الموقف الروسي حجر الزاوية في الحدث السوري

احسان طالب
social.demo@gmail.com

2013 / 8 / 28

لماذا وإلى أي حد تغير الموقف الروسي :
على أعتاب القرار الأمريكي الأوروبي بتوجيه ضربات عقابية للسلطة السورية برز تطور هام جدا لفت نظر المراقبين والمحللين وأثار تساؤلات عديدة ألا وهو الموقف الروسي تجاه حليفه السوري: حيث جاءت تصريحات السيد لافروف وزير خارجية روسيا تعليقا على الأنباء الواردة من واشنطن وباريس ولندن بنية بناء تحالف دولي للدول المؤيدة لقرار مرجح بتنفيذ ضربات موجعة ومؤلمة لدمشق ، عقابا لما تأكد لهم القيام به من هجوم بالسلاح الكيميائي على الريف الدمشقي وتحديدا الغوطتين الشرقية والغربية ما أسفر عن سقوط المئات من الضحايا والآلاف من الاصابات. 21-8-20013.
كان الوزير لافروف كعادته باردا كقطعة ثلج في مؤتمر صحفي عقد بعد الهجوم بأيام . وجاء رده مخيبا لآمال الموالين للرئيس بشار الأسد: لن ندخل في حرب مع أحد في حال تم توجيه ضربة عسكرية غربية للنظام السوري وأكد ذات العبارة مرتين . وكان من المتوقع ـ على الأقل لمن رفعوا شعارات شكر روسيا في الساحات والميادين السورية الموالية لحكم الأسد أن يكون الرد حاسما وحازما وقويا بالوقوف لجنب حليفهم الرئيس كما كان عليه الحال طيلة سنتين ونصف والتصدي في مجلس الأمن ثلاث مرات ضد قرارات تدين نظام الأسد، وربما سيقف الفيتو الروسي مرة رابعة وخامسة ألا أن ذلك لن يحول دون الوصول للاحتمال الراجح بتوجيه ضربات غربية ضد النظام في سوريا .
كما يعلم الكثيرون فإن أكبر مخاوف روسيا الاتحادية المسيحية هي وصول المد الإسلامي لجمهورياتها الاتحادية وتحريضها على شق عصى الطاعة والانفصال عن موسكو وتمكين الإسلاميين من الحكم في الدول الناشئة. أيضا تخشى موسكو استغلال السياسة الدولية كوسيلة للإطاحة بما تبقى من دكتاتوريات موالية لها. لقد استطاعت الدبلوماسية السعودية بعد تدخلها القوي والمباشر في تغيير الحكم المدني الناشئ في مصر بعد ثورة 25 يناير واستبداله خلال أيام بحكم أخر مختلف تماما لا يشبه سابقه لا من قريب ولا بعيد ولعل أهم نقاط التغيير الصادمة هي تحول منظومة الحكم من الإسلاميين إلى الليبراليين المعادين للحكم الإسلامي والناقمين بشدة على حكم الإخوان المسلمين. لقد كان ذلك الحدث الجلل مؤشرا قويا وبارزا لروسيا الاتحادية المتخوفة من المد الإسلامي ورسالة لا لبس فيها بأن الداعم الرئيس للثورة السورية ـ المملكة العربية السعودية ـ لن توافق على إقامة حكم ديني بعد سقوط نظام الأسد وأبعد من ذلك، لن تسمح المملكة وحلفاؤها في الخليج العربي ـ الكويت والإمارات بصورة رئيسية ـ لن يمرروا منظومة حكم تستولي على سوريا تكون الغلبة فيها للإسلاميين المعتدلين وهو ما كان يطلق عادة على الإخوان المسلمين قبل 30 يونيو 2013
وجاءت زيارة الأمير بندر لموسكو في 1-8 -2013 ولقاؤه بالرئيس فلاديمير بوتن لتضع القيادة الروسية في أجواء التوجه السعودي الجلي بمحاربة الإرهاب في كافة أنحاء العالم وبداية في المنطقة العربية . ما يعني تلاقي المصالح الروسية والسعودية في هذا الاتجاه، وما تصريح المللك السعودي عبد الله بأن المملكة تدعم الدولة المصرية في مواجهة الإرهاب إلا دلالة واضحة على مسار التوجه السياسي للدبلوماسية السعودية.
هكذا تلاقت المصالح الروسية بالسعودية التي تبدو ظاهريا متباعدة جدا بل ومتناحرة ، ما أعطى الروس ضمانات مؤكدة لما يمكن حصوله بعد سقوط حاكم دمشق بعدم القبول بقيام حكومة إسلامية بل نظام سياسي هو أقرب ما يكون من نظام علماني مشابه لما يدبر له الأمر في مصر ما يعني منع امتداد رياح الصحوة الدينية وتيار الأسلمة الجارف نحو الديار الروسية.
النقطة الثانية على ما يبدو فإن القيادة الروسية سئمت من تجاهل القيادة السورية لنصائحها ـ كما تردد ذلك مرارا عبر تصريحات مسؤولين روس ـ بإحداث تغييرات جوهرية على النظام السياسي السائد وتقديم تنازلات حقيقة ضمن سلسلة حقيقة من الإصلاحات الجوهرية وليس الصورية . وربما كانت هناك تحذيرات روسية واضحة لدمشق بعدم تجاوز الخط الأحمر للرئيس أوباما ولقد أكد الوزير لافروف أكثر من مرة بأن القيادة السورية لن تستخدم السلاح الكيميائي كما أنها تحافظ عليه بأيدي أمينة ومحمي بشكل جيد. وأتت الصور الصادمة من ريف دمشق مخالفة لما أفاد به رئيس الدبلوماسية الروسي بطريقة لا تدع مجالا للشك فالسلاح الكيميائي استخدم ولم يعد بأيدي أمينة ونجم عنه سقوط أعداد مرعبة من الضحايا ما حذا بالرئيس الإيراني الجديد ليقول بأن استخدام السلاح الكيميائي حصل في غوطة دمشق دون ذكر لمن قام بذلك الفعل الشنيع،
أن الشخصية العنيفة والمتهورة والراغبة بإنهاء الصراع الدائر فوق الأراضي السورية بأي ثمن كان، هي التي غلبت أخيرا متجاهلة أهمية رأي المستشار الروسي. فجاء الموقف الروسي بتلك الصورة المفاجئة بعد أن طفح الكيل
ولقد كان لعجز الرئيس الأسد عن إخماد التمرد العسكري المتنامي وامتداده لفترة تجاوزت العامين بعد كل الدعم السخي واللامحدود ، إشارة موحية للروس بضرورة البحث عن بديل بالاتفاق مع السعودية أولا والولايات المتحدة الأمريكية ثانيا، فإذا كان ذلك الجيش العرمرم وهو بكامل قوته وعتاده وعديده فشل حتى في تحقيق انتصارات حاسمة تغير مسار المعركة لصالحه من بداية الثورة المسلحة يوم كان الثوار في طور التكوين والبناء فكيف سيكون الحال في ظل دعم جدي وحقيقي للثوار بالعتاد العسكري واللوجستي والمادي من قبل أعداء نظام الأسد ومناصري الثورة السورية المسلحة ، لاشك بأن الوضع أصعب بكثير ولا شك بتراجع مذهل بقدرات جيش النظام رغم كل الادعاءات بالقوة والسيطرة من قبل إعلام منحاز بصرامة لمقولات الجهات الرسمية السورية.
وهنا أيضا لا يستطيع المتابع تجاهل التفاهمات الروسية الأمريكية التي غالبا ما تكون هي الأساس في تحركات الطرفين بناء على المصالح القومية والإستراتيجية للطرفين ، ( لقد أهدر الأسد الفرصة الأخيرة ) تلك كانت كلمات مقتطعة من تصريح للوزير جون كيري بعد إلغاء الإدارة الأمريكية للقاء كان مقررا اليوم بين مسؤولين روس وأمريكيين لبحث المسألة السورية ، لقد آن الأوان لوضع حد لتلك المأساة تحفظ مصالح الجانبين المتنافسين، ( إن أسعد الناس بالفيتو الروسي هم الجانب الأمريكي فالروس يؤدون ما تريده أمريكا دون الظهور بمظهر المناصر للظالم والجاني ) اليوم ربما يقوم الأمريكيون بما ينبغي القيام به دون ظهور الروس بمظهر المتخاذل الذي تخلى عن حلفائه وقت الشدة
لقد استنفذت الحرب الدائرة في سوريا الدولة والمجتمع وأرهقت الاقتصاد وأهلكت العباد وباتت الأرض مهيأة لقبول حل دولي لا مكان لنظام الأسد فيه ، فلابد من انهاء المسألة قريبا خلال شهور والبدء بتجهيز البديل الانتقالي دون تأخير وطالما وصلت الصواريخ والطائرات الأطلسية إلى الأجواء السورية فلن تتوقف عند ضرب النظام فقط بل ستتابع مهمتها في ضرب من تعتبرهم إرهابيين برعاية دولية وسيكون لما تقوم به في المستقبل من تدمير للإرهاب حسب تصنيفها أمرا مشروعا بل ومطلوبا ليس من حلفاء الثورة السورية بل ومن أعدائها الدوليين أيضا.
أخير لا يمكن تجاهل العنصر الإسرائيلي في مجمل الموضوع بل لا يمكن اعتباره هامشيا على الإطلاق ، لقد بات معلنا رغبة إسرائيل بالتخلص من نظام الأسد ، فمن استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه لا يوجد ما يمنعه من استخدامه ضد أعدائه المحتملين ، ولقد أثبت الحدث السوري عدم قدرة نظام الأسد على التخلي أو الانفكاك عن المشروع الأيديولوجي الفارسي أو الخروج من تحت عباءة الولي الفقيه الإيراني. كما أثبتت أنه لم يعد كما كان نظام قاهر قادر لا تستطيع أي جهة داخلية أو خارجية التصرف أو الانطلاق من حدوده الجغرافية دون إرادة منه أو دون إذنه المباشر .
في السياسة لا ثوابت والمتغيرات سيدة الموقف حتى لو بدى موقف ما شديد الرسوخ أو الوضوح



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن