نزار قباني // من شاعر الياسمين ---- إلى شاعر يكتب بالسكين !!

عبد الجبار نوري
jabbarjonas@hotmail.com

2014 / 3 / 30


ولد نزار قباني في دمشق 21 -3- 1923 – وتوفي 30 نيسان 1998 في لندن عن عمر ناهز 75 عاماً دُفنَ في دشق حسب وصيته (أدفن في دمشق ، الرحم الذي علّمني الشعر ، الذي علمني الأبداع ، الذي علمني أبجدية الياسمين ) ، ولهُ 35 ديواناً أولى دواوينه 1944 بعنوان " قالت لي السمراء"( نزار قباني/قنديل أخضرعلى باب دمشق/خالد حسين) ، عُرِفَ في شعرهِ على مدى خمسين عاماً شاعر الغزل المشبوب بولعٍ شديد يميل الى التهتك والخلاعة أحياناً في وصف المرأة ، وفاق بشعره عمر ابن أبي ربيعه في عصره الحديث حتى سميّ بشاعر الحب والمرأة ، وأنه نقل موضوع الحب من الوصف الخارجي الى موضوع خاص في الشعر العربي الحديث لا يشبههُ أحد،(عز الدين مناصره / شاعر فلسطيني) ، وظل يحمل صفة الشاعر المخملي ، حيث أثار هواجس النقاد وحرك في المنتدى الأدبي العربي أرهاصات ومماحكات وجدلٍ ، وكتب بعضهم أنه ليس من شعراء الألتزام وأنهُ شاعر البرجوازية المملوءة بالغرائز الشهوانية ، وأنتقدتْ أبنتهُ (هدباء) التي عاشت معهُ العشرة سنوات الأخيرة بشدة تشويه صورة نزار حين جعلوا منه زير نساء، وتجاهلوا علاقاته السياسية والأجتماعية وقصائده الوطنيّة والسياسية ،وقالتْ : أنّ نزار نقل الحب والحنين من الأقبية السريّة إلى الهواء الطلق ، وكانت سنة النكسة 1967 هي الفاصل لنقل نزار قباني الى شاعر مقاومة وشاعر سياسة وقد غيّرتْ بعد هزيمة 67 لديه الكثير من المفاهيم والقيم السياسية بل وأحدثت شرخاً عميقاً في داخله لذلك كان الردُ قاسياً وعنيفاً ونقدًاً لاذعاً(صحيفة جراد/ الفلسطينية 2007/ص4) وفيها أثبت للنقاد بأنه أبن بيئته وحامل هموم وطنه ومشاركاً أياهم الخبز المعفّرْ بذل الهزيمة ، وبمشاركته الوطنية لهموم شعبه تقبّلَ الجلد الذاتي بكل رحابة صدر، وهي مصداقية الشاعر الملتزم حين يكون شعره جزء من تربته وبيئته ، وأصبح شاعر تمرد وعصيّان شعري وبلغة هجوميّةٍ متخطياً حواجز الدبلوماسية أحياناً بالرغم من أنه دبلوماسي المهنة ، وأبدع في قصائده حد التأثر والتأثير ، فبعد النكسة أتسعت آفاق القصيدة السياسية لدي نزار وتفتحت على ألأحداث الكبرى في الوطن ، فتارة يرمز للوطن وتارة تأخذ القصيدة بعداً قومياً وهو نوع من الكبت الباطني الذي يعانيه أغلب شعراء العرب الحداثويين كالسياب والبياتي وصالح عبد الصبور ومحمود درويش (الوطنيّة والشعر السياسي لدى نزار قباني/ رسالة ماجستير للطالب آزاده كربواني)
• هوامش على دفتر النكسة : وهي تحكي الأدب القومي ، فكانت القصيدة الفلسطينية حاضرة بقوّة بمآسيها المتتالية ونكساتها المتعاقبة، أثارت عاصفة شديدة في العالم العربي ، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين العرب ، ولعنف القصيدة صدر قرار منع أذاعة أشعاره يقول فيها : يا وطني الحزين حولتني بلحظة ---- من شاعر يكتب الحب والحنين لشاعرٍيكتب بالسكين--- إذا خسرنا الحرب لا غرابه ---لأننا ندخلها--- بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه-----بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه---- لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابه.
• المهرولون : فقد سجل موقفهُ صراحةً ضد التطبيع بكافة أشكالهِ ، وأيّد الكفاح المسلح وكتب في هذا الشأن (المهرولون) التي كان لها صدى مدوي عقب نشرها بعد توقيع معاهدة أوسلو سنة 1995 ، يُغْضِبْ نزار العرب بهذه القصيدة حين ترقى الى تشبيههم بالجبناء ويقول فيها : سقطت آخر جدران الحياء--- وفرحنا ورقصنا وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء--- لم يعد يرعبنا شيء ---- ولا يخجلنا شيء---- فقد يبست فينا عروق الكبرياء ، تتميّز القصيدة بعمق الأسف في نفس الشاعر حين يضع يدهُ على النقطة الأصلية عند العرب وهي الكبرياء ، وفي المهرولون يعلن أنتماءهُ الى ( النحنُ)العربية التي شوهتها توقيع الجبناء مع أسرائيل .(سيرة حياة نزار قباني/موقع نزار قباني/في 3-10-2011 )
• خبز وحشيش وقمر:وهي قصيدة سياسيةٌ جوبهتْ الكثير من النقد ليأسهِ من المعجزات الدينية الموهومة ويرمز للقمر كسل العرب بأدمانهم على المخدر الذي أخرجهم من العالم الحسي الى عالم الخيال (نزارقباني/ محمد رضوان/ص26) ويقول فيها : عندما يولد في الشرق قمر---- فالسطوح البيض تغفو تحت أكداس الزهر-- ويموتون إذا عاش القمر.
• متى يعلنون وفاة العرب ؟: وفي عامه الأخير قبل رحيله 1998 يقول فيها : متى يعلنون وفاة العرب ---أنا منذ خمسين عاماً ---- أحاول رسم بلادٍ تسمى مجازاً بلاد العرب ---- ساءلتُ نفسي : إذا أعلنوا يوم وفاة العرب----- ففي أي مقبرةٍ يدفنون ؟ ----- ومن سوف يبكي عليهم؟---- وليس لديهم بنون ---- وليس هناك حزنٌ وليس هناك من يحزنون.
• عندما يسقط مُتْعَبْ أبن تعبان في أمتحان حقوق الأنسان/وهي قصيدةٌ ألقاها الشاعر الكبير نزار قباني في مهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985 ، وقد أحدثت ضجة كبيرة داخل الأوساط الأدبية لجرأتها في حينها وأحراجاً كبيراً للسلطة المستبدة الحاكمة، وتمّ التعتيم والتشويش عليها ومُنعتْ من الصدور على الصحف العراقية وقنوات الأعلام ، ولم يدعى نزار إلى أي مهرجان بعد ذلك ، وألغيّ بعد عام 1990 في أجهزة الأعلام ، وهذه مقاطع من القصيدة : مسافرون نحن في سفينة الأحزان -----قائدنا مرتزق ---- وشيخنا قرصان ---- مطاردون كالعصافيرعلى خرائط الزمن ---- مسافرون دون أوراق ---- وموتى دونما كفن---- مواطنون نحن في مدائن البكاء---- قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء---- يا وطني المصلوب فوق حائط الكراهية -----يا كرة النار التي تسير نحو الهاوية---أذا قضى طاغيه--- سلمنا إلى طاغيه---يا وطني --- كل العصافيرلها منازل--- إلا العصافير التي تحترف الحرية فهي تموت خارج الأوطان.
• منشورات فدائيه على جدران أسرائيل :وهي من القصائد الوطنية حين يقول فيها : لن تجعلوا من شعبنا ---- شعب هنود حمر----- فنحن باقون هنا.
• هجم النفط مثل ذئب علينا :كتبها في 4-10-1984 يقول فيها : فأرتمينا قتلى على نعليه ----أمريكا تجرب السوط فينا ----- وتشّد الكبير من أذنيه ---- أمريكا ربٌ وألف جبانٍ بيننا راكعٌ على ركبتيه !!!.
• الحب والبترول : ويقول فيها : بِعْتَ القدس---- بِعْتَ الله ----بِعْتَ رماد أمواتك ---- تنام كأنما المأساة ليست مأساتك--- متى تفهم ؟ متى يستيقظ الأنسان في ذاتك . وهي لغة تقريع للأمة العربية وقادة أصحاب القرا ر.
• قصيدة/ حرب تشرين: في 1974 ، أول قصيدة يتفاخر بالنصروحبه لدمشق / تسمى غرناطه أطلت علينا ---بعد يأسٍ وزغردتْ ميسلون ---- يا دمشق ألبسي دموعي سواراً ----وتمني كل شيءٍ يهون ---- وضعي طرحة العروس لأجلي--- مهر المناضلات ثمين---- نحن عكا ونحن كرمل حيفا ---- وجبال الجليل واللطرون --- كل ليمونة ستنجب طفلاً ----- ومحال أنْ ينتهي الليمون .
• قصيدة/ بلقيس : ( زوجته العراقية ، قُتلّتْ سنة 1981 في تفجير السفارة العراقية في بيروت ، فيها حمّلَ العربَ مسؤوليّة قتلها يقول فيها : سأقول في التحقيق ---إنّي قدْ عرفتُ القاتلين --- بلقيس يا فرسي الجميلة----أنني من كل تأريخي خجول.///
وأخيراً وليس آخراً أحييّ هذا الشاعر الخلاق المبدع في نزارياته العشقيّة، والسياسية وخاصةً في قصائده الوطنيّة الشجاعة والمليئة بالتحدي والكبرياء لقوى الظلام ، وظهورها في سماءٍ أختفى فيها القمر، وكُسرتْ فيها الأقلام وكُمّتْ فيها ألأفواه ، وأختلطتْ فيها ألأوراق حين أصبحت القصيدة الوطنية عملة صعبة ونادره ، وأنّهُ ملأ الدنيا وشغل الناس في النصف الثاني من القرن العشرين ، وهو الشاعر الذي نسف بكل جرأة وشجاعة جملة من البنى التقليدية حيث كان شاعرنا حراً ومتمرداً فيما يقولهُ بشأنْ أهمْ ما يشغل البال العربي والتفكير والجوارح والمشاعر والأحاسيس من جانب وكل المحرمات والمنكرات والحلال والحرام من جانب آخر، فالمجد لك يا نزار قباني ،
عبد الجبار نوري/ السويد




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن