لغز التمسك بالأسد.. جرائم العلويين والشيعة و-انتخابات الإرهاب- (الحلقة الرابعة والخامسة)

بلول عماد
allam-ahmad@hotmail.com

2014 / 5 / 24

"لا يوجد بديل عن الأسد"، عبارة اجتاحت العالم إعلامياً وسياسياً بعد عجز السلطة أمام الحراك الشعبي. هكذا بدأ العالم بأقطابه المسيطرة استخباراتياً التأثير في الحدث السوري، وربط الحراك الآخذ في الانحدار نحو العسكرة والتطييف ببقاء شخص من رحيله. المنادي بتغيير ديمقراطي لم تكن قضيته مع شخص الأسد ومذهبه، بل كانت مع مهام وصلاحيات الأسد التي تمثل نواة طغيان واستبداد سلطة سرقت مشروع الدولة وجعلتها أقرب إلى نمطية الأنظمة الملكية أو الدولة الأميرية في العصور الوسطى. السلطة الديكتاتورية تعاملت مع منطق "لا بديل عن الأسد" ببراعة لأنها مبدعة في صناعة القائد الإله أو المنقذ والاستثنائي وهي لليوم تتعامل مع الحدث بنفس الطريقة، بينما تعاملت القوى الإقليمية والدولية مع العبارة من الباب الطائفي- المذهبي، مكرسة روايات السلطة ومنتوجها المحلي ضماناً لمصالحها. هكذا التقى خطاب الطرفين في خندق واحد. -أنا لا أتهم السلطة بالعمالة للخارج بل أحاول رصد المتناقضات-.
السلطة لم تكن يوماً صاحبة مشروع سياسي للنهوض بالدولة، بل كانت ومازالت ترى نفسها سلطة فوق الدولة متهمة الشعب بأنه غير مهيئ لمناخ الديمقراطية والحريات. هي تعاملت مع مفهوم الوطن كما تتعامل مع بنائها هرمياً وقاعدياً فصنعت لهذا الوطن "سيد" و"حضن" و"سقف" وراحت ترتّب سياستها وعلاقاتها مع المحكوم من هذا المنطلق. من يلتزم حدود المفردات تلك "وطني ملتزم"، ومن يخالفها "خائن متصهين". هي لم تكن يوماً سلطة طائفة كما يروّج عنها، بل كانت سلطة التحالف والمنفعة الجامعة لعوامل "الدين والمال والسياسة"، صدّرت بوجهها الظاهر "البعث الشمولي"، فحقق لجوهرها الخفي كل أسباب الاستمرار. هكذا عبرت كل الطوائف آخذة منها وجوهها السلبية "سياسة وإعلاماً واقتصاديين و.و..الخ"، فبات عادياً أن ترى في إفرازاتها على شتى الأصعدة والانتماءات شخصيات انتهازية لصوصية. وهكذا راح بعض عقدها ينفرط بخروج أسماء من بنيتها عائداً إلى انتمائه الطائفي أو ولائه القبلي والعشائري. السلطة بتركيبتها العصبوية أحدثت شرخاً كبيراً في بنية المجتمع مقسمة إياه إلى مستويات تتناسب والمراحل التي تريد فيها مواكبة حدث خارجي أو داخلي طارئ، وكانت في كل مرة ترفع مبرمجي العقل دينياً وسياسياً ومحتكري الثروة والاقتصاد مافيوياً درجة إضافية مقابل دفعها للمعترضين من أصوات وطنية نخبوية، أو المغلوب على أمرهم من فقراء وعامة الشعب إلى هاوية سحيقة يواجهون فيها بعضهم. التقسيم السابق أبقى على الإشكالية الطبقية بين الغني والفقير التي ادّعى "البعث" إزالتها، كما أبقى وجدد الإشكالية الطائفية في بلد يضج بالتنوع الديني والمذهبي. السلطة برموزها وشخوصها وسياستها بقيت بينما دمر ويدمر "المجتمع" الحاضنة الأساسية للمكونات المتخالفة والمتنوعة. "البعث أبو الفلاحين والكادحين وصغار الكسبة" أحرق الريف ومكوناته بعدما وضع أبناءه على اختلافهم "ساحل-وسط- داخل..الخ" في مواجهة موت أو حياة ضد بعضهم، ثم راح يطالبهم بالتهدئة ويعدهم بالإصلاحات الوهمية محاولة منه لعب دور "الدولة المزيفة". في أتون البلبلة هذه جاهد "البعث" للانتقال من "القائد إلى الحاكم" دون اكتراث منه لما حدث أو سيحدث. هذه العقلية وتعاملاتها مع واٌقع أزمة مستعصية ومفصلية هي عقلية المافيا والعصابة أو التاجر الباحث عن الربح مهما اضطر لاستبدال أساليبه التسويقية.
سلطة التحالفات التي ذكرناها سابقاً "المال والدين والسياسة" هي من أدارت وتدير البلاد بعد أن صدّرت وتصدّر "البعث" و"عائلة الأسد" إلى واجهتها. 1- "البعث" ولد بطموحات كبيرة ومشروعة لكنها مستحيلة التحقيق لاسيما في ظل "افتراس عروبي" لسورية الحقيقية لم يتوقف يوماً. "البعث" رهن سورية ودورها وموقعها وشعبها خدمة للغير من "أشقاء وحركات مقاومة"، فحكم على نفسه وأهدافه داخلياً بالعجز بعدما هدر الكرامة الإنسانية للشعب وسلبه مواطنته. السلطة أدركت أن أي تعديل في أهداف هذا الحزب أو أدبياته بما يحقق جزءاً يسيراً من الرخاء والازدهار للبلد والشعب سيفقدها كل مقومات مافيوتها لذلك تصر على التمسك بشعاراتها وتتهم أي مطالب تغييرية بالعمالة والخيانة. "البعث" ليس في قاموسه إمكانية مقارعة العدو أو مواجهته إلا من خلال سرقة الشعب وثروته وهدر كرامته وإنسانيته. المثقفون والقوميون العرب المدافعون عن الأسد قائد أمتهم، يلتقون مع "البعث" بشعاراته القومية وقضيتهم المركزية "فلسطين". هم يؤمنون كالبعث بأن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" لذلك لا يهتمون بمأساة الشعب السوري أو فساد سلطته وطغيانها. يريدون استرجاع فلسطين من بوابة دمشق، وبلدانهم الأم تعيش تحت "الكونترول الإسرائيلي"، يريدون تحرير فلسطين وينسون تحرير شعوبهم من استبداد أنظمتها وتبعيتها. السلطة لم تستطع استرجاع الجولان سابقاً ولكنها سترتجع فلسطين والجولان ولواء اسكندرون و"باقي المحتلات" لاحقاً. "الثورة الإسلامية السورية" كما عبرت عن نفسها مراراً عازمة أيضاً على استعادة الجولان وفلسطين و"باقي المحتلات" لكن بعد تطهير البلاد من رجس "البعث" والعلويين والشيعة عملاء الصهاينة. السلطة قلبت الطاولة في وجه "الثورة" وأضافت لدمشق لقب "آخر قلاع الإسلام الصحيح" إلى جانب لقبها "قلب العروبة النابض". ليصبح الأسد قائد الأمتين العربية والإسلامية، والشعب السوري "مذبوح مشرد مهجر". إسرائيل تتفرج على تخبط الجميع واقتتالهم البدائي الدموي بعدما نجحت بتحويل عداوة العرب لها بمن فيهم السوريون لتضامن معهم في وجه العدو الإيراني "الفارسي" العازم على ابتلاعهم إن فشلت "الثورة الإسلامية"، لكن الجميع مصرون على أن "إسرائيل ومشروعها" أصيبا بالهزيمة.. وتستمر المعركة. - سنضيء على الموقف الإيراني ونقيضه العربي بشكل موسع في حلقات مقبلة-.
2- "عائلة الأسد" تهيمن على الكيان العلوي وتتعهد لباقي الأقليات بالحماية وفي نفس الوقت تضمن ولاءهم للسلطة الخفية. السنّة عامة وعلى رأسهم "دمشق وحلب" منقسمون حول السلطة بوجهيها الظاهر والخفي. فريق لا يدرك من يضع قواعد اللعبة ويديرها وهم يرفضون "البعث العلماني" و"الحاكم العلوي"، والاثنان بنظرهما كفار لا يمكن القبول بحكمهما. الفريق الثاني "تجار وساسة ورجال دين" مطلعون على خفايا الحكم، راضون عن تمثيلهم ومقتنعون "بالأسد والبعث وعطاياهم". السلطة تتقن بعد خبرة خمسة عقود صنعت فيها المجتمع كيف تخاطب كل طائفة وفصيل سياسي بما يحب أن يسمع، وفي الوقت نفسه لا ترحم من يخالفها. التركيبة السلطوية بصيغتها الحقيقية تظهر أن الأسدين "الأب والابن" لم يحكما البلاد "بالعلوية"، بل جعلتهما يستعملان العلويين لتوطيد حكم بوليسي قمعي مقابل سماحها لعائلات مثل "الأسد- مخلوف- شاليش" الاستفادة حسب مخصصاتها، بالقدر ذاته الذي سمحت فيه لغيرهم من مكونات "أكثرية وأقلوية" شكّلت مع السلطة بناءها المتين والمعقّد. المعارضون الطائفيون على اختلاف مذاهبهم السياسية أفلسوا تماماً أمام طغيان ومكر السلطة الفعلية في دمشق، فما عاد أمامهم إلا مواكبة التيار العالمي والإقليمي في تثبيت الرواية المذهبية- الطائفية في البلاد التي أشرنا إلى "صحتها شكلاً وخطئها مضموناً" في الحلقة الأولى. هذه النسبة من المعارضة تعاني من "مازوشية مفرطة" لأن أفرادها يتعامون (سابقاً ولاحقاً) عن دورهم ودور باقي السنّة والأقليات في صناعة القائد الإله وحماية السلطة بوجهيها الظاهر والخفي.
الدولة التي تختبئ خلفها السلطة "بوجهها البعثي" ليست دولة بمقاييس وتعريف الدول، هي (دولة الحزب) بكل القواعد والقوانين والأدبيات، وقد اعترفت بذلك علناً عبر جناحيها "العاقل والمتطرف" عندما أقرت بعد إنكار طويل بما أسمته "أخطاء" ومسمّاه الحقيقي "جرائم" ارتكبتها بعد الاحتجاجات أو طوال سني حكمها. وعليه لا يمكن لسلطة بهذا النهج أن تستمر ولا يمكن لدولة تدّعي بنائها أو تعد بإعادة بنائها أن تكون دولة صحيحة عادلة لاسيما في ظل دستور مخجل وضعته في 2012 بعدما أوصلت البلاد إلى الجحيم الفعلي، من بعد خمسة عقود في جحيم مؤجل يرعاه دستور سابق يلغي فعالية وحضور أي حزب وفصيل سياسي أو تيار مدني أمام فعالية وحضور "البعث". السلطة رمت وترمي ذنوب التطرف والدمار على المجتمع ورفعت وترفع نفسها وأركانها إلى مرتبة مقدسة. هذا أحد وجوه عار مزمن يطبع جبينها وتاريخها. المادة الثامنة في الدستور السابق 1973(حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة.. "...." ) تحمّل السلطة قبل بعض شرائح المجتمع -على اعتبارها ضحية قيادة السلطة لها- تحمّلها كامل المسؤولية عن الخراب الفكري والمادي وحتى التطرف الديني الذي اجتاح المشهد الشعبي المنتفض، وقدم الهوية الدينية على الهوية السياسية أو الوطنية. "البعث" كان السلطة القائدة في الدولة المفترضة وهي المسيطرة النافذة المتحكمة بصيرورة المجتمع. "انتفاضة المواطنة" آذار-مارس 2011 حاولت تحرير الدولة الحقيقية من سجن السلطة الطاغية رافضة الوصاية الأبوية فكرياً وأمنياً وسياسياً بالمطلق على المجتمع، لكن السلطة التي قامت على قاعدتي القيادة الحكيمة والوصاية المقدسة ستفقد مقومات الاستمرار دونهما، فكابرت على الواقع، نفت، هددت، اعتقلت، وعندما شعرت أنها بدأت تفقد السيطرة على الشارع المحتج زجت بالجيش بعد تعميم رواية "المؤامرة على الدولة ومواقفها بمعايير السلطة". المفارقة أن "الدولة تلك ومواقفها" هي قناعات ومبادئ تربّى عليها المجتمع "الشعب" الذي قادته تلك السلطة وتحكمت بمصيره لخمسة عقود، وبالتالي صار الشعب يواجه الشعب جيشاً ومدنيين، وبعدما عم الخراب وطغى الإرهاب، عاد صوت السلطة المعتاد و"سوسها" لينخر في العقل والبناء النفسي للسوريين واضعاً إياهم أمام قدرهم الماضي لكن بصيغة جديدة. الآن تستعيد السلطة "شرعيتها غير الشرعية" عبر "محاربة الإرهاب". استبداد سياسي وفكري أو أصولية دينية وقاعدية، كلاهما إرهاب.
السلطة التي ربّت المجتمع على آدابها وقواعدها نجحت في تقزيم وتسفيه حراكه البريء، فاعتقلت المسالمين وشوهت سمعتهم شعبياً وإعلامياً بتهم متعددة، إلى أن دخل (سلاح الإخوان المسلمين بعد فترة وجيزة) بحجة حماية المتظاهرين. اختفى صوت الشارع وفعاليته السلمية، وبقي السلاح ليواجه السلاح في كل مكان لاسيما بعد أن أطلقت السلطة كل مدخراتها العنفية في وجه الشعب بما في ذلك إطلاقها إرهابيين من السجون. المدن الكبرى كدمشق وحلب وبعض مراكز المدن عموماً تأخرت عن نجدة الطوفان الريفي بسبب الهوة الشاسعة التي خلقتها إدارة السلطة الطاغية بين الريف والمدينة، ففقد الريف بوصلته وبدأ يتحرك بغريزة وعاطفة بعد استهدافه خارجياً بشحن طائفي مهول إعلامياً وسياسياً، وحصاره داخلياً بشعور تخويني تجهيلي أفرزته شتى الانتماءات الدينية والسياسية المتضامنة مع السلطة ورواياتها التآمرية منذ اللحظة الأولى. طوفان الريف بدأ يتسع حتى وصل قلب المدن فدمر ما استطاع منها وغدا تهديداً حياتياً للقرين المدني. السلطة بمكرها اللاوطني وضعت في وجه "الريف السنّي الثائر"، ريفاً موالياً تسيطر عليه من "علويين وأقليات أخرى وبعض الريف السنّي المهدد". المسؤولية الكاملة عن مآلات وبدايات العنف والعنف المضاد تتحملها السلطة وكل فصيل معارض اعتمد النهج الطائفي في خطابه. اعتماد الخطاب الطائفي أخرج الانقسام والتمزيق السلطوي للمجتمع المغطى "بورقة الأمن والأمان البعثي" إلى العلن. هنا ينبغي التمييز بأن كتلة السلطة واحدة بخطاب واحد منذ عقود وحتى اليوم، بينما كتلة المعارضة مقسمة، متباينة الآراء والمواقف، بسبب انفجار مجتمعي غير منضبط جراء كبت الفكر والرأي لعقود.
السلطة تحرص على الالتزام بالمظهر الإسلامي الصحيح، وهو التزام ضروري لا يستقيم الحكم دونه في بلد غالبيته سنّة. ولا يتنافى أبداً مع سعي تلك السلطة لتطويع الفكر والتأثير الديني لدى المحكومين للسيطرة عليهم وتوجيههم. الالتزام هذا بدا واضحاً منذ اللقاءات التي عقدها الأسد أو مفوضين منه مع فعاليات شعبية ودينية بعد انطلاق الاحتجاجات بفترة. وأسهمت بتهدئة المزاج المنحدر نحو الطائفية. السلطة لا تنظر إلى أركانها الظاهرة من باب انتمائهم المذهبي ولا يعنيها هذا، وأركانها بالمقابل لا يعنيهم إلا مكاسب السلطة حتى لو أبيد الشعب والبلد عن بكرة أبيه. الأسد ينظر إلى نفسه كحاكم مسلم كامل الأركان والواجبات، وقد أكد ذلك أكثر من مرة علناً ودون أي التباس لاسيما في "محاضرته الأخيرة" بالمشايخ والخطباء والدعاة -في إطار حملته الانتخابية-. الأسد قبل ذلك كان أدان مراراً ممارسات وأفعال يقوم فيها بعض جنود أو رجال أمن علويين كما أظهرتهم الفيديوهات من قبيل "لا إله إلا بشار" أو "ركوع البعض لصورته كأنه إله"، إضافة لاجتهاده في تقديم البرهان العسكري عن البراءة من تعمّد "قصف المساجد وتدميرها" وفق ما اتهمته "المعارضة بشقها الإسلامي". السلطة عبر الأسد هزمت المعارضة تلك على هذا الصعيد لأنها -فعلاً لا قولاً فقط- عمّرت البلاد بالمساجد والمعاهد الدينية خلال حكمها، وأهّلت كوادر على مدار عقود لتخاطب الجمهور وقت الحاجة، كما حازت رضا ومباركة رجال دين تربّى الشعب على صوتهم وإرشادهم، ولهم تأثير بالغ على وعي أبناء كافة الأديان والمذاهب وليس الوعي السنّي فقط، نأخذ مثلاً الشهيد محمد سعيد البوطي - للمثل وليس الحصر-. البوطي كان ضابط إيقاع أي غضبة سنّية تسبح عكس تيار السلطة منذ الثمانينيات وحتى بعد بداية العاصفة الطائفية جراء انحراف الحراك عن مساره، كما كان صمان أمان لجيل أشرف على تعليمه وتربيته طوال عقود، وقد استطاع ملء فراغ كبير بين السلطة والشعب بمختلف شرائحه بعد بداية الاحتجاجات وحتى اغتياله. الجريمة بحق البوطي أحدثت زلزالاً إسلامياً ضد فئات معارضة حرّضت على قتله. السلطة استعانت بنجل البوطي لتثبت براءتها بعد تسريب "الشريط الفضيحة" الخاص بالعملية الإرهابية. نجل البوطي بعد اغتيال والده بدأ رحلة الوراثة لموقع ودور أبيه على الصعيد الديني بعد أن كان بدأها في الظل خلال حياته. بالمنهجية والعقلية ذاتها التي شغر فيها "الأسد الابن" مكان "الأسد الأب"، وبنفس الآلية والطريقة التي يصل فيها كل صاحب حظوة في مؤسسات السلطة إلى موقع سلفه أو ما يدانيه على كل الجوانب "الفنية والإعلامية.. والخ". الحالات كثيرة ويستطيع أي مراقب رصدها بعد التدقيق فيما يرى ويسمع لشخصيات أو تكتلات. التوريث في مؤسسات السلطة يدلل على تركيبة وبنية عصبوية لا يهزها غياب أي شخص فالبديل متوفر دائماً. في هذا الإطار سيقوم الأسد بعد نجاحه في "انتخابات الإرهاب" بحملة "تغيير ومحاسبة شكلية" تطال أسماء لامعة على كافة المستويات تلبية لمطالب الشعب من القائد الأسطوري المخلّص. الأسد مستعد لفعل أي شيء يضمن له الاستمرار في حكم وصله بالوراثة عام 2000، بمساعدة "المسيطرين" من كل الأطياف الدينية والسياسية والعسكرية. المكون العلوي "بأحد فئاته" كان شريكاً في "توريث الأسد" سابقاً، لكن المكون العلوي "كاملاً" يدفع اليوم ثمن ذاك، وسيبقى يدفعه للمستقبل ما لم يجترح العلويون "معجزة".
نستعرض بعض شواهد تبين الوجه الحقيقي للسلطة ووجه فئة من معارضيها. في لقاء عقده الأسد مع منتدبين لنقل شكاوى مواطنين علويين من مدينة حمص بعد فترة من حراك 2011، بسبب مجازر "بعضها اغتصاب ثم قتل وتشويه"، اختصر الأسد الكارثة "بالمؤامرة ووجوب التضحيات"، المواطنون قبلوا بالواقع وصمتوا، فتمادت السلطة في تهميشهم، ولديها استعداد لإبادتهم جميعاً. في لقاء آخر للأسد مختلف جذرياً في دلالاته، عقده مع مشايخ من الطائفة الدرزية، وفق ما كشف ماهر شرف الدين -المطلع كما يقول على خفايا ما حدث ويحدث في السويداء-، في أكثر من برنامج تلفزيوني: (طلب المشايخ من الأسد أن يؤدي أبناؤهم خدمتهم الإلزامية في الجيش ضمن محافظتهم لأنهم لا يريدون التورط في حرب ضد إخوانهم السوريين، فأجاب الأسد بالحديث عن أمجاد الدولة الفاطمية). أنا لا أستغرب جواب الأسد، لكنني أستغرب طبيعة الطلب ذاك في ظل تضامن غالبية الدروز مع السلطة والأسد منذ البداية وحتى اليوم. ماهر يفاخر بالقول -بعد نقاش مطول- على صفحته الخاصة في "فيسبوك": (حتى بالتخجيل، لن تستطيعوا أن تجعلوني أقول بأن النظام ليس علوياً، لن أشهد شهادة زور). هذه إحدى معضلات هذا النوع من المعارضين. هم لا يفهمون تركيبة السلطة التي حكمتهم أو تحكمهم. بالتوازي مع ما سبق وجدنا "وكلاء الله" على الأرض من لابسي ثوب المعارضة -مشايخ ودعاة-، يعملون كل ما بوسعهم لمذهبة الصراع خدمة لقوى إقليمية تحركهم وقد نجحوا في ذلك، مثلما نجحت السلطة والقوى الإقليمية التي تحركها في إيجاد معادل لأولئك "الوكلاء" لكن بخطاب مناقض ومضاد. الأسد يقدم علناً فروض الطاعة للإسلام المحمدي السنّي لكنه لا يرضيهم. هم يحتاجون للرضا عن إسلامه تقديمه براءة علنية من "النصيرية- العلوية" منطلقين من فتوى "ابن تيمية وإجماع علماء الأمة الإسلامية". نقتبس من نص الفتوى: (هؤلاء القوم المسمّون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى..). "وكلاء الله" هؤلاء قضيتهم الأساس إبادة العلويين والمسيحيين وكل من يخالفهم الرأي والمعتقد وبعد ذلك يتفرغون للنظر في نظام حكم "سورية الإسلامية".
ماذا عن تركيبة الأجهزة الأمنية، ماذا عن الجيش السوري وطبيعة معركته؟ كيف تصور السلطة "معارضتها"؟ ماذا لدينا أيضاً عن الواقع العلوي. نعالج هذا في "الحلقة السادسة".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن