ويلٌ لشعبٍ هؤلاء هم قادته

يعقوب ابراهامي

2013 / 7 / 31

"إنني كنت في المكان بعد فترة قصيرة جدا من وقوع المجزرة، وحينما دخلت إلى الحافلة رأيت الارهابي ميتا، وأمام ما رأيته من جثامين الشهداء ودماءهم ودماء الجرحى، فلو رأيت ذلك الارهابي حيا لفعلت ما فعله آخرون، لأن دمنا ليس مباحا، ونحن لن نسكت في هذه المعركة التي فرضتها علينا المؤسسة الإسرائيلية" - قال النائب الشيوعي العربي الإسرائيلي محمد ("نُقبِل التراب من تحت أقدام شيخ الأقصى ونطرد الأمريكان بالقنادر") بركة، تعقيباً على قرار المحكمة المركزية في حيفا بشأن الشبان العرب السبعة المتهمين بقتل إنسانٍ أعزل من السلاح، مكبل اليدين، والتمثيل بجثته .
لم يشرح النائب المحترم ماذا يعني ب-"ما فعله آخرون". سكت ولم يُفصح. لماذا؟ هل أصابه الخجل فجأةً مما "فعله آخرون"؟ نحن نريد أن نعرف: ما هو العمل المريع الذي "فعله آخرون" داخل الحافلة ولم يستطع محمد بركة أن يفعله لأن الإرهابي كان قد مات قبل أن يصل إليه محمد بركة ؟
ولولا إنه رآه ميتاً بعد أن وصل إليه ماذا كان سيفعل؟ هل كان سيفعل ما "فعله آخرون"؟ هل كان سيشارك في المهرجان البربري؟ ومن الذي يريد قائداً يفعل ما "يفعل آخرون"؟ هل هذا هو واجب القائد؟
نحن لا نعرف بالضبط ماذا "فعل آخرون" داخل الحافلة، وما الذي تعذر على النائب الشيوعي فعله لأسبابٍ لا طاقة له عليها (مكرهٌ أخوك لا بطل)، ولكن الذي "فعله آخرون"، والذي تعذر على النائب العربي فعله، هو بالتأكيد لا ما فعلته السيدة اليهودية المتدينة، النبيلة والباسلة ، التي حمت بجسدها إرهابياً عربياً من غضب يهود هائجين أرادوا قتله والتمثيل به.
في 13 أيار 1992 أنقذت بيلا فرويند (من نجاة معسكر الإبادة أوشويتس) حياة عدنان الأفندي، من سكان مخيم الدهيشة للاجئين، من موتٍ محقق على أيدي غوغاء يهود أمسكوا به وأنهالوا عليه بالضرب المميت بعد أن طعن بالسكين فتيةً يهود في سوق "محني يهودا" في القدس.
بيلا فرويند التي مرت في الطريق صدفةً لم تتردد كثيراً، شقت طريقها بين الجموع الهائجة، ألقت بنفسها على الشاب الفلسطيني وحمته بجسدها من غضب الغوغاء إلى أن جاءت الشرطة واعتقلته. إثناء كل ذلك تلقت الضربات والركلات والشتائم من الجمهور المحتشد. أحدهم أخمد سيجارته في جسدها.
"العين بالعين" – صاح الغوغاء من حولها وهي لم تكفّ عن حماية "الإرهابي" بجسدها، وبخلاف البطل المغوار محمد بركة لم تفعل "ما فعله آخرون".
"أشفقتُ على الشاب الفلسطيني وأردتُ أن أمنع قتله" – قالت لمراسل "النيو يوك تايمز" ثم أضافت: "نعم. العربي طعن بالسكين صبيةً صغاراً. لكننا يهود ويجب أن نتريث قبل أن نأخذ القانون بأيدينا".
في عام 2005، بأعقاب عملية الإعدام البربرية التي نفذها سكان من شفاعمرو بحق أنسانٍ أعزل كتب الصحفي عوزي بنزيمان: "بخلاف بيلا فرويند، لم يوجد في كل شفاعمرو إنسانٌ واحد يُلقي بنفسه على القاتل مكبل اليدين، عيدن نتان زادة، ويمنع عملية القتل الفضيعة (lynch) التي نفذها سكانٌ هائجون."

الأمور اختلطت قليلاً على النائب الشيوعي العربي محمد بركة. يبدو أنه يظن أن اسرائيل هي سوريا، ليبيا أو على الأقل غزة. في اسرائيل، يا حضرة النائب، من يقتل إنساناً مقيد اليدين، أعزل من السلاح ويمثل بجثته يُقدم للمحاكمة، سواء كان عربياً أم يهودياً، بخلاف المعتاد في بلدان "ديمقراطية" مجاورة. بشار الأسد، يا سيدي، لا يحكم في اسرائيل.

في يوم الإثنين 29/07/2013 أثبت القضاء الإسرائيلي، داخل دولة اسرائيل، أنه قضاءٌ نزيهٌ مستقلٌ ولم تعلق به بعد (والتأكيد هنا هو على كلمة "بعد") شوائب الإحتلال البغيض. يحق لمواطني اسرائيل، اليهود والعرب، أن يفخروا بقضاءٍ عادل لا يفرق بين يهودي وعربي.
في ظهر هذا اليوم قررت المحكمة المركزية في حيفا تبرئة جميع المتهمين بقتل ناتان زادة من تهمة القتل المتعمد وعن سبق الإصرار. اربعة من المتهمين أُدينوا بالشروع في القتل واثنان آخران أُدينوا بإلحاق الأذى البالغ. أما المتهم السابع فقد برأت المحكمة ساحته بالكامل.
عشرات العرب الذين تظاهروا خارج قاعة المحكمة ضد "المحاكمة الصهيونية" تظاهروا ضد مصالحهم هم لأن القانون جاء ليحمي في الأساس حقوق الأقلية لا الأكثرية.
أما محمد بركة، الذي يتقاضى راتبه الشهري من "الدولة الصهيونية"، فإن مصلحة عرب فلسطين هي آخر ما يفكر فيه.
الويل لشعبٍ هؤلاء هم قادته.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن