مثقفو أحوال الطقس

خالد الصلعي

2013 / 10 / 31

مثقفوا أحوال الطقس
**************
عندما يؤكد علاء الأسواني "إن وقف حلقات برنامج «البرنامج» أو ملاحقة مقدّمه الإعلامي باسم يوسف قضائيًا، بسبب انتقاده الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، تعني أن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك لم يسقط." وهو الذي كان يدعم هذا الانقلاب المفضوح ، فهذا يعني أن نخبتنا المثقفة ، ربنا يكون في عونها ، كما يقول اخواننا المصريين ، وأزيد بنفس لهجتهم المعبرة والخفيفة ، صح النوم يا مثقف .
ألم تعرف الا بعد توقيف برنامج يوسف باسم وبعد الدعاوي المرفوعة ضده في مختلف محاكم مصر العامرة أن نظام مبارك قد عاد ؟ ، يا سبحان الله ، كمن لم يحس بالشمس الا بعدما شعر بالدفء !!!!!! مثقفوا الأحوال الطقسية ، طبعا يغيرون ثيابهم كلما تحول الطقس ، رد فعل طبيعي تجاه استدعاءات متغيرات الجسد الحرارية .
لكن المثقف مبدأ قبل أن يكون كتلة جسدية لها استجابات انتقائية أمام مختلف اكراهات الواقع السياسي والاجتماعي بجميع اختلالاته القيمية . فلا يضير في شيئ أن تنصر أشد اعدائك ان تعرض للظلم ، لأن محاربة الظلم هو منظومة لا تتجزأ ، واختيار لا انتقاء فيه ، والا انهارت المنظومة برمتها ، وأصبحت مثل قضائنا العربي ، الذي ينتصر للمسؤول الفاسد ويعمل على ترقيته ، ونزل أشد العقاب بالأبرياء .
نحن هنا أمام اختلال فظيع للمنظومة القيمية ولأخلاقية ، وحين يسقط المثقف في براثين الحربائية ويتلون حسب الظروف والمتغيرات العابرة ، ليختار القناع الذي يناسب المرحلة والأشخاص ، فان انعاكسه الشعبي أو الجماهيري سيكون أكثر انهيارا وانحطاطا . فالمثقف هو هذا الحائط الذي يستند اليه المجتمع سواء كان ذا قناعات دينية أو فكرية ايديولوجية أو فلسفية منفتحة . خاصة ونحن نجتاز صراعت متشابكة تمس هويتنا الكلية .
ففي مثل هذه المراحل المفصلية من تاريخ الأمم ، تتأسس المنظومات العقلية والأخلاقية والفنية ، أو ما يسميه الفكر اليساري بالبنية الفوقية . مما يدفعنا ضرورة وحتما الى إعمال أقصى درجات الحذر والانتباه واليقظة .
نظريا يصعب تأسيس منظومات معرفية راقية ، من عدالة وحقوق ومأسسة ، وعلاقات متقاطعة أفقيا وعموديا ، في المراحل الانتقالية ، وهذا ما تشهد به جميع الانعطافات التاريخية في صيرورة الأمم . وهذا ما يجب على المدعين تمسحا بثقافة ما ،أن يتفطنوا اليه ، فالتراكم المعرفي للتاريخ الانساني ، ولتاريخ الأفكار يمنحنا كما هائلا من التجارب الانسانية التي مرت بها نخب الأمم السابقة .
وبالعودة الى تاريخنا العربي سنجد حربا ضروسا قامت في مثل هذه الانعطافات الحاسمة من تاريخ الأمة العربية حيث تمت شيطنة الكثير من الشعراء والمبدعين والعلماء والمفكرين ، كالحلاج وأبي نواس والمتنبي ، وبن رشد ......وغيرهم كثير . أما في أوروبا القرنين18 و19 فحدث ولاحرج . مما جعل الكثيرين يفرون من أوطانهم الى بلدان أخرى ، وهو الاستنزاف الذي عاشته الأمة العربية منذ الاستقلالات المزعومة الى يومنا هذا .
لكننا اليوم ، وبفضل الثورات العربية المباركة نبصم على مرحلة ذهبية من النشاط الانساني العربي ، لم يعرفه تاريخ الأمة العربية منذ الثورة الاسلامية الأولى بقيادة النبي محمد .
غير أن مصيبتنا اليوم في نخبنا تجعلنا نقف مدشوهين ، أمام استخفاف الكثير من مثقفينا بعقلية الانسان العربي ، ووقوفهم الى جانب الطغاة ، سواء ببزة دينية أو بقبعة عسكرية . فخلال ما يقرب من ثلاث سنوات جعلت بعض المثقفين ينطون من هنا الى هناك كالقردة ، كل من أمسك بالعصى تمسح به وهز له ذيله . الى درجة أنهم يغيرون قناعاتهم ، حسب فصول التغييرات النسبية التي تعتور الوطن العربي ، وخاصة فيما تعلق بأجهزة السلطة ، من قمتها الى أدناها . وكأنهم يغيرون ثيابهم حسب درجة حرارة الطقس .
ان هذا المنطق هو ما جعل الأمة العربية ، أمة تختزل في شخص الحاكم ، وتصبح أمة مشخصنة وممركزة في القيادة السامية لصاحب المعالي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن