هل العراق بحاجة إلى مساعدات؟

ميثم الجنابي
m-aljanabi@mail.ru

2005 / 7 / 30

إن طلب المساعدة بحد ذاته ليس رذيلة، لكنه ليس فضيلة أيضا. وطلب المساعدة، شأن كل فعل مرتبط بقيم أخلاقية يصعب الحكم عليه بصورة قاطعة. بمعنى انه محكوم بنوعيتها وشروطها وغاياتها. فمساعدة المريض ومن في حكمه فضيلة، على عكس مساعدة القتلة واللصوص ومن في حكمهم، فهي رذيلة بحد ذاتها. إلا أننا حالما ننتقل إلى ميدان الحياة السياسية بشكل عام وميدان الدولة بشكل خاص، فان القضية تختلف. حينذاك لا يمكن النظر إلى قضية المساعدة على أنها قضية فردية. إذ ليست المساعدة في ميدان السياسية العامة والدولة جزء من الفضائل الأخلاقية المجردة، بل تصبح في حكم الأخلاق السياسية وما يترتب عليه بالضرورة من تأثير على صنع أو ترسيخ نوع من القيم والقواعد العملية الفاعلة في المجتمع والثقافة العامة والمستقبل. واقصد بهذا الصدد الدعوات التي نسمعها في الفترة الأخيرة من جانب النخبة السياسية "للحكومة المؤقتة" عن "ضرورة مساعدة العراق" و"الانتقال من الكلمات إلى الفعل" وما شابه ذلك من صيغ. وهي صيغ ترمي بمجموعها إلى الحصول عل اكبر قدر ممكن من المساعدات المادية (المالية) من اجل تحسين شروط الحياة وتفعيل مؤسسات الدولة الجديدة. وقد نعثر في هذا الإلحاح و"لاستجداء" على قدر من "التضحية" الشخصية من اجل المصلحة العامة للعراق الذي تعرض إلى تدمير وتخريب قلما تعرض لهما بلد في العالم على مدار القرن العشرين. وهو تدمير وتخريب ساهمت به مختلف الأطراف الداخلية (العراقية والبعثية الصدامية بشكل خاص) والعربية (وبالأخص الكويت) والإقليمية (وبالأخص إيران وإسرائيل) والدولية (وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية). غير أن جذر الخراب وسببه الرئيس والأساسي يكمن دون شك في طبيعة النظام السياسي للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. أما الأطراف العربية والإقليمية والدولية فهي مكونات إضافية بفعل الصراع التخريبي الذي مارسته السلطة الصدامية. وهي مكونات تحولت في مراحل معينة من تاريخ العراق إلى عوامل داخلية ساهمت بشكل هائل في محاصرة العراق وتهشيم كامل بنيته الداخلية. وبهذا المعنى تصبح المطالبة بالمساعدة جزء من معترك السياسية الدولية للعراق من اجل استرجاع عافيته المنهارة.
غير أن تتبع مجرى عامين من الزمن بعد سقوط الصدامية يكشف عن أن مضمون الدعوة للمساعدة هو جزء من نفسية القوى المؤقتة وليس عنصرا سياسيا في رؤية إستراتيجية عن البدائل الواقعية والعقلانية في العراق. بعبارة أخرى إننا نستطيع الحكم على أن المضمون الفعلي للدعوات المتكررة عن مساعدة العراق ماديا هو التعبير غير المباشر عن نفسية وذهنية المؤقتين الجدد في العراق. بمعنى أن أبعادها الحقيقية تقوم في الدعوة غير المباشرة للحصول على مساعدات من اجل تمديد نخبة المؤقتين الجدد والسرقة.
إن التجارب التاريخية للأمم جميعا تبرهن على أن تحويل "طلب المساعدة" إلى جزء من دبلوماسية الدولة الخارجية هو المقدمة الأولية لانحلال بنية الدولة وحصانة نخبها السياسية. وهي عملية لا يمكنها أن تصنع في نهاية المطاف غير نخب سياسية رثة بالمعنى التاريخي وتافهة بالمعنى الأخلاقي. وذلك لأنها تؤدي بالضرورة إلى ثلاث نتائج متداخلة وهي أولا تخريب الشخصية الاجتماعية والروح الوطنية للأفراد والأحزاب والنخب، ثانيا: قتل روح الإبداع والاستعداد للتضحية والإخلاص في العمل، ثالثا: تصنيعها للرذيلة السياسية والسرقة والابتذال الدائم لقيم الحرية والعمل والدولة الشرعية. وحصيلة تداخل هذه النتائج يؤدي بالضرورة إلى إنتاج وإعادة إنتاج قوى سياسية واجتماعية فاسدة مثالها الأعلى هو "المؤقت". وهي حالة يمكن رؤيتها بوضوح الآن في استفحال ظواهر السرقة والابتزاز والفساد الإداري وانعدام الشعور الوطني والاجتماعي. إننا نرى رجالا وأحزابا تتحارب و"تتخصص" في سرقة أموال المجتمع والدولة. بل يمكننا الجزم بأنه ليس هناك من حزب سياسي ونخب "قائدة" في ظروف العراق الحالية لم تسهم بهذا القدر أو ذاك من الاعتراك في نهب الثروة الوطنية. وهو نهب تشكل الدعوة "للحصول على مساعدات مادية للعراق" غطاءه السياسي. وذلك لان العمل من اجل "الحصول على المساعدات المادية" هي بحد ذاته دليل على تغلب النفسية الكسيحة وذهنية الاستجداء، مما يجعل من النخب العاملة في هذا المجال قوة سياسية مستعدة على فعل كل الرذائل الممكنة.
إن العراق بحاجة إلى نخب سياسية اجتماعية تتمتع برؤية إستراتيجية قادرة على تطويره الذاتي من خلال بناء اقتصاد وطني متطور، وقادرة على وضع أسس السياسة الاجتماعية التي تكفل للمواطن حقوقه المادية الأساسية، وبالتالي قادرة على تحرير العراق من كل وصاية أجنبية. إن العراق بحاجة إلى نخب وقوى سياسية تعمل من اجل مساعدة العراق لنفسه من خلال انتزاع حقوقه وديونه المحلية والإقليمية والعالمية. وهي مهمة يستحيل تنفيذها وتحقيقها دون العمل من اجل إعادة بناء الهوية الوطنية العراقية والروح الوطني العراقي. ففي هذه العملية فقط يمكن إرساء الأسس الاجتماعية والأخلاقية لاحترام النفس. فهي المقدمة الضرورية للتحرر الفعلي بما في ذلك من النخب السياسية المؤقتة ونفسية المؤقتين وتقاليد الاستجداء القذرة. فالعراق غني بثرواته المادية. وهو ليس بحاجة لأية مساعدة باستثناء مساعدة نفسه على رؤية الآفاق الحقيقة لتطوره الذاتي، أي لإنتاج قواه الوطنية الفعلية من اجل وضع حد للمهانة التاريخية التي تعرض لها والتي مازال يرزح تحت وطئتها بفعل نفسية وذهنية الاستجداء المادي والمعنوي لنخبه السياسية المؤقتة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن