خذيني الى موتي لزياد خداش : صعلكة قصصية على ارصفة مدينة الشعر والموت

جميل دويكات
ja-dwk@hotmail.com

2005 / 8 / 21

من منكم لم يطلع على ظاهرة الصعلكه.. أنها إفراز اقتصادي.. اجتماعي.. سياسي خرجت من رحم نظرية الحياة الجاهلية… فكانت ردأ على مظالم المجتمعات.. أو ثوره على طبيعة أنظمة الحكم القبلي.. حاولت بناء فيما جديده.
فهل زياد خداش في مجموعته.. خذيني إلى موتي.. يرد على مظلمة "الوجود" بواقع طبيعي.. واجتماعي.. ونفسي في محاولة لهدم قيم معينة.
لا شك أن الأدب يحمل كل هذا.. فأبطال زياد في مجموعة قصة تراهم يتصعلقون على أرصفة شوارع رام الله ومقاهيها.. تراهم يقتفون اثر المرأة.. ويبرزون جوانب يريد أن يبرزها في المرأة من خلال واقعة النفسي والاجتماعي والإنساني..

فالمرأة لدى زياد خداش هي أنثى.. هي ثمره.. تصرخ جمالاً.. يراها من شقها المادي لا المعنوي.. وإذا استثنينا القصتين الأوليتين " شتاء في قميص رجل" و"الطيون والجنود وأنا" نجد أن المرأة فاكهه يريد ان يأكلها.. ففي قصة بعينين باردتين نرى أنه في أحلك الظروف يمارس الحب مع صديقته على ظهر مكتب مدير المؤسسة.. كما يفعل مديره تماماً يقول.."طالما تحسست قطراته حين كنت أتى مبكراً.. أفتحه… أنتظر قدومه.. كنت امسح قطراته بمحارم ورقيه.. وانظف آثار متعته الهرمة".
أما قصة (جنون القمر) فهي صوره للمرأة التي تتربى وفق منظومة من القيم الذكورية الفلسطينية، والتي تمارسها النساء.. ثم تتحرر دفعه واحده.. فيحدث ذلك الصدع الكبير بين الفكر.. والسلوك.. بين منظومة القيم وبين ما يلح عليك من عرائر يقول على لسان الفتاه…
(لا أحداً يسمع أحداً.. كل دائح بسجنه ومصيره… يدان لا تعرفهما حول السُرة… الدبابة حول بيتها الشاب حول موته.. تتحرك اليدان الغريبان بانخطاف مروع تجاه الشعر المختفي البنفسجي.. ذلك الاله المخذول المعذب من حضارات عديدة.. بطرف الاصبع يتحرك سكران ومذعوراً رأس المهره المبلوله.. ينفجر صياح ما.. يطلق الشاب شهقته الأولى).
أما نظرة المرأة في عيون إبطاله فتمثلها قصة (خذيني إلى موتي).. (وانت ما زلت موجودة بنهديك الهائلين.. وبرائتك المدهشه.. كانت واقفة أمامه كأنهاتنتهيأ لاستسلام أو انقضاض.. وكان هو جالساً ينظر إلى نهديها وهما يلهثان تحت ستيانتها الأرجوانية.. انفجر لهاث العالم في جوفه وراح يمزق قميص نومها الأزرق).
حتى أبطاله قصصه فأنهم أقرب إلى الصعاليك، فنجد الطالب المطارد.. ونجد عامل القرن.. والفراش.. وطفل المخيم الشقي.. أن أبطاله غالباً من الصعاليك حتى نفسه "زياد" الذي كثيراً ما يطرحه في قصصه بصور نفسه صعلوكاً.. يهرب من كل الأشياء يثور على الواقع المر.. من الاحتلال.. والمجتمع.. وغرائز تلح عليه.. فنراه يتجول في المقاهي والحواري.. والأرصفة..
لقد رسم لنا زياد خداش في مجموعته القصصية مشاهد إنسانيه مستخدماً "الفنتازيا" حيث الضحك يجري انهاراً ويجتاح المدينة، ثم رؤية الناس عراه في الميدان الرئيسي في رام الله.. فذاك يحمل كرشاً كالبطيخة، وهذه لها فخذان ابيضان مكسوان بشعر خفيف.. مؤخرة المرأة التي تسيل عرقاً.. كتف العجوز المليء بالندب، أن زياد يريد أن يرى الحقيقة الإنسانية عاريه دون محملات أوكماليات أما من حيث نصوصه فنرى إنها تثير الأسئلة ولا تجيب عليها. فيريد أن يشرك القارئ في مفهومه الفكري والوجودي- ولا يريد أن يعطي القارئ مسلمات يفرضها عليه فرضاً...
أن قصة "حكاية المرأه التي هربت ذات خريف" مثال للفنتازيا من جهه حيث البطل الذي هو الراوي والذي هو زياد خداش القاص قد حاور النبعة.. حيث تحدث بلسان النبعة بمجموعه من المفردات.. هذه المفردات تمثل نصاً يختلف باختلاف المتلقين.. أن النهايات المفتوحة هي احترام العقلية المتلفي.. وهذا يتساوق مع المسرح الملحمي الذي إبدعة "برنجت" والذي يطرح اسئلة عن طريق لوحاته المسرحيه.. ثم يترك للمشاهد حرية اختبار الهابات..
وقد ختم مداخلته بالحديث عن اللغة: لعل زياد خداش من أكثر كتاب القصه القصيره على مستوى الوطن – الذين يتقنون لعبة اللغة.. فاللغة شفافه... جميلة.. لها ايقاع جميل في النفس.. حتى وهو يخرج أسوأ اللوحات البشرية.. لقد أمتلك ناصية اللغة.. فهي لغة وسطية بين الفصحة والعامية.. لغة يفهمها كل الناس فهي تصل إلى أكتاف الشعر.. وحواف الموسيقي.. لغة يتداخل فيها الشخصي والموضوعي.. لغة نزقة تشف عن قراءه جادة في الشعر.. عصرية متحضرة واقعية يستخدم الإيحاء ويبتعد عن المباشرة.. أنظر ص (80).
(اكتبني صوت ارتطام نسر مع عماء عاصفة، مسافة متغطرسة بين نشيد سقوط وانتخاب أرض يابسة،اكتبني رجلاً مبعثراً بين السراب والخراب، محظوراً من ذكرة الضوء).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن