محاكمة رؤساء مصر جرس إنذار لجميع الرؤساء .

حميد طولست
hamidost@hotmail.com

2013 / 11 / 14

محاكمة رؤساء مصر جرس إنذار لجميع الرؤساء .
احترت في أمر الكتابة عن مصر ، خاصة وأن كل ما فيها يغري بالكتابة ، شعبها ، تاريخها ، علماؤها ، موقعها ، وجوها وماء نيلها الذي يمنحها جميع مقومات الجمال من جداول وبحيرات وحقول وطبيعة خلابة تحبس الأنفاس بجمالها ..
حيرة نابعة من خشية من التقصير في حق هذا البلد العظيم ، إن أنا كبت عن واحدة من مقومات عظمة بلد جاء ذكره في القرآنه الكريم في أربعة وعشرين موضعاً ، منها ما هو بصريح اللفظ ، كما قال الكندي ، ومنها ما دلت عليه القرائن والتفاسير" ، ومن ذلك قوله تعالى: " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " يونس 87 . وقوله سبحانه : "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ " ، يوسف 21 . وقوله تعالى : "فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ " يوسف 99 . وقوله عز وجل: "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ " الزخرف 51 وَطُورِ سِينِينَ ،التين 2 . وبما أن مصر تعيش أجواء ثورتين غيرتا وجه التاريخ المصري والعالمي ، كان لابد لي أن أكتب عن أهم أحداثها التي شغلت رايها الوطني باقي دول العالم العربي والإسلامي والعالمي ، ومن بينها محاكمة مرسي التي يتبين من خلال قراءة أولية لملابساتها ، أنه لم يكن ليخطر ببال أحد أن مرسي وقيادات الإخوان سيعودون للوقوف في أقفاص الاتهام التي وقفوا فيها قبل سنوات ، وبذات التهم التي واجهتهم وأسلافهم عبر تاريخ الجماعة الطويل ، وهم ، بلا ريب أو شك ، يحفظون وعن ظهر قلب الحديث النبيوي الشريف "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ". وإني والله لا أقصد بهذا شماتة بيما صارت إليه جماعة الاخوان ورئيسهم المعزول مرسي - والذين كنت معجبا بهم كثيرا ، في زمن ما - وذلك لأن الشماتة في مثل هذه الظروف ليست مطلوبة ، بل هي معيوبة جدا وتتنافى وتعاليم الإسلام السمحة . لكن الموضوع استثنائى ، والحدث تاريخي ، ويشكل مضمونهما عبرة وعظة ، ورسالة وجرس إنذار ، تغري بالكتابة لتنبيه من تبقى خارج القضبان من أهل وعشيرة ومؤيدي الرئيس المعزول ، والذين لا مفر لهم -إن هم أرادوا النجاة بانفسهم ، ووقايتها من نفس المصير القاسي- من الوقوف أمام سيرة حياتهم ومراجعة أنفسهم ليدركوا أنهم مخطئون ، ويرجعوا عن الانحراف الذي سارت اليه الجماعة ، ويتخلوا عن نظرتهم الأحادية ، وأفقهم الضيق ، ويتركوا لعبهم المقيت على أوتار العاطفة الدينية لجموع الشعب ، وأن أي محاولة لاسترجاع السيطرة على مقاليد الأمور فى مصر ، وإحلال حزب وطنى جديد بجبة دينية ، يمكن الأهل والجماعة والعشيرة والإرهابيين والقتلة ، ويفرق بين أبناء الوطن ، ويضيع الديمقراطية التى خرج المصريون عن بكرة ابيهم ، لتحقيقها في ثورتي 25 ، و30 ، ستلحقهم لا محالة ، بجموع المحبوسين . ويذوقون من نفس كأس هول الموقف الذي أصبح يعيشه بعد نعيم في قصور الرئاسة ومعاملته كرئيس للجمهورية ، والذي أصابه بالجنون ، إلى ذرجة جعلته يصرخ في المحكمة ردًا على نداء رئيس المحكمة المستشار أحمد صبري يوسف عليه كمتهم لإثبات حضوره صائحا : "أنا الدكتور محمد مرسي، أنا رئيسك الشرعي.. وأنا محبوس بسبب انقلاب والانقلاب جريمة والمحكمة غطاء للانقلاب، هذه ليست محكمة، وأنت تعطلني عن أداء مهام عملي".
فمتى يتيقن هؤلاء بأن مصر بحاجة لسياسي محنك وقوي يقودها للحرية والاستقرار والتقدم ، وليست في حاجة لمتطرف انتحاري ، أو سياسي فاشل مبهور ببريق المنصب ، مأخوذ بإغراءات السلطة ، غارق فيها إلى درجة لم تبق له متسع من الوقت لتفكير فى مدى بشاعة وعمق أخطائه ، وربما لم يخطر بباله أو يمر بخاطره أن يراجع نفسه ليدرك أنه مخطئ في حق من ولي أمرهم وعلقوا آمالا كبيرة عليه وعلى جماعة الإخوان المسلمين ، التي عتبروا أعضاءها "بتوع ربنا" -بالدارجة المصرية ، والذي يعني في دارجتنا المغربية " اولياء الله الصالحين "- ، والذين ، مع الأسف الشديد ، خذلوهم حين تشبهوا بالنظام السابق ، وساروا على نهجه ، الذي كان كل همهم هو التمكين والتمكن من مقاليد الحكم فى مصر ، اوالذي زعزع في عهدهم الأمن والأمان والاستقرار الذي عرفه حكم مبارك ، وضُربت أثناء حكمهم القدرة الشرائية ، وقلت السلع والمدخرات التموينية ، وتوقفت الاستثمارات ، وزادت البطالة ، وطفحت على السطح كلّ ما عاشه المصريون في الخفاء من مآسي ومتاعب ، وعمت الفوضى ، وعندها ، وبحكم عامل الوقت ، وعدم نيل المطالب بشكل سريع ، انقلبت المقاييس ، وتحوّل الصّبر إلى عدم الصبر، وبعبارة أوضح تحوّل صّبر المصريين الإيجابي إلى صبر سلبيّ ، كما يقول المثل المغربي "الصبر كيضبر" واتخذوا قرار عدم تقبّل واقع لا يرضون عنه ، ولا يحتملون ما يغرقهم فيه من فوضى وقهر وعذاب ؛ و أملا فى غد أفضل ، وطمعاَ فى معيشة طيبة وحلماَ بحقوق وحريات حقيقية ، خرجت جموع الشعب المصري الطيب الغفيرة ، في سابقة فريدة في تاريخ دول العالم كله ، ليبهر الدنيا بعزل رئيسين ، وقلب نظامي حكم وتحمل عناء فترتين انتقاليتين خلال ثلاث سنوات فقط ، بعد أن قرر ألا يرضخ للذل والإهانة مرة ثانية ، وألا يسكت عن ضياع حقوقه ، وألا يرضى بأى فاشية مرة أخرى أيا كانت شكله، وبعد أقل من سنتين على محاكمة رئيسهم الأسبق حسنى مبارك، عزلوا رئيسهم الجديد وحاكموه لما نصّب نفسه ديكتاتوراَ بزى إسلامى ، وان المصريين عازمون على أن يكون ذاك مصير أى رئيس مصرى قادم يتهاون فى حق هذا الشعب ، أو يعامل المصريين كعبيد ، ويتوهم بأنه فوق القانون وفوق المساءلة ولا يمكن محاسبته عن أى فعل ، فالرئيس ما هو إلا مواطن عادى ليس له أى امتيازات عن أى المواطنين آخر غيره ، وما هو إلا خادم للشعب مصدر السلطات الأول والأخير ..
حميد طولست Hamidost@hotmail.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن