كفا...تعال نتفاهم يا صديقي...

غسان صابور
ghassansabour33@hotmail.com

2014 / 9 / 3

كــفــا... تعال نتفاهم يا صديقي...
كلمة إلى صديق قديم.. غاب عني.
قابلت هذا الصباح, صديقا سوريا قديما, أحترمه صادقا, وهو يحبني ويحترمني... ولكن الأزمة السورية, وخلافاتها المتعددة الوجوه.. فـرقتنا.
هذا الإنسان الرفيع التهذيب والذي يعيش ويعمل بهذا البلد من سنوات طويلة, بكل نجاح وجهد واتزان.. وهو من اللامعين بمهنته وطيب صيت أعماله... بالإضافة أنه غير ملتزم بأي اتجاه عقائدي هناك أو هنا. ولكنه اتجه وهذا خياره منذ بداية الأزمة السورية, إلى ما سميته.. معارضة حيادية. فهمتها.. لأنه ابتعد عني.. ابتعد عني لأنه لم يقبل كتاباتي التي لا تتفق ولم تتفق على الاطلاق مع تطورات تشكيلات هذه المعارضات الهيتروكليتية التي أجهل منشأها واختلاط أفكارها وتغيراتها.. ولم أفهم بأي يوم تطوراتها واتفاقاتها وأسباب اختلاطات وخربطات خلافاتها واتجاهات سياساتها الإسلامية.. حتى هذا اليوم .. وخاصة بتمسكها بخلافات تاريخية ـ دينية بعد خمسة عشر قرن من بدايتها المزعومة.. والتي آن لها أن تنسى وتمحى.. وانحراف غالبها وقواتها المختلطة من جماعات عجيبة غريبة, لا علاقة ولا مبدأ لا بالحريات ولا بالديمقراطية, إلى إنشاء دولة إسلامية.. وتعاملها وارتباطاتها مع سفارات غربية وعربية مشبوهة العلاقات بصحة مطالبها بالحريات والديمقراطية... ولم تكن تطورات انحرافاتها وانجرافها بتيارات دينية.. أفضل من النظام التي كانت تدعي محاربته.. والتي ولد غالبها وجاء من قلب سراي هذا النظام الذي كنت أول الهاربين منه.. منذ أكثر من خمسين سنة... وقد فهم صديقي المبتعد عني ـ خطأ ـ كالعديد من رفاق الغربة.. بأن عدم اتفاقي مع غالب هذه المعارضات والتي ارتمى من تبقى من فلولها بأحضان داعش والنصرة وغيرها من التشكيلات التي لا يمكنني بأي شكل من الأشكال الجلوس والنقاش معها ولو بجزيرة الواق الواق.. ظنوا أنني أدافع عن هذا النظام.. علما أنهم يعرفون جميعهم.. أنني لست مواليا سوى للشعب السوري.. ونكباته ومصائبه.. ولا أدين ولا أوالي أي نظام.. ولم أرتم بأحضان أي نظام لا بسوريا ولا في فرنسا... وما دفاعي عن الشعب السوري.. سوى لأنه شعب يعاني من النكبات والأزمات منذ أكثر من ستين سنة بلا هوادة.. وهو يعيش اليوم أصعب وأرهب النكبات الإنسانية.. وما من أحد يعرف اليوم.. ما مصير هذا الشعب وهذا الوطن المفتت المجزأ.. والذي يعاني أفظع إرهابيي العالم بأسره.. وأن هذا الشعب اليوم هو تحت إرهاب أشرس قتلة العالم... وخاصة قتلة يذبحون الآخر باسم الله ورسوله... وهذه تبقى أخطر وأشرس المجازر اللاإنسانية التي عرفتها المنطقة بهذا القرن الواحد والعشرين...
لاتغضب من كلماتي.. يا صديقي العتيق... أشــرت لي هذا الصباح أن كلماتي صعبة قاسية.. ولا تتوافق مع ماضي الشخصي.. وأنا أردد لك من جديد أن أصدقاءك الذين تعلن حيادك باتجاههم, لم أسمع لهم صوتا عاقلا معترضا على جرائم داعش والنصرة وجند الإسلام.. ولما أجبتني أن كهوف النظام تنتج فظائع تتساوى مع جرائم هؤلاء المقاتلين الغرباء... ومن قال لك أنني أدافع عنهم.. وهل سمعتني يوما أدافع عن سلوكيات أو لا سلوكيات أي نظام.. بالعكس لم أتوان لحظة واحدة عن الدفاع عن المجندين السوريين.. هؤلاء الــشــبــاب الذين ماتوا بمئات الآلاف دفاعا عن الوطن السوري... خلال هذه السنوات الأربعة اليائسة البائسة المريرة... ومع هذا الوطن مجزأ.. والشعب السوري مهجر.. ولداعش دولة بقلب الدولة.. وهذا ما لا أقبله ولا أرضاه ولا أسامح أية سلطة عن نتائجه.. مهما كانت المبررات.. وكم مرة ذكرت بكتاباتي وتساءلت كيف دخلت كل هذه الجحافل من القتلة إلى بلد مولدي.. هذا البلد الذي بعشرات أجهزة مخابراته الرهيبة الصيت.. كـان بإمكانها أن تعرف آنيا.. إن تحرك دبور من وكــر إلى آخـر... إذن كيف دخل كل هؤلاء الدبابير.. وتحولوا إلى جيوش إسلامية عالمية.. رفيعة المستوى بالقتل والتفجير والتهجير.. وتفتيت قواعد دولة ووطن بأكمله.. حتى أصبحوا أصعب إرهاب يخشاه حتى من خلقوه من أمريكان وأوروبيين وعرب.. ومن أشهر بائعي النفط والموت بالمنطقة.. لمن يرغب من تجار الموت والنفط في العالم.......
يا صديقي البعيد عني.. سررت لأني لقيتك هذا الصباح.. بعد هذا الغياب الطويل.. وكم أتمنى أن يلتقي كل السوريين هنا وهناك.. كما التقينا.. ولكن.. ولكن كيف ننسى والقتلة من جميع الأشكال الوحشية الحيوانية البدائية, ما زالوا في قلب مدننا وقرانا وشوارعنا.. بكل مكان.. ومئات آلاف الجثث المعروفة والمجهولة.. مزروعة بكل شبر من هذه الأرض الحزينة.. هذه الأرض التي كانت منار المحبة والإخـاء والحضارات.. ومعبرا للإنسانية جمعاء... أعرف.. أعرف أنـه لا يمكن أن ننسى كل هذه المجازر الغبية... نعم نحن شعب غرق بالغباء وبالدين العجيب الغريب.. وبالحجاب والنقاب الفكري.. وبالحقد.. أعرف أن أطفالا كانوا يتسلون وراء آبائهم بلعبة الحرب والذبح والقتل.. وأننا نحتاج لمئات السنين حتى نمحو من خاطرنا الجماعي ومن أفكارنا المليئة بالجنون.. حتى ننسى ما مضى.. ولكن يجب ألا ننسى.. وأن نفهم الأسباب والمسبب.. والمسببين.. من حكام وشيوخ ودول.. ونظام.. وأنظمة... وحتى أصبحت اؤمن بالمؤامرة التي رفضت الإيمان بها في البدايات.. ولكنني واثق اليوم أن هناك حاضنات طبيعية بين شعبنا نفسه, وهناك خونة.. وهناك قتلة.. شاركوا بهذا التحول الجنوني من القتل والذبح وقطع الرؤوس وتشويه الجثث.. وهناك من فتح الأبواب والشبابيك والطاقات والمزاريب.. لآلاف القتلة من كل أصقاع الأرض مشاركين بشكل ســادي بـذبـح وقتل آلاف الأبرياء والحياديين من كل الطوائف السورية.. وأن كثيرا من عناصر هذا الشعب.. عن غباء أو إيمان مذهبي أيضا شاركت مع جميع الأطراف بهذه المجزرة السورية الجنونية... وهذا يحتاج لغسيل الأدمغة بالكارشر والمازوت مئات السنين القادمة.. حتى نعيد لهذا البلد المنكوب وجها إنسانيا.. وخاصة استحالة إيــجــاد أشخاص أصحاء فكريا وإنسانيا وسياسيا لقيادة هذا الوطن الجديد, بالسنين المريرة الطويلة القادمة.. والذي نأمل أن يبقى موحدا كاملا.. عندما تنتهي هذه الحرب المجنونة.. ولا أحد منا يعرف متى ستنتهي.. ولكن كل الحروب تنتهي... عندما تنتهي مصالح من يحركها ويهيجها ويستفيد منها... وغالبا هم نفس الأشخاص والمنظمات الذين يعرضون أنفسهم ــ غالبا ــ كمنقذين.. للاستفادة من مكاسب إعادة إعمار.. كل ما خــربــوا... وبرامجهم وعروضهم جاهزة مطبوعة... وكم آمـل أن يتمكن أولادنا وشعبنا تفادي هذه المساطر الشيطانية... حينها نستطيع على الأقل إعادة طباعة كتب تدريس جديدة لجيل جديد.. لا توجد على صفحات أي من كتبه التي توزعها وزارة التعليم والعلمانية ( وزارة جديدة ضرورية) "أن قتل المرتد حلال".. وأن " الآخر هو الكافر.. وقتل الكافر حلال "... حينها.. وحينها فقط يمكننا بداية ما باشرنا بالبحث عنه قبل هذه السنوات المريرة العجاف... الــحــريــة.. والـديـمـقـراطـيـة... هذه الكلمات التي لم نعرفها ولم نعرف حقيقة معناها.. بأي يوم من أيام وجودنا....وآمل أن يصل يــومــا أحفاد أحفادنا إلى معرفتها.. وتحليلها.. وتذوقها وممارستها... لأن سوريا اليوم بشكلها اللاإنساني.. ليست سوريا التي غادرتها وتركتها.. وكنت آمل أنها سوف تتطور ــ حكما وطبيعة ــ كبقية الدول والشعوب.. يعني نحو الأفضل دوما.. كبقية الدول وبقية الشعوب... ولـكـن.. ولكن بكل حزن وألم وأسف ومرارة.. كانت تنحدر يوما عن يوم.. وخاصة خلال هذه السنوات الأربعة الماضية.. بهيجانات جنونية طائفية دينية كالتسونامي القاتل... وهذه بنظري ليست ســوريا.. ولا حضارتها.. ولا كما تربيت ورباني أبي على حبها بشكل عــشــقــي كأنها حبيبة وحيدة فريدة.. كأنها أجمل امرأة في الدنيا.. نحبها بوله وولاء ووفاء كامل... واليوم لا أستطيع وصفها.. وهي اليوم أبعد ما تكون عما صورتها وحفرت بخاطري ومشاعري وذكرياتي صورتها الكمالية...
***********
عـلـى الــهــامــش
ــ تتسرب معلومات من سوريا مخنوقة مخبوءة من جميع الأطراف. وحتى من الأوساط العالمية والدول التي تتطلع على كل شيء بالمنطقة.. أن عناصر من داعش اطلقت الأسبوع الماضي قنابل عنقودية على مجموعة من الجيش السوري, بمنطقة جـوبـر.. قنابل عنقودية تحتوي على غازات سامة ممنوعة.. أدت إلى وقوع عدد كبير من الضحايا بين الجنود السوريين.. بينهم ما زال يعالج ســرا في المستشفيات العسكرية... لماذا يخفي الإعلام العالمي والمحلي هذا النبأ.. ولماذا لا تجرى التحقيقات الدولية والحقوقية التي كانت تهتم بالكيماوي السوري؟.. وفيما إذا كانت داعش تملك غازات سامة مخزنة؟؟؟... أم لا؟...........
هذا التعتيم مقلق.. مــقــلــق جـــدا!!!...........
بينما كل صحف العالم هذا الصباح يتصدرها نبأ مفجع... نعم بالنسبة لي نبأ مفجع... وهو اغتيال الصحفي ٍالأمريكي Steven SOTLOFF ذبحا في مدينة حلب علنا من قبل نفس منظمة داعش الإجرامية.. وبثها عملية الذبح العلني على فيديو.. بالإضافة إلى تهديدها بذبح الأسير البريطاني الذي خطف أيضا بنفس مدينة حلب من شهر آذار 2013 , الذي كان يعمل بمؤسسة إنسانية...وذلك بالأيام القليلة القادمة إن لا ينفذ العالم طلباتها وتهديداتها...
الخبران محزنان مؤسفان خطيران... ولكن العالم.. والغرب خاصة لم يهتم سوى بالخبر الثاني... ولكنه يجتمع ويدرس.. ويدرس ويجتمع.. على الورق كالعادة... لكنه يحسب أرباحه البعيدة الأمد... أما الخسائر البشرية... فلا قيمة لها على الإطلاق... والضمير العالمي غارق بأيامنا هذه بنوم عميق...بنوم عميق مقلق...
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأكارم الأحبة.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي وولائي ووفائي.. وأصدق وأطيب تحية مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن