قراءة في قصائد الشاعرة العراقية المغتربة أروى مصطفى عبد الواحد السامرائي

جاسم نعمة مصاول
jassim.mofa@gmail.com

2014 / 3 / 9

* يقولون " من فم الشاعر تولد اللغة ومن اللغة تولد كل الاشياء".
• يرى افلاطون في محاورته أن مصدر الشاعر هو الالهام ومصدره إلهي محض وقد قرن الشاعر بالانبياء وبالعرافين.
• قال الشاعر الانكليزي والكاتب المسرحي الكبير وليم شكسبير" المجنون والعاشق والشاعر جميعهم في الخيال سواء".
• يقول الشاعر الفرنسي شارل بودلير " لا يمكن أن يتمثل الشعر بالعلم أو بالخلق، وإلاّ كان مهدداً بالموت أو الخسران، فالشعر ليس موضوعه الحقيقة، وليس له من موضوع سوى الشعر نفسه".
• يقول الشاعر اللبناني جبران خليل جبران " الشعر وميض برق والنظم ترتيب كلام، فليس إذن من الغريب أن يرغب الناس في الترتيب وهو في مرتبتهم دون الوميض وهو في الفضاء."
• يقول الشاعر البريطاني ت.س.إليوت " ليس هناك من شاعر صادق يستطيع الوثوق بالقيمة الدائمة لما كتبه. من الممكن أنه، بذلك، قد بدد وقته وضيع حياته بلامقابل".
• يقول الشاعر التشيلي بابلو نيرودا " أن حياة الشاعر ينبغي أن تعكس قصيدته. هذا هو قانون الفن وقانون الحياة".
• يقول الشاعر التركي ناظم حكمت: الشعر يمكن ان يكتب بالقافية ومن دونها، بالوزن ومن دونه، ويمكن ان يكون مفعماً بالصور أو من دون صور إطلاقاً، صارخاً بصوت مرتفع حيناً أو عبر الهمس حيناً.
• يقول الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي " أن التجربة الجديدة هي ليست تجربتي الذاتية فحسب، بل هي التجربة الانسانية لأن الشاعر هو جزء من الانسانية، وأنا لست من الشعراء الذين يكتبون معادلات كيميائية".

الشاعرة المغتربة اروى مصطفى السامرائي هي من الشعراء الشباب في الشتات العراقي الذين انتجتهم الغربة القاهرة في مدن الصقيع الاسطورية والبرد القارس في كندا، انتجتهم الاحلام المشتتة والضائعة بين الحنين الى الوطن الأم الذي يُذبح كل يوم في صراعات عبثية، والتوطن في هذه المدن التي استقبلتهم بفرح غامر وفتحت ذراعيها لكل من يطلب الامان والسلام...
ولدت من رحم ثغر العراق الباسم البصرة الحبيبة على قلوب العراقيين هي وريثة شبعاد وعشتار تَعبُر في قصائدها من مدن الدفء الى مدن الثلج، وتتكسر الاحلام على شواطئها ويبقى الوطن كذكرى جميلة فقط لان فيه ملاعب الطفولة البريئة.
تنقلنا الشاعرة أروى السامرائي في قصائدها الى أرض سومر وبابل وأشور تتحدى وجع الغربة، تحلم أن يأتي الوطن اليها حتى لو كان خيالاً وهي التي أُرغمت على مغادرة ملاعب الطفولة، وتعكس قصائد الشاعرة حياتها نفسها، فالقصيدة عندها سيرة ذاتية مستمرة مثل لوعات الغربة ونزيفها المستمر التي عاشتها طيلة ربع قرن من الزمن وابتعادها عن الوطن الذي ينزف يومياً ولاترى فيه بصيص من الامل بسبب اعمال العنف والارهاب التي تضرب ابناء بلدها دون تمييز، كما تمثل القصائد تاريخاً من الحزن واللوعة والالم من عمر ينقضي في المنافي وحنين عارم الى الوطن، وخطابات مباشرة له تركت بصمات ثقيلة وعميقة على صورة تلك القصائد.
عندما نقرأ قصائد اروى السامرائي نجد انها تتمحور حول الوطن الام العراق، المكان الذي لايمكن نسيانه ابداً، لذا فأن الوطن في ذاكرتها، ألم تقل في قصيدة "ذكريات":
سأكتب بعض الكلماتِ
جُزءاً من ذكرياتي
أريدُ أنْ أَبوحَ بها لأجلِ البوح لا اكثر
حكايةٌ مِنَ العراق انا
وما اكثر حكايا العراق والمواويل
تَعِبَتْ حقائبنا من سفارها
ومن المشي في الدرب الطويل

وتستمر في وصف حالة الألم التي مرت بها طوال رحلتها الى مدن الأمان:
وشهرزاد تئن بأهاتها
وكيف خرجتْ من وادي الرافدين
سائلة الإله ان يأخذها الى مكان أمينِ
فركبت البساط، وذهبت مع الريح
الى اقصى نقطة في الشمال الامريكي
ولا تنسى الشاعرة اروى حب مدينتها التي علمتها الف باء الكتابة والحب والحكايات الجميلة، وتثني على طيبة اهل مدينتها وبساطتهم، اذ تقول في قصيدة لها:
احبُ مدينتي وأهلها
وحكايا المقاهي والخرافات
فهم أناس طيبون يؤمنون بالحكايات
إذا دقَّ الحب باب احدهم
يركض فوراً للمزارات

وتفتخر الشاعرة السامرائي بوطنها الأم الذي كان يوماً ما مهداً للحضارة الانسانية، وفي الوقت نفسه تتألم وبحرقة على ما يمر بالوطن من محن وآلام، اذ تقول في قصيدة "نحن والوطن":
ظفائري كانت متدليةً على الاكتافِ
وانا واخوتي كنا صغاراً لاعبينا
نحن امتداد الحضارة
مسلة جدي
غطى شَرعُها الدنيا قوانينا
وهنا عاصمة الرشيد مزدانةٌ
شعراً وعلماً وتفكيرا
اما الالم الذي يعتصر قلبها على الوطن الجريح، تقول فيه:
كبرنا ... نحن اهل الدار
وصرنا في عينيك الغرباء المبعدينا
هبت رياحُ الارض تعصف بأرضكِ
مجتثةً زروعكَ والنخيلا
اليكَ شددنا نياط القلب
رغم الرحيل، والمسافات البعيدة
وتختتم القصيدة بصورة شعرية رائعة عن الوطن المخزون في الذاكرة، بقولها:
موطني ... حملناك بين الاضلاع خافقةً
وبين الاهداب حُلماً في مآقينا
موطني ... يا غصة في القلب باقيةً
لا تسلبنا رغم البعد الاحلامَ والطيبا
الحنين الى العراق لا يفارق الشاعرة السامرائي في قصائدها، فهي تنام وتصحو على اسم العراق، هو شعلة تتوهج في جنباتها، تتألم لألمه وتفرح لفرحه وعينها على مستقبل العراق، اذ تقول في قصيدتها "وداعيةً" :
أهو الفراق
سترجعُ لمن غنيتَ بلا انقطاع
للأرض التي طويلاً نُحتَ عليها
وبكيتَ لِحُضنِ الأهل والفراق
للإختناق .. للعناق .. للعراق
وفي أحضانه كل يوم دم يراق
أهذا من غنيتَ .. أهذا من بكيتَ ..
أهذا هو العراق
وتستمر في هذا الحنين الى ان تقول :
كل شيء مختلف في بلادي
حتى النور والظلام
شمسنا سوار الذهب
توّج اللهُ العراق بها
حينما بدأت تصعد اليه الصلوات
وهذه القصيدة من القصائد الحديثة الناضجة التي كتبتها الشاعرة مؤخراً، وتذكرني من خلالها بقصيدة "غريب على الخليج" للشاعر المبدع الكبير بدر شاكر السياب، اذ تسير الشاعرة في قصيدتها على نفس الصورة الشعرية للشاعر السياب.
أما في قصيدتها "أعراض جانبية" فان اي سؤال يوجه اليها عن وطنها الأم يثير فيها اللوعة والحزن والالم كما الفخر، إذ تقول:
سألت عن مسقط رأسي
من ملامحي وسمرة الوجه
فإستفاق بداخلي ذلك الحُلمُ الشغيف
عن الاهل والوطن
حاملاً بين طياته
عذابات كل السنين
ولوعة الفراق والبعد
لو ذُكِرَ أسمه قلبي عليه يدمي
وتفتخر بأن وطنها كان ملاذاً لجميع الخلق، وتقول:
منذ بدء الخليقة وموطني كان ملاذاً
بأفيائه الخلق تحتمي
ومنذ بدء الحضارة كان مناراً
تزهو به الدنيا وتقتدي
هو العراق .. من العراقةِ
طهورُ الارض مرقدُ الحسنين
وابوهما ابن عم النبي
وتفتدي الشاعرة وطنها بعيونها التي لا تبخل بها من اجل الوطن الجريح:
خذوا الضياء من عيني إذا شئتم
وأرجعوا نور الشمس
لوجه البلادي المُشرق
ولا تنسى الشاعرة اروى السامرائي ان تعبر الى السياسة من خلال تمجيد ثورة الثلاثين من حزيران في مصر الشقيقة ومسيرة ثورة الـ30 مليون مصري ضد التطرف والتفرقة والكراهية والحكام القادمين من كهوف الظلام لسلب ارادة وحرية الشعب المصري، اذ تقول في قصيدة لها بعنوان "ثورة ثلاثين يونيو العظيمة" :
وقفتُ لكم ولو على بُعدٍ
احتراماً وتبجيلاً
يامن شيَّد الاهرامَ،
وشرب النيلا
بأياديكم حميتم الهلالَ والصليبا
فصرختم بصوتٍ واحدٍ
هنا نرتلُ قرآناً، وهنا نقرأ إنجيلا
ثم تنتقد من يحكم بإسم الدين في القصيدة نفسها:
وَطِئَتْ أقدام شرذمة بإسم الدين
تَنشرُ في الارضِ سماً زُعافا
تَنشبُ مخالبها تقطع الابدانا
وتوقِدُ جمرةً الغيظ اشتعالا
وفي قصيدتها "صورٌ من حياة إمرأة" تأخذنا اروى السامرائي الى معاناتها من التقاليد المفروضة عليها التي تعاملها كإمرأة فقط وليس كإنسان يشكل نصف المجتع، اذ تقول:
سأتجرد من عُقدِي
وأُطلق مُرَّ الآهات من صدري
بلا ترددٍ أو خوفٍ
فمنذ اضلاعي كُورت قفصاً
وأنا محكومة بزنزانةِ التقاليدِ والعرفِ
تلاحقني كضلي
حتى انها لا تستطيع ان تعلن عن الحب خوفاً من تلك الاعراف والتقاليد، وتقول:
بيدي وأدتُ الرغبة في قلبي
والحبُّ خبأته في بؤبؤ عيني
حتى تحجرت حدقتايَ من الملح
ثم تنتهي الى انها رضيت بنصيبها وقدرها في ظل هذه الاعراف والتقاليد:
جئتُ من خيال الاساطير
صوفية الروح والهوى
مؤمنةٌ بالنصيب والاقدار والآجال
قصائد الشاعرة اروى السامرائي تتمتع بلغة عربية سليمة محبوكة بشكل جيد وتمتاز بالسلاسة دون التعقيد او التجريد، ويشعر القارئ أو المستمع ان تلك القصائد تحاكيه، بل هي منه واليه، هي قصائد وجدانية قريبة من الواقع الذي يعيشه اغلب المغتربين خاصةً في قصائدها التي تتحدث عن هجرة بلدها واللجوء مضطرةً مع عائلتها الى الغربة.
والصورة الشعرية في قصائد اروى السامرائي صور جميلة تعكس الواقع الذي عاشته وتعيشه هي ومن لجأ الى الشتات العراقي، حيث وجع الحنين والالم واللوعة الغربوية، واصبحت هي وغيرها ربما مأزومين بالوضع الجديد الذي يختلف عما في بلدهم الاصلي، رغم الحرية واحترام كرامة الانسان، لكن تبقى هناك عناصر مفقودة بين الواقع الاصلي والجديد، تحاول اروى ردمها بقصائد الحنين الى ارض الاجداد وملاعب الطفولة، التي غادرتها مع عائلتها عام 1981 بسبب مضايقات النظام السابق لوالدها استاذ اللغة العربية والادب العباسي في جامعة البصرة.
الشاعرة اروى السامرائي حاصلة على شهادة البكالوريوس آداب من جامعة كونكورديا الكندية، وحاصلة على شهادة دبلوم عالي في التربية والتعليم من جامعة اوتاوا الكندية، وستنهي دراستها قريبا في جامعة اوتاوا لنيل شهادة الماجستير في التربية والتعليم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن