شعار -هنا دمشق - ومعركة الوعي

محمد جوابره

2013 / 9 / 3

في اللحظات الدقيقة والحاسمة حيث يجري التدقق كثيرا في الكلمات والمواقف الصادرة عن كل متحدث , ونقلب شاشات التلفاز بشكل متسارع بحثا عن الحقيقة التي اصبحت في ظل معطيات الواقع المتواصل الحركة بشكل متسارع وصخب وسائل الاعلام وما تقدمه من معلومات مهما كانت نوايا مقدميها ... ولكن الحقائق اقسى واصعب من ان يجري تحويرها والالتفاف عليها ... فهل يمكن ان نقتنع بان وزير خارجية السعودية تقمص شخص جيفارا ( كما قال هيكل ) ليصبح مدافعا شرسا عن الحريات والديمقراطية والتعددية السياسية ... وكيف لنا ان نقتنع بان بندر بن سلطان الدي كان يحث بوش على الاستعجال في اجتياح العراق وتدميره اصبح قائدا لحركة التغيير في الوطن العربي وهو يضخ كل الجهاديين التكفيريين الى العالم العربي الذين استباحوا كل المحرمات تحت مبررات وفتاوي دينية غريبة عن قيمنا واخلاقنا ...
ان ما يجري اليوم من احداث عظام لا يمكن ان تمر دون مفاعيل وتأثير لها على مستقبل العرب والقضية الفلسطينية بوجه خاص وعلى المستوى الاقليمي والعالمي بوجه عام , وكما كانت هناك محطات انكسار وهزائم لها مقدماتها ونتائجها الملموسة لاحقا فهناك مقدمات تشير واضح الى تغيرات تحمل في ثناياها تغيرا ما وملامح مراحل جديدة ... اساسها الحرب على الوعي ومن ثم الحرب في الوقع على الجغرافيا والاقتصاد ..
ان الحملات الشرسة التي تتم اليوم لتشوية الوعي العربي خاصة عبر ضخ متواصل ومستمر لمعلومات واخبار تجعل من المواطن حائرا في احسن الاحوال عاجزا عن التمييز والانحياز لمصالحه وقضاياه تارة والتشكيك بكل امكانية للتغيير وتعميم ثقافة العجز مرارا وتكرارا .. فعلى الرغم من الاحداث العظيمة التي تمثلت بالانتفاضات الشعبية التي خاضتها شعوب تونس ومصر وغيرها والتي ما زالت في حالة تفاعل لم تنتهي وتستقر لطرف واتجاه محدد ... ولكن الاهم ان هذه الانتفاضات اكدت امكانية التغيير وقدرة الشعوب على تحقيقها قائمة وممكنة .. وهذا معطى مهم جدا وله انعكاسات هامة في المستقبل ...
ان جملة محاولات الطغم الحاكمة وما يحيط بها من قوى عالمية تحاول جاهدة لاستيعاب نتائج التغيير وهي لذلك ذهبت الى صياغة تحالفات جديدة مع القوى الدينية المؤثرة على اسس من المقايضة ( القبول بها كي تحكم ومقابل الحفاظ على المصالح والاتفاقيات ) ولكن ذلك لم يستطع ان يجلب استقرارا ويوقف الحراك القائم بما يخدم مصالح النظام الامبريالي العالمي وحلفائه ... وهذا ما دفعهم الى تحويل الحالة الشعبية المنتفضة الى حالة صدام ذات طابع مذهبي وعرقي وبأشكال عنيفة جدا تجعل من مطلب وقف التغيير بمجمله والاستكانة الى حالة الخضوع السابقة حلما ومطلبا ملحا .
ان صيرورة الاحداث تحمل في ثناياها الامساك بجوهر المطالب التي تتكثف بإنهاء حالة التبعية والهيمنة كمقدمة لخلق مقدمات تنمية اقتصادية تمكن الشعوب من السيطرة على ثرواتها وتوظيفها بما يخدم معالجة قضاياها وهمومها الاقتصادية وتضعها في صفوف الشعوب والدول التي تستحق ان تعيش بحرية وكرامة ... وهذا ما هو حاصل على وجه الخصوص في كل من مصر وتونس كأبرز تجلي للحالة الشعبية الضابطة لعملية التغيير ..
اما فيما يخص سوريا فقد تجاوزت الاحداث فيها القضايا الديمقراطية وتحولت الى صراع مفتوح عربيا ودوليا بين محورين الاول مثل معسكر الممانعة والمقاومة وفي مقابله معسكر التسوية والتبعية ... وعلى الرغم مما حمل هذا الصراع في جوفه من متطلبات ضرورية في التغيير الديمقراطي الا ان مستوى التدخل الخارجي وعلى كافة المستويات والوسائل تحول الى معركة الدفاع عن وحدة سوريا وطنا وشعبا وجيشا ... وهذا لا يجب ان يمثل حالة جدل ونقاش بين العرب على وجه الخصوص لانه ليس التحليل وحده اثبت ان امريكا وحلفائها من غرب وعرب تسعى لتدمير كل الدول العربية بل ان ما حصل في العراق وليبيا والسودان يبرهن بالملموس عن حقيقة الاهداف التي تسعى لتحقيقها . ان مقولة ( ان التاريخ يكرر نفسه مرتين .. مرة مأساة ومرة ملهاة ) تعني ان الامة العربية سوف تتحول الى مسخرة الأمم اذا ما تكرر ما حدث في العراق وليبيا على الارض السورية .
ولكن في هذا السياق وعلى الرغم من كل ما حدث فان استعادة الوعي القومي العربي اخذ بالصعود بعد انهيار الخطاب الديني الموجة من قبل قوى تخلت عن وعيها العام الى وعيها ومصلحتها الخاصة ... وعلينا ان نراهن على الخطاب الشعبي المصري الذي ادرك بان انهيار سوريا سيكون مقدمة لانهيار مصر وكذلك في العديد من عواصم ومدن العالم العربي ... وقد يكون هذا انبثاقا جديدا للروح العربية المنسجمة مع الروح الانسانية فشعار (هنا دمشق ) يجب ان يرفع في كل عواصم العالم العربي ليس دفاعا عن النظام بل دفاعا عن سوريا وطنا وشعبا والعرب عموما .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن