شياطين واشنطن وملائكة الجحيم

جاك جوزيف أوسي
jackaussi@hotmail.com

2014 / 9 / 24

أدركت واشنطن باكراً أنها بحاجة إلى عقيدة ونموذج وتحالف قوي، إن أرادت أن تنتصر على الاتحاد السوفيتي الذي أضحى القوى العظمى الثانية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. فكان الحلم الأمريكي هو النموذج الذي بشّرت به هوليود شعوب العالم والذي داعب أحلام ومخيّلة أفراد كثر، ووجدت في العقيدة الدينية المقابل للمبادئ الماركسية اللينينية. وكانت فكرة إقامة التحالفات والمنظمات الدفاعية بهدف تطويق موسكو بالقواعد العسكرية، كي تمنعها من التمدد باتجاه المياه الدافئة ومنطقة الشرق الأوسط ووسط أوربا.
وفي هذه الأثناء أدركت واشنطن أهمية منطقة الشرق الأوسط بسبب سيطرتها على طرق التجارة العالمية، وللثروات الموجودة في باطنها والتي تشكل الاحتياط الاستراتيجي للاقتصاد العالمي. وقررت أن هذه المنطقة يجب أن تكون دائرة في فلكها ومحكومة بأنظمة تُدين بالسمع والطاعة لها.
هذا التزاوج بين العقيدة والنموذج إضافة إلى التحالف القوي اُستخدم في مناطق كثيرة حول العالم وفي أوقات مختلفة. بدءاً من الحرب الكورية مروراً بمحاولة تفكيك حلف وارسو ومكافحة النفوذ الشيوعي في أوربا، وقد كان للكنيسة الكاثوليكية دور بارز في ذلك، وصولاً إلى حرب أفغانستان، حيث تمّ تجنيد الألوف من الشباب المحبط في مختلف البلاد الإسلامية وإرساله إلى القتال هناك بحجة محاربة الكفار الشيوعيين، وانتهاءً بالحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول 2001 التي أدت إلى احتلال أفغانستان وتدمير العراق وإعادته إلى القرون الوسطى.
خلال هذه الفترة أدركت واشنطن أن الحلم الأمريكي غير قابل للتسويق في الشرق الأوسط، فرأت أنها بإمكانها استخدام الإسلام السياسي، كعقيدة، لأنه لا يتعارض مع فلسفة السوق النيو ليبرالية التي تبشّر بها، وتُداعب حلمه بإعادة إحياء دولة الخلافة بعد أن تمكنت بواسطة عُملائها من إعادة إنتاج الفكر الإسلامي ليداعب الغرائز ويعمل على الفتك بأرواح شعوب المنطقة وعقولها. وبهذه الطريقة تكون واشنطن قد خلقت وحشاً بشرياً يُقاتل بالنيابة عنها أعداءها، وعندما يحين الوقت تُظهره للعالم أجمع عدواً للإنسانية جمعاء.
استخدام واشنطن للإسلام السياسي والفكر الرجعي الذي كان يحكم بعض دول المنطقة لم يأتِ عن عبث. فقد تمكنت بواسطته من ضرب حركة التحرر والمد اليساري في آسيا وإفريقيا (نموذج نادي سفاري)، وخلخلت بنيان الدولة الوطنية في المنطقة عن طريق زرع بذور الفتنة الطائفية في بعضها وتحريك النزعات القومية والعرقية في بعضها الآخر، بواسطة عُملائها الذين زرعتهم في بعض مراكز صنع القرار في تلك الدول.
الفتنة الطائفية والنزاعات القومية والعرقية، إضافة إلى عملية القتل الممنهجة للحياة السياسية في المنطقة، جعلت الدين والمذهب والطائفة أو العشيرة والقومية هي الملجأ الوحيد لسكان المنطقة والهوية الأساسية المعبرة عنه، ما يُسّرع من تفتيت المنطقة إلى دويلات نتيجة الصراعات التي ستنشب بينها ويجعل من السيطرة على الكيانات التي ستنشأ سهلة، وبوسائل قليلة التكلفة، ويُظهر واشنطن، في الوقت نفسه، حامية للقيم الإنسانية والسلم الدولي عندما يحين وقت التدخّل، مع حلفائها، لوقف سفك الدماء في هذه المنطقة (كما حدث في يوغسلافيا سابقاً).
استخدام الإسلام السياسي في المنطقة أدى إلى عرقلة مسيرة شعوبها نحو العدالة والحرية والكرامة والتحرر الكامل من نير الاستعمار والإمبريالية وأدواتهم من القوى الرجعية. فقد حُرف الصراع العربي - الإسرائيلي إلى صراع إسلامي - إسرائيلي، فأخرجوا الأقليات من الصراع وهمّشوها، واستخدموا القضية الفلسطينية مطيّة لتحقيق أهدافهم بالسيطرة على دول معينة. وضُربت حركة التنمية في المنطقة نتيجة تحويل الصراع ضد قوى الاستغلال والرجعية إلى صراع ضد الدين، واعتبروا أن الأفكار القومية واليسارية تعادي الدين وتعمل على هدمه. وحاولوا القضاء على الحركة الفكرية والإبداعية فيها بجعل سكانها ينشغلون بسفاسف الأمور (كطقوس الطهارة من الجنابة ودخول الحمام).
وهكذا فإن الولايات المتحدة باستخدامها للإسلام السياسي بوجهيه (العثمانيون الجدد - الوهابية) أدخلت المنطقة في صراع طائفي - قومي مدمر، يحاول كل طرف إلغاء مخالفه عن طريق الإبادة، كما نشاهد في ليبيا وسورية والعراق. ذلك أن لكل من الطرفين طموحات وأهدافاً لا تتحقق إلا بإعادة رسم الخريطة الجغرافية والبشرية والدينية في المنطقة. وهذا الصراع يخدم مصالح صناع القرار في واشنطن، لأنه يعفيهم من القضاء على الوحوش البشرية التي صنعوها بعد أن تكون قد أدت خدمتها لهم، ويُظهرها كالمخلّص في عيون فئات كثيرة من أبناء الشرق.
إن سياسة البيت الأبيض في الشرق الأوسط التي أعادته إلى عصور الظلام، وأدت إلى انتشار العنف الأعمى بين سكانه وجعلت الحقد ضد الآخر يتصاعد بين جميع أطيافه، دفعت إبليس للتساؤل عما إن كان هناك شيطانٌ آخر يجلس في واشنطن يفوقه في القدرة ويعمل من غير علمه!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن