المراة والباب المفتوح على الحياة

باسمة جمال موسى
basmagm@hotmail.com

2014 / 3 / 7

كلما تأتى الى المستشفى التى اعمل بها امراة معنفة تملأ الجروح والكسور وجهها من رجل لم يعرف بعد معنى الانسانية . اتذكر والدى رحمه الله تعالى الذى كان رمزا للرجل الذى يعرف قيمة المرأة وكيف ربانا وعلمنا على انه لافرق بين الجنسين وكيف كان يبث فينا روح الشجاعة وحب العلم, واصراره ان اتعلم انا وكل اخوتى البنات الى اعلى درجات التعليم مهما كلفه ذلك رغم امكانياته المتواضعة وكان يقول لنا التعليم هو سلاحكم فى الحياة, ودفعنا للعمل من اجل خدمة المجتمع ولم يفرق بيننا وبين اشقائنا الرجال وفوق كل هذا كان يعطى لوالدتى اجازة اسبوعية يقوم هو بدلا عنها باعباء المنزل ونحن معه, ثم ايضا اجازة سنوية لمدة شهر لزيارة عائلتها بالقاهرة. وكنا نراه دائما يعلم اشقائى الاولاد انه لافرق بين الجنسين واننا جميعا انسان . وقد كان هذا يرسخ فى افراد العائلة عدم التعصب .
ولاننا بهائيين الديانة, كان يقولها لنا والدى صريحة إن مفهوم المساواة بين النساء والرجال يجب أن يُنظر إليه من منظور أكبرَ من الحقوقِ والواجباتِ في نطاقِ العلاقةِ المحدودة بين الرجلِ والمرأةِ من حيث توزيعِ المهامِ مُناصفةً بين الرجالِ والنساءِ مثل أعمالَ المنزلِ وتربيةِ الأولادِ وغيرِها من الأمورِ. إن للدين البهائي رؤيةً أكثرَ شمولا ترتكز على المبدأ الأساسي لتعاليمِ حضرة بهاءِ اللهِ الذي يتطلبُ أن ننظر للإنسانية كفرد واحد ونفس واحدةٍ وهو مبدأ "وحدة العالم الانسانى. "
وعلمنا والدى من الاداب والاثار البهائية انه "لا تفترق مَلكات المرأة الروحانية وقدراتها الفكرية والعقلية, وهما جوهر الإنسان, عما أوتى الرجل منهما. فالمرأة والرجلُ سواء في كثير من الصفات الإنسانية وقد كان َخلق البشر على صورة ومثال الخالق, لا فرق في ذلك بين امرأة ورجل. وليس التماثل الكامل بين الجنسين في وظائفهما العضوية شرطاً لتكافئهما, طالما إن علّة المساواة هي اشتراكهما في الخصائص الجوهرية, لا الصفات العرضيّة. إنّ تقديم الرجل على المرأة في السابق كان لأسباب اجتماعية وظروف بيئية لم يعد لهما وجود في الحياة الحاضرة. ولا دليل على إن الله يفرّق بين الرجل والمرأة من حيث الإخلاص في عبوديّته والامتثال لأوامره, فإذا كانا متساويين في ثواب وعقاب الآخرة, فَلِمَ لا يتساويان في الحقوق والواجبات إزاء أمور الحياة الدنيا؟.
وايضا ان المساواة بين الجنسين هي قانون عام من قوانين الوجود. حيث لا يوجد امتياز جوهري لجنسٍ على آخر لا على مستوى الحيوان, ولا على مستوى النبات. والظّنّ قديماً بعدم كفاءة المرأة ليس إلا شُبْهة مَرجِعها الجهل وتفوقَّ الرجل في قواه العضلية.وان عدم اشتراك المرأة في الماضي اشتراكاً مُتكافئاً مع الرجل في شئون الحياة لم يكن أمراً أملته طبيعتها بقدر ما برّره نقص تعليمها وقلة مرانها وأعباء عائلتها, وعزوفها عن الّنزال والقتال. أمّا وقد فُتحت اليوم أبوابُ التعليم أمام المرأة, وأُتيح لها مجالُ الخبرة بمساواةٍ مع الرجل, وتهّيأت الوسائلُ لإعانتها في رعاية أسرتها, وأضحى السّلام بين الدول والشعوب ضرورةً تقتضيها المحافظة على المصالح الحيويّة للجنس البشرىّ. لم يعد هناك لزوم لإبقاء إمتياز الرجل بعد زوال علّته وانقضاء دواعيه. إن تحقيق المساواة بين عُضْوَيْ المجتمع البشرىّ يُتيح الاستفادة التامة من خصائصهما المتكاملة ويُسرع بالتقدم الاجتماعيّ والسياسيّ ويُضاعف فرص الجنس البشرىّ لبلوغ السّعادة والرّفاهية.

إنَّ قضية تحرير المرأة، أي تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، هي مطلب مهم من متطلبات السلام، رغم إن الاعتراف بحقيقة ذلك لا يزال على نطاق ضيق. إِنَ إنكار مثل هذه المساواة يُنزل الظُلم بنصف سكان العالم، ويُنمّى في الرجل اتجاهاتٍ وعاداتٍ مؤذية تنتقل من محيط العائلة إلي محيط العمل, إلي محيط الحياة السياسية، وفى نهاية الأمر إلي ميدان العلاقات الدولية. فليس هناك أي أساس خُلُقي أو عملي أو بيولوجي يمكن أن يُبرّر مثل هذا الإنكار.ولن يستقرَّ المُناخ الخُلُقي والنفسي الذي سوف يتسنّى للسلام العالمي النُموَّ فيه، إلا عندما تَدخُل المرأة بكلِ ترحاب إلي سائر ميادين النشاط الإنساني كشريكة كاملة للرجل.

إنّ الإصرار على إنكار المرأة حقها في المساواة الكاملة مع الرجل يزيد عمقاً من التحدي الذي يواجه العلم والدين في تعاملهما مع الحياة الاقتصادية للبشرية. ولا يفوت أي مراقب حصيف أن مبدأ المساواة بين الجنسين أساسي لأي تفكير واقعي لخير وسعادة الأرض وشعوبها في المستقبل. فهو أحد حقائق الطبيعة البشرية التي ظلت مُهمَلة بشكل واسع خلال عصور تطور البشرية الطويلة منذ طفولتها وحتى فترة مراهقتها. وقد أكد حضرة بهاء الله تأكيداً قاطعاً (ما معناه): "إنَّ النساء والرجال كانوا وسيظلون على الدوام سواسية(كأسنان المشط)عند الله". و إنَّ الروح العاقلة لا جِنْسَ لها (أي لا فرق بين روح الرجل وروح المرأة) ومهما فرضت متطلبات المعيشة من ظلم اجتماعي في الماضي فلا مُبَّررَ له في وقت تقف فيه البشرية على أعتاب بلوغها سن الرشد. سيكون الالتزامُ بالمساواة الكاملة بين الرجال والنساء في كل دوائر الحياة وعلى كل المستويات الاجتماعية محوراً أساسياً لنجاح الجهود لصياغة وتنفيذ استراتيجية تنمية عالمية. بل لو أمعنا النظر فإننا نجد أن التقدم في هذا المجال (أي في المساواة بين الرجل والمرأة) سيكون في حد ذاته مقياساً لنجاح أي برنامج تنموي. بالنظر إلي الدور الحيوي للأنشطة الاقتصادية في التقدم الحضاري، نجد أن الشاهد والدليل الرئيسي على ما تحققه التنمية من تقدم هو مقدار ما يكون في متناول النساء من ُسبل الوصول والمشاركة في كل المساعي الاقتصادية.
واعتقد الناس عبر التاريخ، وأيدتهم في ذلك بعض المفاهيم الدينية، بأن المرأة أساساً في طبيعتها أدنى مرتبة من الرجل. إلا أنه بين عَشِيَّة وضُحَاها انقلب فجأة هذا المفهوم السائد تاريخياً وأخذ في التراجع في كل مكان. ومهما كان الطريق طويلاً وشاقاً أمام التطبيق الكامل لما أكده لنا حضرة بهاء الله من أن المرأة والرجل متساويان بكل معنى الكلمة، فأي موقف فكرى أو معنوي يدعم معارضة هذا الرأي آخذ في التلاشي والانهيار.
كانت هذه المفاهيم هى التى تربيت عليها وصار لدى يقين بان التعصبات جميعا واحدة ولان الله تعالى صفته العدل والانصاف علمنا: "إن الله لا يُفَرِّق بين الرجُلِ والمرأةِ. بل إنَّ أقْرَبَهما إليه مَنْ كان قلبُهُ أشدَّ استنارةً ومَنْ كان إيمانُه به أعظمَ." ولذا صرت من طفولتى افتخر بانى امراة ولكن بدون تعصب .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن