2013 / 8 / 22
بعد يومين من وصول لجنة التحقيق الدولية في إستخدام الأسلحة الكيميائية الى سوريا ، يخرج علينا الأعلام بهذا الخبر الصادم: النظام السوري يستخدم الأسلحة الكيميائية في الغوطة ، ويقتل العشرات بالغاز السام!
لاريب إن الأنظمة البعثية لايردعها أي وازع في أن ترتكب أي جريمة من أجل كرسي السلطة ، ولنا في نظام صدام البعثي مثالٌ بيّن. تاريخ بشار الأسد نفسه خلال الشهور ، والسنين الماضية يؤكد هذا التصور أيضاً . وخاصة وإن مسئلة بقاء هذا النظام قد تعدى مصالح فئة أو حزب معين للأحتفاظ بالسلطة ، ليغدو رمزاً لحرب أقليمية بل عالمية بالوكالة ، وأيضا ليصبح صراعاً شرساً للحفاظ على مصالح كبيرة بنفس المستوى وضمن نفس النطاق.
ولكن لربما ماورد أخيراً ، أقصد الحرب بالوكالة ، والإرتباط بالمصالح والتوازنات الدولية نفسها ، قد تفرض قيوداً أكثر صرامة على الإقدام على هكذا خطوة ، وفي هذا التوقيت بالذات ، أي بالتزامن مع وصول لجنة التحقيق مباشرةً.
فهل يُعقل أن يقدم النظام على خطوة خطيرة ، ومتهورة بهذا المستوى ، وفي هذا التوقيت؟
يبدو إن حل لغز هكذا حسابات وفهم تعقيدتها بات أمراً عصياَ إن لم يكن مستحيلاً.
فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة ، سبق وأن هددت بالتدخل ، وأعتبرت الأسلحة الكيميائية خطٌ أحمر!
أيران ومعها روسيا والصين أعتبرتا بقاء نظام الأسد والسيطرة على سوريا خطٌ أحمر أيضاً!
الحرب الباردة علمتنا إن القوى العظمى ، والتي تمتلك أسلحة الدمار الشامل لسوف لن تدخل بأي حرب مباشرة أبداً ، لأنه وببساطة لن يكون هناك من منتصر من هكذا حروب . ولهذا السبب فلقد أخترعوا الحروب بالوكالة.
بعد مرور حوالي العقد أو العقدين على عالم أحادي القطب برئاسة الولايات المتحدة ، ها نحن نعيش اليوم في عالم متعدد الأقطاب ، وبالتالي نعيش مرة أخرى الحروب بالوكالة.
لو صدقت الأنباء الواردة عن الهجوم الكيميائي للنظام السوري على المدنيين بالغوطة ، وأمام مرأى وأنظار لجنة التحقيق الدولية ، فماذا سيعني هذا؟
أنه يعني إن الخط الأحمر المرسوم من قبل الغرب للتدخل قد أُخترق ، وهذا يتطلب منها تدخلاً عسكرياً مُباشراً . والتدخل الغربي المباشر نفسه يعني إن الخط الأحمر الذي رسمته روسيا والصين قد أُخترق أيضاً ، ويتطلب منها بالتالي تدخلاً مباشراً أيضاً.
فهل يُعقل أن تدخل الصين وروسيا في حربٍ مُباشرة مع الولايات المتحدة والغرب؟
وهل يُعقل أن تمنح تحالف روسيا والصين وأيران ، الذريعة المطلوبة للتدخل ، وبكل سهولة للولايات المتحدة؟
يبدو إن كلا الأمرين مُستبعداً...!
ماذا لو كان الهجوم حقيقاً ، وتم بعلم روسيا والصين . لعلمهما إن الولايات المتحدة وبسبب الأدارة الحاكمة والوضع الإقتصادي قد أصبحت أضعف من أن تدخل في مواجهة مباشرة معهما؟
وبهذه المناورة سيظهر المكانة الحالية للولايات المتحدة في العالم للجميع ، ويصبح بالتالي إعلاناً مباشراً بتحول النظام العالمي الى تعددية الأقطاب.
إنهُ بلا شك إحتمالٌ وارد أيضاً لكنه غير قابل للتأكيد.
ماذا بعد...؟
يبقى جانبٌ آخر يستدعي منا أن لانغفله ، ونلقى عليه الضوء أيضاً ، ألا وهو الطرف الآخر للصراع . أعني ما يسمى بـ" الجيش السوري الحر " والمنظمات الأرهابية الأخرى المرتبطة بالقاعدة مثل جبهة النصرة وغيرها ، والمدعومة أقليمياً من قبل تركيا ، والسعودية ، ودول الخليج كقطر مثلاً . فلو لاحظنا فظاعة الجرائم التي ترتكبها هذه المجاميع الأرهابية نراها لاتقل فظاعةً عما يفعله بشار الأسد . وخاصة وإن أغلب عناصر هذه المجاميع الأرهابية هم ثلة من المرتزقة ، وحثالة أرهابيين ملمومين من قمامات العالم أجمع.
فعمليات قتل وذبح وأغتصاب الأطفال والنساء في القرى الكوردية بسوريا وغيرها من المناطق السورية ، هي نفسها مثل الضربات الكيميائية التي يفترض أن نظام الأسد قد أرتكبها . فالقتل الجماعي وحملات الإبادة للمدنيين العزل هي هي ، سواء لو نفذت بالكيمياوي أو حتى بالسلاح الأبيض.
فسقط المتاع ، وخفافيش الظلام هؤلاء ، القادمون من مجاهيل الماضي ، والحاملون لبربرية ، وعقلية أعراب البادية من القرن السابع ، والثامن الميلادي ، واللذين يعيثون في الأرض فساداً ، وذبحاً ، وتفخخيخاً ، ويقتلون ، ويقطعون البشر أربا أربا ، بأسم الدين ، وفي القرن الحادي والعشرين ، لا يخفون نيتهم في إمتلاك وإستخدام الأسلحة المحرمة ، فهو السلاح الأمثل لتنفيذ أستراتيجتهم للسيطرة على الناس ، والمُعتمد على الترهيب ، والسيطرة من خلال التخويف ، والترويع.
ويأتي هذا في عصرٍ ، ينحت فيه الإعلام ، الكثير من الأوهام في أذهاننا ، خلال اليوم ، والساعة الواحدة . فكما قال غوبلز مرة: أعطني إعلاماً بلا ضمير ، أعطيك شعباً بلا وعي...والأعلام بمختلف أنواعهِ ، ومصادره ، باتت لا تعرفُ للضميرِ ، والأخلاقِ ، وما يسمى بشرف المهنةِ ، من سبيل . فكم التلفيقات ، والأكاذيب التي نسمعها يومياً ، ومن كل المصادر الأعلامية ، قد صنع فوق أعيننا غشاوة غليظة ، تمنعنا من أن نميز ، وبسهولة ، بين الخطأ ، والصح ، وأن نفرق بين الغث ، والسمين ، ونعرف الخير من الشر. فصار كله مختلطٌ مع بعضه ، حتى بتنا نشك ليس بما نسمع وحسب ، وإنما بما نرى أيضاً . فحتى الصور ، والأرقام ، والدراسات ، وكلام المحللين ، والخبراء ، والوثائق يمكن أن تكون مُفبركة ، ومصطنعة ، و مزيفة.
إنها إذن حربٌ قذرة بالوكالة بين طرفين كلاهما أسوءٌ من الآخر ، ولو ترك العنان لأي منهما لأرتكب أشد الفضائع . وكما قال أحد الحكماء يوماً: إن الحقيقة هي أول ضحايا الحروب .
فهل حقاً قد ترك العنان لِأحدهم لِأرتكاب هكذا فظاعة ، و الذي سيترتب عليه حسابات وتداعيات دقيقة جداً؟
سؤالٌ أظنه سيبقى منتظراً كثيراً في طابورٍ طويل مع أسئلة أخرى تزاحم عقولنا الحائرة ، أمام فهم المشاهد ، والأحداث العجيبة والغريبة ، والفوضى العارمة ، التي تعم المنطقة ، والتي صارت أشبه بالأساطير التي كنا نسمع عنها ، حول نهاية العالم!
https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن