هوية جنسية

زين اليوسف
zain.joseph@hotmail.com

2014 / 3 / 30

البداية كانت مع عبارة كتبتها ناشطةٌ يمنية في صفحتها على موقعٍ للتواصل الاجتماعي..قرأتها و دون مقدمات وجدت نفسي لا إرادياً أفكر:"هل ما قالته يعتبر طريقةً ذكية للوصول إلى ما نريده كبشرٍ يمارسون "التحضر" في أوقات فراغهم أم أن تلك العبارة ما هي إلا مجرد فكرةٍ مبنية على أمر لا أجده منطقياً؟؟"..العبارة كانت تقول:"من المهم إثارة قضايا الميول الجنسية و الهوية الجنسية في اليمن و لكن في الوقت المناسب"..و بعد تفكيرٍ شبه متمعن وجدت نفسي لا أتفق معها "كثيراً"..و لهذا بضعة أسباب لا أتمنى موتك بعد قراءتها.

أختلف مع العبارة لأن الأغلبية قد تترجمها على النحو التالي..الإعلان عن الهوية الجنسية و حق تحديدها لدى المواطن اليمني ترفٌ ما زال المجتمع ليس على استعداد لتقبله بعد..فهناك أولوياتٌ أكثر إلحاحاُ لتلبيتها و غرائز أكثر انفلاتا لكبح هروبها من عقالها..و لكن في ذات الوقت لو تجاوزنا عن لعبة ترتيب الأولويات تلك نجد أننا حقيقةً نضع لكلمة "ترف" معنى جديد قد يكون يناسبنا و لكنه في ذات الوقت قد لا يكون مناسباً للآخرين.

فلو انتظر "الآخر" لكي نشبع جميع الاحتياجات التي يعتبرها الكثيرون أشد إلحاحاً من حقه في إعلان هويته -بغض النظر عن كينونتها- فهذا يعني أنه لن يتم إعلانه عنها لعدة عقود..أي أن الوقت المناسب لن يأتي خلال فترة حياة جيلين و ربما ثلاثة..و حينها لا أعلم هل سيكون التقسيم الفكري في اليمن قد تطور من مرحلة مملكة الغاب لمملكة الإنسان أم أننا سنكون ما زلنا في تلك المرحلة قابعين!!.

المواطن اليمني يبحث عن مستوى حياة إنساني و لن أقول مع قليلٍ من الكرامة لأنها ذهبت مع الريح منذ عقود و بعقدٍ مجاني و بموافقة الطرفين..و لكنه يبحث عن الحد الأدنى من الأمن النفسي كما الجسدي و لكنه أيضاً لا يبحث عن الأمن الفكري لأنه أصبح رغم ضرورته هو الآخر ترفاً يمكن الاستغناء عنه..و هكذا نجد أنه عندما تتدنى الحريات في بلدٍ ما تصبح أساسياتها ترفاً مع مرور الوقت..فاليمنيون أصبحوا يتحدثون عن كل الحقوق التي تعتبر من الأساسيات على أنها حقوقٌ يجب أن تنتزع مع أنه من المُسلَّم به أن تكون حقاً مكتسباً نحصل عليه تلقائياً في اللحظة التي يقرر فيها الرب توريطنا بهذا الوطن.

قبل عدة أسابيع تم القبض على فتاةٍ يمنية من مدينة الحديدة و دون سابق إنذار..التهمة؟؟..لا لم يتم القبض عليها في قضية دعارة كما سيعتقد البعض و لكن لأنها فقط قررت أن تمارس حقها الطبيعي في اختيار الدين الذي تعتنقه..الدين قد يكون لدى البعض غريزة و لكن البعض الآخر قد يعتبره هو الآخر نوعاً من أنواع الترف..هذه الفتاة -بغض النظر عن قوة أسبابها أو ضعفها و التي دفعتها لهذا التحول- قررت أن تمارس حقها الطبيعي في ترتيب أولوياتها..و ما يجده البعض أمراً ليس أساسي بالنسبة إليهم لتقوم هي باختياره قامت هي بوضعه على قمة سلم أولوياتها بكل بساطة.

ماذا كان مصير الفتاة؟؟..بالطبع تم قمعها أولاً لأنها فتاة تحيا في مجتمعٍ يمارس أفراده ما يشبه الذكورة و ثانياً لأنها قررت أن تختار و ثالثاً لأن أولوياتها لم ترق للكثيرين..و هكذا تم وصفها بصفة الجنون فقط لأنها وجدت أن الإسلام كفكرة أو حتى كدين لا يشبعها و لكنها وجدت هذا الأمر مع المسيحية..و لكن هذا الأمر لم يُحترم و لن يُحترم.

فعملية مصادرة الحريات في اليمن مع مرور الوقت لا يتم تحجيمها كما تتوقع الأغلبية و لكن على العكس تمتد و تصبح راسخةً في العقول بل و تصبح غرائز يجب على الفرد تطبيقها دون تفكير..فتكون فكرة المصادرة في البداية كخيط العنكبوت واهنٌ جداً و لكن مع مرور الوقت تصبح تلك الفكرة احتياج و ضرورة لتصبح حبال تقيدنا و من ثم نجد أن تلك الحبال التي كان من الممكن مع القليل من الجهد تمزيقها قد تحولت إلى سلاسل و أغلال لن نتمكن من تحطيمها لأننا حينها سنكون قد اعتبرنا وجودها أمراً تعتبره الأغلبية من مُسلَّمات الحياة.

الفرد اليمني لن يقوم باحترام حريات الآخرين الشخصية طالما أن ذلك الأمر لم يُفرض عليه فرضاً لكونه إعتاد على قانون الغاب..و أمور مثل الحرية الجنسية كهوية و الدينية كاعتناق لن يتم تحقيقها في اليمن من دون مطالبات تتم من دول الخارج..التدخل في الشأن اليمني الداخلي أمرٌ مكروه و لكن طالما أن الفرد اليمني ما زال قاصراً عن ممارسة النضج الفكري تجاه الآخرين فحينها يجب أن تتم الوصاية عليه..فلعله حينها يكف عن ممارسة غريزة القضاء على الآخر لتنمو لديه غريزة التعايش معه.

حالياً يمكننا القول أن التدخل الخارجي في اليمن في أوجه..فالشريعة الإسلامية سيتم إقصاؤها من الدستور اليمني..فإن كانت هناك مطالبات فإما أن يتم إدراجها الآن و إلا لن يحدث هذا الأمر في القريب العاجل..يجب أن نبدأ في تصنيف الحريات على أنها حريات و غرائز أساسية من جق كل مواطن أن يعلن عنها و يمارسها بكل حرية و دون أي إرهاب من الآخرين..يجب أن نكف عن بناء مجتمعٍ منافق يسكن مواطنوه الدرك الأسفل من الإنسانية في الدنيا و سيقيمون في الدرك الأسفل من النار في الآخرة.

لا أعلم حقاً ما الفائدة من أن نعلن بكل فخرٍ طفولي أن مواطنيَّ هذا المعتقل أغلبهم من المسلمين بينما لدينا إحصائيات تدل على أن الإلحاد التحول بين الأديان اللا دينية في ازدياد!!..لا أعلم ما الحكمة الإلهية التي يريد اليمنيون تطبيقها عند إعلانهم أن الهوية الجنسية في اليمن هي غيرية بنسبة تشابه نسبة فوز صادم حسين في الانتخابات الرئاسية في عام 2002 م!!..إن لم نكف عن ممارسة هذا النفاق فقريباً سيتم صفعنا بطريقةٍ عملية جداً و سيأتي اليوم الذي سيحكمنا فيه يهودي مسيحي و ربما مثلي و لكنهم سيأتون بسلطة الآخر..تلك السلطة التي لن نتمكن حينها من رفضها لأننا لم نتمكن يوماً من رفض حذاء الداخل و هو يطأ عقولنا قبل كرامتنا..فكيف سنفعلها مع حذاء الخارج!!.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن