سهرة مع..محافظ النجف

قاسم حسين صالح
qassimsalihy@yahoo.com

2014 / 9 / 24


كنت شاركت بالمؤتمر السنوي الذي اقامه بيت الحكمة بالتعاون مع اتحاد الأدباء والكتّاب في النجف (17/9/2014).وبعد انتهاء الجلسة الاولى التي تضمنت بحثنا عن واقع الابداع وحال المبدعين في العراق،التقيت في الاستراحة بالمحافظ الاستاذ عدنان الزرفي.
لم اكن اعرف الرجل معرفة شخصية.وكان فاتحة الحديث تعليق منه على البحث الذي قدمته،ثم تفرع ليشمل نشاطات اتحاد ادباء النجف..والثقافة.وهنا بدأت انصت اليه جيدا،ذلك ان لديّ تجربة من لقاءات مع رؤساء مجلس الحكم ومسؤولين كبار،ان شغلهم الشاغل هو السياسة،وانهم في داخلهم لا يحبون صنفين من الناس:علماء النفس والاجتماع ،والمثقفين..لأنهم يقولون الحقيقة فيما سيكولوجيا السلطة في العراق عودت الحاكم ان يحيط نفسه بمستشارين وحواريين يقولون له ما يحب ان يسمعه.
وجدت في الرجل مثقفا وله رؤية حضارية في السياسة وفنون مبتكرة في ادارة شؤون الناس ما اعتاد عليها الحاكم العراقي،جعلني ابادره بطلب غريب نوعما..قلت له:ان لي موقفا من الحكومة هو..ان اكون بعيدا عنها بمسافة انعدام الرؤية..لكنني وجدت فيك رجل دولة فاجأني بما يغريني ان اعرفك اكثر..فما رأيك ان ادعوك الى سهرة تخرجك من عالمك السياسي ومتاعبك اليومية وتريحك نفسيا؟.ابتسم وقال:يسعدني ذلك..والتفت الى الشاعر فارس حرّام رئيس الاتحاد لترتيب اللقاء.
كان الموعد مساء الخميس 18/9 في مقهى شعبي ضم رئيس الاتحاد العام لادباء العراق الأخ فاضل ثامر،وفارس حرّام رئيس اتحاد ادباء النجف ونائبه دكتور باقر الكرباسي،وعضوي الهيئة الادارية احمد الموسوي وعلى العبودي.وكان لي غرض آخر من اللقاء هو تعميق العلاقة بينه واتحاد الادباء..اعني تجسير العلاقة بين السياسة والثقافة..حيث حقيقتها في العراق انهما جبلان لا يلتقيان..اعني رجل السياسة والمثقف الحقيقي وليس مثقف السلطة.وجاء السيد المحافظ في الساعة العاشرة مساءا..وبدأنا السهرة الى الساعة الثانية بعد منتصف الليل..ومن الآن سنتخلى عن الألقاب وادعوه الأخ عدنان.
وجدت في الأخ (عدنان) انه يحظى بشعبية في النجف،وهذه معادلة صعبة ان يحظى حاكم يمتلك عقلية حضارية بشعبية في اصعب مدينة عراقية.ذلك ان النجف تحديدا مدينة تستقطب قوى دينية وسياسية بامكانها ان تسقط حاكمها بفتوى او بتسقيط سياسي..لكنه نجح ليس فقط في الحصول على رضا او مقبولية القوى الدينية ،بل واسكات من تحاول النيل منه..بما فيها كتل سياسية شيعية قوية..فكيف استطاع تحقيق هذا في اصعب محافظة في العراق؟
اذا استثنينا ان عدنان..شاب وابن مدينة النجف،فان هنالك ثلاثة اسباب لنجاحه:
الاول:شعبي..بان جعل نفسه (واحدا من الناس)..بكسره حاجز الاستعلاء وازالة الخوف والرهبة من الحاكم الذي اعتاد عندنا ان يكون حبيس مكتبه لا يصله المظلوم الا بشق الأنفس..فيما محافظ النجف(عدنان) كان مكتبه الشارع..يلتقي فيه بالناس وجها لوجه دون وسيط.ولأنه صار منهم ،يجلس معهم في مقاهيهم ويأكل في مطاعمهم الشعبية فانهم كانوا ينادونه (ابو جعفر او الحجّي).وبهذا الاسلوب حقق حالة محبة نفسية واجتماعية جعلت مواطنيه يعدون(حاكمهم) واحدا منهم.
الثاني:ذكاء استراتيجي.يمتلك الأخ عدنان عقلا استراتيجيا في المجالين..السياسي والشعبي. فمع انه انتمى لحزب الدعوة مبكرا،وبقى فيه ما يزيد على عشرين سنة الا انه وجد في اداء الحزب سلبيات دفعته الى ان يشكل كتلة سياسية اسماها (حركة الوفاء العراقية)..ما يعني انه يخطط بذكاء الى ان يكون رجل دولة مميزا،معززا ذلك باستهدافه الشباب والاطفال وبث افكارا واساليب سلوكية حضارية في تعاملهم مع الآخرين.ومن جميل مبتكراته انه حين يدخل صفا مدرسيا او قاعة محاضرة جامعية فان اول شيء يفعله هو كتابة رقم هاتفه على اللوحة لمن يحتاجه.ومع ان ذوي النوايا الخبيثة عدّوا تصرفه هذا محاولة لتكوين علاقات مع البنات (سيما وأنه شاب وسيم ويعيش ببيته لوحده)،فانه استمر حتى اوصل الطالبات الطلب من ابائهن الاتصال بالمحافظ حين يواجهن مشكلة تحتاج ان يتدخل فيها،واستطاع بمعرفته سيكولوجية الفرد النجفي ان يقنع الآباء والامهات بصواب تصرفه.
والاخ عدنان حريص على ان يحضر حفلات التخرج للطلبة في اجواء تشيع فيها الموسيقى والغناء اللذان يعدّان محرمان وفقا لمراكز قوى دينية نجفية.وأنه يهدي كل طالب وطالبة جهاز اتصال حديث (موبايل،آي باد...)..ويحرص على ان يلتقي بالشباب..ويرتدي التراكسوت ويلعب معهم..فضلا عن انه استطاع ان يكسب الاعلاميين في مدينة تجيد فن النقد ولدى بعضهم شهية لقضم سمعة الآخر.
الثالث:وعي امني.استطاع الأخ عدنان تحقيق الامن بمحافظة النجف.فحين عدنا من مقهى بالكوفة الى الفندق بالنجف بعد الساعة الثانية ليلا،كان الشارع آمنا والحركة مستمرة،ولم نتوقف الا ثوان امام سيطرة كانت هي الوحيدة على امتداد الطريق.
والمدهش انه يمتلك حسا استخباراتيا في متابعته لحالات الجريمة بنفسه،وانه يمتلك نباهة سيكولوجية في تحليله لدوافع الجريمة،اليكم واحدة من التي حكاها لنا.
اتصل به احدهم وابلغه ان ابنته البالغة من العمر (15) سنة قد اختطفت..فجاءه الى بيته،وطلب منه ان يسمح له بالدخول الى غرفتها..واخذ يقلّب دفاترها فوجد فيها ما يوحي انها في حالة حب..واستنتج بان الفتاة لم تخطف بل انها هربت مع او الى حبيبها.وحدث ان عادت الفتاة بعد يومين..فعاد ثانية الى البيت واختلى بالفتاة..وبعد ان طمأنها نفسيا وأنه لن يكشف سرّها،قالت له الحقيقة التي تبدو غريبة..انها مغرمة ببطل المسلسل التركي (مراد علم دار!) وانها قررت المغادرة الى تركيا للألتقاء به،فتوجهت نحو كركوك،ولأنها لم تستطع فقد عادت.
قد تبدو هذه الحالة صعبة التصديق،لكنها واردة وتدخل ضمن اضطراب (وهم العشق)..اذ تدخل الفتاة بعلاقة عشق وهمي مع ممثل او مطرب يحظى بالشهرة والوسامة والرومانسية..وكنت قد خبرت حالة مماثلة.ففي التسعينيات كنت اعد البرنامج الدرامي الاذاعي (حذار من اليأس) ووصلتني رسالة من فتاة مغرمة بالمطرب سعدون جابر،وانها صدمت حين علمت انه سيتزوج وانها تعد ذلك خيانة من طرفه،اذ ان جنون العشق هذا يجعل الفتاة ترتبط بعلاقة يوصلها الى الحالة التي ان قال فيها المطرب الذي تعشقه يقول في اغانيه (حبيبتي) بانه يقصدها هي فتجيبه (حبيبي)وتدخل معه في حوار..تعاتبه وتواسيه والدمع في عينيها.ومع انني كنت نصحتها وفسرت لها حقيقة ما يجري بعد تقديم حالتها في دراما،فانها ارسلت لي رسالة تقول فيها( كلامك طب بهاي الاذن وطلع من الثانية،وارجوك تجي انت وسعدون جابر وراح ننتظركم آني وامي! )،وحددت المكان والزمان.ما يعني توكيدا للحالة التي ذكرها الأخ عدنان.
مطار النجف
لأن مدينة النجف صارت منفتحة على العالم الخارجي،ولأن (المطار) يشكل الانطباع عنها عند القادم اليها،فانني نقلت اليه اساليب التعامل المتخلفة في مطار النجف.فبعد ان تملأ استمارة معلومات يواجهك رجل امن وضابط شرطة يدققان جواز سفرك،وتتوجه الى ان تأخذ مكانك في طابور تدقيق الجوازات.وحصل ان الضابط الذي يمنحك اذن الدخول كان يخرج بعد كل ثلاثة او اربعة مسافرين ويدخل رجل مخابرات يدقق في الحاسوب،ثم يعود الضابط(كي لا يرى كلمة السر)..ما يجعلك تستنتج :اما ان ربع المسافرين مشبوهون او ان برنامج الحاسوب فيه خلل.والأكثر استغرابا انك تواجه ثالثة ضابط شرطة ورجل امن!.ومع ان جواز السفر وثيقة عالمية فان رجل الامن سألني:شتشتغل حضرتك؟ قلت استاذ جامعي،اجاب:ممكن اشوف هويتك؟!!
كانت لديّ رغبة في ان اقبّله وجدتها ايضا في تعابير وجهه..قلت له (هذه قبلة خالصة فانا لا مصلحة لديّ عندك)..تبادلناها..متمنيا له الموفقية في ان يجعل النجف مدينة حضارية تليق بقدسيتها وسمعتها على صعيد العالم.
اخيرا.
صحيح ان لكل حاكم سلبياته،الا انني لا اعرف سلبيات السيد عدنان ،محافظ النجف،بقدر ما عرفت انه يشكل مع محافظ ميسان (علي دواي) انموذجين استثنائيين لخدمة العراق واهله.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن