2014 / 5 / 24
لا يمكن لنا إدراك الواقع دون الوعي بدروس الماضي الذي أسس لهذا الواقع .
العلاقة بين النعل والبيادة علاقة قديمة ضاربة بجدورها في تاريخ هذه المنطقة ، فلقد كانت هي العماد والركيزة ، التي تأسست عليها أنظمة الحكم المتعاقبة منذ الإجتياح البدوي .
مع بدايات الإستعمار البدوي ، كان الحاكم البدوي يحتفظ لنفسه بالبيادة والنعل معاً لسوق الجموع المؤمنة ، فينتعل النعل لإمامة تلك الجموع في أداء طقوس عباداتها الدينية ، ويرتدي البيادة ليقود تلك الجموع لسحق الخارجين عنه ، ولتوسيع حدود مملكته المؤمنة ، عبر إجتياح ما جاورها من بلاد.
ظلت البيادة والنعل ، من المقتنيات الخاصة للحاكم البدوي ، طوال فترة التأسيس لحكم البداوة ، وأستمرت حتى نهاية ما عرف تاريخياً بالخلافة الراشدة.
مع نهاية تلك الخلافة الراشدة ، وتوسع مملكة الإيمان البدوي ، وإنشغال الحاكم البدوي بالإستمتاع بغنائم الجنات التي منحته إياها غزواته الإيمانية ، زهد ذاك الحاكم في نعله ، وتنازل عليه لخصيان قصره وأحتفظ لنفسه بالبيادة .
أسند الحاكم البدوي لخصيان قصره ، الذين أنعم عليهم بنعله مهمامه الدينية في إمامة الجموع في أداء طقوسها الإيمانية ، على أن يقوم الخصيان بتسخير تلك الطقوس للدعاء له ، وترسيخ ركائز حكمه ، عبر تسخير النصوص الدينية لتقديسه ، وتحريم الخروج عليه ، والعمل بكل ما أوتيت من قوة ، لتجهيل تلك الجموع ، وإغراقها في عوالم من الأساطير والخرافات ، وإبقائها تحت سطوة الرعب من عدو وهمي ، يتربص بها ، ويريد إفنائها ، وتصوير صاحب البيادة ، بأنه ملجأها الوحيد الذي يمتلك القدرة لصد ذلك العدو ودحره ، وتوفير الأمن والأمان لها.
هكذا تأسست العلاقة ، بين البيادة بما تمثله من قوة عسكرية ضارة ، وبين النعل بما يمثله من مؤسسة دينية ، وظلت تلك العلاقة في أغلب المراحل التاريخية ، تسير كما رسم لها ، بإستثناء حالات قليلة حاول فيها النعل تجاوز الدور المرسوم له، ومنازعة البيادة سلطتها ، ولكن النتيجة كانت تنتهي دائماً بقيام البيادة بسحق النعل والقضاء عليه وإستبداله بنعل جديد.
تاريخياً ، كانت أولى هذه المحاولات ، على يد الحسين ابن علي ، عندما خرج على يزيد ابن معاوية ونازعه الإمارة ، فكانت نهايته نهاية أن قطع رأسه وحُمل ليلقى تحت البيادة
.
وعقب هذه المحاولة ، محاولة أخرى قام بها عبدالله ابن الزبير ، بخروجه على أول بيادات بني مروان، فكانت نهايته أن يعلق على أعواد الصليب ، حتى يتفسخ جسده ، وتتساقط أطرافه ، ولم يشفع له إحتمائه ببيت رب البيادة البدوية ، التي هدمت ذاك البيت على رأس ذاك الرب ، ومن إحتمى به ، وأشعلت فيه النيران ، ونصبت صليب النعل على ركامه.
في عصرنا الحديث ، أدى تحالف النعل المتمثل هذه المرة في الإخوان المسلمين ، مع البيادة المتمثلة في الضباط الوحدويبن الأحرار ، أدى ذاك التحالف إلى إسقاط الملكية في المحروسة ، وبعد نجاح ذاك الإنقلاب ، حاول النعل الذي لم يقرأ التاريخ إفتكاك السلطة من البيادة ، فكانت ذات النتيجة .
جهل النعل ، وعدم إستفادته من عبر التاريخ القديم والحديث ، جعله ينخدع ويعيد الكرة في أيامنا التي نعيشها الآن ، ولقد نجح النعل عبر ركوبه لموجة الهياج الشعبي على البيادة ، نجح ولأول مرة في إفتكاك السلطة من البيادة ، وجعل البيادة تابعة له، تؤدي له التحية ومراسيم الولاء والطاعة لسنة كاملة ، لكن النعل الغبي لم يدرك ما تخبئه له البيادة من عقاب ، حتى حانت الساعة ، فكان إنتقام البيادة إنتقاماً بشعاً ، ولم يشفع للنعل كما لم يشفع لسلفه الإعتصام ببيت ربه ، ولا الصيام ولا القيام في ساحات رابعة والنهضة ، فلقد جاست البيادة في تلك الساحات دون رحمة أو شفقة وحولتها إلى بركة دم.
البيادة تحتاج دائما للنعل ، لأن النعل هو الذي يوطي لها الرقاب لتدوسها ، لذلك يتوهم من يظن أن البيادة التي ستحكم المحروسة لاحقاً ، ستقدف النعل في سلة الزبالة ، وسترتقي بالبلاد بالعلم والثقافة ، كل ما سيحدث أنها ستختار لنفسها نعل جديد،قد يكون الأزهر ، أو حزب النور ، أو غيرها من النعال المعروضة على مصاطب المساجد ، وما أكثرها ، ليحل محل النعل المُهترئ المسمى بالاخوان.
علاقة النعل بالبيادة علاقة تاريخية فكلهما يحتاج للاخر ولا قيامة له بدون الآخر .
والجموع المؤمنة ، ليس لها في واقعها من خيار بديل ، فخيارتها محصورة بين النعل والبيادة ، ولقد جربت حكم البيادة بدون النعل ، فوجدته قاسيا،ً وجربت مؤخراً حكم النعل بدون البيادة ، فكان أبشع تجاربها ، وأفضل خياراتها والمُجرب تاريخياً ، هو الحكم القائم على تعاون النعال والبيادات ، لتظل مداسة ومسحوقة روحياً وجسديا. وهي تعشق أن تكون كذلك ، لإن إنسحاقها الروحي والجسدي ، يجعلها في أفضل حالاتها الإيمانية .
https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن