الشراكة الفلسطينية في خطر، وحماس تنقلب عليها؟؟؟

خالد ممدوح العزي
Dr_izzi2007@hotmail.com

2014 / 9 / 25

السلطة الفلسطينية: المشاكل الثانوية والمصالح الضيقة فوق المصالح الوطنية ...

لم يكن موقف الرئيس ابو مازن" محمود عباس" المهدد لحركة حماس بإنهاء الشراكة معها، زوبعه في فنجان . فالعلاقة أصبحت حرجة جداً لقد تفجر الخلاف بين الحركة والرئيس محمد عباس مؤخراً بعد ان تصالحا في "نيسان /ابريل الماضي واختلافا في أيلول /سبتمبر "الحالي.
لقد تم الاتفاق بين الطرفين على إنهاء الخلافات وتشكيل حكومة اتفاق وطني تنهي الهوة بين الأشقاء المتخاصمين لمصلحة الشعب والقضية ، مما ساعد على وضع اتفاق القاهرة في "نيسان "الماضي والذي يعتبر الخطوة الإيجابية بظل المتغيرات التي تفرض نفسها على العالم العربي والتي وضعت القضية الفلسطينية في المرتبة الثانية.
اطلق الرئيس عباس بتاريخ 7 أيلول الحالي موقفا نقديا حادا لحركة حماس يحمل فيه مسؤولية العرقلة في تنفيذ اتفاق بنود المصالحة ، مهددا أيها بإنهاء عقد الشراكة معها، بحال استمرت الاخيرة في التعطيل والهروب الى الامام لحل مشاكلها المتراكمة ، والتي تحاول فرضها على الشعب الفلسطيني والاختباء وراءها.
تحاول الحركة منذ فترة ان تفرض أمرا واقعا من خلال ابقاء سيطرتها على قطاع غزة للتعويض عن الخسارة التي لحقت بهيكليتها التنظيمية مؤخراً، وتحديدا بعد الحرب الاخيرة على غزة ، وانهيار سيطرة الاخوان في العديد من دول المنطقة.
فالإصرار على دفع الرواتب من قبلها للموظفين والاختباء وراء مشكلة ثانوية تربطتها بمسيرة الشراكة ، يعني هذا بكل بساطة الالتفاف على الاتفاق وأخذه الى حيث هي تريد. فالحركة منذ بداية الاتفاق كانت تحاول ابقاء القطاع بيدها وتحميل السلطة المسؤولية المالية.
فالمشكلة التي تحاول حركة حماس التحرك من خلالها هي إجبار السلطة الفلسطينية على تأمين ميزانية مالية لرواتب موظفيها في غزة والبالغ عددهم حوالي ستون الف موظف تم تعينهم من قبل سلطة حماس اثناء السيطرة على القطاع او انقلاب عام 2007.
وبالرغم من اتفاق القاهرة بين (حركة حماس وحركة فتح ) لم يتضمن هذا الاتفاق اي بند ينص على ان السلطة تتولى دفع مرتبات العاملين او الموظفين فيها . وبحسب رأي عزام الأحمد الذي وقع على اتفاق الشراكة بين الحركتين يقول :"لقد تم تشكيل لجنة من وزارة المالية والعدل وديوان المحاسبة مهمتها دراسة الحالات المختلفة، ووضع تقرير خاص بهذه المشكلة، ينفذ نصوصه بعد خمسة شهور لكي يتم حل هذه المشكلة والعمل على تأمين ميزانية مالية لتسوية أوضاع الجميع بعد ان تدمج الوزارات كلها في القطاع والضفة،ولكننا لا نعرف لماذا هذا الاصرار اليوم على دفع الرواتب .
تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية بعد المصالحة بسب الحصار الاسرائيلي المفروض على أموالها المحجوزة في بنوك الاحتلال وكذلك تهديد الدول الغربية بعدم دفع أية مساعدات للسلطة بحال غياب سيطرة الحكومة الفلسطينية على المشهد السياسي العام في غزة ، وعدم سيطرتها على مفاصل الخدمات العامة والحياتية .
مما لا شك فيه بان" ابو مازن " ذهب بالمصالحة بعيدا بالرغم من التهديد الامريكي والغربي والإسرائيلي والنصيحة له بعدم السير في مشروع المصالحة مع حركة حماس لكن ابو مازن تحدى الجميع مفضلا مصلحة الشعب والقضية الفلسطينية على الجميع بعد ان نال الانقسام من كل شرائح المجتمع الفلسطيني والذي سيطر عليه الانقسام العامودي والأفقي.
ولابد من التذكير هنا بموقف رئيس الوزراء الاسرائيلي" بنيامين نتانياهو " عندما وضع ابو مازن بين خيارين :"اما المصالحة مع حماس او الاستمرار بالمفاوضات معه" ، لكن ابو مازن اختار المصالحة، اختار الوحدة الفلسطينية، اختار فلسطين لكي يعيد الحياة من جديد الى القضية الفلسطينية والشعب بالرغم من كل الضغوط السياسية والاقتصادية التي وضعت أمامه .
الوحدة بنظر حماس هي ابقاء سيطرتها غير المباشرة على قطاع غزة بغطاء السلطة نظرا لمشاكل حركة الاخوان المسلمين التي تعانيه الاخيرة من حصار عربي ودولي وحركة حماس هي جزء من الحركة الام، فالاستقالة الشكلية لحكومة حماس لم تتوج بخطوات عملية في اعادة الهيكلة والدمج كما ينص اتفاق القاهرة للشراكة الوطنية، وهذا الوضع قد دفع الرئيس محمود عباس القول في تصريحه:" في غزة حكومة ظل من خلال سيطرة 27 وكيل وزارة اي 27( مدير عام).
حماس تريد من السلطة تأمين أموال لموظفيها وعناصرها التي فرضتهم في السلطة وخاصة بعد شح الأموال في القطاع وتشديد الحصار على مصادر أموال الحركة الخارجية ،وخاصة بان حماس تعاني من حصار سياسي واقتصادي ودبلوماسي لم تستفيد من اجواء الحرب الاخيرة واستثمارها في إطار الوحدة الوطنية الحامية لها،وبحسب التقارير الاقتصادية "حماس تحتاج شهريا الى 500 مليون دولار لتغطية نفقاتها المالية والتي تصر على ان السلطة مسئولة عن تأمين هذه المبالغ التي تعجز حماس عن تأمينها حاليا.
حماس تمنع دخول رئيس الوزراء" د. رامي الحمدالله" الى غزة اذا لم يؤمن أموال الموظفين في القطاع ،وحماس تعترض طريق وزير الصحة دكتور "جواد عواد "من خلال مجموعة من الشباب الذين تعرضوا له عند معبر رفح اثناء توجهه الى غزة خلال فترة الحرب الاخيرة، مما دفع بالأهالي للوقوف بوجه هذه المجموعةّ ،وتعيق عمله كدكتور ووزير للصحة في مشفى الأمل في غزة اثناء الحرب مما اجبره للعودة الى رام الله .
فالقضية الثانوية أصبحت لحركة حماس هي الاساسية والمركزية ،فالحرب الاخيرة لم تمسح غبار وخلافات الماضي وتعزز الوحدة من خلال الألم والمآسي الفلسطينية التي عززها الشعب الفلسطيني بصموده ، و أجبرت العدو على التراجع لصالح انتصارات الشعب الصامد ، لكن حركة حماس المأزومة كانت تحاول استثمار الحرب لصالحها والخروج منها بانتصار الهي لكن التضامن الفلسطيني في الحرب أفقدها هذا النصر وتضامن الحلفاء معها لم يستطيعوا تعويم دورها مجددا كوكيل حصري للحرب والسلم كما كانت الحالة في المرات السابقة بالرغم من إطالة عمر الحرب لكنها وافقت على المبادرة المصرية كأي فصيل فلسطيني اخر .
وبظل هذا العرض ترى حركة حماس نفسها في حالة حصار مجددا بعد هذه الحرب التي أفقدتها سيطرتها على المعابر والإنفاق ذات التجارة الضخمة والعائدات المالية ،التي كانت ترتكز عليها ثروة حماس وقيادتها الى جانب الدعم الخارجي المحاصر.
فالفشل الذي فرض على حماس سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا وتراجع في عائداتها المالية يفرض عليها الخروج من اتفاق الشراكة الوطنية وإبقاء سيطرتها على القطاع من خلال خلق خلافات مع السلطة وخاصة في الجانب المالي الذي يشد قدراتها مع مناصريها الذين تتطابق حقوقهم مع مشاريعها.
طبعا الازمة بالأساس مع السلطة أزمة ثقة وعلاقة غير جدية تحاول حماس وضع كل العراقيل التي تفشل دور السلطة القادم والذي سيكون ملف اعمار القطاع من اهم المشاكل التي ستضع الوحدة امام امتحان ،فمثلا منذ بداية حرب غزة التي شنتها اسرائيل ضد الحركة والحركة تقول بان عملية خطف المستوطنين، ليس للحركة أية علاقة بها ،وهذا الحديث اعتمده الرئيس ابو مازن في كل المحافل الدولية وفي زيارته الى امريكا ، لكن أسلوب المراوغة والنفي والتذاكي لدى حماس يدل على عدم الثقة والجدية مع السلطة ،بالوقت الذي كان العديد من القيادات الحمساوية كانت تعلن مسؤوليتها عن العملية.
فان رصاصة الرحمة الذي إطلاقها الرئيس ابو مازن على تصرفات حركة حماس بمثابة الانذار الاخير والذي يضع الحكومة الوطنية امام حائط مسدود ، وربما تصرفات حماس نتيجة خوف الحركة من مستقبل غير واعد ، والخوف من إقصائها شعبيا بحال تمت انتخابات شعبية برلمانية في غزة ، فالميزان لن يميل باتجاهها من جديد ، وهذا ما تعرفه حركة حماس جيدا ،وغزة لن تكون من نصيبها بل من نصيب التطرف الديني الذي سيكون أمرا واقعا نتيجة اعمال وتصرفات حماس.
لذلك حماس تمارس التعطيل والتضليل من خلال التلاعب بأمور عامة وحياتيه محاولة استعطاف الشعب الفلسطيني الذي يعيش المأساة، والمعاناة ، وخصوصا اليوم بعد انتهاء الحرب وظهور المشاكل ،وبظل انتشار لون الموت ، والتدمير ، وبقاء الحصار على غزة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستبقى حماس متمسكة بموقفها:" لا حل قبل صرف مرتبات ألموظفين من اجل حل مشكلة خاصة تعاني منها الحركة في محاولة للهروب الى الامام وتصدير مشاكل الى الجوار ، لان مشكلة فض الشراكة هي أزمة فعلية سوف تعرض الشعب الفلسطيني كله لازمة بالوقت التي لا تزال حركة حماس بحاجة الى الوحدة الوطنية للخروج من الازمة التي تفرض نفسها عليها .فالحركة بحاجة اليوم للوحدة اكثر من اي وقت مضى (فتح المعابر ، تأمين الأموال ، تأمين الأمن ،تنسيق العلاقات مع اسرائيل ، رعاية الهدنة والعمل على بحث بنود اخرى من اتفاق الهدنة ، عقد مؤتمر للمانحين لمساعدة اهل غزة) ، فكل هذه المسال لا يمكن ان تتم دون وجود السلطة الفلسطينية لان الجميع يسر على وجود سلطة شرعية وقوية منتشرة في غزة ففي العام 2009 اثناء الحرب الثانية، عقد في شرم الشيخ في مصر اجتماع للدول المانحة ، والتي أقرت منحة لغزة بحوالي خمس مليارات "دولار"، ولكن هذه المساعدات لم ترسل الى السلطة بسبب عدم وجود سلطة شرعية في غزة ، فهل تكرر حماس نفس الحالة ،وتعطل المنحة التي ستعطى لغزة مجددا بسبب تسلطها على السلطة.
وبالرغم من رؤية حماس للمصالحة الاضطرارية التي ذهبت اليها والتي لا ترى فيها إلا تكريسا لسلطتها على غزة عبر حكومة الظل كحل لمشكلتها المالية المتفاقمة إلا ان هناك مسؤولية رسمية اولا ووطنية وإنسانية تقع على عاتق السلطة الفلسطينية بإيجاد حلول سريعة لمشكلة الموظفين في غزة بعيدا عن انتمائهم الحزبية ومن ساهم بتوظيفهم في السلطة .
دكتور خالد ممدوح العزي .
كاتب اعلامي وباحث بالعلاقات الدولية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن