وحدة وصراع الاضداد والواقع الراهن

جورج حزبون
g.hazboun@gmail.com

2014 / 4 / 14

وحدة وصراع الاضداد في الوقت الراهن
يتغير العالم باستمرار، كما تتغير مياه النهر، فالحياة هي الحركة، ولا شيء ساكن بالكون، وكما تتغير الحياة بفصولها وتتججد بحركتها، فان المجتمع يتغير، والمعطيات الموضوعية تتغير ولا يستقر إلا الموت، وخلال هذا التغير المستمر والذي جوهره التناقض فإن واقع الطبقات الاجتماعية تتبدل، والمصالح تتغير، والاحتياجات تتطور، والذي يجري بالطبيعة والمجتمع بالضرورة فهو يجري في العلاقات بين الدول، وتتبدل المصالح، وتتغير الاحتياجات والتحالفات، فإن كان التناقض هو جوهر الوجود، فان التناقض حالة مستمرة قد تفسرها لحظات لم تكن مقدرة ولكنها نتجت بالتراكم، لتظهر حالة جديدة قد يبدو ظاهريا أن لها ارتباط بما كان او ما هو مطلوب.
تهتم وكالات الانباء وكتاب المقالات والاعمدة، في تحليل وتفسير المرحلة التاريخية الراهنة، وهنا تتشابك المداخل والاستخلاصات، فمن يذهب الى الازمة المالية المتفاعلة منذ 2007، الى الازمة الاوكرانية، ومن الارهاب معضلة القرن ،وينطلق من 11 سبتمبر، إلى أفغانستان ويتوقف في سوريا، ومن يركز على الازمة الايرانية، وحتما هناك من يجد في القضية الفلسطينية أزمة عالمية متجددة، حتى أصبحت تدعى أزمة الشرق الاوسط، والسؤال هنا أين الغابة !!!!
الواقع ان الحراك او الصراع ظل قائما منذ الازل،على من يملك، وهو صراع اتخذ اشكالا عدة ، بغض النظرعن المسميات والمراحل التاريخية، واستقر القرن الماضي عبر الحربين العالميتين على تقاسم العالم بين الضواري، وخرجت تلك الحروب ببروز امريكا كامبراطورية استعمارية امبريالية، وقادت المعسكر الاستعماري، وحتى وهي تتحالف معه، كانت تعمل بجهد على إضعافه وفرض سياستها ومنهجها واسلوبها حتى طبعت كل الدول ومجمل العالم بصبغتها واسلوب حياتها واستهلاكها، لتتمكن من الهيمنة على اسواق العالم، حتى وصلت إلى ازمتها المتكررة منذ السبت الاسود والكساد العالمي ،إلى الازمة الراهنة والتي اضعفت مكانتها وشجعت الكثيرين على النهوض والحضور في هذا الصراع، فكانت التكتلات الاقتصادية الراهنة في مختلف قارات العالم والتي تطبع السياسة الدولية بهذه التحالفات الجديدة، ناهيك عن الشركات العبرة للحدود والكارتيلات الكبرى ، وهي نتاج راسمالية الدولة .
بعد خروج السوفييت وتفكيك اتحادهم، حاولت امريكا تجاهل جوهر وطبيعة حركة الحياة والتاريخ، لتصبح قائدة وشرطي للعالم، واتجهت الى استخدام الارهاب، فحاربت افغانستان وحطمت العراق ،ونشرت الفوضى بالعالم العربي، لكنها وقفت عاجزة عن استكمال المهمة، حين داهمتها الحقائق والتي اوضحت ان لا مطلق موجود، ولا قدرة مطلقة، وان الحياة تتحرك وليست بالضرورة لصالح ارادة البعض، بقدر ما لها من قوة اندفاع مستمرة حتى تحقيق التوازن في الطبيعة والحياة والمجتمع، فقد تناقضت اميركا مع طبيعتها كونها حركة نهب في جوهرها ، وان نزعتها العدوانية بالحروب تتطلب قدرات اقتصادية لم تستعد لها ولم تكن في مضمون حركتها التي دفعها الاستعلاء والغرور ، فوقعت في تناقض داخلي ، وصل بها الى ازمتها الطويلة على طريق محتوم نحو الازمة العامة ،
واعادة روسيا حضورها بعد ان افاقت وتمكنت من ذاتها ونظرت الى قدراتها، محاولة العودة الى دورها القيصري، وبحثت عن حلفاء الامس لاسناد مهمتها، دون ان تدري طبيعة التاريخ السير الى الامام، وان الطموح محكوم بمعطيات الحاضر، ولا عودة لاستقطاب العالم بين قوتين، وكل منها تمتلك عناصر ضعف تقيد حركتها، وعناصر صاعدة في التخوم لا تقبل اعاقتها، وربما تستفيد من صراعها لتتقدم بغض النظر عن كونها حليف معها، فقانون وحدة وصراع الاضداد متفاعل.
وفي التخوم يجري الصراع بالوكالة، فاستخدام ( ولا اقول هنا إقامة) قوى الاسلام السياسي، بما تملكه من ارهاب انساني، ورجعية فكرية، قادرة على إعاقة تقدم ملايين البشر وتبديد ثقافتهم، وتفكيك بلدانهم، التي تحتاج في نهاية الامر إلى إعادة بناء، لا تتحقق إلا عبر استيراد المواد اللازمة والاستهلاكية من خلال الشركات العابرة والمسيرة بالراسمالية، وهنا يتم الصراع بين كافة الاطراف الداعمة والمؤيدة، حتى تكون قد امنت لها الحضور في اسواق النفط والبناء واعادة التاهيل، وربما اعادة هيكلة الصراع الاقتصادي بين ضواري راس المال وتقاسم الكعكة، حين لم تعد تتوفر امكانيات الصراع بالسلاح، وهذا جوهر التناقض وطبيعة الصراع، والذي يترك الناس لتفسيره كل على رايه، طالما غابت القوى الطبيعية القادرة على توجيه دفة الصراع لصالح الفئات الفقيرة والمضطهدة، وجوهرها الطبقة العاملة صاحبة المصلحة في جعل الصراع من خلال معرفة قوانينه لصالحها واقامة النظام العادل.
سيطول مشوار البشرية ضمن حالة الصراع والاصطفاف، وليست بؤرة الصراع الاوسطي اسرائيل ،إلا حالة مستخدمة لخدمة راس المال، وهي بالضرورة جزء منه ،وحالة مثالية لاستخدامات الامبريالية للصراع بالوكالة، فالدور المناط باسرائيل اولا تقسيم العالم العربي ثانيا ابقاء المنطقة في حالة صراع، وثالثا جعل الانظمة الحاكمة قمعية، حتى لا تقوم حركة نهضوية عروبية لدولة موحدة ،وهنا يكون استخدام الدين وسيلة اساسية، لمناطحة الايدولوجيا، ولتوفير الصراع الداخلي بحكم التاويل المتعدد للدين ، وبالنتيجة الاستيلاء على المنطقة ليس بالضرورة بشكل مباشر فالاستعمار لا يحتاج اكثر من النهب،واسلوب الاحتلال المباشر اصبح غير مجدي ، وهو ما ادركته اسرائيل وتحاول ان تاكل الكعكة والاحتفاظ بها .
وبالنتيجة فان القرن الراهن له طبيعته الخاصة، فقد وصل التراكم الى حد الطفرة، فتكونت كيانات صاعدة متعددة، متناقضة بالجوهر، لكنها لا تملك ذات التوجه وهو نهب الشعوب وخبراتها وابقائها اسيرة تخلف اقتصادي واجتماعي، ولا باس من استخدام الدين او العرق والاثنية في تاجيج هذه الصراعات، وستصل بالنهاية الى ان تفقد خاصيتها وتدخل مرحلة اخرى ، ضمن مسيرة نفي النفي حتى زوال الراسمالية الذي قد يطول ولكنه محكوم بالفشل .





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن