المسلمون والنظرية الفكرية (الميزان)

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2014 / 6 / 1

لم ينجح المسلمون في تأريخهم أن يتبنوا نظرية فكرية تترجم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم بأعتبار ما فيه يمثل المنهج الإيماني الكامل المطلق بعيدا عن الخصوصيات التأريخية والجغرافية وحالات القرب والبعد عن مفاهيم ومنطق لغة القرآن,فتحول الواقع الإسلامي من واقع يسعى من حيث أصل الفكرة إلى الوحدة إلى مجتمعات متناحرة ومتفرقة متقاتلة ومتناقضة جدا لسبب زاوية الرؤية ومنهج القراءة وهذا العيب ليس في المادة المقروءة بل بمتطلبات الصراع السياسي وأستحكامات الأنا عندما أنتزع المفهوم الرسالي من صورة الفكرة المجردة إلى الفكرة المخصوصة بما جعل أول مبادئ التقسيم تقوم على العنصرية ثم الفئوية داخل العنصرية لتتوسع قوميا وحضاريا ويكون الواقع اليوم لا ينتمي أصلا إلى الهدف المحددة في نقطة الصفر الأولى.
من هذا العرض يمكنني أن أقول جوابا على التساؤل الأول أن من السهولة بمكان أن نفصل بين المسلمين كواقع وبين الإسلام كفكر مسير للواقع لكنه غير قادر على تصحيح السيرورة لأن أدوات التمكين غائبة وهو العقل المتناسق مع مراد الرسالة من جهة وفروض الإنسان من جهة أخرى,الواقع بفرض شروطا خاصة تميل إلى الأنحياز للأنا البشرية المجردة التي تتسم بالفوضوية أو على الأقل بالتحرر من الالتزامات الخالية من دوافع القصر والإكراه وتلجأ في ذلك إلى التسويف وهذا ما لا يمكن أن يتقبله الإيمان الذي يخير بين التمسك به أولا بالخيار الحر أو رفضه لكن في الخيار الأول هناك التزامات وضوابط الهدف منها ليس القسر للقسر ولكن لتنظيم الأمر الاجتماعي البيني وفق مصلحة الشراكة وهذا ما يناقض الأس الأناني في الطبع البشري,أذن الدين ليس مسؤلا عن واقع مزيف شعاره ديني خيري مثالي وواقعه مادي أنحرافي تسويفي.
الهدف من الفصل بين الإسلام والواقع الإسلامي مجازا وهو واقع المسلمين بسمح للناقد التأريخي أن يدرس الظاهرة الإسلامية من خلال التناقض والتطابق بين الأصل الفكري والنتيجة المعتمدة واقعا ومعلل الأسباب التي تخص الإنحراف كما يبين الأسباب والعلل التي أدت إلى هذا التناقض ومن ثم العمل على نقد السلوك المتسبب أولا في عدم تقيد التجربة البشرية بالركائز الإيمانية إن كانت صالحة طبيعيا أو أن المشكلة في الدين وركائزه التي لا يمكن بسطها بمثالية على الواقع , هذا النقد والدراسة التاريخية هي التي يمكنها الإجابة على السؤال المزمن عند المسلمين ,لماذا تأخرنا عن حركة العالم وتطوره برغم عدم وجود الموانع المادية والروحية الدافعة ؟. وما هو الحل الذي يتناسب مع طموح المسلم وحيرته وتردده بين رفض الإسلام أو رفض المستقبل هذه الإشكالية التي تجد لها صدى واسعا اليوم في أساليب ومنطويات التفكير الليبرالي وحتى المعتدل الإسلامي.
يبقى الواقع الإسلامي أي واقع المسلمين عصيا على التغيير ولا تناسبه لا الحلول الراديكالية ولا الليبرالية ما لم يتخلص أولا من فكرة التفوق وفكرة أنهم خير أمة وعلى العالم أن يتغير لجهتهم وكأنهم قبلة الإنسانية وهم أصلا لم يتفقوا على مشتركات مبدئية تتعلق بمفهوم الإنسان أولا والنظرة له وكيفية التعبير عن أحترام المجتمع الإسلامي له وحقه في الوجود كما هو حقه في الاعتناق العقائدي وبذلك يتخلص من أهم أمراض الشذوذ الديني المتمثل بفهم الدين كقيد على حرية الإنسان وليس دعوة حقيقية للتحرر,الله لم يطلب من الناس أن يكونوا عبيد في مملكته ولا يرضى لهم الذل وهو الذي كرمهم على كثير من مخلوقاته بل يريد منهم أن يكونوا عباد صالحين بمعنى أن يكون الخيار الرئيسي للإنسان هو الصلاح والإصلاح والتصليح وهذا ما ينافي أصلا صورة الله والدين في الواقع الإسلامي الآن ,إنها تناقض الفكرة مع التطبيق تناقض المبدأ مع الممارسة,حتى تتطابق الصورتان يمكن للواقع الإسلامي أن يتحرك وأن يختار بحرية أي الطرق المنهجية قادرة على الوصول به للهدف.
إزاء هذه الأستحالة يكابر الكثير من المسلمين على نجاح خياراتهم الغير مؤهلة أصلا بعد التجارب المريرة والدامية بين الفرق المتنازعة دون أن يتفهم المتنازعون من التجربة أن الإنفراد برسم الحلول عملية عقيمة لا يمكنها أن تثمر إلا عن المزيد من الشقاق والاختلاف , ولابد من الجلوس على طاولة الحوار المعرفي والنقدي لتدارس أولا النقاط المشتركة والبناء على المشتركات العقائدية والفكرية دون أن نعتبر أنجاز فقرة من فقرات الحوار انتصار لفريق لأن فكرة المنتصر والخاسر هي الأساس الذي أسس منهج الافتراق وأحدى المفاهيم التي نسفت الوحدة المجتمعية الإسلامية يوم تنازع المسلمون مهاجرين وأنصار على أظهار فائز وخاسر وما جر ذلك مما دار بالسقيفة على المسلمين بالتوظيف السياسي التجاري للدين وإهمال كلمة التوحيد لصالح كلمة الأنا الفائزة بالمكسب والخاسرة للمعتقد وهذا الكلام يشمل كل الفرقاء المسلمين دون أن نخل أحد المسؤولية منفردا,من دعا لأمير منا وأمير منكم هو شريك لمن دعا بأفضلية المهاجرين هلى الأنصار والشريك الأكبر لهم من جيرها لصالح قريش ونسى أن لا عصبية قبلية في الإسلام.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن