العقل المستقيل وإشكالية التغيير

خالد مخشان
kha.mak@live.fr

2014 / 5 / 3

عرف العالم العربي في السنوات القليلة الماضية تغيرات واسعة في بنياته السياسية والاجتماعية والثقافية،هذا التغيير الحاصل، فيه ما هو ايجابي وفيه ما هو سلبي، وداخل هذا التغيير وفي قلبه نجد أن للمثقف دور أساسي ومركزي.
تعتبر فئة "الأنتلجنسيا" ( وهو مفهوم غير ذي تعريف دقيق لكن في الغالب يطلق على فئة اجتماعية قريبة من فئة الموظفين و هي شريحة اجتماعية من الناس الذين يمتهنون العمل الذهني ، المعقد و الإبداعي في معظمه و يشتغلون بإدارة الإنتاج و بتطوير الثقافة و نشرها)، فهي لها دور طلائعي في التغيير بحكم أنها أكثر الفئات الاجتماعية التي تعمل "من الناحية النظرية على الأقل" على بناء مجتمع ديمقراطي يحمل أفكار تنويرية، يعمل على نشرها داخل المجتمع من اجل إخراجه من ظلماته القابع فيها منذ عقود طويلة.
وداخل منظومة المثقفين نجد ذالك المثقف العضوي "الاجتماعي" حسب تسمية المفكر والسياسي "انطوني غرامشي" فهو مثقف مرتبط بالجماهير وينخرط في هموم ومشاكل ومعاناة المجتمع، يناضل من اجل الحرية والتحرر عمله ميداني بالأساس، على عكس المثقف "التقليدي" الذي يقبع في برجه العاجي ولا يبرحه، ينظر للمجتمع دون أن ينخرط أو يلامس إشكالاته وهمومه الحقيقية، فالمثقف العضوي هو رهان أي مجتمع لكي يتقدم، فهو يعمل داخل منظمات المجتمع المدني أو ضمن الأحزاب السياسية... عمله لا ينفصل عن هموم المواطن، يعمل أيضا على كشف عورات مثقف السلطة الذي يرتزق من وراء علمه وثقافته، فهذا النوع يدعم البنيات التسلطية ويدافع عنها بكل الطرق المتاحة له من تخوين وعمالة وعداء للديمقراطية، مقاومته للتغيرات الاجتماعية والسياسية، مقاومة شرسة بكل المقاييس.
وضمن النوعين السالفين الذكر نجد نوعا آخر يبدو في الظاهر انه محايد، ينزل بين المنزلتين لا يميل إلى أي من الطرفين، وهذا النوع هو ما يمكن أن نطلق عليه "بالعقل المستقيل"1 ، فإذا كان النوعيين الأولين من المثقفين، مواقفهم واضحة رغم تباينها وتضادها، فموقف هذا الأخير غير واضح مع أي الطرفين هو، فهو يهتم بالنقاشات الجانبية التي لا تصب بالأساس في تغيير البنيات السياسية والاجتماعية والثقافية، بل يكتفي بمراقبة ما ستؤول إليه الأوضاع، إذا تحسنت وتغيرت سيكون أول المستفيدين وإذا بقيت على حالها أو ساءت فلن يصيبه أي ضرر كبير. لكن باستقالته عن توعية أفراد المجتمع بحقوقهم والانخراط في تغير المجتمع، سيخدم الفئة الداعية إلى الحفاظ على الوضع القائم، لأنه رضي به واستكانة إليه دون أدنى محاولة إلى تغيره.
هذا النوع من المثقفين اتهاماتهم ومجالات عملهم مختلفة ومتعددة، يهتمون بجميع المجالات إلا المجال الذي من الممكن أن يكون مدخلا لإصلاح المجال العام، فعلمهم في تصوري، غايته القصوى، توفير الحاجات الضرورية للحياة، كتابتاهم ومؤلفاتهم الهدف منها وضع أسمائهم ضمن المؤلفين والكتاب، يراقب الوضع من خلف شاشات التلفاز أو الحاسوب، نقاشاته الفكرية والسياسية تبقى هامشية ومحصورة ضمن الدائرة الضيقة التي يعيش فيها، هو وأشباهه من أصحاب العقول المستقيلة.
هذا النوع من المثقفين حسب "الجابري" يحتاج اليوم إلى إعادة النظر فيه وفي دوره داخل منظومة التغيير ككل، من هنا نتساءل هل هذه الاستقالة لها عوامل خارجية أم داخلية؟ أم هما معا؟ بمعنى أخر، هل هي متعلقة بالإحباطات التي أصابت المثقفين القدامى الذين سعوا إلى تغيير الوضع القائم ولم يبلغوا مرادهم؟ أم أنها عواما داخلية نفسية بحتة؟ أم هي ظاهرة مركبة متعددة الجوانب يتداخل فيها ما هو نفسي وما هو إجتماعي وسياسي؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مفهوم مقتبس من كتابات المفكر الراحل "محمد عابد الجابري " والذي صاغه كمفهوم أساسي في إطار مشروعه الفكري القائم على نقد العقل العربي بغية الكشف عن إشكالياته من اجل إخراجه من جموده الفكري. ويقصد به هو ذالك العقل الذي يبتعد عن نقاش القضايا الحضارية الكبرى وينشغل عنها بالقضايا التافهة أو القضايا التي لا تقدم أو تأخر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن