استعمال النص -القصيدة الغوثية-الخمرية للجيلاني نموذجا-الحلقة الثامنة

أسامة الخوّاض
osamaelkhawadahmed@yahoo.com

2013 / 9 / 20

الحلقة الثامنة

استعمال النص كمناسبة

درس الأسافير السودانية

كشفت الأسافير السودانية عن نوع جديد من استعمال النص،و جهل متفشٍ بأبسط أبجديات النقد الأدبي من خلال تجربة القراءة "الحقيقية" للنصوص الأدبية. و يمكن صياغة ذلك الكشف الاسفيري السوداني كالتالي:
نتيجة للجهل بأبسط أبجديات النقد الأدبي تم استعمال النص.و تمظهر ذلك في ظاهرة نشوء "فوق" كمداخلة ترمي إلى رفع البوست،و مداخلة لحسن موسى في بوست عن نص شعري لياسر عرمان،تعكس غياب لغة واصفة للنص الأدبي.

حينما بدأت تظهر في سودانيزاونلاين ما سميت ب"البوستات الثقافية"،قوبلت بصمت تام (1)،و كان نتيجة ذلك الصمت ذهاب تلك البوستات سريعا الى الصفحات الخلفية التي يطلق عليها "الجخانين"،مما يحرمها من الظهور في الواجهة.و علّل بعض القراء عدم تداخلهم بعدم امتلاك ما يقولونه ،و لا يريدون أن يقولوا مثلا "جميل"، "إبداع"،و غيرها من الكلمات و التعابير التي لا تنتج معرفة بالنص.فتم اقتراح رفع البوستات بعبارة "فوق" و التي ترجمت إلى "أب" الانجليزية،أو "إلى العلا" و غيرها .

و وظيفة "فوق" هي تمكين أكبر عدد من القراء من الاطلاع على نصوص يعتقد البعض أنها مهمة و يجب أن تُقرأ.ثم ظهرت مداخلات،لا تتكلم عن النص،و لكن مثلا عن اللحظة التي كتب فيها النص،أو كيف تم تلقيه،و قد تتطور نتيجة للطابع التفاعلي إلى التقريظ (2)، و قد تعرج إلى الذكريات و الإخوانيات و غيرها من الأمور،التي تستعمل النص كمناسبة للحديث عن مواضيع أخرى لأغراض شتى.و في أحايين قليلة يتم استعمال هوامش النص،مما يشير إلى احتمالين:إما أن الهوامش و هي ليست جزء من النص،و إنما عتبات له،هي أفضل من النص نفسه الذي لا يستحق تأويله،أو أن انعدام لغة نقدية يقف عائقا دون تأويل النص.و يساهم بعض المؤلفين في تعزيز استعمال نصوصهم بالحديث عن مواضيع أخرى،تفتح الباب واسعا و تشرّع استعمال نصوصهم.و سنرى مثلا لذلك حين نتحدث عن استعمال النص في المراثي الشعرية.

تكشف مداخلة حسن موسى التي سبق الإشارة إليها،أن انعدام لغة النقد الأدبي هو الذي أسَّس لكل من التعليقات الانطباعية و استعمال النص،علما أن أبا الحسن كان يستهدف التعليقات الانطباعية. قال حسن موسى في مداخلة بتاريخ التاسع من ديسمبر 2012 في بوست "نضوب البحر..قصيدة ياسر عرمان":

بعد أن تصبح الـ " قصيدة " موضوعا عاما نجي [ كلنا ]نقول و الله البتاعة دي ما قصيدة عشان كيت و كيت و يجوا ناس تانين يعارضونا بحججهم [ و طبعا كل زول عندو أجندته الظاهرة و الخفية ]. و في المناقشة بيحصل الشي الإسمو النقد الأدبي. لكن لمن تجي إنت [ أو أخوك الكاشف ] بسطرين بس دايرين تقولوا : يا فلان حاجتك دي ما قصيدة ، و يجي زول تاني بسطرينو و يقول ليكم :
أبدا و الله الحاجة دي قصيدة!
إذا الموضوع انتهي على كدا أحسن نقطع راس المنبر دا و نقلبو فرن!
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=6941&highlight=%DE%D5%ED%CF%C9+%ED%C7%D3%D1+%DA%D1%E3%C7%E4&sid=c0c41b9d8c6e30b9689902ddac49195b

استعمال النص كمناسبة: المراثي الشعرية نموذجا

نشر المعز بخيت مرثية لوالدته في بوست بعنوان "حين يصير الموت بقاء: رحمك الله يا أمي وشكر واجب لكم أجمعين" (3)
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=90&msg=1188504459&page=0&pb=

الموت وحده سبب وجيه،لاستعمال المرثية الشعرية كمناسبة لتقديم العزاء. و يضاعف من الاستعمال و يشجع عليه الشق الثاني من عنوان البوست: "رحمك الله يا أمي و شكر واجب للجميع".فهنا تصبح للبوست ثلاثة أغراض على الأقل :نشر المرثية الشعرية، و الترحم على الأم ،و شكر المعزين.و أدناه عينات تمثيلية من المداخلات التي استعملت المرثية:

العينة الأولى:

من حسن حظني قد شاهت قبل سنوات لقاءا تلفزيونيا جمع الاستاذة الجليلة والدتكم(و والدة اخرين-اعني تلاميذها الكثر) الي جانب الاستاذ: محمد ميرغني وشخصكم و كان محور الحديث حول المعز الطفل و التلميذ

العينة الثانية:

وجدت في كلماتك العميقة عزاء لي في أمي الحبيبة
فكما يقول اهلنا الوالد والد الجميع رحيل الام جرح عميق
لا يندمل. مهمي قيل أن كل شئ يبدأ صغيراً ثم يكبر الا الحزن
يبدأ كبيراً ثم يصغر مع الزمن.. لكن الحزن علي رحيل الام
ينمو فينا كما كان حالنا في احشائها الرحيم..

نسأل الله الرحمة و الجنة لامواتنا
و نسأله اللطف بنا بعدهم

العينة الثالثة:

أخي العزيز بروف معز
انه رحيل اليم
ولكنه الموت الحق اليقين
اجمل ماقي امهاتنا انهن يردن منا ان نكون
كما هن احببن وكما نحب
تنفس شعرا فهو محرابك

العينة الرابعة:

العزاء الاعظم يا د. معز هو ذلك الوعد العظيم باللقاء بعد الممات .. وفراق الاحباب سنة الحياة سواءآ بالبعاد المصحوب بأمل لقاء في الدنيا .. أو بالانتقال للدار الآخرة والذي وعدنا الله سبحانه بلقاء به وبهم جميل ابدي سرمدي ..

العينة الخامسة:

اتزكر انى رايت المرحومه فى برنامج تلفزيونى كنت تقدمه انت
اسمه زملاء مهنه او ماشابه .. وقد حضرت وبمعيتها زملائها من
التربيه والتعليم ولقد كانت المرحومه بشوشه ضاحكه وقد اعطت
تلك السهره القا وتميزا
والدليل على ذلك انى ازكر المرحومه والسهره الى يومنا هذا ..
اللهم اجعل مثواها الجنه .

نشر نفس الشاعر مرثية للفنان محمد وردي، ثم أعقبها مباشرة بالدعاء التالي:

اللهم أرحمه وأسكنه فسيح جنّاتك
اللهم باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم نقّه من الخطايا والذّنوب كما يُنَقّىَ الثّوب الأبيض من الدّنس
اللهم أغسله بالثلج والماء والبرد
اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله
اللهم أجمعنا وإيّاه في مستقرّ رحمتك
اللهم إنّا نسألك بإسمك الأعظم أن توسّع مدخله
اللهم آنس في القبر وحشته
اللهم ثبّته عند السُّؤال
اللهم لقّنه حجّته
اللهم باعد القبر عن جنباته
اللهم أكفه فتنة القبر
اللهم أكفه ضمّة القبر
اللهم أجعل قبره روضةً من رياض الجّنّة ولا تجعله حفرة من حفر النار
اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيّئاته
اللهم ألحقه بالشُّهداء
اللهم أفتح عليه نافذة من الجّنّة وأجعل قبره روضةً من رياضه

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون..
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..

ذلك الدعاء مبرر كافٍ لاستعمال النص الشعري.و من اللافت للنظر حقا،أن المداخلات القليلة التي لها علاقة بالنص الشعري،و إن كانت لا تخلو من مسحة انطباعية،قد صدَرت عن شاعرة و شاعر.

فقد كتبت الشاعرة هند محمد:

النيل أصدق تعبير يوصف به الموسيقار الراحل وردي

أخترت أقرب وصف ليه يابروف ..

والنيل لايموت

تحية ليك وانت تحكي بلسان أوجاعنا

والنص قوي وذو شجون

وانت كذلك كنت النيل الجاري هناك عكس الريح عطاء ومحبة فينا

دائما يا أخي الروف معز حفظت لك الود المقيم في الله والاحترام لك

واي نص نزلته هناك ولم أقرأه ، قرأته هنا بمتعة وطالما طربت ..وفرحت من القلب لكل نجاحاتك وتميزك

وماهز الود والخوة ليك ابدا ريح

أما الشاعر فضيلي جماع،فقد كتب المداخلة التالية:

الشاعر المرهف الدكتور / معز عمر بخيت
هذه محمدة أخرى أراها في شعرك . إن كتابتك بالعامية هنا يا أيها الشاعر لها طعم السكر رغم حزن المناسبة.
بحق أعجبتين القصيدة وأعدت قراءتها عدة مرات. إن ما ينبع من القلب مكانه القلب.
عشت أيها الصديق.
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=380&msg=1329603203

فضلا عن الجهل بأبجديات النقد الأدبي، نجد أنفسنا،حين نقارب استعمال المراثي الشعرية، في مواجهة أمرين يتعلقات بطرحين: الأول لعبدالسلام نور الدين،و الثاني لحافظ خير .

الطرح الأول يرتبط بالورقة التي قدمها عبد السلام نور الدين بمركز الخاتم عدلان للاستنارة،و نشرها في مقالات بعنوان:

الايدولوجية السودانية بديلاً للمشروع السياسي الشامل
الايديولوجية السودانية أو بروتوكولات آل سودان في عشية الاستقلال

في المقالات حديث مسهب عن "الموت" و موقعه في الايدلوجية السودانية. يقول عن ذلك:

"ليست الايديولوجية السودانية من السذاجة او الوهن كما يمكن ان تبدو في الوصف آنف الذكر فلها مواصفات واعراف وتقاليد وتاريخ خاص ولوائح ونظم وآداب وفنون وجماليات وسياسات واساليب في صناعة الطعام والحفاوة وتزيين الحياة واخرى للموت ومقامات ومواقف وأزمنة للتقدم والتقهقر واخرى لابرام الاتفاقات والمواثيق والعهود والتنصل منها في الوقت المناسب ولكن اخطرها جميعا وابعدها الآلية التي تدور بها ساقية الحياة السودانية والاخرى الموت على الطريقة السودانية".
http://www.alsahafasd.net/details.php?articleid=41547

ويرى عبد السلام نور الدين في حديثه عن ساقية الحياة السودانية،أن الموت عامل مركزي فيها حين يكتب:

"تبدو الحياة السودانية علي الاقل في ذلك الجزء الذي تبني العروبة والاسلام كهوية وايديولوجية وكأنها ساقية لعائلة ممتدة تدور الى ما لانهاية حول المناسبات والمجاملات لدعم الصلات والعلاقات الاجتماعية - عبر آليات ايام السماية للمولود الجديد، والختان، ونصب الايوانات لعقد القران ، والصبحيات، واسابيع النفاس والاربعين والحوليات ووداع واستقبال الحجيج، وايواء القادمين من اقصى الاقاليم لاداء فريضة عود المرضى في المستشفيات اما الموت بكل مفردات مقولاته وطقوسه وقدرات آلياته في شد ووصل كل حبال المجتمع الي قطب الدائرة فيمثل مركز الثقل في دوران تلك الساقية حول ذاتها".
http://www.alsahafasd.net/details.php?articleid=41547

ثم يختم مقالاته الثلاث كاتبا:

"اذا كانت ساقية الحياة السودانية في الحواجز الكبرى لا تدور حول العمل المنتج والتنمية المتواصلة لليد والعقل والوجدان، ولكنها تدور برتابة حول العلاقات الاجتماعية وتداعياتها في الحياة والموت فلا عجب ان يبدو ايقاع الحياة السودانية بطيئاً تحكمها - المحركة".
http://www.alsahafasd.net/details.php?articleid=41587

و من هنا تلعب "الايدلوجية السودانية" الدور الرئيس و الأساس في مضاعفة استعمال النصوص المرتبطة بالموت.

أما الطرح الثاني فإنه يتعلق بفضاء الاسافير.في بوستيه "يا لجنون المؤلف الاسفيري يا لإبداعه"،و "مراجعات خاصة حول مفهوم الكاتب الاسفيري"،يتحدث حافظ خير عن عالم جديد هو عالم الاسافير.و هنا مثال عن ذلك :

ما أفهمه هو أن "الكتابة" في هذه المساحات الجديدة التي نرتادها الآن، هي نوع جديد من الـLife-style ، طريقة جديدة في "ممارسة الحياة" : إننا في فضاء الأسافير التي اكتشفناها للتو "نتنفس، نتكلم، نسافر، ، نمارس اللعب، نمارس العمل، نمارس النضال السياسي ، نلتقي في الأزقة ، نزور المواخير ، ودور السينما ، نتعذب من الوحدة ، نعاني من برد الإنتظار ، نتحاور ، نختفي ، نعود ، نحب ونكره، الخ.." ... إننا نمارس كل هذه الحالات الإنسانية داخل هذه المساحات الجديدة التي أتاحتها لنا فضاءات الأسافير...

ونحن – جميعاً– نمارس "حيواتنا الجديدة" (داخل فضاءات التواصل المحددة التي نسميها المنابر الإسفيرية) عبر وسيلة قديمة معروفة هي "الكتابة" كما عرفناها... ولأن الفضاءات الجديدة تتيح لنا كل الوسائل التي نعرفها في عالمنا القديم، تأتي "التصاوير" وتأتي تقنيات "الصوت" هي الأخرى لتنضم الى أدوات الحياة الجديدة ، والى أدوات التعبير ، التعبير بمعناه الواسع ، من حيث أنه حياة كاملة تُمارس وتتشكل. (ولكن – في زعمي – أن هذه الوسائل "التقليدية" كالكتابة والتصاوير وتقنيات الصوت، ستتغير ، وستختار لها تعبيرات تتناسب وفضاء الأسافير)

...وهكذا تكون كتابة Hussein Mallasi عندي هي كتابة إسفيرية خالصة مثلما أن كتابة سيجيمان ، بشاشة ، عبدالحميد البرنس ، Farda ، أسامة الخواض ، وكتاباتنا كلنا هي كلها كتابات إسفيرية خالصة
... إنها تتساوى بالفعل ، لكن التساوي هنا ليس "حـكم قيمة" ، بل هو وصف لحالة...
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=358&msg=1189794654&func=flatview

كتابة حافظ الشاعرية كانت متفائلة بحيث افترضت أننا سنكون اسفيريين بصورة مطلقة،و غاب عنها أننا أيضا نسودن الاسافير،مثلما أننا قد "ريّفنا" المدن.

هوامش:

1-ذلك الصمت سيسمِّيه بعد سنوات،أحمد سيد أحمد "القراءة السلبية"،في مداخلته المخاطبة لعثمان محمد صالح:
"وشكرا لك على صبرك على القراءة السلبية!"
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=7446&highlight=%DA%CB%E3%C7%E4+%E3%CD%E3%CF+%D5%C7%E1%CD&sid=6ba57d63ab1518e952ccc78cfe9684af

2- يشير تاج السر الملك ساخرا إلى التقريظ متمثِّلا في "تلقي الاستحسانات (رائع، مبدع، وريف ما إلى ذلك مما يقول الشعراء)
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=7443&sid=67cf0dd50dafd6797fa3781f927ef903

3- سبق لي أن نوّهت إلى تحويل بوستات النصوص الشعرية الرثائية إلى "فراش بكا".جاء ذلك في بوست للشاعر فضيلي جماع في رثاء شعري للفنان وردي حين كتبت معلقا:

"يُحمد لنصك الشعري أنه لم يحوِّل "البوست" إلى "فراش بكا" كما حدث لنص ابن خالي "البروف معز"،
و الذي ساهم في ذلك بابتداره الدعاء لروح الراحل،
و لم "يقصِّر" الآتون بعده في كيل الأدعية،
متجاهلين نصه الشعري الذي نهج مصادفة نهج "المتدارك" في ثوبه العامي".
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=291&msg=1331762510&rn=18

و في نفس المنحى كتب الصادق اسماعيل مداخلة في بوست "وفاة المسرحي عثمان رمضان" في منبر الحوار الديمقراطي في "سودانفورأول":

"نرجع يا النور لي سيرة المرحوم وعلاقتي بيهو، حقيقة أنا ما بعرف المرحوم، وما سمعت بيهو، وحتى لو سمعت بيهو بيكون سقط من ثقوب الذاكرة، فتحت سودانيزاونلاين لقيت هجو مختار بينعي في الزول دا، قلت لي نفسي غالبا البوست حيتحول لي بيت فراش سوداني عادي وينتهى الموضوع بنهاية مراسم الفراش".
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=7434&sid=6ba57d63ab1518e952ccc78cfe9684af

كان يمكن للذين علموا بالوفاة من البوست فقط،أن يرسلوا ماسنجرا لصاحب العزاء،لكن ذلك لم يحدث.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن