أوقفو الهجوم الإجرامي على غزة!

فريد ويستون

2014 / 7 / 29


يوم [الخميس 17 يوليوز] شرع الجيش الإسرائيلي في شن هجوم بري على غزة. وقد وصف الصحفيون في الميدان المراحل الأولى للغزو البري، وسردوا مشاهد الرعب التي خلفها قصف غزة من قبل الدبابات والمدافع والغارات الجوية والصواريخ التي تطلق من السفن الحربية الاسرائيلية المتواجدة قبالة الساحل. إن القوات الإسرائيلية تقصف غزة من الأرض والجو والبحر.

تلعب الحكومة الإسرائيلية لعبة التظاهر بأنها لا تضرب إلا "أهدافا عسكرية". لكن الحقائق تقدم صورة أكثر بشاعة. فوفقا لتقارير وسائل الاعلام بشكل عام فإن حوالي 80٪ من القتلى حتى الآن ليسو عسكريين بل مدنيين، ثلثهم على الأقل من الأطفال. وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن نيران الدبابات الاسرائيلية قتلت رضيعا يبلغ عمره خمسة أشهر في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، في وقت مبكر من صباح اليوم. وصرح الدكتور بسمان العشي، مدير مستشفى الوفاء في غزة، لقناة آي بي سي نيوز: "إنهم يدمرون المستشفى"، وقال إنه تلقى مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي تطالبه بالمغادرة.

تلقت عائلات فلسطينية في بعض الحالات مكالمات هاتفية من الجيش الإسرائيلي تمنحهم خمس دقائق مهلة للخروج من منازلهم. وقالت تقارير ليلة أمس إن كل المناطق والقرى تلقت أمرا بالجلاء قبل وقت قصير جدا من بدأ الهجوم. وقد شهد العالم صور أطفال كانوا يلعبون على الشاطئ فتعرضوا لقصف السفن الحربية الإسرائيلية الذي حولهم إلى أشلاء، وصور عائلات دمرت بأكملها، ورجال ونساء وأطفال غارقون في الحزن بسبب فقدان أحبائهم. كل هذا يتم باسم "السلام"!

إن التيار الماركسي الأممي يعلن تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من هجوم وحشي آخر على يد الجيش الإسرائيلي، ويرفض [التيار الماركسي الأممي] كل المبررات التي تطلقها حكومة نتنياهو في محاولة لتبرير القتل والدمار الذي تقوم به.

إن الضحية هنا هم الفلسطينيون! وأثناء وصفه للوضع في غزة اليوم صرح جوناثان ويتول، المسؤول في منظمة أطباء بلا حدود، قائلا:


«كل سكان المنطقة محاصرون في ما هو في الأساس سجن في الهواء الطلق. إنهم لا يستطيعون المغادرة ولا يتم السماح بدخول سوى الحد الأدنى من الإمدادات - الضرورية من أجل البقاء -. لقد انتخب سكان السجن ممثلين عنهم ونظموا الخدمات الاجتماعية. بعض هؤلاء السجناء انتظموا في جماعات مسلحة وقاوموا اعتقالهم غير المحدود باطلاق صواريخ على جدران السجن. لكن حراس السجن هم الذين يمتلكون القدرة على إطلاق هجمات واسعة النطاق ومدمرة بشكل كبير على سجن الهواء الطلق».

هذا التصريح يصف ببراعة حقيقة الوضع. إن ما نشاهده هنا هو اعتداء آلة حرب قوية جدا على ما يقارب مليوني فلسطيني أعزل، معتقلين في رقعة من الأرض تبلغ 500 كيلومتر مربع.

وحتى قبل دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، كان حوالي 250 فلسطينيا قد قتلوا في قصف الأيام العشرة الماضية، في حين لم يسقط سوى إسرائيلي واحد فقط. هذا يسلط الضوء على التفاوت الهائل في القوة التدميرية بين الأسلحة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي وبين تلك التي تمتلكها حماس في غزة. والآن بعد أن دخلت القوات المسلحة إلى هناك سيتم قتل المزيد من الفلسطينيين.

كلبية نتنياهو

يزعم نتنياهو أن الهدف من الهجوم هو تدمير الأنفاق التي تصل من قطاع غزة إلى إسرائيل. وذكرت الحكومة الإسرائيلية في بيان رسمي: «سوف تستمر عملية الجرف الصلب حتى تحقق أهدافها: استعادة الهدوء والأمان للإسرائيليين لفترة طويلة قادمة، وضرب البنية التحتية لحركة حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية في قطاع غزة».

هذا يعني دوامة لا تنتهي من المواجهات، بما في ذلك قتل المئات والآلاف من الفلسطينيين. كيف يمكن لهذا "استعادة الهدوء والأمان" لشعب إسرائيل؟ على العكس من ذلك، إن المجزرة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ستخلق جيلا آخر من الشباب الفلسطيني الساخط. إنها تتسبب في مزيد من تفاقم الوضع وإعداد جيل جديد من الفلسطينيين الذين سيكونون على استعداد للقتال باستعمال كل وسيلة ممكنة ضد الوحش الصهيوني الممقوت، الذي يدمر منازلهم وعائلاتهم والذي يذبح الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.

نفاق الإمبريالية

الحكومة الإسرائيلية يمكنها، رغم كل شيء، أن تعتمد دائما في هجومها على نفاق القوى الإمبريالية ودموع التماسيح التي يذرفونها. فالمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جين بساكي، أدانت صراحة "الهجمات الصاروخية العشوائية" التي تنفذها حماس وأكدت دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وأضافت: «نحن نواصل حث جميع الأطراف على بذل كل ما في وسعهم لحماية المدنيين. لقد شعرنا بالحزن العميق بسبب ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين في غزة». كما أن الاتحاد الأوروبي: "شجب بشدة الخسائر في الأرواح البريئة" في غزة، لكنه بعد ذلك أضاف أن: "إسرائيل لها الحق في حماية مواطنيها". هذا هو النفاق المعتاد للإمبريالية كلما هاجمت اسرائيل الفلسطينيين.

والحقيقة هي أن إسرائيل نتنياهو لولا الدعم السياسي والعسكري الهائل الذي تقدمه الإمبريالية الأمريكية لها ما كانت لتكون بالقوة التي تمتلكها الآن. والسبب في ذلك هو أنه على الرغم من كل شيء، ما زالت إسرائيل هي الحليف الأقرب للإمبريالية الأمريكية في المنطقة. لذلك فإنه مهما كانت الخلافات التي قد تحدث بشأن كيفية إدارة الأوضاع غير المستقرة في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيقفان دائما إلى جانب اسرائيل.

أزمة داخل إسرائيل

بدأ كل هذا مع اختطاف وقتل ثلاثة شباب إسرائيليين. مباشرة بعد ذلك بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية حملة واسعة لتأجيج النزعة القومية المطلوبة لصالح شن الحرب، لكن الأسباب الحقيقية لهذا الهجوم الأخير على غزة توجد في مكان آخر. إن إسرائيل تعيش داخليا أزمة اجتماعية واقتصادية.

وكما هو الحال في جميع البلدان الرأسمالية الأخرى بدأت حكومة نتنياهو فرض تدابير التقشف، التي قوبلت هنا أيضا بعدم الرضا الجماهيري والمعارضة. ومن أجل مواصلة هجماتها على برامج الرعاية الاجتماعية، اضطرت الحكومة إلى الاستناد على عناصر أكثر يمينية، سارعت كلها لتكون أكثر تطرفا وتثير أكبر قدر ممكن من الشوفينية القومية لتحويل انتباه العمال الإسرائيليين عن القضايا الحقيقية التي يواجهونها في الداخل.

يتطلب هذا تصوير الفلسطينيين كعدو مشترك يجب سحقه. إنها محاولة لوقف تنامي الصراع الطبقي في إسرائيل نفسها. وهذا يفسر لماذا وصلت محاولات حكومة نتنياهو تحويل اتجاه التناقضات الطبقية والاجتماعية الهائلة داخل إسرائيل نحو تدمير المقاومة الفلسطينية إلى مثل هذه المستويات من الهمجية.

والحقيقة هي أنه وعلى الرغم من دعاية نتنياهو الحربية، فإن جزءا كبيرا من المواطنين الإسرائيليين يعتبرون الأحزاب اليمينية المتطرفة أحزابا همجية. هناك في الواقع حالة استقطاب كامنة تجري داخل إسرائيل. وقد كشف استطلاع للرأي أجرته قناة الكنيست مؤخرا أن كلا من حزب العمل وميرتس يكتسبان التأييد بين الناخبين، وتظهر استطلاعات الرأي عموما أن غالبية االمواطنين يؤيدون تفكيك المستوطنات وإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية.

فرق تسد

الهدف الثاني لنتنياهو هو ضرب محادثات المصالحة بين فتح وحماس والتسبب في انهيار الحكومة الفلسطينية. في الواقع لقد واجهت كل من حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية موجة معارضة متنامية، كما ظهرت هناك أيضا احتجاجات واسعة في أعقاب الربيع العربي. وهذا يفسر لماذا كانت كل من قيادة حماس وفتح تحاولان التوصل إلى اتفاق بينهما بشأن إدارة الأراضي الفلسطينية. بالنسبة للطبقة السائدة الاسرائيلية فإنه طالما هناك كيانان فلسطينيان منفصلان يمكنها أن تدعي بأنه بما أن الفلسطينيين غير موحدين، فإنه لا يوجد أحد للتفاوض معه.

ليست لدا الطبقة الحاكمة في إسرائيل أية نية في منح الشعب الفلسطيني دولة حقيقية خاصة به. إنها في الواقع ما تزال تعتدي على الأراضي الفلسطينية وتوسع المستوطنات وتحويل المناطق التي يسكنها الفلسطينيون إلى بانتوستانات[1]، منفصلة عن بعضها البعض، وتحيط بها دولة إسرائيل وقواتها المسلحة.

الطريق للخروج من المأزق

للشعب الفلسطيني الحق في وطن، وطالما لم يتحقق هذا سيستمر الصراع قائما. لكن الطبقة الحاكمة الصهيونية في إسرائيل لن تمنح أبدا وطنا حقيقيا للفلسطينيين. لهذا السبب يجب الإطاحة بها. ولكي يحدث ذلك، يجب شق المجتمع الإسرائيلي على أساس طبقي.

نفس الطبقة الحاكمة التي تضطهد الفلسطينيين هي التي تهاجم أيضا ظروف عيش العمال الإسرائيليين. ومن أجل النضال ضد هذه الهجمات يجب على الطبقة العاملة الإسرائيلية أن تنهض ضد طبقتها الحاكمة، مما يعني أيضا معارضة سياستها الخارجية والدفاع عن حقوق الفلسطينيين.

إن الصراع الطبقي في كلا الجانبين هو الطريق الوحيد الذي يقدم الحل، الحل الذي يعتمد على القضاء على النظام الصهيوني وإقامة دولة تمنح حقوقا متساوية لكل من اليهود والفلسطينيين. لكن ذلك لن يكون ممكنا إلا في دولة يحكمها العمال: اليهود منهم والفلسطينيون، وذلك يعني إقامة دولة اشتراكية لا توجد فيها لنخبة حاكمة محظوظة في السلطة.

هوامش

[1]: البانتوستان: (Bantustans) مناطق معزولة ومحاصرة كان نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا يفرض على السود العيش فيها - المترجم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن