مؤلّف القرآن وآفة النسيان

كامل النجار
kannajar@hotmail.com

2013 / 12 / 16

رغم تقديس المسلمين لمحمد ورفعه إلى مقام الآلهة، فهو يقول في قرآنه إنه بشرٌ يوحى إليه. والبشر بطبعه معرّض للنسيان وتكرار القصص أو الاتيان بأقوال تناقض ما قاله سابقاً. ولأن محمداً استمر على مدى ثلاثِ وعشرين سنةً يأتي بآيات متفرقة يقول إن ربه أوحى له بها، خانته ذاكرته مراراً فناقض نفسه، وعندما نبهه معاصروه إلى بعض ذلك التناقض، حاول تمريره بزعم أن بعض الآيات نُسخت مما أزال التناقض. ولكن عدد الآيات التي لم تُنسخ وما زال بها تناقضٌ جعل الاستاذ المصري حسن حنفي ينعت القرآن ب "سوبرماركت" تجد فيه كل ما يخطر ببالك إذا عرفت الممرات العديدة في هذا السوبرماركت. وكما نعلم كلنا أن محمداً جاء بآية تقول لو كان هذا القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وسوف أبيّن بعض هذه الاختلافات التي تؤكد أن القرآن من عند غير الله وأنه من تأليف محمد البشر الذي خانته ذاكرته كما تخوننا ذاكراتنا مراراً
إذا تتبعنا التسلسل الزمني لظهور سور القرآن حسب القائمة التي أصدرها الجامع الأزهر، نجد أن محمداً قال عندما تحدث عن ثمود وقتلهم ناقة الله في سورة الشمس، وترتيب ظهورها 26 من 83 سورة مكية، يقول (فكذبوها فعقروها فدمدم عليهم ربهم يذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها) (الشمس 14-15). ونفهم من هذه الآيات أن الله عاقب ثمود بذبهم وأخذهم بالصيحة أو أرسل عليهم صاعقةً من السماء في آية أخرى
ثم ليؤكد لنا أنه يعاقب الناس بذنوبهم في الدنيا ويخسف بهم الأرض أو يقتلهم بطرق أخرى، قال لنا في سورة الأعراف المكية، ورقمها 39 (فبّدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون) (الأعراف 162). فهؤلاء القوم الذين ارتكبوا ذنب تبديل بعض ما قيل لهم، أغضبوا الله فأنزلَ عليهم رجزاً من السماء بما كسبوا فأهلك المذنب مع الطفل البريء الذي لم يبدل ما قيل له.
ولكن بعد أن أتى بثلاثِ سور بعد الأعراف، كان قد نسي ما قاله سابقاً، فقال في سورة فاطر المكية، ورقهما 43 (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك علي ظهرها من دابةٍ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) (فاطر 45). فنرى هنا أن الله الرحمن الرحيم بعباده لا يؤاخذهم بما كسبوا في الدنيا ويؤخر عقابهم إلى يوم القيامة، وربما يعفو عنهم. ولو واخذهم بما فعلوا لما ترك على ظهرها من دابة. ويبدو أنه نسي أنه اخذهم من قبل بما ارتكبه قوم نوح من نكران نبوة نوح فأغرق الإنسان والحيوان والنبات ولم يترك على ظهرها من دابة إلا من كان في مركب نوح، وهم لم يتعدوا نوحاً وأسرته
كلما طالت الفترة الزمنية بين ظهور السور، كلما كان النسيان والتناقض في السور أوضح. فهاهو يقول في سورة الإسراء المكية، وترتيبها 50 (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) (الإسراء 16). حتى إن كان أهل القرية مؤمنين ولم يأتوا بذنب يغضب الله، ولكن الله أراد أن يهلك تلك القرية، فما عليه إلا أن يأمر مترفيها فيفسقوا فيها، فيدمرها بمن فيها من أبرياء لا ذنب لهم - أطفال ونساء وفقراء لم يكن في وسعهم أن يفسقوا مع المترفين، ليثبت أنه يعاقب الناس في الدنيا بما ارتكبوا من معاصي.
وبعد أربع سور أخرى يؤكد لنا محمد أن الله يؤاخذ الناس بذنوبهم ويهلكهم في الدنيا قبل الآخرة. يقول في سورة الأنعام المكية، ورقمها 55 (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) (الأنعام 6 6). فالله الرحيم كان مستعجلاً على عقاب تلك الشعوب فأهلكهم بذنوبهم وأنشأ شعوباً أخرى غيرهم، ولم ينتظر يوم الحساب
وبعد أربع سور أخرى في مكة، يقول لنا محمد في سورة غافر، وترتيبها 60 (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوةً وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق) (غافر 21). فهذا تأكيد لا يدع مجالاً للشك أن الله يؤاخذ الناس بذنوبهم في الدنيا ولا ينتظر يوم الحساب رغم أنه يقول إنه يمهل ولا يهمل.
ولكن آفة النسيان تلاحق البشر، ومحمدٌ واحدٌ منهم. فهذا هو محمد يقول لنا في سورة النحل المكية، وترتيبها 70 (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ماترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (النحل 61). مرة أخرى يناقض مؤلف القرآن نفسه ويقول لنا إن الله لا يؤاخذ الناس بما كسبوا في الدنيا بل يؤجلهم إلى أجلهم الذي يموت فيه كل شخص موتاً طبيعياً ثم يحاسبهم يوم القيامة
وبعد غيبة طويلة ينسى محمد مرة أخرى ما قاله في السورة السابقة ويخبرنا في سورة العنكبوت المكية، وترتيبها 85 (.فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (العنكبوت 40). رجع رب القرآن إلى عقاب الناس في الدنيا بما كسبوا من ذنب ولا ينتظر يوم القيامة ليحاسبهم على ما كسبوا
وبانتهاء الفترة المكية هاجر محمد إلى المدينة واختلط باليهود الذين كذبوا دعوته فهددهم في سورة البقرة، أول سورة "تنزل" في المدينة، فقال (فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا علي الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون) (البقرة 59). وكما يقول الشاعر سهل بن مالك الفزاري "إياك أعني واسمعي يا جارة" هاهو محمد يقول ليهود المدينة إنّ الذين كذبوا من قبل وبدلوا في كلام الله قد أنزّل عليهم الله رجزاً من السماء فأبادهم، رغم أنه لا يؤاخذ الناس بذنوبهم في الدنيا بل ينتظر يوم الحساب، فعليكم أن تصدقوني قبل أن يحدث لكم نفس الشيء
ثم كرر محمد مقولة إن الله يغرق الناس ويرسل عليهم رجزاً من السماء بما كسبوا في سورتين مدنيتين هما الأنفال 52، 54، وآل عمران 11. فأي الصيغتين نصدق؟ هل الله يؤاخذ الناس بما كسبوا في الدنيا ويهلكهم أم أنه لا يؤاخذهم وينتظر يوم الحساب. وكي يخبرنا أنه يعاقب بعض الناس بما كسبوا في الدنيا عقاباً أخراً غير القتل، أخبرنا بقصة قوم سبأ الذين كذبوا به فأرسل عليهم سيل العرم بعد أن حطّم سد مأرب، فأغرق جنانهم وبدلهم بجنان مليئة بالشوك والخِمط، فقال (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتهم جنتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيء من سدر قليل) (سبأ 16). ونفهم من هذه الآية أنه عاقب أهل سبأ بأن بدّل جنتهم ذات الفواكه بجنة فيها ربما أعشاب وشجر سدر. والسدر معروف بأنه شجر له أشواك كبيرة ومؤذية للناس والحيوان. ولذلك عاقب الله أهل سبأ بأن أعطاهم السدر في جنتهم الجديدة بدل أشجار الفواكه
ولكن نفس هذا السدر القبيح اختاره الله ليكون جوار عرشة في السماء السابعة عند سدرة المنتهى (ولقد رآه نزلةً أخرى. عند سدرةِ المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى) (النجم 13-16). ثم قال (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدر مخضود. وطلحٍ منضود. وظلٍ ممدود) (الواقعة 27-30). وهذا يعني أن الجنة بها أشجار سدر
وقد لاحظ الأعراب وقتها هذا التناقض من عقاب أهل سباً بشجر السدر ثم اختيار السدر ليكون في الجنة، فجاء إعرابي إلى محمد وقال له "يا رسول الله لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما هي) قال: السدر فإن له شوكا مؤذيا، فقال صلى الله عليه وسلم (أو ليس يقول "في سدر مخضود" خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيه لون يشبه الآخر.)" فهل كان الله في حاجة لأن يخضد شجر السدر القبيح ليجعله جميلاً يليق بالجنة وعنده آلاف الأنواع من الأشجار الظليلة ذات الفواكه الجميلة؟
أعتقد أن هذا التناقض الكثير يثبت أن القرآن من غير عند الله، الذي لا وجود له، وبالتالي هو من تأليف محمد بمساعدة ورقة بن نوفل وربما بحيرة الراهب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن