التماهي بين الزمان والمكان في -اعترافات عاشق لأرض السواد- لمحفوظ فرج

عدي حاتم السامرائي
odayhatim@gmail.com

2014 / 2 / 7

اختبار نكهة الاحتفاء بالمكان في نصوص محفوظ فرج يفضي بشكل او بآخر الى خلق واقعاً مغايراً بالضرورة عن الواقع المعاش في الحياة اليومية للفرد العراقي في ظل الظروف الحالية والظروف السابقة لها خلال الاحتلال الامريكي للعراق. ان الزخم والتنقل المكاني اللاتراتبي في هذه النصوص والذي يمثل هوية العراقية للمكان، بل الهوية البحتة للنص قد يضفي الى هذه النصوص بعضاً من التشويق احياناً واثارة الفضول احيانا اخرى كذكر اماكن لا يعرف اسماءها الا قاطنيها أو القاطنين حولها،
"يمكن أن نتلاقى جذرين ولا تدري التّربة
تربة (عين التمر) بأنا في الصدفة
عانقنا روحينا "

صدرت لمحفوظ فرج مجموعة شعرية بعنوان (اعترافات عاشق لأرض السواد) عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان.
في القصيدة التي حمل الديوان عنوانها (اعترافات عاشق لأرض السواد) يتنقل الشاعر بين امكنة تحيل الى ازمان وحقب وحتى شواخص مثل نصب التحرير لجواد سليم " أهيم كما هام (جواد) بصهيل المهر العربي على لافتة الحرية"
ضم العنوان اعترافاً أولياً يلخص دوافع الشاعر لبعثرة المكان في عرض القصيدة ثم اعادة تشكيله ضمن اعترافات من غنائية تنقل فيها في زوايا ارض السواد بأسماءها القديمة والحديثة بمختلف أزمانها فأزاح الزمن وتلاعب به عبر ترتيب خاص به في فضاء نصي واحد ففي نفس القصيدة يغادر الى الزمن الأبعد :
"فأشق غبار السنوات لألقاك
ورائي وأمامي
في (تل الصوان)
ببابل "
ثم تعمد اعادة صياغة هذا الزمن للخروج من الزمن الراهن –القبيح- مستحضرا زمناً حافلاً بالأمكنة تلك وبأزمانها باعتراض وان لم يكن واضحاً منه على ما حل بالزمن الراهن من تشوه في المكان والزمان . عبر قوله:
"يتدرج حسنك مثل تنامي أصناف الورد
على أدراج الزقورة
لي أن أسبق سيل الماء الجاري
تخنقه
أبواب السدة
نحو الموعد "

ربما تضمنت قصيدة محفوظ فرج من القصدية ما تضمنته في النزوع الى اعتزال الواقع الذي تمر به ارض السواد بشكله السياسي الحالي وتحفظاته المشروعة على هذا الواقع وعدم رغبته في المباشرة في المعنى والنقد السلبي متسامياً الى خلق أو استحضار مكان/امكنة ربما تكون افضل مما هي عليه واقعاً . أن الفلسفة التي استند عليها محفوظ فرج في تسمية المكان وتسطيره واستحضاره من مختلف الحقب التي مرت بها ارض السواد، فمنها المندثر مثل "تل الصوان" و "بابل" و "الزقورة" و "الوركاء" ومنها ما هو حديث، هي فلسفة الجمال البحتة واعتماد الرؤيا الانسانية النقية التي يتقصاها الشاعر في معالجة الواقع.
"نذرنا سنبلة الشلب الطافي
بالعنبر في (الشاميّة(
تعبق تحت شفاه صبايا
(الوركاء) "
وهذا شاهد آخر يمد الزمن لممالك موغلة في القدم لآلاف السنين أمكنة واحدة وزمن متقارب قديماً وما آلت اليه الأمكنة فبين أور والوركاء (الشامية والسماوة) مشترك الأثر المتبقي من مجد قديم وبين الشامية والسماوة حاضر حافل بالعراقة المتأصلة الهوية . انه انتقاء في غاية الدقة يحيل في بعض الأحيان الى الملحمية خلق ذلك التماهي بين إرث الأرض الزاخر والمفعم بتاريخ هائل بما يثيره المكان من توهج في الذاكرة الجمعية.
، ورغم ان الشاعر لا يميل الى الثورية في اي من قصائده او حتى في حياته ، فقد دعا –ولو من طرف خفي- الى ثورة جمالية بطريقة ما لدحض النكوص والانحطاط في النظر الى المكان وكره الوطن لما يحدث فيه من محن تدعو الى الاحباط ذلك المنحى الذي ينحرف فيه الاعتراض على الواقع وخيباته المتواصلة نحو رفض المكان وتاريخه وما يحمله من احتمالات كامنة في التفجر واستعادة ما يكتنزه من جمال لا يحتاج سوى للنظر اليه بعين اخرى، فقد كانت اعتراضاً على ما يحدث وبنفس الوقت دعوة لحب المكان والتشبث به وان هناك زمن قادم لا شك أجمل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن