ظلامية النور في الجامعة المغربية

محمد باليزيد

2014 / 4 / 30

الجامعة، قاطرة المجتمع نحو التقدم والرقي، أو هكذا يجب أن تكون. لكن، ككل مؤسسة من مؤسسات هذا المجتمع أو ذاك، فالجامعة هي من جهة أخرى مرآة لهذا المجتمع، تبرز فيها كل أمراضه كما تتجلى فيها كل مكامن قوته وتحضره.
يبدأ ضعف الجامعة المغربية أصلا، والتي ترتب (1)ترتيبا ضعيفا عالميا وعربيا، يبدأ هذا الضعف من أنه، زيادة على تقهقر المستوى التعليمي ما قبل الجامعي، لا يدخل الجامعة إلا من أغلقت في وجهه جميع المدارس العليا ومعاهد التكوين: بمعنى أن الحاصلين على البكالوريا يمرون من عدد من الغرابيل ولا يتبقى للجامعة إلا الذين لم يقبلهم أي غربال. يدخل الطالب/الشاب الجامعة المغربية إذن مكرها، فاقدا الأمل في أن يكون له مستقبل كريم كالذي يحلم به جل أولئك الذين قبلتهم المدارس العليا ومعاهد التكوين.... فأي تقدم تحلم به أمة لا تضع مهمة البحث العلمي سوى على كاهل "الفاشلين"؟؟ (2)
هل يرغب النظام فعلا في أن تصفو الأجواء بالجامعة ويسود الحوار البناء والتحصيل العلمي الجاد؟
سيادة ثقافة الحوار واللاإقصاء ستُنتج، مستقبلا، فاعلين سياسيين واعين غير مندفعين ولا متطرفين، سياسيين تحليليين مرتبطين بالواقع المغربي وقادرين على بناء ديمقراطية حقيقية في البلاد فعلا مبعدين عن اللعبة السياسية لوبي المال والمحزن الذي يستغل جهل العامة وتواطأ الهيآت السياسية وعدم قدرة الشباب، الراغبين في التغيير فعلا، عدم قدرتهم على اختراق هذا الواقع نظرا لضعف تكوينهم السياسي الذي يغلب عليه الانفعال والاندفاع.
سيادة التحصيل العلمي الجاد سينتج عنه جيل من الحاصلين على شهادات عليا ذات قيمة نوعية وكفاءة حقيقية، وكما أن الدولة لم تهيئ سوقا للشغل ونظاما اقتصاديا قادرا على امتصاص كل طلبات الشغل كما هو الحال الآن حتى مع هذه الشهادات الحالية، سوف يشكل ذلك عبئا سياسيا وضغطا اجتماعيا لا تستطيع أية حكومة مواجهته في ظل غياب بنية تحتية وهيكل اقتصادي مناسب. فكيف يستقبل اقتصاد كالاقتصاد المغربي، الذي تغلب عليه معامل النسيج ومعامل تصبير المنتجات الفلاحية، أجيالا من ذوي الشهادات درسوا بنظام تعليم قريب من النظام الفرنسي المدمج في اقتصاد كاقتصاد فرنسا/)أوربا(؟ من هنا يمكن أن نفهم من أن ادعاء الدولة المغربية محاولة لإصلاح التعليم شيئا آخر غير المعنى الصريح للإصلاح. ومن هنا يجب أن نستنتج أن وصول التطاحن بين الطلبة السياسويين إلى درجة فقدت معها الجامعة صفة مؤسسة، وصارت مجرد غابة يتطاحن فيها صبيان مشحونين بأفكار متطرفة يمينا ويسارا وشوفينية، من هنا نستنتج أن وصول الجامعة هذا المستوى ليس سببه عجز أمن الدولة، ولنقتبس هنا قول أحمد عصيد حول "الحياد الكاذب" للأمن المغربي في ما يتعلق بالعنف في الجامعات، عكس ما يحدث عندما يتعلق الأمر بمعارضة السلطة: "عندما يتعلق الأمر بمعارضة السلطة فإن الأمن يخرق حرمة الجامعة ويعتقل الناس لأنهم يعارضون السلطة، وعندما يكون العنف بين الطلبة في ما بينهم فإن الأمن يتخذ موقف الحياد ويتركهم يقتلون بعضهم بعضا. والهدف في ذلك هو عزل الجامعة عن المجتمع". فكيف تسمح أية دولة محترمة لنفسها بالتفرج حين تتساقط الأرواح، بالقتل العمد السياسوي(3).
في الجامعة المغربية "إسلامويون" و "علمايويون" و"أمازيغويون" وكل طائفة تصف الأخرى بأنها صنيعة المخزن وكل طائفة تكره الأخرى حتى درجة الرغبة في التصفية الجسدية، وقد وقعت فعلا حالات تصفية(4). لكن ما يربط الحالتين، حالتي اغتيال بنعيسى والحسناوي، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الحكومة المغربية[ومسؤوليتها أكبر من مسؤولية الأحزاب السياسية]، ممثلة اليوم في حزب العدالة والتنمية، لا تريد للفتنة الجامعية سوى أن تزيد اشتعالا. فحسب المعلومات المنشورة في مواقع عدة أن السبب في اغتيال الشهيد(5) الأخير، عبد الرحيم الحسناوي ، هو أن فصيله الطلابي عزم على القيام بندوة حول موضوع "الإسلاميُّون واليسار والديمقراطيَّة"، دعي لها عبد العلي حامي الدين ليمثل حزب العدالة والتنمية وحسن طارق، عن الاتحاد الاشتراكي. وحين علم الفصيل اليساري المتهم بالجريمة الأخيرة أن المتهم بقتل رفيقهم بن عيسى سنة 1993، هو المدعو ليمثل حزبه، رفضوا ذلك وهددوا بنسف الندوة. الطلبة الإسلاميون ينفون أن تكون الندوة هي سبب مقتل صديقهم بحجة أنه، وفقًا لمَا يحكِيهِ الكاتب المحلي لمنظمة التجديد الطلابي في فاس،عبد اللطيف الركيك، في حديثٍ لهسبريس :"فما كان إلَّا أنْ أخبرنَا الطلبَة يوم الخمِيس صباحًا، بالإلغاء، وانسحبنا من السَّاحة الجامعيَّة، لكنْ فوجئنَا بهجومٍ شنَّهُ العشراتُ من منتسبِي "البرنامج المرحلِي"مدججِين بالسيوف والسواطير". أما الفصيل المتهم بالقتل فأوضح في بيان لفصيل النهج الديمقراطي القاعدي البرنامج المرحلي بجامعة فاس، توصلت "گـود" [جريدة إلكترونية] بنسخة منه، أن مناضلي النهج كانوا في حالة دفاع عن النفس بعد ما وصفوه بالهجوم الذي شنته منظمة التجديد الطلابي التابعة للعدالة والتنمية عليهم واصفين تجمع طلبتها من جميع أنحاء المغرب بالإنزال المشبوه.(6)
هل يعقل أن تدفع الأمور إلى أمام [الهاوية] حتى صبيحة الندوة وحضور المنتسبين للتنظيم الإسلامي من الجامعات المغربية الأخرى، وبعد ذلك يقال: "لقد أجلت الندوة حفاظا على هدوء الجامعة"؟ أليس من حق الطرف النقيض أن يشك بأن موضوع الندوة لم يكن سوى حيلة لجعل "إنزال" الطرف الآخر مشرعنا وتحقيق ما يراد تحقيقه بالإنزال؟ ولنرجع إلى موضوع الندوة ذاته: " الإسلاميُّون واليسار والديمقراطيَّة". فصيل إسلامي يريد أن يتكلم عن مفهومه للديمقراطية، فما دخل اليسار في عنوان الندوة؟ أليس الأقرب إلى الصدق، لو أراد الإسلاميون فعلا أن يتكلموا عن مفهومهم للديمقراطية أن يكون العنوان: " الإسلاميُّون والديمقراطيَّة"؟
يقول أحد المعلقين، الدكتور: عادل بنحمزة، العلم 27/4/2014 :" وحده حامي الدين يوجد في الجريمتين معا". فأي تحليل سياسي يتمتع به حزب يقود الحكومة ويرسل، أو يقبل، بأن يمثله في ندوة داخل الحرم الجامعي شخص كان متهما(7) بقتل طالب من فصيل لم يزل، وعائلته، يطالب بدمه؟
إننا هنا أمام احتمالين لا ثالث لهما:
- فإما أن قادتنا السياسيين، من أمثال عبد العالي حامي الدين ودون استثناء الأحزاب الأخرى، ما يزالون يحللون بصبيانية واندفاع الطالب الجامعي، أي أنهم لم ينضجوا كفاية كي يفهموا أن الشأن العام أعلى وأعقد من الصراعات داخل الجامعة أو مقاطعة الامتحانات.
- وإما أن النخبة السياسية، وضمنها المسؤولون الحكوميون، يعرفون ما يفعلون ويهدفون إلى ترك الجامعة صبيانية لا تخرج سوى الخواء العلمي والعنف السياسي. فما معنى أن ننتظر حتى تزهق روح طالب لنقول بلسان رئيس الحكومة(8)، مطمئنين الشعب المغربي، أن جلالة الملك "أعطى تعليماته لمواجهة أحداث العنف الدموية التي تشهدها الجامعات المغربية من حين لآخر". أي حكومة هذه التي، لو لم يعط جلالته التعليمات، لظلت متفرجة حتى بعد مقتل الطالب الأخير؟ [الأخير إن شاء الله]. وأين هي الحكومة حين كان بعض الطلبة يمنع بعضهم البعض من الامتحانات تحت تهديد السلاح؟ نعم، للطلبة مطالبهم التي يجب أن يناضلوا من أجلها(9). لكن إذا كان المناضل هو أشرف الناس لأنه يمنح المصلحة العامة من وقته وطاقته على حساب مصلحته الخاصة ومستقبله، فإن "المناضل" الذي يجر الناس ل"رؤيته" تحت تهديد السلاح ليس سوى "جنديا" من جنود الكنيسة أو الإقطاع في القرون الغابرة أو أخس ما دام أولئك تشفع لهم ظروفهم العامة وتربيتهم(10).
ثلاثة أطراف(11) رابعهم المخزن[هل هو كلبهم أم ذئبهم؟] في الجامعة يعيثون فسادا ويمنعون الجامعة أن تتحول إلى منارة للعلم، إنهم يحولون نور الجامعة إلى ظلمات. فالظلامية ليست حكرا على إيديولوجية أو فلسفة بعينها، إنما هي صفة كل فلسفة تريد أن تجعل الناس، وتحت تهديد السيف، عبيدا لها، ولو كانت هذه الفلسفة هي الحق بعينه. وأنا إذ أدخلت "المخزن" في رباعي الظلامية هذه فليس من حيث أنه المسؤول عن ضعف البرامج التعليمية أو قلة المقاعد أو غير ذلك، فتلك مسائل ما أبعدها عما نناقشه الآن، وإنما من حيث أن قوات المخزن بذاتها نتج عن تدخلها في الجامعة إزهاق أرواح عدة مرات.


1) انظر هذا الترتيب في الرابط :
http://jarida-tarbawiya.blogspot.com/2013/03/fac.html
2) يجب هنا أن أشرح كلمة "الفاشلين"، سنة 1985 حصلت على البكالوريا بميزة مقبول [هذه الميزة التي يمكن تلخيصها في: مقبول في الجامعة فقط!] وككل الحاصلين على البكالوريا، طرقت جميع أبواب المؤسسات التعليمية بعد البكالوريا ولم يفتح في وجهي أي باب. دخلت الجامعة وانخرطت منذ البداية في الحركة الطلابية/النضال، لأحصل كذلك على إجازة بميزة مقبول. من وجهن نظر التحليل النفسي، ألا يحق لشاب غلقت في وجهه جميع الأبواب، ما عدا ذلك الذي لا يؤدي سوى للبطالة، أن يعتبر النظام المغربي ككل، نظاما فاسدا تستحق التضحية في سبيل تغييره أكثر من مستقبل هذا الشاب؟ إن أول إصلاح على النظام التعليمي أن يقوم به هو رد الاعتبار للجامعة بجعل شهاداتها ذات قيمة وتجعل حاملها يشرف على مستقبل كريم كحاملي شهادات المؤسسات الأخرى.
3) إذا كانت عقوبة جريمة القتل العمد تتجاوز في كل التشريعات عقوبة القتل غير العمد، فإن عقوبة القتل العمد السياسوي يجب أن تتضاعف عشرات المرات عن جريمة القتل العمد (الفردي). فالرؤية للقتل العمد في الإسلام الملخصة في "وكأنما قتل الناس جميعا" (المائدة32)، هذه الرؤية في نظري تصدق أكثر ما تصدق على القاتل العمد السياسوي ذلك لأن هذا الأخير، يتمنى فعلا لو استطاع فعل ذلك بكل مخالفيه السياسيين، في حين القتل العمد العادي/(الفردي) لا يرغب ولن يرغب صاحبه في إيذاء شخص آخر غير الذي بينه وبينه مشكل فردي. ولهذا يجب أن يتماشى القانون مع المستجدات الاجتماعية وينص على " القتل العمد السياسوي" ولا يقتصر فقط على "القتل العمد".
4) *) - القتيل: خليفة زبيدة 20 يناير 1988؛
- تياره السياسي أو فصيله الطلابي: البديل الجذري، يساري.
- المتهم: السلطات الأمنية تدخلت بعنف في الحرم الجامعي
*) - القتيل: عادل الجراوي ، 1990.
- تياره السياسي أو فصيله الطلابي: يساري.
- المتهم: السلطات الأمنية تدخلت بعنف في الحرم الجامعي.
*) - القتيل: المعطي بوملي (مقطوع الشرايين بعد أن اقتلعت أضراسه وشوهت جثته) 1991 وجدة.
- تياره السياسي أو فصيله الطلابي: يساري
- المتهم: لطلبة العدل والإحسان.
*) - القتيل: أيت الجيد بنعيسى سنة 1993
- تياره السياسي أو فصيله الطلابي: اليسار القاعدي
- المتهم: طلبة من فصيل إسلامي من بينهم عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الآن.
*) - القتيل: عبد الرحيم الحسناوي 24 أبريل 2014.
- تياره السياسي أو فصيله الطلابي: التجديد الطلابِي، تابع لحزب العدالة والتنمية
- المتهم: التيار القاعدي اليساري / البرنامج المرحلي

*) وكانت مواجهات سابقة بين طلبة منتمين للحركة الثقافية الأمازيغية ومحسوبين على القاعديين قد أودت بحياة طالبين. ................
5) أكتب هنا كلمة شهيد فقط احتراما لروح الفقيد وحسن ظن مني أنه لم يكن من الذين يسعون لقتل غيرهم وإنما كان ضحية فقط. ففي واقع كل يسمي ضحاياه شهداء وضحايا الآخر مجرد "مجرمين" أو "خونة" أو "رجعيين" يستحقون الموت، في واقع كهذا فإن كل من يسعى إلى قتل الآخر يكون هو الأولى بالقتل والرجم حتى.
6) أنا هنا لا أقول هذا لأبرر جريمة القتل، ولكن فقط لكي:
- أوضح أن جميع الأطراف[الفصائل الطلابية] مسؤولة عن العنف في الجامعة.
- أن الأطراف، خارج الجامعة والتي كان يجب أن تكون أعقل من الطلبة داخل الجامعة، تجاري الطلبة في غلوهم إن لم نقل تحرضهم.
7) وحتى لو افترضنا أن القضاء برأه فالواقع، وهو ما يهم سياسيا، أن الفصيل الطلابي الذي ينتمي إليه الضحية السابق مع عائلته، ما يزالان يعتبران أن حامي الدين هو الجاني وأنه أفلت من العقاب بميكانيزمات مشبوهة، وأكثر من ذلك منحته هيئة الإنصاف والمصالحة تعويضا.
8) قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أمس السبت، أن جلالة الملك محمد السادس، أعطى تعليماته لمواجهة أحداث العنف الدموية التي تشهدها الجامعات المغربية من حين لآخر. "أخبارنا" 28/04/2014
http://www.akhbarona.com/society/74078.html
9) إن نضال الطلبة من أجل مطالبهم، وكثير منها يتعلق بالبرامج والرؤية العامة للمجتمع في التعليم، وغياب الهيئات السياسية عن هذا وترك المهمة للطلبة وحدهم، لدليل على عدم نضج الحقل السياسي المغربي ككل.
10) وليس الإقطاع محصورا في أوربا، فالدولة والدويلات الإسلامية عاشت إقطاعا يندر أن يختلف عما عيش في أوربا.
11) الأطراف الثلاثة هم كل المتطرفين الذين يريدون:
- إقصاء الآخر بقوة السيف
- تجنيد الناس تحت رايتهم بالسيف
من التيارات "اليساروية" أة "الإسلاموية" أو الأمازيغوية".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن