثلاثة ولا يزيد على خمسة( ).

وعلى الرغم من أن القانون الجزائري أشار إلى أنه لا تنفيذ لعقوبة الإعدام، إلا أن القانون الخاص بالسجون نفسه يتحدث عن تنفيذها في المادة 155، حيث توضح بأن "لا تنفذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو"، كما لا تنفذ عقوبة الإعدام على الحامل أو المرضعة لطفل دون أربعة وعشرين شهراً، ولا على المحكوم عليه المصاب بجنون أو بمرض خطير( ).

ويتجه القانون نفسه إلى الأيام والمناسبات التي لا تنفذ فيها عقوبة الإعدام، ويعددها بالأعياد الوطنية والدينية، ويوم الجمعة وخلال شهر رمضان.

"لا يمكنني أن أصدق أنه لكي تدافع الدولة عن الحياة وتعاقب القاتل يتعين عليها أن تقوم هي الأخرى باقتراف القتل. إن عقوبة الإعدام لا تقل في لاإنسانيتها عن الجريمة التي تدفع إلى فرضها".( )

المؤيدون والمعارضون لإلغاء عقوبة الإعدام:

لا تجتمع الآراء والمواقف تجاه إلغاء عقوبة الإعدام في الجزائر، كما هو الحال بالنسبة لأغلبية البلدان العربية التي ما تزال متمسكة بإقرار هذه العقوبة الوحشية، فالاتجاهات منقسمة حالياً بين مؤيدين ومعارضين، وبينهما تنحصر فئة ثالثة من المحايدين.

وينطلق كل طرف من الفئات الثلاث من فلسفة وشبه قناعة بما يتبناه من أفكار، فبالنسبة للمؤيدين للإلغاء فهم يتجهون إلى القول بأنه وانطلاقاً من معاهدات حقوق الإنسان لا يمكن بأي حال من الأحوال خرقها، وعلى ضرورة اتباع البلدان الديمقراطية التي اتجهت إلى الإلغاء التام لعقوبة الإعدام. في حين يجتمع أصحاب الرأي المخالف لهذه الفكرة حول ما ينص عليه الدين الإسلامي، فيما يتعلق بالقصاص، وفيما يتعلق بجرائم القتل تحديداً، وأنه لا حرج في إصدار العقوبة نفسها لبعض الجرائم التي تلتقي مع جريمة القتل من حيث خطورتها. أما أصحاب الاتجاه المحايد، فما تزال آراؤهم بين الاتجاهين السابقين.

1- تراجع مطالب

لا تتوافر في الجزائر حتى تاريخ إعداد هذا البحث إحصائيات دقيقة عن العدد الحقيقي لعدد الأحكام القضائية التي صدرت في حق المتهمين المتابعين بمختلف الجنايات المنصوص عليها قانونياً، لكن المعدل العام المسجل منذ سنة 2000 يستقر ما بين 100 إلى 150 حكماً في السنة الواحدة.

وعلى الرغم من أن هناك العديد من الهيئات الحقوقية والجهات الناشطة في المجتمع المدني الجزائري، إلا أن أحد عيوبها هو عدم تفعيلها للنقاش حول القضايا التي تطرح مشاكل، وتشكل صلب اهتمام المواطنين.

ومنذ أن أعلن رئيس الجمهورية بأن هناك مشروعاً لإلغاء عقوبة الإعـدام في الجزائر، وإصداره عفواً على مائتين تقريباً من المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام، وتصريحه بأن الجزائر ستتجه نحو إلغاء العقوبة، لم تتحرك أي جهات للمطالبة بتعجيل الإلغاء، وتحول الأمر من ضرورة ملحة لفتح الحوار والنقاش الواسع حول الموضوع، إلى مجرد مطالبة في المناسبات، بل إن المؤيدين للإلغاء لم يقنعوا غيرهم في الضفة الأخرى من المعارضين بحججهم.

من منظور رئيس اللجنة الاستشارية الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان (حكومية) السيد مصطفى فاروق قسنطيني، فإن وزارة العدل تتدارس الموضوع، ولهذا فإننا نتجه نحو هذا الإلغاء بخطى ثابتة، وهو ما يتجلى بالعفو الذي أصدره الرئيس بوتفليقة لفائدة مائتي سجين محكوم عليهم بالإعدام، وتخفيفه العقـوبة عن مئات آخرين في عدة مناسبات"( ). لكن هذا المسعى غير كاف؛ لأن فتح الحوار يبقى الأفضل لدولة تريد أن تلغي عقوبة الإعدام، فلا يمكن أن يصدر الإلغاء في ظرف وجيز، كما لا يمكن أن يصدر دفعة واحدة في شكل قانون من دون أن يفتح النقاش الممهد لأي تغيير، كما فعلت العديد من الدول المتقدمة.

ولا تستبعد اللجنة الاستشارية الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان أن تكون الجزائر من بين البلدان العربية الأولى التي تقدم على إلغاء عقوبة الإعدام، ذلك أن كل المؤشرات تظهر أن الجزائر ماضية نحو هذا الإلغاء، خصوصاً وأن آخر تاريخ لتنفيذ الإعدام نفسه يعود إلى العام 1993 في حق منفذي عملية التفجير الدامي لمطار الجزائر الدولي، ورغم صدور أحكام بالعقوبة ذاتها على مدار الـ13 سنة المنقضية، إلا أنها لم تنفذ جميعها إلى اليوم، ويرى رئيس اللجنة نفسها "أن عقوبة الإعدام لم تنجح في الحد من انتشار الجريمة في مختلف الدول التي لا تزال تنفذها"، بما يعنى ضرورة إلغائها.

ويكفي اليوم، أن أكثر من نصف دول العالم ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة. وتبين آخر معلومات منظمة العفو الدولية أن 84 دولة ومنطقة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم؛ وأن 12 دولة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء الجرائم غير العادية مثل جرائم الحرب؛ كما يمكن اعتبار 24 دولة بأنها ألغت العقوبة عملياً: فهي تحتفظ بالإعدام في القانون لكنها لم تنفذ أية عمليات إعدام طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر ويُعتقد أنها تنتهج سياسة أو لديها ممارسة تقضي بعدم تنفيذ عمليات إعدام بما في ذلك الجزائر. مما يرفع مجموع الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة إلى 120 دولة. في الوقت الذي تحتفظ فيه 76 دولة ومنطقة أخرى بعقوبة الإعدام وتستخدمها، لكن عدد الدول التي تُعدم السجناء فعلاً في أي سنة بعينها أقل من ذلك بكثير. ( )

كما يطرح للنقاش تحول العالم إلى قرية صغيرة، وأن الجزائر تربطها علاقات بعدة دول كانت وقعت على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام، الذي يطرح مشاكل متعددة خصوصاً وأنه ينص على أنه لا يعدم أي شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف في هذا البروتوكول( )، على الرغم من أن قانون العقوبات الجزائري ينص على عقوبة الإعدام للجرائم التي قد يرتكبها مواطنو دول صادقت على البروتوكول نفسه، خصوصاً وأن الدول الأطراف في هذا البرتوكول، تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان. كما أن كل دولة طرف في البروتوكول نفسه تتخذ جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية.

2- رفض قاطع:

تعتقد عدة جهات حكومية أو دينية وفئة أخرى من المثقفين في الجزائر على أنه من غير الممكن إلغاء عقوبة الإعدام، ويحمل هؤلاء شعاراً عنوانه العريض يتجه إلى أن: "الإعدام ضروري في المجتمع الجزائري الذي يعاني من الارتفاع المتزايد لمعدلات الجريمة، حيث إن هذه العقوبة الصارمة تردع الآخرين عن ارتكاب جرائم مماثلة".

من جانبها تصر الأحزاب والمنظمات الإسلامية على اعتبار عقاب الموت جزءاً متكاملاً من نظام "القصاص" الذي تتفق عليه الديانات السماوية الثلاث. لكن هذه المنظمات لم تأخذ بنظر الاعتبار حقيقة كون "القصاص" قد صمم كي يضع أقصى حدود العقاب لا أدناه.

لكن الحجج المقدمة من طرف هذه الجهات، تتعارض بعض الشيء مع المبادئ العامة للديانة الإسلامية تحديداً، التي يتم الاستناد إليها في بناء هذا الرأي، فحينما تكون عقوبة الموت طرفاً في الحكم، فإنه سيتطلب اتخاذ إجراءات حذرة جداً. فالآلية التي تدفع بها الديّة لعائلة القتيل صممت لتجنيب الشخص المذنب عقوبة القتل. كما أن بعض الفقهاء يرون أنه على الرغم من أن وضع عقوبة الإعدام كأقصى إجراء، فإن تنفيذها تحدده قواعد كثيرة إلى الحد الذي يجعل ذلك من الحالات النادرة.

كما تستند بعض الجماعات الدينية في إدعائها إلى أن فكرة إلغاء عقوبة الإعدام هي جزء من أجندة غربية واسعة، تقف وراءها نخبة ليبرالية قوية هدفها الأخير هو تهميش دور الدين في المجتمع، والإسلام بشكل خاص لجعل القوانين الوضعية أكثر عدالة من القوانين السماوية.

ويعارضون السياق نفسه القول بأنه علينا تنشيط مجالات التفكير في المسائل الدينيّة ذات الصّلة بحقوق الإنسان، ودعم التوجه الداعي إلى إعادة قراءة المرجعيات الثقافية والتراثية في اتجاه خدمة قضايا الإنسانية وتأكيد حقوق الإنسان، على اعتبار أن الدين الإسلامي دين صالح لكل الأزمان والأماكن.

ويستبعدون أن يكون من الممكن وجود إحدى قضايا النقاش، وهي القيام بتجميد عقوبات الإعدام المخصصة لـ"الجرائم الكبرى"، التي يتجه إليها المحايدون، الذين يمثلون الموقف الوسط بين المؤيدين والمعارضين لفكرة إلغاء عقوبة الإعدام. فإن يصدر حكم بالإعدام ضد شخص ما بسبب أفكاره أو نشاطاته السياسية هو بالتأكيد مخالف للإسلام. إذ ليس هناك أي شيء في الإسلام يمنح الحكومة الحق بقتل خصومها المسالمين. لذا يجب أن تقوم كل الدول بإلغاء عقوبة الإعدام في حالة "الجرائم" السياسية( ).

ولعل الرأي العام للشعوب المسلمة بشكل عام "غير مهيأ" حالياً لإلغاء عقوبة الإعدام مباشرة، لكنه بالتأكيد على استعداد لمناقشتها الآن من خلال فتح الباب الواسع للنقاش وتنظيم حملات كافية لشرح المواقف وحجج الإلغاء.

"يجب أن يتمتع كل شخص بالحق في الحياة؛ وإلا فإن القاتل يكون قد حقق، من حيث لا يقصد، نصراً معنوياً عندما ينجح في جعل الدولة قاتلاً مثله، وبذلك يقلل من كراهية المجتمع للقضاء الواعي على البشر".( )

استراتيجية الإلغاء:

لم تتبن بعد أي جهة في الجزائر استراتيجية أو "خارطة طريق" تقود نحو إلغاء عقوبة الإعدام من القانون، عدا الوعود التي تتحدث عنها السلطة، وبشكل محدد، وزارة العدل التي يوجد الملف في طاولتها. وعلى الرغم من ذلك، فإن التحليل الموضوعي للقوانين والمسار الذي تنتهجه الجزائر، لا يدع في الأمر شكاً في التوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، فمنع تنفيذ العقوبة منذ سنوات يشير إلى أن هناك تردداً في إلغائها نهائياً.

وما تجدر الإشارة إليه، أن معظم التشريعات الوطنية تسير نحو تضييق مجال تقرير مثل هذا النوع من العقاب، وجعله قاصراً على نوع محدود من الجرائم تماشياً مع السياسة الجنائية العالمية الحالية، التي تقدس الحياة البشرية وكرامة الروح الإنسانية ( ).

وقد قلص المشرع من عقوبة الإعدام وألغاها في بعض الجرائم كجرائم المال المرتكبة من قبل الموظف العمومي أو من في حكمه. ومن هذا المنطلق يجب القول بأنه "ليس من الحكمة القبول بالنظرية القائلة إن عقوبة الإعدام وتطبيقها يردعان عن ارتكاب جرائم القتل بقدر أكبر قليلاً من التهديد بعقوبة السجن المؤبد التي يُفترض أنها أقل قسوة"( ).

وعلى الرغم من وجود مشروع تعديل جديد لقانون العقوبات يحد من عقوبة الإعدام ويجعلها قاصرة على بعض الجرائم، غير أن ذلك ما يزال غير مبرر خصوصاً وأن تطبيقها لا يتم، حسب ما يشير إليه المتخصصون في مجال القانون( ).

ويختصر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان الأستاذ بوجمعة عشير انتقاده لحكم الإعدام كونها أبشع عقوبة ينزلها القضاء على الفرد، ويضيف في حديثه لنا "والخطأ في الحكم لا يمكن تداركه بعد التنفيذ خاصة أن تاريخ المحاكم في العالم يقر بوجود هفوات كبرى وضحايا كثيرين"، إضافة إلى أن "الإعدام استعمل مؤخراً كوسيلة قمع سياسي"( ).

من بين جميع دول العالم، انفردت دول الجامعة العربية سنة 2002 بالاعتراض في الأمم المتحدة على مشروع قرار إلغاء عقوبة الإعدام الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل بعض المتطلعين للمطالبة بإلغاء هذه العقوبة يتراجعون عن مواقفهم. لكن المشروع الجزائري القاضي بإلغاء الإعدام، سيكون دافعاً قوياً لأن تسير على خطته كل من تونس، ولبنان، والعراق، والمغرب، ومصر.

ويروي الطبري عن ابن عباس في تفسير الآية 33 من الإسراء: "ومن ُقتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل": "أي أن لولي القتيل القتل إن شاء، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء العفو". العفو، يتضمن بالقوة إمكانية إلغاء عقوبة الإعدام التي لا تعود خاضعة لانفعالات ولي القتيل الثأرية.

إن المبادرة المشتركة بين المعهد العربي لحقوق الإنسان والرابطة الدولية للمواطنين والبرلمانيين من أجل إلغاء عقوبة الإعدام وبمساعدة لجنة المجموعات الأوروبية، سمحت بعقد ندوة علمية في تونس العاصمة يومي 14 و15 تشرين الأول 1995، حول "عقوبة الإعدام في القانون الدولي وفي التشريعات العربية"، التي دعت إلى ضرورة إلغاء كل الفصول القانونية التي تنص على الحكم بالإعدام في القضايا السياسية وقضايا الرأي والقضايا المرتبطة بحرية المعتقد. وتعزيز ضمانات المحاكمات العادلة، كوجوب إجماع جميع أعضاء هيئة المحكمة عند الحكم بالإعدام.

بالإضافة إلى وجوب بعث درجة استئنافية وتعقيبية بشكل آلي، وذلك لمراجعة القضايا التي صدرت فيها أحكام بالإعدام، وإلى إلغاء كل المحاكم الاستثنائية، وكذا تعزيز فرص اللجوء إلى العفو، ودعم استقلالية القضاء، وهو المسعى الذي يرغب في الوصول إليه قطاع العدالة في الجزائر، من خلال بعث برنامج لإصلاح منظومة العدالة. كما كانت الندوة العلمية قد دعت المشاركين إلى الانطلاق في عمليّات تثقيف وتوعية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في بلدانهم من خلال لقاءات ومناقشات خاصة على مستوى الجامعات والجمعيّات الثقافيّة.

ومن هذا المنطلق يجب التأكيد على أن بلوغ مرحلة إلغاء عقوبة الإعدام، يجب أن يكون من خلال استراتيجية تتضمن التثقيف والتوعية والمطالبة المتكررة للإسراع بإصدار القانون. كما يجب التمسك بإلغاء عقوبة الإعدام كخيار استراتيجي. خصوصاً وأن كل الجهات المختصة وعلى المستوى العالمي تؤكد بأن الفئات االمهمشة والفقيرة في المجتمع هي الأكثر تعرضاً لمخاطر هذه العقوبة أكثر من بقية الفئات، خصوصاً وأنها لا تتحصل على حقها الكافي في الدفاع أمام الجهات القضائية.

كما لا يمكن تجاهل غياب دراسات علمية متخصصة لتحديد الأسباب العميقة للجريمة في المجتمع الجزائري، ووضع الحلول الجذرية للظواهر الإجرامية، وذلك بإشراك كل المتخصصين من علماء اجتماع، علم الإجرام، علم النفس والاتصال وغيرها من الاختصاصات العملية التي تسمح بتحديد الأسباب الفعلية التي تقف وراء انتشار الجريمة.

ولهذا من الموضوعية بمكان القول بأنه علينا استبدال هذه العقوبة بالسجن المؤبد مع القيام بتقييم دوري لسلوك المجرمين داخل السجون، فإذا وجد أن هناك محكوماً عليه بالاعتقال المؤبد قد حسنت سيرته يتم تخفيض مدة عقوبته، وقد يطلق سراحه حتى قبل أن يمضي في سجنه نصف العقوبة. والواقع، أن عقوبة الإعدام وحشية ولا مبرر لوجودها، فهي لا تردع أحداً عن اقتراف الجرائم، على عكس ما يقال إنها عقوبة رادعة. فلماذا لا يكون هناك إعلان رسمي عن وجود إجماع عربي على إلغاء العقوبة، مثلما يحدث في أوربا الغربية، حيث هناك شبه إجماع بين بلدانها على إلغاء الحكم بالإعدام كما فعلت فرنسا العام 1981 ( )؟!

ويجب الاّ نبقي على الأفكار الداعية لرفض الإلغاء، بل يجب إشراك الأئمة وعلماء الدين في اللقاءات التثقيفية والحملات المنظمة في هذا الشأن، خصوصاً وأن التاريخ الإسلامي يتجه إلى العفو من خلال عدة أمثلة يستحضرها المؤرخون، فمثلاً يحق لولي الأمر، رئيس الدولة، أن يدفع دية القتيل من بيت المال ويعفو عن القاتل، كما فعل عثمان عندما رفض قتل سالم بن الخطاب في قتل أسرة أبي لؤلؤة المجوسي، قاتل أبيه. كما نجد أيضاً لدى القبائل البدائية هذا الميل إلى إلغاء عقوبة الإعدام بقتل حيوان كفأرة بدلاً من قتل القاتل. وهكذا نلاحظ خطاً متصاعداً للانتقال من الثأر الخالص إلى الدية، فالكفارة ثم العفو الذي جاء به الإسلام.

إن إلغاء هذه العقوبة "هو رفض للقتل تحت أي اسم أتى، ولأنه يأتي كعقوبة مطلقة على مسؤولية نسبية"، داعياً إلى "تجميد الإعدام مرحلياً لإلغائه لاحقاً عبر نقاش وطني". تطبيق الأسباب التخفيفية في حالات القتل. كما أن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ليست دفاعاً عن مرتكبي الجرائم، بل منعاً لمعالجة الجريمة بجريمة أقسى وأبشع منها.

وباختصار، يجب التأكيد على عدة مسائل جوهرية في إعداد استراتيجية الإلغاء وهي: دور الإعلام في التوعية الضرورية للتوصل إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وتنظيم حملة وطنية ضد هذه العقوبة، والتأكيد على أن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ليست دفاعاً عن مرتكبي الجرائم، بل منعاً لمعالجة الجريمة بجريمة أقسى وأبشع منها.

الخاتمة:

لم تعد فلسفة العقاب هي الانتقام الشخصي أو العشائري من الجاني بل أصبح هدفها إصلاح الجاني على أمل إعادة دمجه في المجتمع، لأن إعدامه يتنافى مع إصلاحه. وهكذا دخل الإعدام في تناقض مع الفلسفة التي تؤسس للعقاب الحديث.

لقد احتفل العالم يوم 10 تشرين الأول باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي يصادف تاريخ إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1786. وإن كان يهدف الاحتفال بهذا اليوم إلى تذكير العالم بأن عقوبة الإعدام والحكم بها من الممارسات المظلمة، شأنها في ذلك شأن التعذيب والرق، فإن الأمل القائم أن يحتفل العالم العربي يوماً ما بتاريخ إلغاء عقوبة الإعدام في أقرب وقت ممكن.

وأن يكون فضل إعلان اليوم العربي للانضمام إلى التكتل العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي أنشئ لمناهضة عقوبة الإعدام عام 2002 بهدف تنسيق الجهود بين المنظمات غير الحقوقية والمواطنين.

يكون الهدف من إقرار هذا اليوم العربي مناهضة عقوبة الإعدام هو دفع المجتمع المدني عبر العالم، من خلال تنظيم مبادرات محلية وندوات وموائد مستديرة وأنشطة مختلفة لتوعية الناس والدفع إلى التغيير نحو الأحسن وإلغاء العقوبة نهائياً.
"إنني أُكِنُّ تعاطفاً مع عائلات ضحايا القتل وغيره من الجرائم الأخرى، ولكنني لا أقبل أن يكون الموت مسوِّغاً للموت".( )



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن