سلامة كيلة: المعارضة السورية تعبر عن سياسات النظام ومصر على أبواب ثورة ثالثة

رأفت الغانم
raafat.alghanim@gmail.com

2014 / 3 / 11

باريس / 20 فبراير 2014

*قبل انطلاق الثورة السورية ومن إحدى المحاضرات التي ألقيتها في مخيم اليرموك بدمشق أشرت إلى أن الربيع العربي قادم إلى سوريا على العكس من بعض الآراء السائدة في ذلك الوقت، ما هي المعطيات التي بينت عليها رؤيتك؟ ولماذا استبعدت نخب أخرى قيام ثورة في سوريا؟

**يتعلق الأمر في طبيعة فهمي للمجتمعات والظروف التي تدفع البشر في لحظة معينة لأن يثوروا، وهذا ما حاولت أن أكتبه سابقاً اعتماداً على تجربة الاتنفاضات العربية التي حدثت في الثمانينات، وهذا ما أصدرته في كتاب في عام 2007 وضعت له مقدمة تشير إلى أننا مقبلون في المنطقة العربية على ثورات جديدة.
الأساس في التحليل ينطلق من فهمي للأزمات المجتمعية، لأنني أعتقد أن الشعوب التي تعيش حياتها" الطبيعية" بمعنى: الحياة الاجتماعية؛ بعيداً عن السياسة، لا تشكل عنصر سياسي فاعل، لأنها تميل إلى الابتعاد عن السلطة والسياسة، وتهرب من ضغوط السلطة عليها في حياتها العادية. لكن في اللحظة التي تشعر بها الشعوب أنها عاجزة عن العيش نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي وانهيار الوضع المعاشي، تميل للتمرد؛ وفي هذه اللحظة تستطيع أن تصنع أكبر ثورة.
لهذا أشرت منذ العام 2007 بأن المنطقة العربية مقبلة على ثورات، ومنذ انطلاق الثورة التونسية أشرت في مقال نشر في جريدة الأخبار أن المنطقة العربية ومن ضمنها سوريا ومصر مقبلة على ثورة وذلك بسبب الانهيار الاقتصادي الذي حدث في العقود الماضية والذي أدى إلى إفقار وتهميش الكتلة الأكبر من الشعب، وهذا الأمر ظهر واضحاً في تونس وظهر واضحاً في مصر، وأيضاً كان واضحاً في سوريا رغم أن الليبرالية انتصرت تقريباً في العام 2007.
كان هناك احتقان اجتماعي ينمو في سوريا ويشير إلى إمكانية حدوث انفجار، لكن قرب اكتمال الانفتاح الاقتصادي وخوف الناس من السلطة والذي كان لا يزال يحكمها يجعلان ميل الناس للتمرد أضعف، وهذا الأمر جعلني أقول أيضاً أن الثورة السورية ستحدث لكن ربما تتأخر قليلاً.
وهو ما انعكس أساساً في الثورة حيث أن العنف والدموية كانت تضعف الإنتفاضة من زاوية إلا أنها تشعلها من زاوية أخرى، واتسعت الثورة السورية على خط توسع عدد الشهداء، بمعنى لو بقي الاعتصام في درعا بحدود ضيقة دون بطش النظام لكان الحراك سيأخذ مدى أطول، أي أن الثورة لن تكون متوالية بهذا الشكل السريع. لكن الرصاص دفع أهالي حوران للتمرد وبالتالي كسر حاجز الخوف عبر عنف السلطة ذاته وليس عبر تراكم الاحتقان الداخلي فقط، عنف السلطة أيضاً جعل مناطق أخرى تتأخر في الالتحاق بالثورة، وهو ما جعل الثورة بحاجة لعام كامل لتعم أرجاء سوريا.
أما عن التوقع بعدم قيام ثورة داخل سوريا فذلك عائد إلى أن القوى السياسية العربية والنخب عموماً لا ترى الشعب ولا ترى مشكلات الناس، وتميل للتعبير عن همومها الذاتية على اعتبار أن همومها الذاتية هي الهموم المجتمعية، إضافة إلى أن العنصر المركزي خلال العقود الأخيرة هو مسألة الديمقراطية ومواجهة الاستبداد، وبسبب رؤيتهم لقواهم المحدودة كنخب في مواجهة نظم استبدادية قوية، طغى هدف الديمقراطية والحريات على أي شيء آخر، مع تجاهل كامل للوضع الاقتصادي الذي بدأ يسبب تدهور الوضع المعاشي، في سوريا كان واضحاً التركيز على الديمقراطية والانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية كشعار مركزي مترافقاً مع خطاب موازي وهو القبول باللبرلة والدفع باتجاهها، رغم أن اللبرلة التي كان يقوم بها النظام واقعياً هي التي أفقرت وهمشت الناس، وبالتالي لم تكن النخب تريد رؤية هذه الحركة الواقعية التي همشت المجتمع ودفعته للقيام بثورة، مغطيةً ذلك بالحديث عن استسلام وتبعية الشعب وخوفه وجبنه، وهذه نزعة استعلائية على الناس لا ترى الواقع ولا ترى السبب الموضوعي الذي يجعلهم لا ينشطون سياسياً. فكان المنطق الذاتي هو الذي يحكم، لأنني أنا أنشط سياسياً يجب على كل الشعب أن يلحقني في ذلك، لا أن يكون العكس أن أفهم حركة الشعب وأفهم كيف أتعامل معه وهي مشكلة حتى الآن قائمة عملياً.


*من ذات الزاوية لم تكن هناك لبرلة في عهد حافظ الأسد، إلا أنه شهد ثورة في الثمانينات، كيف تقرأ ذلك؟

**ما حدث في الثمانينات ليس ثورة، هي ردة رجعية كما أسميها، الإخوان المسلمين قاموا بدور تخريبي ودور رجعي، لأنهم بالأساس عبروا عن فئات تقليدية اجتماعية كانت تتهمش أمام سيرورة التطور والتحول الاقتصادي الذي كان يجري، وهم التجار التقليدين في المدن خصوصاً حلب وحماة وإدلب بالإضافة لقطاعات ريفية مهمشة في الشمال، هذا هو الأساس الموضوعي. فالمناطق الأخرى لم تشهد حراك قوي، ففي درعا مثلاً لم يكن للإخوان المسلمين وجود وفي دمشق كان وجودهم هامشي كذلك في دير الزور، بالتالي هي ليست ثورة إنما ردة رجعية كانت تقوم بها قوى أصولية لمواجهة صيرورة تحدث، مثلا: كان هناك حرفيين صغار فجاءت المحلات التجارية الكبيرة لتدمر هذا النمط الحرفي وهذا كان واضحاً في المدن، في الريف أيضاً كان الإهمال والتهميش للشمال عنصر أساسي لتواجد الإخوان، وهنا تحديداً الأساس، فهم لم يكونوا يواجهون استبداد سياسي ولا هم يواجهون النظام من منظور أنه يسحق الشعب، لذلك قام المنظور على أساس طائفي والإخوان مسؤولين عن افتعال صراع طائفي في ذلك الوقت ويتحملون المسؤولية كما النظام، وقد استفاد النظام من دور الإخوان لكي يكرس سلطته ويكرس هذا الشكل الذي نجده قائماً الآن، سلطة تعتمد على هيمنة أفراد من طائفة معينة على مفاصل أساسية في الدولة، اعتماداً على العصبية من أجل حكم سوريا، فالإخوان ساعدوا في الوصول إلى هذه النتيجة. حافظ الأسد توصل إلى أنه من غير الممكن أن يحكم إلا عبر جمع فئات من بيئته الأساسية تواليه في الحكم، والمسألة ليست طائفية كما يشاع، المسألة لها علاقة بالبيئة الاجتماعية لأن الفلاح يعتمد على بيئته ولا يعتمد على طائفته، فالنظم القومية أو التي تمسى بالقومية كلها اعتمدت على أفراد من بيئة الزعيم، بالتالي ما مارسه الإخوان أدى إلى تدمير الحركة السياسية وتمركز السلطة بشكل أعلى وأقوى.


*كيف ترى مستقبل الثورة السورية الراهنة؟

**أعتقد أن بدء الشعوب بثورات سيفرض بالتأكيد تغيرات، في بعض اللحظات من الممكن أن تفشل وليس هناك حكم مطلق أن كل ثورة يجب بالضرورة أن تنجح، لكن الواقع الموضوعي القائم الآن في سوريا وفي كل الوطن العربي، هو تهميش كتلة كبيرة من المجتمع ربما تبلغ ثمانون بالمائة، نتيجة النمط الإقتصادي الذي تشكل وأصبح نمطاً ريعياً يعتمد على السياحة والخدمات والعقارت والاستيراد، والذي دمر القوى المنتجة التي كانت موجودة في الصناعة وأيضاً في الزراعة والتي تعد إرث تاريخي في بلداننا، هذا النمط أوجد كتلة كبيرة من المهمشين والمفقرين وفرض زيادة مضطردة في البطالة تجعل من إمكانية الثورات أن لا تقود إلى تغيير حقيقي في الوطن العربي مسألة فيها صعوبة، لأن الشعوب التي تمردت لا ترى إمكانية للتراجع ولا ترى إمكانية لتتوقف إلا بتحقيق مطالب أساسية، طبعاً هذه المطالب من الممكن أن تكون جذرية ومن الممكن أن تكون غير جذرية، كمثال الحركة القومية التي تأسست في الخمسينات في مصر وسوريا والعراق لم تكن تستطيع أن تحقق تغيير جذري لكنها في اللحظة التي وصلت فيها إلى السلطة حققت مطالب مباشرة لقطاع كبير من المجتمع، كالإصلاح الزراعي الذي أعاد صياغة الريف وجعل الفلاحون يملكون أرضاً، كذلك مجانية التعليم سمحت للريف أن ينخرط في التعليم ويرتقي بشكل أو بآخر، كذلك جعل فقراء المدن يجدون عملاً سواء في الصناعات الحديثة أو الدولة، لذلك قامت هذه الخطوة بحل مشكلات مباشرة للناس، لكنها لم تكن جذرية لأن الطبقة التي سيطرت قامت على النهب من جديد وأعادت خلط الأوراق لفترة قريبة.
الآن الأمور أعتقد بأنها أكثر تعقيداً، هي بحاجة حلول لهؤلاء المسحوقين، هذه الحلول لم تكن ممكنة إلا في مواجهة الرأسمالية لأنها تبدأ بالعودة للقوى المنتجة زراعياً وصناعياً وهو ما يناقض وجود السيطرة الإمبريالة والسيطرة الرأسمالية عموماً، وهو ما سيفتح أفق لأن تكون الثورات أكثر عمقاً، ومن هذا المنظور سيبقى الحراك قائماً إلى أن تتبلور بدائل سياسية قادرة على أن تحمل مشروع تغيير يحقق مطالب الناس، لذلك أعتقد بأنه لا إمكانية لتوقف الثورات حتى لو انحدرت في بعض الأمور أو تراجعت أو بدت ساكنة للحظات، لكنها ستستمر إلى أن يحدث تغيير حقيقي.


*تنطلق في رؤيتك لتحليل الثورات العربية والثورة السورية من منظور يساري، كيف تفسر مواقف الأحزاب اليسارية من الثورات ومن الثورة السورية تحديداً؟

**بالطبع كانت الثورة السورية مفصل أساسي لتغير النظرة للثورات الأخرى لدى قطاع كبير من اليسار العربي والعالمي، لكن المشكلة الأساسية أن هذا اليسار كان ميتاً قبل الثورات، فمجمل الأحزاب اليسارية القائمة عربياً وحتى عالمياً عدا استثناءات ليست كبيرة هي أحزاب ميتة، بمعنى أنها تبلورت في منظومة ذهنية متقادمة صاغتها الحرب الباردة، وفي النهاية لخصت كل الماركسية في صراع الإمبريالية ضد إمبريالية أخرى، فتخلت عن جوهر الجدل المادي الماركسي لمصلحة فهم شكلي سطحي يكرس الإمبريالية الأميركية كإمبريالية مطلقة على مدى تاريخها، فيصبح لدى هذه الأحزاب كل صراع ضد أميركا هو صراع ثوري، هذا الأمر جعل قطاع من هؤلاء يدعم بن لادن وتنظيم القاعدة لأنه كان يقاتل أميركا، وقسم أكبر منهم دعم الإخوان المسلمين وبأنهم هم الذين سيحررون فلسطين وهم الذين سيقاتلون أميركا، وهذا منظور سطحي لا يمت لليسار بصلة لأن العالم تغير، فلم تعد أميركا هي القوى الأساسية المتحكمة والقادرة على استمرارها في الهيمنة على العالم، فهناك روسيا برزت كإمبريالية جديدة كذلك الصين تتحول إلى إمبريالية، بالتالي هناك منظور جديد للعالم يجب أن يرى.
إضافة إلى ذلك ظهر أن هذه القوى لا تثق بشعوبها ولا تنطلق من مفهوم الصراع الطبقي إنما تنطلق من مفهوم الصراع الوطني، بينما الصراع الطبقي أصبح خارج التحليل لديها وخارج الفهم في حين أن الماركسية تنطلق من تحليل الصراع الطبقي، الصراع في داخل الظاهرة ذاتها، فلا تستطيع أن تدرس العالم بشكل مجرد دون البدء من نقطة محددة بتناقضاتها، لذلك لا أستطيع أن أرى سوريا فقط كنظام سياسي مختلف مع الإمبريالية إذا اعتبرنا أن هذا الأمر قائماً، دون أن أرى أن هناك طبقات وصراع طبقي وشعب يفقر وفئة تنهب، الأساس هنا ومن ثم يمكن أن نرى المستويات الأخرى، أما الأمور لدى هؤلاء فهي مقلوبة، فهو يبدأ من الأعلى من المنظور السياسي وهذا يجعله مثالي وليس مادي، فيعكس الأمور لتصبح: أن النظام السوري ضد الإمبرالية كما يدعي هو بالرغم من أنه ليس كذلك، فيصبح عندها النظام وطني وتصبح البرجوازية المسيطرة وطنية وبالتالي يصبح مبرراً لها أن تسحق الشعب. ولا ينظر إلى الشعب على أنه يعاني من اضطهاد طبقي، على العكس من ذلك ينظر لحراكه وكأنه مؤامرة إمبريالية لإسقاط نظام وطني، هناك هزل فكري وقحط فكري وجمود فضيع يحكم مجمل هذه الأحزاب والقوى، وهو نتاج الماركسية السوفيتية التي أصبحت هي الثقافة العامة حتى لدى من كان ينتقد السوفييت، لذلك تجد أن قطاعات الأحزاب الشيوعية التقليدية تلتف حول الاتحاد السوفيتي عدا مجموعات قليلة منها، فيصبح لديها الشعب السوري متآمر مع الإمبريالية ضد نظام وطني. وهذه الإشكالات تشير إلى إفلاس اليسار العالمي عموماً، هذا اليسار انتهى والثورات ستنتج يسار آخر مختلف.


*تعرضت للسجن في سوريا لمدة ثمان سنوات في ظل حكم حافظ الأسد وبعد الخروج من السجن بقيت في سوريا لماذا؟

**لأنني أعتبر سوريا بلدي ولن أهجره، ففي المرة الأولى من الاعتقال علمت بأنني مطلوب قبل اعتقالي، وأصدقائي طلبوا مني أن أسافر لأنني أحمل جواز سفر أردني ولم تكن المخابرات بالتأكيد قد عممت أسمي فكان يمكن لي أن أسافر، إلا أني لم أكن لأعلب دور سياسي وأهرب منه، لذلك فضلت الذهاب إلى السجن، وهذا ما جعلني أبقى في سوريا لاحقاً، وأن لا أعتبر نفسي طارئ وفي اللحظة التي أتعرض فيها لتهديد" أترك وأمشي"، ولولا أن النظام طردني مؤخراً لبقيت في سوريا إلى الآن ولن أخرج، فأنا أخوض صراع ضد هذه النظم وأعتبر نفسي مواطن عربي يخوض صراع ضد كل النظم العربية، أينما حللت أخوض الصراع ضد النظام الذي أعيشه، ولا أترك إذا حدث قدر من الصعوبة، وإلى الآن أتعامل كذلك.


*في عهد بشار تم ترحيلك بالعكس من عهد حافظ، مالذي اختلف بين عهد الأب والأبن؟

**سألت هذا السؤال في صحيفة عربية وأجبت كالتالي: أنا كنت فرحاً أن نظام حافظ الأسد اعتقلني وأبقاني في السجن، لأنه كان نظاماً قومياً، وبالتالي لا يفرق بين سوري وغير سوري، في حين أني حزنت أن نظام الإبن أصبح قطرياً واعتبرني مواطن أردني ولا أستحق أن أبقى في سوريا، حتى في السجن.
فالمؤكد أن النظام يتعامل مع من يتحرك ضده بنفس الطريقة لكن لا أعلم لماذا قرر إبعادي! ربما الضغوط الدولية وربما الضجة الإعلامية التي حدثت لكن في كل الأحوال بالنسبة لي كانت لحظة سيئة وليست إيجابية.


*كيف تقرأ الأصوات التي تتحدث عن إسرائيل كدولة إنسانية إذا ما قورنت بالاستبداد العربي وتحديداً النظام السوري؟

**أعتقد أن هذه الأصوات تنطلق من مفهوم صوري ذاتي، ومن تحليل غريزي أكثر منه فهم عقلاني للمسائل، المسألة لا تتعلق بأن أقارن بعض المظاهر في بلد ببعض المظاهر المشابهة في بلد آخر، يجب أن أرى كلية التكوين هنا وهناك لكي أحدد موقفاً، المشكلة أن المنطق الصوري الذي يحكم العديد من النخب، يجعل المسألة وكأنها مسألة مقارنات انطلاقاً من مفهوم أبيض أسود، ودائماً المقارنات تتعلق بزاوية صغيرة هي التي تلمس هذا الشخص، أن نرى الحريات فقط فنقول أن إسرائيل أفضل من الدول العربية. المؤكد في خصوص الحريات الدولة الصهيونية أفضل، لكن ننسى أن الدولة الصهيونية قامت على احتلال وسيطرة ونهب وبالتالي هذا شيء غير إنساني وغير ديموقراطي وهو أيضاً مناهض للديمقراطية، كذلك ننسى التمييز الذي يجري بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، وبالأحرى اليهود العرب والعرب ككل، كما أن الدولة الصهيونية قامت كمرتكز عسكري للسيطرة على المنطقة، في داخلها بعض الممارسات الديمقراطية نتيجة وجود اليهود الذين أتوا من أوربا بشكل أساسي، لكن هذا لا يغير أنها دولة قائمة كقاعدة عسكرية تريد الهيمنة على المنطقة وأنها تمارس القتل والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب بشكل عام، وأن دورها الأساسي هو منع تقدم المنطقة العربية، فمن هذا المنظور أرى أن هناك عقول صغيرة تتناول هذا الموضوع تنطلق من انفعالات غريزية وعقل ضيق انفعالي وليس من فهم عقلاني للواقع بكليته، وهذه مشكلة لدى نخب كثيرة في سوريا والمنطقة العربية، وهذه للأسف أضرت الثورة السورية لأنها بدت وكأنها تريد أن تعتمد على إسرائيل، أو نكاية بالسلطة تريد التفاهم مع إسرائيل، وهذا العقل هو الذي أدى بنا لأن تكون المعارضة على هذه الشاكلة. فالمعارضة والنخب السورية بنت تصوراتها كشيء مناقض لما يقوله النظام وليس لما يمارس، بمعنى النظام يدعي القومية لكنه من أكثر النظم التي كرست القطرية وهذه النخب تنظر إلى الشعار ولا تنظر إلى الممارسة لذلك تصبح هي قطرية، وتدعو للوطنية السورية والدولة السورية وبأنه ليس لنا علاقة بقضايا العرب، والنتيجة أنها تصب في المسار الذي يكرسه النظام، فهي تروج ما يمارسه النظام عملياً بحجة أنها تناقض خطابه الإعلامي، لأنها النتاج الطبيعي لمنافسة النظام، أما عملياً فالنظام ليس ضد إسرائيل وحما جبهة الجولان لعقود طويلة وكانت أكثر منطقة مستقرة للحدود الصهيونية هي الجولان حتى أكثر من سيناء بعد اتفاق كامب ديفيد، النظام لم يكن قومياً على العكس لعب دور هيمنة إقليمي خرب خلاله المناطق المحيطة، النظام لم يكن ضد أميركا كما يشاع، لكن كانت الالتباسات في العلاقة هي التي تظهر هذه المسافة بينه وبين أميركا، بالتالي خطاب المعارضة هو التعبير العملي عن سياسة النظام بهذا المجال، كل هذه المسائل من قطرية لعدم معاداة النظام الصهيوني للقرب من أميركا والميل للبرلة النظام قام بفرضه واقعياً، والمعارضة لحقته إعلامياً.


*ماهي أبرز تأثيرات الربيع العربي على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو العربي الإسرائيلي؟

**هو أولاً صراع عربي صهيوني، لأن التقزيم الأساسي الذي تحقق أن يكون صراع فلسطيني صهيوني، فخسر الفلسطينيون وجرى تحقيق الهيمنة الصهيونية على النظم العربية، لأنه وبحجة الصراع الفلسطيني الصهيوني كل النظم العربية فتحت علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الدولة الصهيونية واعتبرت أنها ليست في صراع معها، بينما وجود الدولة الصهيونية هو وجود للهمينة على المنطقة ولمنع تقدم المنطقة ككل، هذا مبدأ أساسي يجب أن يكون واضحاً، ومن هذا المنظور هو خطر على المغربي كما هو خطر على الفلسطيني، الفارق أن الدولة الصهيونية قامت على أرض فلسطينية وبالتالي أصبح هناك تشريد عملي مباشر ملموس للشعب الفلسطيني لكن المغربي ربما لا يحس بذلك تماماً، لكن وجود الدولة الصهيونية هو لمنع تقدم كل المنطقة، فحينما حاولت أن تنهض مصر طورت الدولة الصهيونية الصراع معها، العراق حينما حاول أن يبني سلاح نووي لعبت الدولة الصهيونية دوراً بمنعه، بالتالي يجب أن ننظر للدولة الصهيونية كقاعدة عسكرية إمبريالية لمنع تطور المنطقة.
لذلك من المؤكد أن للثورات العربية أثر كبير على الصراع العربي الصهيوني، لأن المعادلة التي تكرست خلال العقود الماضية لخدمة الوجود الصهيوني والسيطرة الإمبريالية عبر تكريس النظم القائمة والنمط الاقتصادي المهيمن تبدو الآن مهددة، وتهديد هذه البنية التي تخدم الوجود الصهيوني والإمبريالية سينعكس سلباً على الدولة الصهيونية، لذلك أعتقد أن الدولة الصهيونية هي أكثر من يتلمس خطر الثورات العربية ومن يتلمس احتمالات تعرض المنطقة لتغيرات جذرية كبيرة تفرض على الدولة الصهيونية وضع مختلف، وهذا في المنظور الاستراتيجي الصهيوني يبدو واضحاً الآن، لهذا يطرح سؤال أنه إذا حدث ذلك كيف يمكن الدفع باتجاه زيادة ميزانية الأمن لكي نستطيع المواجهة، أو ما هو أثر ذلك على تحقيق اختلال كامل في ميزان القوى في المنطقة، وهذا جانب مهم وأساسي يجعل الدولة الصهيونية تفكر جدياً بالوضع إضافة إلى ذلك الأزمة الإمبريالية نفسها أي الأزمة الاقتصادية العالمية، كذلك وضع أمريكا الحالي الذي هو وضع انسحابي من المنطقة، كل ذلك يخلق عناصر ضعف للدولة الصهيونية، فإذا كانت الدولة الصهيونية ترى أنها بحاجة لدعم أعلى في المرحلة القادمة مع تحولات المنطقة العربية، فإن انسحاب أميركا يجعل الأمر صعباً عليها، لأن أميركا الآن أصبحت أولويتها هي آسيا والمحيط الهادي ولن تسطيع مواصلة الدفع المالي بشكل مباشر أو غير مباشر كما كانت تفعل في العقود الماضية حينما كانت المنطقة هي الأولوية الأمريكية، وهذا مهم حتى في إطار المؤسسات الأميركية، والتي لا تنطلق من حب إنساني لليهود بل تنطلق من المصلحة، فلأن للإمبريالية الأميركية مصلحة للسيطرة على المنطقة كانت تقدم من دون حساب للدولة الصهيونية، الآن حين لا ترى الإمبريالية الأميركية أن المنطقة هي أولوية سيختل الوضع في هذا المجال وهو إشكال سينعكس على وضع الدولة الصهيونية ، بمعنى من سيمول المرحلة القادمة والتي لا يستطيع الوضع الاقتصادي والاجتماعي القائم تمويلها. لأنها بحاجة لتسليح عالي أكبر من قدرتها وحجمها العسكري القائم، وهي أيضاً بنت مجتمع مدني بحاجة لتمويل أكبر من قدرة شعب طبيعي موجود في المنطقة، فهي بحاجة ماسة لدعم مالي مستمر، هنا مأزق إسرائيل إضافة لانسحاب أميركا الذي يعري ظهرها وهي تحاول الآن أن تقيم علاقة مع روسيا، وروسيا غير قادرة أن تعوض الدور الأميركي لأنها مالياً وعسكرياً غير قادرة، هذه عناصر تزيد من ارباك الدولة الصهيونية.
العنصر الأخير هو أن الأزمة الاقتصادية انعكست على الدولة الصهيونية ذاتها، وهناك أزمات اقتصادية بدأت تبدو وستشهد تفاقم، وربما ستشهد تفاقم للصراع الذي بدأ في صيفها عام 2011 خلال المظاهرات الكبيرة التي حدثت، لأنه أيضاً التكوين الطبقي للدولة الصهيونية ظهر وكأنه مشابه للدول العربية، أغلبية مفقرة وأكثرية تتحكم بالاقتصاد، كل هذه العناصر ستجعل التحولات العالمية الحالية تتفاقم والثورات العربية ربما تمتد إلى الدولة الصهيونية، بالتالي سيكون هناك أفق جديد للمرحلة القادمة، وهو ما يفرض علينا أن نعيد دراسة طبيعة الصراع وكيف نؤسس لمشروع صراع بديل في المرحلة القادمة.


*من وجهة نظرك ما هي أبرز أدوات الصراع البديل للمرحلة القادمة؟

**هي تتعلق بتطوير بنى النظم العربية فيما يتعلق بالمرحلة القادمة، لكن يجب أيضاً أن نستفيد من التفكك الذي يمكن أن يحدث في إسرائيل، ونطور صراع داخلي كالصراع بين اليهود العرب وغير العرب، والعرب بالمجمل والدولة الصهيونية، والاستفادة من إمكانات تفاقم الصراع الطبقي بداخل إسرائيل مع تغيير الواقع العربي بما يخدم الضغط من الخارج على الدولة الصهيونية، هذا يحتاج إلى رؤية أوسع في المرحلة القادمة، ولكن يجب أن يكون واضحاً أننا نطرح حلاً لمشكلة اليهود ولا ننطلق من مفهوم طائفي أو ديني أو قومي متعصب، بمعنى أننا نريد تدمير اليهود، فنحن إنما نريد فلسطين كجزء من المنطقة العربية ونريد إنهاء المشروع الصهيوني كمشروع إمبريالي يسعى للهيمنة على المنطقة، ولكن يجب أن لا نكون سبباً في دفع اليهود للتمسك بهذا المشروع الإمبريالي، وهناك إمكانات كبيرة في المرحلة القادمة، سواء نتيجة أن نموي الحس الطبقي الذي أعتقد أنه سيتطور في الفترة القادمة أو حتى أن نموي الحس القومي لدى اليهود العرب .



*بعد زيارتك لباريس تنوي العودة إلى القاهرة حيث تعيش حالياً، كيف ترى الأمور في مصر في ظل عودة حكم العسكر؟

**الثورة ستبقى مستمرة أيضاً في مصر، ما يجري هناك منذ ثورة 25 يناير هو أن الشعب يريد التغيير الحقيقي لتحقيق مطالبه، والشعب المصري كان أكثر من عبر عن مطالبه قبل الثورة، من خلال الاعتصامات في الميادين، وهي مطالب شاملة معظمها اقتصادي بالتالي الشعب يريد تحقيق هذه المطالب كحد أدنى للأجور مثلاً إلى الآن لم يتحقق، رغم أنه في زمن حسني مبارك فرضت المحكمة حد أدنى من الأجور قدره ألف ومائتي جنيه إلى أنه لم يطبق حتى الآن، بالإضافة لمعدلات البطالة العالية جداً وازديادها خلال الفترة الماضية بسبب غياب الحل ولا يبدو أن هناك حل في الأفق، كما تعاني البنية التحتية من انهيار بشكل مريب وانهيار التعليم والصحة والدولة المدينة الحديثة، كل هذه العناصر لم يتحقق منها شيء، ما ظهر أنه يحدث أن السلطة المسيطرة كانت تناور لامتصاص الأزمة ودفع الناس إلى الملل وبالتالي لتحقيق الاستقرار من جديد، دون تغيير حقيقي في بنية الاقتصاد، لهذا حاول المجلس العسكري في المرة الأولى أن يتحالف مع الإخوان المسلمين لكي يكسب جزء من القاعدة الشعبية كما كان يعتقد، ولكي يقول أن الثورة انتصرت لأنها أتت بالقوة التي عارضها حسني مبارك وبأنها وصلت إلى السلطة، لكنهم يعلمون أن الإخوان المسلمين لا يمتلكون حلاً اقتصادياً، وبأنهم يكرسون النمط الاقتصادي الذي بني في زمن حسني مبارك، وبأنه من السهل أن يعودو للموافقة على السياسة الخارجية التي رسمها حسني مبارك كالعلاقة مع اسرائيل رغم كل حديثهم عن إلغاء الاتفاق مع كامب ديفيد أو الصراع مع أميركا الذي كان يبدو شكلياً جداً، وهذا ما حدث فعلاً بعد أن أصبحوا في السلطة. فهم لم يغيروا شيء من السياسة الاقتصادية وتكيفوا مع السياسة الخارجية بكل سرور وطيبة خاطر، بالتالي بات واضحاً أن الشعب يريد تغيير السلطة الجديدة، الآن تناور قيادة الجيش من أجل تخويف الناس على أساس أن هناك قطاع من الشعب تعب وباعتبار أن الإخوان المسلمين أصبحوا منبوذين من الناس ما يعكس تحييد جهة اجتماعية عن الحراك، كذلك إعادة التخويف قد تجعل قطاعات أخرى أكبر تتخلى عن ميلها للتغير، وهذا ما يجري الآن، لهذا وجدنا أن آليات نظام حسني مبارك تعود وبشكل أكثر فضاضة أمن الدولة والشرطة بالإضافة للسيطرة على الإعلام، جملة هذه العناصر بدت تعود لكن هل سيؤدي ذلك إلى إنهاء الثورة؟ أنا أعتقد لا، لأن الناس تضررت ولن تعود دون تحقيق شيء ولأن الشباب الذي لم يكن له علاقة بالسياسة انخرط بشكل واسع في السياسة، وهو صاحب مطامح وطالب وأهداف، لذلك سنشهد في المرحلة القادمة تطور جديد للصراع، الآن تعود الاضرابات العمالية بشكل واسع، الحراك الطلابي كذلك يعود والذي يقال أنه حراك إخوان مسلمين وهو ليس كذلك، للإخوان دور محدود فيه، وبالمجمل الحراك بمعنى التظاهر هادئ قليلاً في المجتمع الآن، لأن بعض القطاعات الشعبية تراهن على السيسي، على أمل أن يحل لها مشاكلها، ولكن حين يصل السيسي ويمكث في السلطة شهرين أو ستة أو سنة دون أن يحل أي مشكلة سيحدث معه كما حدث مع الإخوان المسلمين، فكما توهمت بعض القطاعات الشعبية بأن الإخوان المسلمين سيحلون مشاكلهم إلى أن انقلب الأمر وبسرعة، الآن سيحدث نفس الشيء ونحن على أبواب ثورة ثالثة في مصر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن