حمى الاستسلام

عبد الله عنتار
antar1990@hotmail.fr

2014 / 1 / 10

" نظرا للغزو الاسمنتي الذي اجتاح مدينة بنسليمان في هذه الأيام، و نظرا لصمت ما يسمى بالمجتمع المدني أكتب هذه القصيدة نقدا للعار الذي لحقها، ودفاعا عن خضرتها التي بها عرفناها، وضدا على أزيز الجرافات التي تخترق مسامعي في هذه الآونة " :



جرافات تسعل
اسمنت يزأر
أشجار تدمع
وربيع يسقط
تموتين أيتها الغابة ! *
ماذا بقي لنا نحن ؟
خراب وحطام
زئير وبكاء
جرافات تسعل
وأشجار تختفي
وإنسان يضمحل
وحيوان ينمحي
ماتت مدينة
مات إنسان
عاش غول
تغولت لوبيات
دمرت حياة
سفكت بالكيان
امتصت دماء
أغرقت الناس
بالديون والمال
رهنتهم كمن رهن بحبل الإعدام
لم يموتوا لكنهم ماتوا
عاشوا ولم يعيشوا
جرافات تسعل
سعال يطيح بالجذوع
اسمنت يزأر
زئير يميت الجذور
أشجار تدمع
دمع يهوي على العروش
مدينة أصبحت مسكونة بالأفيون
خضراء و لكن في عيونها الذبول
افتقدت للخضرة كالدمع المسكوب
مدينتي
مدينتك
مدينتكم
مدينتنا
حل بها الظلام الموبوء
وسكن ناسها الصمت المفروض
وكأنها بيادق بها مفعول
تعيش على الولاء والخضوع
تأكل وتنام وتبول
كالحيوانات تثغو وتخور
ولا تستعمل العقول
لأنها شعب مغبون
تشرب الانبطاح المسموم
جرافات تسعل
لوبيات تتغول
أشجار تتحطم
موت تسكن
مدينة تتبدد
حياة تتشظى
وحمى الاستسلام
سكنت الوجدان
وحولت الجميع نيام
وجعلت مدينة خضراء في الإشهار
ولكن ماهي بالخضراء
ولا بالحمراء
إنها لون الجفاف
لون الصفرة والموت الزؤام
قتلوها
جردوها
من الحياة
وغرسوا
بذرة الجوع والآلام
وصوت مدمر يجتاح الكيان
يحوي الموت والأمراض
يستولي على الأذن والدماغ
ويغتال أصوات العمال
ويلاشيها في السديم المختال
ويشرب إياها السم في الأكواب
وحمى الاستسلام
استولت على مدينة وبثت الخراب
وتحولت إلى مستعمرة ملؤها
الآجور والذباب
والرائحة العثنة والبكاء
وأصوات الأطفال
والعجائز اللواتي
تكلسن بين الجدران
وبوار الهواء
وأزيز المعامل والاكتظاظ
ومدينة على إيقاع حمى الاستسلام

-----------------------

* المقصود بالغابة : غابة الكولف التي تتعرض لتدمير مهول في هذه الآونة وإحلال محلها البنايات الاسمنتية، ناهيك عن غابة الفلين التي تتموقع شرق المدينة، وما يطالها من موت تدريجي من جراء الزحف الاسمنتي، ورمي الأزبال فيها والصيد العشوائي والرعي الجائر، ثم قطع أخشابها .

عبد الله عنتار / بنسليمان - المغرب / 10 يناير 2014



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن