البحث عن الحاضر الغائب -رواية-23-

خالد الصلعي

2013 / 11 / 2

البحث عن الغائب الحاضر - رواية - 23-
***************************
يكاد الدم يفور من رأسه ، نزل الأدراج مسرعا ، وهو يتمتم " لم تعد هذه الوظيفة تغريني " ،" لابد من الاستقالة " . أيوب الوجدي لا يمكن أن تقبل به أي مخابرات عميلا محترفا ، انه يفتقد لكل المواهب ، فكيف أشتغل معه في نفس الوظيفة ، ويتقاضى نفس مرتبي ؟ . وهذا الرئيس المعتوه ، كيف يكون رئيسي بمثل هذا الغباء ؟ . لم أعد أحتمل هذا الوضع المقلوب ، لابد من مغادرة هذه الوظيفة . ما زال يفكر بمنطق الحقبة الستالينية ، التصفية الجسدية والاغتيال . الاستخبارات تفترض عملاء موهوبين ورؤساء عباقرة . نحن لسنا في مزرعة أو معمل لا يشتغل فيهما الا العبيد ، هذه الوظيفة مهمتها الحفاظ على الأمن القومي للبلد ، وليس فقط تتبع أخبار النفس وحصر أنفاسهم .
فتح باب سيارته ودخل . نظر الى الشاوش الذي كان يدخن سيجارته بعصبية ، نقل عينيه الى فراغ الشارع ، كانت العاصفة تنقل غبار المنطقة بكثافة . وانتقل تفكيره الى فكرة الاغتيال وسأل نفسه : هل يمكن أن يكون سي المهدي هو صاحب الفكرة ؟ ، لايمكن طبعا ، فقرار بمثل هذه الخطورة لا يمكن الا أن يصدر عن الجهات العليا ، وتحديدا من رئيس المخابرات .
ضغط على دواسة السرعة بقوة وانطلق وسط غبار كثيف بفعل سرعة عجلات السيارة المضغوطة .
مدينة وجدة لم يحافظوا فيها الا على الغبار الذي تشتهر به . نفس المدينة التي انتقل اليها في أول تعيين له بوظيفته لا تزال على حالها. البنايات وحدها عرفت انتعاشا في هذه المدينة ، عمارات وبعض الفنادق الفخمة ومنتجع لذوي الرأسمال السائب . تحالف مفضوح بين أذناب الرأسماليين والسلطة ضد المواطن . لم تعمل جميع السلطات على محاصرة الغبار بتدشين مشاريع نباتية ومناطق خضراء ، الماء عدو الغبار والعشب قبره . لكنهم حريصون على محاصرة أفكار الناس ، واقبار أحلامهم . المدينة تتوفر على بنية فلاحية واعدة ومساحات فارغة شاسعة ، لكنها لا تعيش الا على اقتصاد التهريب بين الجزائر والمغرب .
كل شيئ منذور للهدر ، للضياع ، للفساد ، وكأنهم يتنافسون مع الطبيعة لكي ينثروا غبار الوهم على غبار الأتربة .
ركن سيارته أمام فندق "ايبيس " ، ودخل توا الى حان الفندق . كانت علامات القلق بادية عليه ، لم يسلم على أحد ، بل أمر مرزوق أن يملأ له كأسا مزدوجا ،بشراب باستيس دون خلطه بأي شيئ . انتقل مرزوق الى رف القنينات ، أخذ قنينة الباستيس بيده اليمنى بينما امتدت اليد الأخرى الى الكأس .
أهرق أحمد محتوى الكأس في حنجرته دفعة واحدة ،رغم قساوة الشراب ، كأنه يدلقه خارج حنجرته ومعدته اللتين سرى فيهما مفعول الباستيس الحار كالنار .
طلب من البارمان أن يضيف كأسا آخر . بدا أن مزاجه اعتدل شيئا ما ، وبينما هو يخرج سيجارة من علبتها حدج صدفة وجه عبد المنعم ، صديقه في المهنة . منعم شاب وسيم ، حسن الوجه ، يطمئن اليه أحمد كثيرا رغم أن اطمئنانه حذر من كل شيئ . وهذا ما جعله يفكر بسرعة عن سبب وجوده في هذه اللحظة بالذات في الحان . لكنه سرعان ما عاد الى جادة صوابه بعد أن تذكر ان عبد المنعم غالبا ما يرتاد هذا المكان .
كانت احدى المومسات الى جانب أحمد منشغلة بالهاتف النقال . حياه من مكانه وعاد الى وضعه الطبيعي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن