قتل الآخر

المجد بن عبد السلام
alphastors@yahoo.com

2014 / 5 / 24

مرة أخرى قامت يد الغدر الظلامية بضرب مكان عبادة لأخوتنا المسيحيين، بعد العراق جاءت مصر، وسالت دماء بريئة لأخوة لنا في المواطنة. قام الأخوان المسلمون وبعض المنظمات الإسلامية السلفية بإستنكار الجريمة، معلنين في إدانتهم أن فكرهم لا يجيز هذه الأعمال. لقد بدت هذه الإدانة كالقاتل الذي يمشي في جنازة القتيل.
الحقيقة أن فكر الأخوان المسلمين وجميع المنظمات المولودة من رحم هذا التنظيم، تحت أي إسم كان، هو الفكر الذي يقف خلف هذا الإجرام الجنوني.
لقد اتفق معظم فقهاء الفكر الديني الإسلامي، هذا الفقه الذي تقوم على أساسه أيديلوجية هذه التنظيمات، على تسمية الآية الخامسة من سورة التوبة، التي تسمى سورة براءة أيضا بآية السيف. وقالوا أنها نسخت كل ما قبلها من الآيات التي تدعوا للسلم والتعايش مع "الكفار". لقد خلق التفسير الحرفي لهذه الآية إلى جانب الآيه 29 وخلعهما من سياقهما التاريخي فكرا عدوانيا في غاية الخطورة لا نزال نعاني منه الى الآن وسوف نعاني منه إلى أمد طويل.

لقد أمرت آية السيف المسلمين بقتل المشركين أينما وجدوهم (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم). ويفسر المفسرون الآية بأن "لا ترفعوا السيف عن رقاب المشركين . فإن تابوا أي أسلموا. خلوا سبيلهم. (انظر تفسير الجلالين).ويدعم إبن كثير تفسيره بحديث نبوي رواه البخاري يقول:أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويأتوا الزكاة، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دمائهم وأموالهم.
وهذا يعني أن القتل يشمل أهل الكتاب، حيث أنهم لا يؤمنون برسالة محمد ولا يقيموا صلاة المسلمين ولا يستقبلوا قبلتهم ولايأتوا الزكاة . ونفس الأمر وجهته للمسلمين الآية (73) (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير). والآية (123) (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين). وحسب تفسير الجلالين وإبن كثير فإن معنى كلمة (يلونكم من الكفار) هو: الأقرب فالأقرب من الكفار، ولهذا بدأ الرسول بقتال المشركين في جزيرة العرب ولما فرغ منهم شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم وهكذا. وسورة التوبة أو براءة هي السورة الوحيدة في القرآن التي لا تبدأ بالتسمية بالله (بسم الله الرحمن الرحيم) بخلاف كل السور الأخرى. ويشرح تفسير الجلالين سبب ذلك فيقول: (ولم تُكتب فيها البسملة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك. كما يؤخذ في حديث رواه الحاكم، وأخرج في معناه عن علي: أن البسملة أمان وهي نزلت لرفع الأمن بالسيف. وعن حذيفة: إنكم تسمّونها سورة التوبة وهي سورة العذاب
الدين الحق في رأي هذا الفكر هو الاسلام، طبعا وفق فهمهم وتأويلهم, الدين المنزل من رب العالمين الخالص من البدع والتحريف، وهو دين الإسلام الحنيف الذي لا يقبل الله من أحد سواه، {إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱ-;-للَّهِ ٱ-;-لإِسْلَـٰ-;-مُ} [عمران:19]، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱ-;-لإسْلَـٰ-;-مِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱ-;-لآخِرَةِ مِنَ ٱ-;-لْخَـٰ-;-سِرِينَ} [عمران:85].
إذن عندما يأتي دعاة الإرهاب ويرفعون بنادقهم ويفجرون قنابلهم في وجه من خالفهم في الدين أو العقيدة أو الرأي فإن زناد بنادقهم وفتيل متفجراتهم مطعم بهذا الفكر، ومن هذا الفكر يأخذون سندا شرعيا لإرهابهم. لا يمكنك أن تأتي اليوم وتتنصل من هؤلاء وتدعوهم بالإرهابيين والقتلة وغلاة الأمة وتدين أعمالهم وتتبرأ منها، وفي نفس الوقت تقوم بنشر الفكر الذي يدعو إلى أن آية السيف قد ألغت كل ما قبلها من آيات التعايش مع الغير وحلت محلها.لا يمكنك اليوم أن تتنصل من هؤلاء ومن أعمالهم وأفكارهم وأنت في نفس الوقت تدعوا لنفس الفكر وتعلن أو توافق على القول بأن آية السيف قد ألغت كل ما قبلها من آيات التسامح والمصالحة.
الكتب لا تقتل ولا تطلق الرصاص أو تفجر القنابل، ولكن يمكنها أن تكون دليلا ودافعا للقتل والإبادة. الكتب المقدسة هي أخطر نوع من أنواع هذه الكتب التي تدعو إلى القتل والإبادة، لأن المؤمنين بها يعتقدون أنها أوامر من عند الله، من أجل إحقاق دينه وتطبيق أوامره.
من الطبيعي أن كل دين يعتبر نفسه صاحب الحقيقة الإلهية المطلقة ويعتبر غيره خارجا عن دين الله، كافر، ملحد يستحق العقاب الأرضي والسماوي. فالحقيقة الدينية المطلقة في كل الأديان هي تأويل بشري لنصوص مقدسة في رأي معتنقي هذا االدين.
كتاب المسلمين المقدس، القرآن، له، كما رأينا أعلاه، آياته التي تدعو إلى قتال الكفار، وينبع من هذه الآيات فكرا عدوانيا إرهابيا يدعو لقتل الغير، حفاظا على دين الحق، دين الله وهو الإسلام.
الكتاب المقدس عند المسيحيين واليهود، ليس بدوره كتابا مسالما على الإطلاق، فالعهد القديم يحث على إبادة الآخر كقوله على لسان موسى لقومه:" فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها ." عدد 31 / 7-18 ". كما قام يشوع التوراتي خليفة موسى بعملية الإبادة الجماعية لسكان فلسطين حيث تحدثنا التوراة باعتزاز كيف استولى يشوع على مدينة أريحا وقام بقتل كل من فيها من بشر و دابة ،وذلك بمباركة الرب يهوه وإرشاداته وتقول على لسان يهوه: " وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف " يشوع : 6 / 21 . و تابع يشوع عملية الإبادة والقتل الجماعي مع بقية المدن. قال الرب ليشوع : " قم واصعد إلى عاي، فتفعل بعاي وملكها كما فعلت بأريحا وملكها، غير أن غنيمتها و بهائمها تنهبونها لنفوسكم … وضربوهم حتى لم يبق منهم شارد ولا منفلت " يشوع : 8 . و تتابع التوراة مسيرة القتل والنهب فتقول: " ذلك اليوم ، استولى يشوع على مقيدة وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا . ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى بتة، فدفعها الرب هي أيضا بيد إسرائيل مع ملكها ، فضربها بحد السيف ، وكل نفس بها ولم يبق بها شاردا … ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه إلى لخيش … فضربها بحد السيف وكل نفس بها… ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لخيش إلى عجلون، فنزلوا عليها وحاربوها ،وأخذوها في ذلك اليوم و ضربوها بحد السيف، وحرم كل نفس بها في ذلك اليوم، حسب كل ما فعل بلخيش. ثم صعد يشوع و جميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون و حاربوها،وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها،و كل مدنها،وكل نفس بها . لم يبق شاردا حسب كل ما فعل بعجلون فحرمها وكل نفس بها ."يشوع 10 / 34 - 36.
لقد فهم رجال الدين المسيحي ما ورد في العهد القديم من أمر بالإبادة على أنه أمر إلهي دائم يعطيهم التسويغ العقدي من أجل إبادة شعوب البلاد التي قاموا باحتلالها. لقد قدمت نصوص العهد القديم هذه ومثيلاتها الدعم المعتقدي لعدد من المشاريع الاستعمارية في مختلف مناطق العالم مثل أمريكا الجنوبية في القرون الوسطى وأفريقية في القرنين التاسع عشر والعشرين وفي فلسطين في القرنين التاسع عشر وإلى يومنا هذا. لقد وظفت تلك النصوص لدعم الاستعمار في مناطق عديدة وفي فترات مختلفة حيث كانت الشعوب الأصلية للبلدان المستعمرة تشبه بالحثيين والكنعانيين وآخرين من شعوب التوراة التي أمر إله التوراة بإبادتها كما كان المستعمرون يشبهون أنفسهم بشعب إسرائيل التوراتي الذي تسلم أمرا إلهيا بإبادة كل السكان الذين انتصر عليهم. ويمكن العثور على جذور التسويغ البابوي للعنف في أفكار القديس أغسطين الذي لجأ إلى العهد القديم ليظهر أن من الممكن أن يأمر به الرب مباشرة. لقد كانت الحرب التي شنت باسم الرب حربا عادلة بامتياز.
إن القصص التوراتية أسهمت في معاناة أعداد لا تحصى من المواطنين المحليين الأصليين في أمريكا اللاتينية وفي جنوب أفريقيا وغيرها. لقد شجعت فعليا كل أشكال الإستعمار العسكري المنبعث من أوروبا عن طريق تزويده زعما بالشرعية السماوية للمستعمرين الغربيين. إن المواعظ التي كان يلقيها الرهبان في الجيوش المعتدية لأن يعدوا أنفسهم إسرائيل في البرية، يواجهون العماليق: فإسرائيل النقية مضطرة أن تلقي بالهنادرة سكان البلاد الأصليين كقاذورات في الشارع والتخلص منهم وإبادتهم، دفعت في الجنود المعتدين الحماس لتنفيذ المهمة على أكمل وجه. إنه نفس الفكر الذي يقوم بدعم الإستعمار الصهيوني لفلسطين ويبرر قتل وإبادة أهل فلسطين الأصليين، الشعب العربي الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه على يدي القوى الصهيونية الغاصبة .
يقول الأب المسيحي مايكل برير في كتابه (الكتاب المقدس والإستعمار الإستيطاني) أنه علينا أن نعترف بأن أجزاء كثيرة من الكتاب المقدس تحوي عقائد مخيفة وميولا عنصرية وكراهية للغرباء ودعما للقوى العسكرية و "إن ما أمرت به تلك القصص التوراتية وقفا للمعاير العصرية للقانون الدولي وحقوق الإنسان هو جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية.
بعد عصر التنوير الأوروبي بدأ التشكيك في الحقيقة الدينية المسيحية واليهودية وسمح لنقاد التوراة برفض ألوهيتها واعتبارها جزء من التراث الأدبي الإنساني. ومن النتائج التي خرجت بها مدارس نقد التوراة أن نسبة الكتب الخمسة الأولى لموسى و أنه صاحبها أو كاتبها بوحي من الله، قد أصبحت نسبة باطلة تماما ولا ظل لها من حقيقة. ولقد أبدت الكنيسة الكاثوليكية تفهما لذلك و سجلت اعترافها بذلك في مقدمة الطبعة الكاثوليكية للكتاب المقدس الصادرة في عام 1960 . ولكن الخطى التنويرية ظلت في الأروقة الأكاديمية ولم تصل إلى عمق الجماهير المؤمنة. فلا زالت الأغلبية العظمى من المسيحيين واليهود تؤمن بألوهية النص التوراتي وبحقيقة الوقائع الواردة فيه.
"الحقيقة الدينية" الإسلامية لا تزال فوق النقض ولا يسمح على الإطلاق بمجادلتها والتشكيك بألوهية مصدرها وهو إلى جانب القرآن هناك السنة المحمدية وأقوال الصحابة والسلف الصالح.. الفكر الديني الإسلامي يطلب من رعاياه الإيمان المطلق والأعمى في حقيقته الدينية وعدم محاولة التشكيك فيها، باعتبارها ثوابت عقائدية ودينية، وباعتبار أن كل ما وجب قوله فقد قيل. ولم يستطع المفكرون التنويريون المنتمون للثقافة الاسلامية القيام بعملية تفكيك الفكر الاسلامي وإعادة بنائه على أسس علمية معاصرة، لكونهم محكومين بسقف ليس بمقدورهم تجاوزه، فهم مهددون دوما بالتكفير وإقامة حد الردة عليهم.
إنه مأزق فكري وأخلاقي متشبع بالنفاق والإزدواجية. فإذا كان فكر التنظيمات والمؤسسات الدينية الإسلامية يعلن أن كل آيات التسامح والصفح وعدم الإكراه وحق الاختيار والتولي والإعراض عن الآخرين الذين يدعوهم الفكر الديني كفارا أو مشركين، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من أهل فكر مختلف، قد ألغيت ونسخت. فكيف لنا أن نجد أسسا للعيش المشترك مع الآخرين؟ كيف يمكننا أن ننزع فتيل الحقد والكراهية والحرب والدمار من قلوب شباب يائس قد تشبع منذ صغرة بهذا الفكر.؟
لقد آن الأوان ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي عهد حقوق الإنسان أن نعيد قراءة الكتب المقدسة ، مسيحية أو يهودية كانت أم مسلمة في ضمن سياقها التاريخي. علينا أن تعترف بأنها نصوص ظهرت في تاريخ معين وفي ظروف سياسية وإجتماعية معينة، وعلينا قراءتها في سياق هذا التاريخ فقط ولا غير.
يجب على كل العقلانيين العرب وخاصة المسلمين أن يعلنوها بأعلى صوتهم أن المسيحيين العرب، بمختلف طوائفهم، هم شركاء للمسلمين في الوطن العربي، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. هم شركاء في هذا الوطن وجزء أساسي من النسيج السكاني فيه ولهم الحق المقدس في بناء كنائسهم وأماكن عبادتهم وبحرية العبادة فيها. وأهم شيئ هو حقهم المقدس في العيش بأمان وسلام في وطنهم، وعلى الحكومات أن تؤمن لهم سلامة أرواحهم وأملاكهم وأن تقطع الأيدي التي تعتدي عليهم وأن تضرب الفكر الذي يحرض على العداء تجاههم. إن أي محاولة لحصرهم وإضطادهم والتضيق عليهم يخدم أعداء الأمة ويجب أن يرفض رفضا باتا من كل الوطنيين الشرفاء والوقوف ضده بكل السبل المتاحة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن