التلفزة والخدمة العمومية (القنوات التلفزية الوطنية المغربية نموذجا)

الحسين أيت باحسين
Bahcine@gmail.com

2014 / 10 / 10

حوار مع الإعلامية رزقي هند، الصحفية بجريدة "العاصمة بوست" التي تصدر بالعاصمة الرباط، المغرب:

1 - كم من الوقت تجلس أمام شاشة التلفاز؟
في البداية ينبغي التأكيد على أن ظهور وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الجديدة قد قلصت من فترة مشاهدة التلفاز لدى الشرائح التي في وسعها استعمال تلك الوسائل الجديدة للإعلام والاتصال. إذ يمكن معها، في أي مكان وفي أي وقت، الحصول على كثير مما كان الحصول عليه متوقفا حصريا على التلفاز في أوقات معينة وفي أماكن محدودة.
لهذا فمشاهدتي للتلفاز مرتبطة بالبرامج التلفزية، التي أحرص على تتبعها، خارج أوقات التزاماتي المهنية والجمعوية؛ كما أن وقت مشاهدتي للتلفاز غير منتظم.
ولكن يمكن القول أن وقت مشاهدتي للتلفاز يتراوح، في المعدل، ساعة كل يوم.

2 - ما هي أبرز القنوات التي تروقك متابعتها؟
حينما تتوفر لي شروط مشاهدة التلفاز، أبحث؛ في مجموعة من القنوات التي أثقن اللغات التي يتم البث بها (وهي الأمازيغية والعربية والفرنسية والإنجليزية)؛ أولا عن المادة الإخبارية، وثانيا عن مشاهدة البرامج التي أحرص على تتبعها.
ومعيار اختيار البرامج ليس هو القناة نفسها، بقدر ما هو نوع المادة المقدمة ونوع المهنية والحرفية التي تشتغل به القناة، وطنية كانت أو أجنبية.

3 – هل تشاهد القنوات الوطنية؟ وكم من الوقت تخصص لها؟
نعم، أشاهد البعض منها، ولكن في إطار ما أشرت إليه سابقا: أي حسب ما أحرص على تتبعه من برامج؛ ووفق ما يتوفر لدي من وقت خارج مختلف التزاماتي وحسب نوعية المهنية والحرفية في تقديم البرامج.
وبالنسبة للمدة المخصصة لمشاهدة هذه القنوات؛ وطنية كانت أو أجنبية؛ يمكن القول، كما سبقت الإشارة إلى ذلك سابقا، تتراوح، في المعدل، ساعة كل يوم.

4 - ما هي البرامج والفقرات التي تحرص على متابعتها؟
أتابع البرامج الإخبارية والثقافية والسياسية والعلمية والترفيهية؛ وأختار، لكل نوع من البرامج، القنوات التي تتسم بالحرفية والمهنية والجدة في تقديم تلك البرامج؛ وخاصة منها التي تخصص أوقاتا محددة ومعروفة لكل نوع من أنواع هذه البرامج.

5 - ما هي أفضل قناة من وجهة نظرك؟
ليست هناك قناة مفضلة بقدر ما هنالك برامج مفضلة؛ اللهم إذا استثنينا بعض القنوات المتخصصة في مجال من المجالات، والتي تتم مشاهدتها للاطلاع على برنامج من برامجها، كما هو الشأن مثلا لقناة "ناشيونال جيوكرافيك" (National geographic).
6 – ما هي أسوأ قناة بالمقابل؟
كما أنه ليست هناك أفضل قناة، وأن كل ما هنالك هو أفضل برنامج؛ فليست هناك أيضا أسوأ قناة، بقدر ما هنالك أسوأ برنامج أو أسوأ إعداد أو أسوأ تقديم، وغير ذلك مما تتطلبه المهنية والحرفية التلفزية التقنية والفنية الجادة للقناة التلفزية.

7 - ما تقييمك لمستوى القنوات المتخصصة الوطنية، مثلا القناتين الأمازيغية، والرياضية؟
قبل الإدلاء برأيي في ما يتعلق بتقييم مستوى القنوات المتخصصة الوطنية؛ أريد أن أدلي برأيي في الحديث عن "القنوات المتخصصة الوطنية".
في رأيي هذه القنوات لا يمكن اعتبارها "متخصصة" ما دامت غير مستقلة بذاتها في تدبير ماليتها وخطها الإعلامي العام وفي تدبير مواردها البشرية وبرامجها، وتكون مسؤولة عن كل ذلك؛ وما دامت تعيد، أحيانا، بث برامج قنوات أخرى، ولا تقوم إلا بإضافة الترجمة أو الدبلجة؛ وقد لا يرافق إعادة البث هذا أي تغيير في ما أنجزته قناة أخرى.
وبصدد تقييم مستوى القناتين المشار إليهما: الأمازيغية والرياضية، أشير في البداية إلى أنني من الذين لم "يكتب القدر" على أن أبتلي بمشاهدة البرامج الرياضية إلا ناذرا جدا جدا جدا (ههههه)؛ ولهذا سأكتفي بالإدلاء برأيي حول القناة الأمازيغية (القناة الثامنة).
بداية لا يمكن إلا التنويه بالأطر الإعلامية التي تشتغل في هذه القناة؛ هذه الأطر التي تعتمد أساسا على معرفتها – الأدائية الحدسية (Savoir-faire intuitif) لكون أغلبها، إن لم أقل كلها، لم تتلق تكوينا مهنيا احترافيا وأكاديميا وتقنيا وفنيا يلائم إدماج هذا المكون الهوياتي في المؤسسة الإعلامية العصرية.
كما أن القناة غير مستقلة ماليا، ولا تتوفر على البنيات التي تؤهلها لأن تكون قناة وطنية متخصصة في المستوى المنتظر منها، ما دامت بعض برامجها ليست سوى إعادة بث برامج قنوات أخرى مع إضافة الترجمة أو الدبلجة أو ببثها دون أي تغيير. هذا بالإضافة إلى أن ظروف العاملين فيها ليست دائما في المستوى الذي يتطلبه العمل الصحفي والإعلامي في قناة يمكن وصفها ب "القناة الوطنية المتخصصة".

8 – كيف ترى تجربة القناة الثامنة (قناة تمثل الأمازيغ خصوصا بعد ترسيم هذه اللغة)، لحدود اليوم؟
بالرغم من كل ما تمت الإشارة إليه من صعوبات ومتبطات وخصاص، فإنه ينبغي التنويه بهذا الإنجاز الإعلامي كقيمة مضافة في إعلامنا الوطني؛ وهو مكسب، بدون شك، سيعمل تفعيل مختلف القوانين التنظيمية الخاصة بترسيم الأمازيغية على تطويره وتجويد خدماته مستقبلا.
وهو ملك ومكسب، ليس فقط للناطقين بالأمازيغية، بل لكل المغاربة؛ ولما لا لكل من يهتم باللغة والثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية في مختلف بقاع العالم؛ فهو تراث وإرث إنساني؛ ومن شأن ما يختزنه من ثقافة عريقة وقيم سلم وتسامح، أن يقدم قيمة مضافة للثقافة الإنسانية في عصر أصبحت فيه الحروب قائمة على صراع الحضارات والقيم، شرقا وغربا.
9 – هل تعتقد أن التلفزيون يساهم في خلق الوعي؟
نعم، بدون شك؛ لكن السؤال الذي ينبغي استحضاره، في هذا الإطار، هو أي نوع من الوعي يخلقه التلفزيون؟
تكفي الإشارة هنا إلى المشكلة الجوهرية التي تطرحها العلاقة بين التلفاز والمشاهد، وهي مشكلة ذات طابع فلسفي-أخلاقي. وتتجلى هذه المشكلة في مدى تحكم الفرد في حرية سلوكه ورأيه ووجدانه، خاصة أمام الإدمان على مشاهدة التلفاز.
لكن، في مقابل ذلك، للتلفاز أيضا جانبه الإيجابي في خلق الوعي الإيجابي، خاصة في البلدان الديمقراطية التي يعتبر فيها الإعلام بمثابة مؤسسة من بين المؤسسات التي تأخذ على عاتقها المساهمة في رفع الوعي الذي يتوخاه المجتمع لأفراده، من أجل المساهمة في التلاحم الاجتماعي ومن أجل المساهمة في التنمية المستدامة التي يشارك فيها الجميع من أجل تقدم المجتمع ورفاهيته.

10 - هل أثر التلفزيون في العمل السياسي؟
بدون شك، ما دام التلفزيون يعتبر السلطة الرابعة وما دام يخضع لتوجهات واختيارات مختلف السلط السياسية الأخرى التشريعية منها والتنفيذية.
ولكونه الوسيلة الإعلامية الأكثر جماهيرية، فإن مختلف التوجهات السياسية تعطي أهمية قصوى لتواجدها، عبر مجموعة من برامج التلفزيون، من أجل خلق الرأي الذي يخدم توجهاتها لدي الجمهور.
كما أن الدولة تحرص على الحفاظ على توجهاتها عبره، خاصة ضد ما يمكن أن يأتي من الخارج من توجهات تستهدف أمنها واستقرارها.

11- هناك من ينادي بتقديم النشرات الإخبارية بالدارجة حتى تفهمها شريحة أكبر من المجتمع، ما رأيك في ذلك؟
المشكلة، في بلدنا، ليست لا "مشكلة الأخبار بالدارجة" ولا "فهم أكبر شريحة في المجتمع". فمن الذي يستطيع أن يحدد لنا "لغة" أكبر شريحة في مجتمعنا؟
المشكلة هي مشكلة الإسراع بتحديد وظائف مختلف اللغات المتداولة في المغرب، وقبل ذلك، يتعين تفعيل القوانين التنظيمية الخاصة باللغتين الرسميتين للبلاد.
وما عدا ذلك، فمزايدات سياسوية لا نجني منها إلا تأجيل ما لا ينبغي تأجيله بعد كل ما لم نستطع حسمه، إلى الآن، بعد الاستقلال، أي ما يقرب من خمسين سنة.
في رأيي، المبدأ العام الذي لا ينبغي التراجع عنه، هو أن التعدد اللغوي والتنوع الثقافي هو سمة مجتمعنا؛ هذه السمة التي لا يمكن معها إخفاء الشمس بالغربال. وبالتالي فينبغي الأخذ بعين الاعتبار هذا التعدد اللغوي والتنوع الثقافي لمجتمعنا في تدبير أي مرفق عمومي من مرافق الدولة.
إن تدبير هذا التعدد اللغوي والتنوع الثقافي يستلزم تدبيرا إعلاميا: تدبير يأخذ، أولا، بعين الاعتبار مختلف المرجعيات الدستورية والحقوقية، كما يأخذ، ثانيا، بعين الاعتبار الوظائف اللغوية لكل نوع من أنواع البرامج التلفزية ونوعية المستهدفين.
ولن يتحقق ذلك إلا بسن سياسة إعلامية ديمقراطية تتوخى ضمان استمرار الأمن الثقافي والسلم الاجتماعي، في عصر تسود فيه، شرقا وغربا، حروب وقودها الصراعات المذهبية.
إن المبدأ الديمقراطي المنشود، هو أن يجد كل مواطن نفسه ممثلا في هذا المرفق العمومي الذي يلعب أدوارا خطيرة في الحياة اليومية للمواطن وفي تحديد التوجهات العامة للمجتمع ويضمن للمجتمع أمنه وسلمه وتلاحمه.

12 - من يستفيد من التلفزة، السلطة، أم الناس، أم أولئك الذين لهم علاقة بالإنتاج؟
إذا كان المقصود من السؤال ب"السلطة": الدولة، وب"الناس": المواطنون وب"الذين لهم علاقة بالإنتاج": شركات الإنتاج؟ وإذا كان المقصود ب "من يستفيذ من التلفزة": الاستفادة ببعديها المادي والمعنوي؟ فإن كل هؤلاء لا يمكن أن يستفيدوا من التلفزة إلا حين تستطيع هذه الأخيرة، أي التلفزة، أن تشد أنظار المشاهدين إلى القنوات التلفزية الوطنية، عوض التوجه إلى القنوات الفضائية الأجنبية هروبا من عدم المهنية والحرفية الجادة والجدية.
ومن البداهة القول بأن كلا من الدولة وشركات الإنتاج (شركات إنتاج البرامج وشركات إنتاج الإشهار) تستفيد من التلفزة، لأن هذه الأخيرة، أي التلفزة؛ باعتبارها الوسيلة الإعلامية الأكثر جماهيرية؛ تستطيع أن تحقق أهداف الدولة وأهداف شركات الإنتاج بشكل عام وسريع.
ويبقى المواطن موضع التساؤل من هذه الاستفادة، ما دام مصدر تمويل هذا المرفق العمومي ووسيلة تسويق منتوج الشركات الإنتاجية، وذلك حين لا تلبي التلفزة انتظاراته الثقافية والفنية والترفيهية والتنشئوية.

13 - هل تحقق قنواتنا الوطنية فعلا مفهوم الخدمة العمومية؟
إن تحقيق القنوات الوطنية للخدمة العمومية رهين بتلبية منتظرات كل الأطراف المستعملة لهذا الوسيط الإعلامي (التلفزة)، وخاصة منها انتظارات المواطن.
في هذا الإطار، تشير مختلف الندوات واللقاءات التي تعقد في هذا الشأن من طرف المهتمين والمختصين، إلى وجود صعوبات ومتبطات تحول دون تحقيق الخدمة العمومية المنشودة من طرف الجميع.

14 - ماذا تعرف عن دفاتر التحملات؟ هل قدمت إضافة للمشهد السمعي البصري؟
إن دفاتر التحملات وسائل جديدة في ربط العلاقة بين مختلف الأطراف الاستثمارية في مشهدنا الإعلامي. لكن جدواها لا زال دون أثر كبير في ما كان منتظرا منها. وهذا بالرغم مما تقوم به الهيئة العليا للاتصال السمعي-البصري من مراقبة وحرص على تطبيق محتويات دفاتر التحملات التي يتم التعاقد عليها بين الأطراف المعنية بهذا التعاقد.

15 - هل يؤثر الإشهار التلفزي في اختياراتك عند التسوق؟
إذا أخذنا بعين الاعتبار القدرة الشرائية لمثلي من بين المواطنين، واستحضرنا نوعية الإشهارات التلفزية التي تبثها التلفزة، وتمثلنا أيضا نوعية السلع التي يتم الإشهار لها؛ فإني لست من الذين يستجيبون لإغراءات الإشهار التلفزي في التسوق.

------------
ملحوظة: لا يسعني إلا أن أتقدم بتشكراتي الصادقة لكل من جريدة "العاصمة بوست" التي تصدر بالرباط وللإعلامية رزقي هند، الصحفية بنفس الجريدة، والتي أنجزت معي هذا الاستجواب وقامت الجريدة بنشره في جزئين:
- الأول يوم السبت – الأربعاء 04 – 08 اكتوبر 2014، عدد 302، ص.5.
- والثاني يوم الخميس 09 اكتوبر 2014، عدد 303، ص.5.
كما أشكر الإعلامية، الآنسة رزقي هند، على حرفيتها الصحفية التي أنجزت به الاستجواب المنشور في الجريدة؛ والذي نلمس فيه إبداعها في تحويل نص فاعل جمعوي إلى نص صحفي له معاييره الصحفية.
وأقترح هنا نشر النص الأصلي، الذي لا يختلف عما نشر في الجريدة إلا في بعض التفاصيل والاستطرادات والتأكيدات التي يحرص الفاعل الجمعوي على اعتمادها كأسلوب في ترافعه من أجل أن تتحقق مطالب منبره الجمعوي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن