من ملامح تأليه الحنابلة لابن حنبل : : ب3 ف 5 / 14

أحمد صبحى منصور

2013 / 11 / 21

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين ). الباب الثالث : تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى .الفصل الخامس: الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة : من ملامح تأليه الحنابلة لابن حنبل : ب3 ف 5 / 14
أولا : ـ صناعة نسب عربى له :
1 ـ يصفه الخطيب البغدادى بأنه مروزى الأصل .وقالوا‏:‏ وقدم به أبوه من مرو الى بغداد ، وأمه حامل به ، فوضعته أمه في ببغداد عام 164 . ‏ وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين، فكفلته أمه‏.‏ ثم صنع له إبنه صالح نسبا عربيا رفعه الى بكر بن وائل الى ربيعة الى نزار ثم الى الى اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام. ( وروى عن صالح بن الإمام أحمد قال‏:‏ رأى أبي هذا النسب في كتاب لي فقال‏:‏ وما تصنع به ‏؟‏ ولم ينكر النسب‏.‏ ) .ولأنه من مرو الفارسية أو ( مروزى الأصل ) فقد صنعوا حديثا يمدح مدينة مرو . ذكره ابن الجوزى فى مناقب ابن حنبل ، يقول بعد إسناده ( سيكون بعدى بعوث كثيرة ، فكونوا فى بعث خراسان ، ثم انزلوا مدينة مرو ، فإنه بناها ذو القرنين ، ودعا لها بالبركة ، ولا يضر أهلها بسوء. )( مناقب احمد بن حنبل 15 ــ ) ( تاريخ بغداد 4 / 412 ، 414 ).
2 ـ لم يكن مستحبا تأليه شخص أعجمى فارسى قدم ابوه فقيرا من مرو ، لذا كان لابد من صناعة نسب عربى لابن حنبل بعد موت ابن حنبل ، ثم صناعة حديث فى مناقب بلده الأصلى ( مرو ). وكان متعذرا صناعة نسب قرشى له بسبب محافظة القرشيين على انسابهم حتى ذلك الوقت ، وكان مستحيلا نسبته لبنى هاشم وهم أكثر حفاظا على أنسابهم ، ومثلهم بنو العباس ، وفى أيام المأمون أحصيت أولاد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين ذكر وأنثى وذلك في سنة مائتين. ( المنتظم 10 / 86 ). إى كان المتاح صناعة نسب له فى ربيعة ثم ـ على خلاف العادة ـ رفع نسبه الى اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . ولذا نعتبر صناعة نسب عربى لابن حنبل ضروريا فى صناعتهم له الاها للحنابلة .
ثانيا ـ صناعة أحمد بن حنبل إلاها صوفيا
1 ـ كان دين التصوف فى بدايته فى القرن الثالث الهجرى يعانى من إنكار قوى عليه من الحنابلة بالذات . ولكنه ظل ينتشر ببطء وبثبات بين العوام مع تراجع بنفس القدر لنفوذ الحنبلية السنية المتشددة ، ثم فى العصر المملوكى تم الصلح النهائى بين السّنة والتصوف بإختراع مزيج من التصوف المنافق المعتدل و السُّنة المعتدلة تحت مسمى ( التصوف السُّنى ) وقد بدأ الغزالى ت 505 بهذا فى معظم أجزاء كتابه ( الاحياء ) بينما عبّر عن التصوف المتطرف بين سطور الاحياء وأفرد له كتابه ( مشكاة الأنوار ) .
وجاء ابن الجوزى بعد عصر الغزالى ليشهد إنحسار الحنبلية ، فكتب مناقب ابن حنبل ليؤلهه بالطريقة الصوفية التى كانت تحظى بإعتقاد العوام فى عصره . لذا لا نرى فارقا بين تأليه الحنابلة فى القرن السادس لابن حنبل حسبما جاء فى المناقب التى كتبها ابن الجوزى وبين الملامح المعتادة للصوفية فى كتابة مناقب أوليائهم وآلهتهم .
2 ـ فى كل الأحوال فالجمهور المستهدف هو العوام الذين يتحدث باسمهم الحنابلة ، ويطلقون على أنفسهم ( اهل السنة والجماعة ) . فالجماعة هنا هم الأغلبية الساحقة من الناس ، والتى هى طبقا للسياق القرآنى لا تعقل ولا تبصر ولا تفقه ولا تؤمن بالله جل وعلا إلا وهى تشرك معه غيره ، ولو اطاعهم خاتم النبيين لأضلوه عن سبيل الله ، ولكنها عند السنيين ( الأمة والجماعة) والمصدرية والمرجعية الذين يتكلمون بإسمهم . هذه العوام تدمن فى كل عصر تجسيد اله أو رمز للإله تلمسه وتتبرك بقبره المقدس عندها وتقدم له النذور والقرابين ، وتتوسل به وتتشفع وتعتقد فى تصريفه فى ملك الله جل وعلا بالكرامات والمعجزات والخوارق ، ووحيه وكلام رب العزة معه . هذه هى عقلية العوام ، وهذه هى متطلباتهم فى أى اله أرضى يقصدونه بالزيارة والحج والتوسل والتبرك والتشفع .
3 ـ وركّز الحنابلة فى بدء أمرهم على صناعة الأحاديث وسماعها وتلقينها وتدوينها ، ولكن مالبث أن إنتشر التصوف ومعه دعوى ( العلم اللدنى الالهى ) بزعم أن بإمكان اى انسان مهما بلغ جهله ان يحصل على هذا الوحى بلا كتابة لحديث او اى نوع من العلم ، بل بالرياضات الروحية فتُشرق فى داخله أنوار العلم الالهى اللدنى ويخاطبه الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) فيقول ( حدثنى قلبى عن ربى ) بلا حاجة لصناعة إسناد أو كتابة حديث أو رحلة فى طلب الحديث وبلا ( تعب القلب ) . وقرن الصوفية فى عصر ابن الجوزى دعواهم العلم اللدنى بكسر الألواح التى يسجل الناس فيها ( الأحاديث والسنن ) ليفتحوا المجال على مصراعيه للعوام للدخول فى دين التصوف ، كما أقاموا حفلات الرقص والغناء الشعبية وجعلوه شريعة دينية باسم ( السماع ) فلم يعد السماع هو للأحاديث بل السماع للغناء والاستمتاع بالرقص ،وأحلوا الزنا والشذوذ وجعلوهما شريعة دينية تحت مسمى المؤاخاة والشاهد . ولقد هاجمهم ابن الجوزى بضراوة فى كتابه ( تلبيس ابليس )، ولكن إضطر الحنابلة بسبب الانتشار المريع والسريع للتصوف ــ على حساب الحنبلية ـ الى تأليه ابن حنبل بنفس النمط الصوفى .
4 ـ ولم تكن ملامح هذا التأليه لابن حنبل واضحة فبل ذلك فى القرن الخامس الهجرى حسبما يظهر فى كتابة الخطيب البغدادى عن ابن حنبل . غاية ما كتبه الخطيب البغدادى فى مناقب ابن حنبل أن جعله أفضل من أبى بكر الصديق (ما قام أحد بأمر الاسلام بعد رسول الله ( ص ) مثلما قام أحمد بن حنبل " ..ولا أبو بكر الصديق.! ) وجعله رمزا للاسلام :( من سمعتموه يذكر احمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الاسلام ) ودعا لزيارة قبره ( كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة ، فرأيت فى المنام قائلا يقول لى : لم تركت زيارة قبر إمام الٍّسُنّة ؟ ) ( تاريخ بغداد 4 / 418 ، 420 ، 423).
أما ابن الجوزى فقد صنع تأليها كاملا لابن حنبل فى كتاب مناقبه خصوصا فى: ( باب 91 المنامات التى رآها احمد ، باب 92 المنامات التى رؤي فيها احمد ، باب 93 المنامات التى رؤيت له ، باب 94 فضيلة مجاورة قبره ، باب 95 مجاورته.). ونستعرض بعضها هنا:
ثالثا : منامات ابن حنبل
1 ـ يروون له منامات يتكلم فيها مع رب العزة كعادة الصوفية فى سبك المنامات . ولكن صاغ ابن الجوزى وغيره المنامات ليس كهدف فى حد ذاته ولكن لكى يحمّلوها بمضامين دينهم الحنبلى لتحظى بالتصديق بين العوام بدون الحاجة الى إستدلال عقلى من القرآن ، فيكفى العوام أن الله جل وعلا قال هذا فى المنام لأحمد بن حنبل ، أو أن النبى قال هذا فى المنام لابن حنبل . وطالما يصدّق العوام بهذه المنامات فقد أغنتهم عن الاستدلال العقلى والحجج والبراهين ، والتى هى فى نفس الوقت أكبر من عقول العوام وأبعد عن إهتماماتهم . من هذه مناماتهم التى يروجون فيها لاعتقادهم برؤية الله جل وعلا وبكفر من يقول بأن القرآن مخلوق ومنها منامات تزكى ابن حنبل وترفع مكانته وتهاجم وتلعن أعداءه .
2 ـ وهناك منامات تجمع بين هذا كله ، فيها تزكية ابن حنبل ومدحه وتقديسه ونشر الاعقادات الحنبلية أيضا . والعادة ان يقوم ابن الجوزى بتكرار هذه النوعية من المنامات بأسانيد مختلفة وأساليب وصيغ مختلفة لتتركّز فى أفئدة القارىء . ومنها هذا المنام الذى يزعم صاحبه أنه ( لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداً فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له‏:‏ يا أبا عبد الله ‏!‏ أي مشية هذه ‏؟‏ فقال‏:‏ مشية الخدام في دار السلام‏.‏ فقلت‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏ فقال‏:‏ أغفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي‏:‏ يا أحمد ‏!‏ هذا بقولك القرآن كلامي،..) يعنى ان الاههم المصنوع ألبس ابن حنبل نعلين من ذهب . هذا الافتراء على رب العزة يهدف رفع مكانة ابن حنبل فوق رب العزة والترويج لمذهبهم فى رفض القول بخلق القرآن . وفى روايات أخرى لنفس المنام يزعمون أن الله جل وعلا قال لابن حنبل ( أبحتك النظر الى وجهى )أو قوله: ( وأباحنى النظر الى وجهه ) وهذا فى الاستدلال على مذهبهم فى رؤية الله جل وعلا . وهنا يصنعون الاها خاصا بهم يستخدمونه فى الدعاية لمذهبهم وفى رفع مكانة ابن حنبل .
وفى رواية لمنام طويل يزعم صاحبه أن الله جل وعلا يحاسبه ويسأله : ماتقول فى القرآن ، فيقول : كلامك يارب العالمين فيقول من أخبرك فيقول أحمد بن حنبل ، فيُدعى ابن حنبل ويسأله الله فيقول انه روى ذلك عن فلان الراوى، فيدعى فلان الراوى الى ان يصل الأمر الى النبى ،فيقول انه عرفه من جبريل .ثم يقول جبريل صدق وصدقوا . والمنام يقول ما لا خلاف عليه بين المعتزلة والحنابلة وهو ان القرآن كلام الله، ويتجاهل أصل الخلاف : هل هو صفة من صفات الله جل وعلا أم أنه القرآن الذى جعله الله جل وعلا ذكرا محدثا وقرآنا عربيا منطوقا بلسان العرب .
3 ـ وهناك منامات تهاجم خصوم ابن حنبل وترفع مكانة ابن حنبل ، يزعم أحدهم ( أنه رأى كأن أحمد بن حنبل في حلقة بالمسجد الجامع، وأحمد بن أبي داؤد في حلقة أخرى، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بين الحلقتين وهو يتلو هذه الآية‏:‏ ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ) (89)‏ ويشير إلى حلقة ابن أبي داؤد ( فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) ويشير إلى أحمد بن حنبل وأصحابه‏.‏ ) . وتمام الآية الكريمة تشير الى الأنبياء السابقين ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) الانعام ) فأخرجها الحنابلة عن السياق ليرفعوا مكانة ابن حنبل وليتهموا المعتزلة بالكفر ـ وليضعوا هذا على لسان النبى ، يستخدمونه كالعادة فى الدعوة لمذهبهم وفى الدفاع عن ابن حنبل ، أى يرفعون ابن حنبل فوق مقام النبى عليه السلام . وهذا تأليه لابن حنبل .
ومنام عن يوم القيامة وابن حنبل يتقدم الناس ( وهو بالحُسن ما الله به عليم ).ومنام عن احمد بن حنبل ومكتوب على (قفاه ) : (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) والآية الكريمة تخاطب خاتم النبيين فى سياق الحديث عن الكفار من أهل الكتاب : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة ). ومنام آخر يجعلون فيه النبى يلعن خصوم ابن حنبل ، ويرسل التحية لابن حنبل . وفى منام لأحدهم يزعم فيه أن النبى أتى لباب بيته فأخذ بعضادتى الباب وأذّن وأقام الصلاة وقال : ( نجا الناجون وهلك الهالكون . فقلت : يارسول الله ، من الناجون ؟ قال : احمد بن حنبل وأصحابه.! )
وفى منام آخر طويل يجعلون النبى يلعن ( القدرية ) وهم القائلون بحرية الانسان ومسئوليته عن عمله وأن الله جل وعلا لا يريد الظلم ، وأن الظلم ليس قدرا الاهيا وليس فعلا الاهيا حتميا بل هو فعل بشرى يرتكبه الظالمون ويجب مقاومته . المنام يحاول تأكيد حديث مصنوع فى لعن القدرية الذين وقفوا ضد الاستبداد والكهنوت وتعرضوا لاضطهاد الآمويين والعباسيين . وقد أطلقوا عليهم وصف ( القدرية ) لقولهم ( لا قدر ، وإنما الأمر أنف ) أى ليس الظلم قدرا الاهيا لا فكاك منه ولكنه يجرى بالقهر برغم أنوف الناس ، فإذا هب الناس لمقاومته زال . . يقول صاحب المنام ( ..قلت : يا رسول الله حديث أبى الزبير عن عبد الله بن عمرو إنك قلت : يكون فى أُمّتى قذف ومسخ . قال : نعم ، وذلك فى القدرية . قلت : يا رسول الله لمن تقلد هذا الدين؟ قال : لهذا الرجل .. فإذا رجل مستلق على قفاه ، وقد مُدّ عليه ثوب أبيض ، فكشفت عن وجهه فإذا رجل جيد الجثة عظيم اللحية أحمر الخدين . فلم أعرفه . فقلت : يا رسول الله من هذا الرجل ؟ قال : أما تعرفه ؟ قلت : لا . قال : هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل ) .! هنا لعن للقدرية المفكرين المسلمين الأحرار وتقليد لابن حنبل بقيادة الدين ( الحنبلى الملاكى ).
4 ـ أما المنامات التى تزكّى ابن حنبل وتقدّسه فهى كثيرة ..وحقيرة .!..ولكثرتها ولحقارتها فإننا نكتفى بالاشارة لبعضها كى لا يضيق الصدر . على سبيل المثال منام عن نزول ملك من السماء ومعه سبعة تيحان ، فأول من توّجه من الدنيا احمد بن حنبل . ويستخدمون النبى فى منام يزعمون أنه قال لابن حنبل ( إذهب فأنت أمير القوم .!) وأنه قال للناس:( إتبعوه فهذا أميركم ، فاسمعوا له وأطيعوا ). أى بدلا من طاعة الله جل وعلا ورسوله الكريم فقد جعلوا الرسول نفسه يدعوهم لطاعة ابن حنبل .! . وفى منام آخر يزعم أحدهم أنه رأى النبى يمشى فى طريق وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان بتؤدة ورفق ، وأنه حاول اللحاق بهما فلم يستطع . ثم راى فى الليلة التالية مناما مكملا ( أى منام كفيلم سينمائى عرض مستمر ) وفيه الناس مجتمعون لصلاة جامعة والمنادى ينادى على ابن حنبل ليؤم الناس فى الصلاة ، ويأتى ابن حنبل فيصلى بهم . وتكرر هذا المنام مرة أخرى بصيغة محتلفة . وفى منام رؤى بعضهم بعد وفاته فى منام فقال إنه إنتفع بالسّنة ، وسئل عن ابن حنبل فقال : ( حالت بيننا وبينه الحُجُب .! ) ، إرتقى الى مكانة الالوهية فوق البشر بحيث حالت الحُجُب بينه وبين البشر .
ويهبط الحنابلة الى أحطّ درجات الكفر حين يزعمون أن الله جل وعلا يقول فى منام لأحدهم ( هذا أحمد بن حنبل يرد الأمة عن الضلالة...إتّبعه وإلا هلكت ) ومنام آخر للحسن الصواف يزعم : ( رأيت رب العزة فى المنام فقال لى : يا حسن من خالف ابن حنبل عُذّب ). وبالتالى فهناك سبعة منامات متفرقة جاءت بصيغ مختلفة وأسانيد مختلفة تزعم أن النبى أوصى بالاقتداء بابن حنبل والأخذ بقوله . ومنام آخر يزعم أن الناس ستتبع فى النهاية مذهب ابن حنبل .(مناقب 434 ، 436 ـ ، 442 ـ ، 453 ، 464 ، 466 ، 467 ، 468 ، 474 ، 476 ، 445 : 451 ــ ، 465 ــ ، 470 ــ ، 493 ، 496 )
ومن الطريف أن الصوفية كانوا يحكون منامات يزعمون فيها لقاء ابليس والحديث معه ، وقد حكى ابن الجوزى فى ( المنتظم ) رواية مماثلة يرويها عن عبد الله بن أحمد بن حنبل : ( سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحيته فجعل يغرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقرأ بيده هكذا لا بعد لا بعد ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له‏:‏ يا أبه‏!‏ أي شيء هذا قد لهجت به في هذا الوقت تغرق حتى نقول‏:‏ قد قضيت ثم تعود فتقول‏:‏ لا بعد فقال لي‏:‏ يا بني‏!‏ ما تدري ؟ قلت‏:‏ لا قال‏:‏ إبليس لعنه الله قائم حذائي عاض على أنامله يقول‏:‏ يا أحمد فتني‏!‏ فأقول له‏:‏ لا بعد حتى أموت ‏.‏ ) ( المنتظم وفيات 241 ، ج 11 .)
رابعا : آلهة الصوفية مع ابن حنبل
1 ـ قام ابن الجوزى بالمزايدة على الصوفية ، فإذا كانوا يدعون الناس للتبرّك بأوليائهم فإن ابن الجوزى يزعم أن هؤلاء الأولياء المقدسين أنفسهم يذهبون لرؤية أحمد بن حنبل والتبرك به . لذا أفرد أبوابا فى كتاب المناقب لهذا الموضوع : ( باب 17 ثناء الغرباء والأولياء عليه ، باب 18 تبرك الأولياء به وزيارتهم له ( المناقب 143 : 149)
2 ـ وفى عصر ابن الجوزى لم تكن المملكة الوهمية للآلهة الصوفية قد إكتملت . فقد تم إكتمالها فى كتابات المتصوفة فى العصر المملوكى بعد ابن الجوزى بثلاثة قرون . وضمت آلهة بزعمهم تتحكم فى العالم على راسهم قطب الأقطاب أوالقطب الغوث من بين الأقطاب الأربعة والأبدال والأوتاد وأصحاب النوبة والقائمين بالحملات الذين يحملون اوجاع الناس . بالاضافة الى كائنات نصف الاهية خالدة لا تموت يزعمون لقاءها ورؤيتها ثم تختفى مثل الخضر والياس . دارت حول هذه المملكة الوهمية و( جبل قاف ) و( إسم الله الأعظم ) معظم كرامات وخرافات التصوف فى مرحلة إكتماله وسيطرته فى العصر المملوكى ، خصوصا فى كتابات عبد الوهاب الشعرانى الصوفى المصرى الذى عاصر نهاية العصر المملوكى وعقودا من العصر العثمانى . فى عصر ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى لم تكن قد إكتملت تلك المملكة الصوفية ، وقد إقتصرت على القول بالأبدال والأوتاد والخضر والياس . وقد تردد ذكرهم فى كتابات الغزالى فى الاحياء ، كما ذكر البخارى الخضر فى أحاديثه . وهو لا علاقة له مطلقا بالنبى العبد الصالح المذكور فى قصة موسى فى سورة الكهف .
3 ـ وفى موضوعنا عن تقديس وتأليه ابن حنبل على الطريقة الصوفية التى انتشرت بين العوام فى عصر ابن الجوزى نرى ابن الجوزى يجعل الخضر عنصرا فى تلك المنامات التى يعيد صياغتها فى تزكية ابن حنبل والهجوم على خصومه . ومنه منام تكرر خمس مرات، ويزعم الراوى فى واحد منها ان صاحبه من ( الأبدال ) وأنه رأى الخضر فسأله عن ابن حنبل فقال ( إنه صدّيق ). أما الياس فقد زعم بعضهم أنه قابله وقد غرقت سفينته بين بحرى الهند والصين فقام الياس بانقاذه من الغرق مقابل أن يبلغ سلامه الى أحمد بن حنبل وكان مع الياس الملك الموكل بجزائر البحر . وهى بالقطع خرافة تستوى العوام ، وتجعلهم يهيمون حُبا فى ابن حنبل . ( الياس ( مناقب 143 ) الخضر( باب 16 ثناء الخضر عليه )، ( مناقب 144 ـ 473 ـ ، 478 ـ ) .
خامسا : كرامات ابن حنبل الصوفية
منها أنه أصدر قرارا للنمل من دخول بيته فإمتنع النمل من دخول بيته !. وسال الدم من منخرى حفيده فأصدر قرارا آخر فانقطع الدم من منخار حفيده .! ووضعوا القلم الذى كان يكتب به فى نخلة عقيم فحملت النخلة .! ( ونشكرهم أنهم توقفوا عند استعمال قلمه على النخل فقط .! كانت بقت مصيبة .!) . واستغاثت به عجوز مقعدة مشلولة فقامت تمشى .وإشتكى آخر وكان يئن من الألم فشفاه ابن حنبل . ولم يبق إلّا أن يفتتح عيادة طبية . وأخمد حريقا هائلا شبّ فى دار صالح بن احمد بن حنبل فأتى عليها كلها سوى ثوب كان لابن حنبل كان ابنه يتبرك بالصلاة فيه . وأخمد حريقا أتى على دار قاضى القضاة إلا كتابا كان فيه شىء بخط ابن حنبل ، يعنى كان يعمل أيضا فى المطافىء فى أوقات الفراغ ويجعل الحريق يأتى على كل شىء ما عدا ما يخصّه. ويزعم ابن الجوزى أنه غرقت بغداد كلها فى عام 554 فغرقت داره وكتبه ما عدا مجلد فيه ورقتان بخط ابن حنبل .!. ( مناقب 295 ، 296 ، 297 ، 434 ).
سادسا : بعد ابن الجوزى :
نقل المؤرخ الحنبلى ابن كثير بعض هذه الخرافات عن ابن الجوزى والبيهقى فى ( البداية والنهاية ) فى ترجمته لابن حنبل . وننقل منه بعضها :تحت عنوان : ( ذكر ما رئي له من المنامات ):يقول ابن كثير : ( وقد صح في الحديث لم يبق من النبوة إلا المبشرات‏.‏ وفي رواية‏:‏ إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له‏.‏ ) أى يؤمن إبن كثير بهذه المنامات الخرافية ، ويجعل الايمان بها قرينا للإيمان بالنبوة طبقا لهذا الحديث الفاجر الذى صنعه الحنابلة . ويروى ابن كثير ما صاغه الحنابلة فى تأليه ابن حنبل من منامات . يقول : ( وروى البيهقي، عن الحاكم، سمعت علي بن حمشاد، سمعت جعفر بن محمد بن الحسين، سمعت سلمة بن شبيب، يقول‏:‏ كنا عند أحمد بن حنبل وجاءه شيخ ومعه عكازة فسلم وجلس فقال‏:‏ من منكم أحمد بن حنبل ‏؟‏ فقال أحمد‏:‏ أنا ما حاجتك ‏؟‏ فقال‏:‏ ضربت إليك من أربعمائة فرسخ أريت الخضر في المنام فقال لي‏:‏ سر إلى أحمد بن حنبل وسل عنه وقل له‏:‏ إنَّ ساكن العرش والملائكة راضون بما صبرت نفسك لله عز وجل‏.‏ ) ( وعن أبي عبد الله محمد بن خزيمة الإسكندراني، قال‏:‏ لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداً فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له‏:‏ يا أبا عبد الله ‏!‏ أي مشية هذه ‏؟‏ فقال‏:‏ مشية الخدام في دار السلام‏.‏ فقلت‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏ فقال‏:‏ أغفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي‏:‏ يا أحمد ‏!‏ هذا بقولك القرآن كلامي، ثم قال لي‏:‏ يا أحمد ‏!‏ ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري، وكنت تدعو بهن في دار الدنيا، فقلت‏:‏ يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء اغفر لي كل شيء، حتى لا تسألني عن شيء‏.‏ فقال لي‏:‏ يا أحمد ‏!‏ هذه الجنة قم فادخلها‏.‏ فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة، ومن شجرة إلى شجرة وهو يقول‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 74‏]‏‏.‏ قال فقلت له‏:‏ ما فعل بشر الحافي ‏؟‏ فقال‏:‏ بخ بخ، ومن مثل بشر‏؟‏ تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام والجليل مقبل عليه وهو يقول‏:‏ كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم‏.‏ أو كما قال‏.‏ ) ( وقال أبو محمد بن أبي حاتم‏:‏ عن محمد بن مسلم بن وارة، قال‏:‏ لما مات أبو زرعة رأيته في المنام فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏ فقال‏:‏ قال الجبار‏:‏ ألحقوه بأبي عبد الله، وأبي عبد الله، وأبي عبد الله، مالك والشافعي وأحمد بن حنبل‏.‏) ( وقال أحمد بن خرّزاد الأنطاكي‏:‏ رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وقد برز الرب جل جلاله، لفصل القضاء، وكأن منادياً ينادي من تحت العرش‏:‏ أدخلوا أبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله الجنة‏.‏ قال‏:‏ فقلت لملك إلى جنبي‏:‏ من هؤلاء ‏؟‏ فقال‏:‏ مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل‏.‏) ( وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن أيوب المقدسي قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وهو نائم وعليه ثوب مغطى به وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين يذبان عنه‏.‏ ) ( وقد تقدم في ترجمة أحمد بن أبي دؤاد، عن يحيى الجلاء أنه رأى كأن أحمد بن حنبل في حلقة بالمسجد الجامع، وأحمد بن أبي داؤد في حلقة أخرى، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بين الحلقتين وهو يتلو هذه الآية‏:‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 89‏]‏ ويشير إلى حلقة ابن أبي داؤد ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 89‏]‏ ويشير إلى أحمد بن حنبل وأصحابه‏.‏ ).
السطر الأخير
أتمنى لو أنتجت أعمالا درامية عن الحنابلة والوهابية ..ولكن ما باليد حيلة ..
آه يا زمن ..!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن