إلى أين يأخذنا الصراع.؟

أحمد سعده
ahmedseada9@yahoo.com

2013 / 7 / 31

- لاشك أننا أمام حالة من الاحتقان الحاد والصراع القائم بين الاخوان المسلمين وحلفائهم السلفيين والجهاديين بتاريخهم الإرهابي الدموي ضد كل الدولة وكل المجتمع وضد الثورة الشعبية، دخلوا جميعا في مرحلة الحسم النهائي واسدال الستار على أخطر فصول الثورة الذي لن يكلفنا التباطؤ والتردد في مواجهته سوى حربا أهلية مدمرة للبلاد والعباد، فهل يتدخل الجيش أم لا.؟ هل يتركنا فريسة للإخوان و بُؤس دولتهم الدينية.؟ أسئلة مُلِّحة تحتاج لإجابة بعيدا عن دنيا الأوهام التي يعيش فيها بعض كُتَّابِنا بخاصة اليساريين ممن لا يجيدون سوى السفسطة والشجب والإدانة الممزوجة بشعارات ومبادئ وتسجيل مواقف دون النظر للواقع الفعلي وطبيعة الموقف الراهن وخطورته المرعبة. الجيش تدخل لعزل مرسي ليس فقط استجابة للضغط الشعبي في إعصار 30 يونيو الكاسح، لكن أيضا حمايةً للطبقة الرأسمالية واستعادة نفوذها وسلطتها المفقودة وإنقاذ مصالح آلاف من رجال النظام، فالجيش ببساطة جزء أصيل لا يتجزأ من تلك الطبقة ودولتها، على أن الجيش لم يكن بمقدوره ازاحة الأُخطبوط الإخواني بمعزل عن الثورة الشعبية ليس بالطبع عجزاً وإنما تفادياً لمواجهة المواقف الدولية التي لا تتسامح أو تتعامل بسهولة مع الانقلابات العسكرية، والثورة الشعبية أيضاً لم تكن لتقدر على اسقاط الإخوان دون تدخل ومساعدة الجيش كقوة فاعلة، كلاهما احتاج للآخر في مواجهة خطر حقيقي مشترك يهدد كيان المجتمع المصري وبدون أي تنسيق أو تحالف مسبق. احتدام الصراع كان أمرا لا مناص منه توقعناه منذ تسلُم الإخوان سلطة البلاد لأن التناقض الأيديولوجي داخل نفس الطبقة الرأسمالية بين قطاعيها الإسلامي والدولَتِّي أو القومي من شأنه أن يخلق صراعا مريرا يصل أحياناً حد الحرب الأهلية بينهما في سعيهما الدائم للسيطرة على مفاصل الدولة وسلطتها واقتصادها، ما ينفي ويلغي أي توافق أو انسجام مشترك داخل نفس الطبقة عكس النظرة السطحية المفتقدة لأدنى اجتهاد. ولأن التهور الإخواني قاد قطارهم الأسود بسرعة مجنونة نحو الهروب بعيداً في طريق السيطرة والأخونة والسلفنة للتمكين من الدولة والمجتمع، فكان نصيبه الصدام المباشر والسريع بعد عام واحد فقط من الحكم بكتلتين فولاذيتين متمثلتين في الثورة الشعبية من جانب، ومن الجانب الآخر الجناح القومي للطبقة الرأسمالية المصرية ودولتها (الجيش، الشرطة، الإعلام، القضاء، رجال دولة مبارك أو ما يسموا بالفلول) بكل ما يمتلكونه من خبرات وإمكانات استراتيجية مادية وعسكرية كاسحة مقارنة بتيار الاسلام السياسي، ما جعل المواجهة غير متكافئة رغم العناد الاخواني اليائس المتشَبِّث بقوته الأيديولوجية الدينية في التهديد بموجات ومستويات جديدة من العنف والإرهاب والدم والقتال الذي بدأ في سيناء والقاهرة ومناطق متفرقة من البلاد في عملية انتحار سياسي غريب.
- وعلى دعاة المهادنة والتصالح والتعايش أن يكفوا ولو الآن عن ميوعتهم العبثية التي من شأنها أن تفتح أبوابا إبليسية يتسلل منها مجدداً دعاة الشر، وأن يتيقنوا أن لا سبيل في الاختيار بين الشرور إلا أهونها، فلا استجابة لمهاترات حزب النور السلفي أو القبول بِلَيّ الذراع والتفاعل مع المبادرات الخبيثة كمبادرة سليم العوا، ولا حتى تصديق أسطورة الميدان الثالث بقيادة أبوالفتوح الذي تتواتر روايات عن إدارته الحالية لتنظيم الاخوان العالمي في محاولات لإبقاء التنظيم حيا. لذلك فعلى قلوبنا الرحيمة ألا تنخدع بدموع التماسيح وأن نواجه ذلك الوحش الإخواني العنيف الأشبه بتنين "كايميرا" الإغريقي متعدد الرؤوس، وما سيناريو العشرية السوداء الجزائري ببعيد، فهل نختار المواجهة السريعة لوأد جنين الحرب أم ننزلق بسيقان عارية في مُستنقع الحرب الأهلية.؟
- علينا أولا تجاوُز المأزق الحالي وتوجيه رصاصة الرحمة لخيول الإسلام السياسي بِحل أحزابهم وجماعاتهم وعزلهم سياسياً وتغيير كلي للدستور الإخواني السلفي وتقديم قيادات الجماعة ومرشدها للمحاسبة والمحاكمة على ما اقترفوه من جرائم سياسية وانسانية في حق مؤيديهم ومعارضيهم عمقت الفجوة التاريخية والاجتماعية والثقافية، بل وحولت الصراع الثوري والطبقي الى صراع مسخ طيفي وطائفي أَغرق الثورة الشعبية في دائرة مُفرغة بعيدة عن تحقيق أهدافنا التي يُلخصها شعار الثورة العبقري الذي انحرفنا كثيراً عنه بفعل فاعل ورفعنا بدلا منه شعارات "يسقط حكم العسكر"، "يسقط حكم المرشد". والتي بالرغم من أهميتها و أهمية هذا الإسقاط، إلا أنها بالطبع لم تكن الغاية المنشودة. فكل شعار تم توظيفه لخدمة غايات ومصالح مختلفة، ولا ينبغي أن نتوهم أن سقوط الإخوان يعني أن مطالب الثورة قد تحققت رغم كل المشاعر الإيجابية المبالغ فيها، أو أن عَداء الجيش التام للحكم الديني يعني التنسيق والتحالف معه وقُبوله كحاكم فِعلي ومباشر للبلاد، لكن لأن "لكل وقت آذان" فالأولوية الحالية لمُجابهة الخطر القائم وتأجيل التفكير فيما ينتظر ثورتنا من خطر متوقع يتمثل في استبداد وديكتاتورية الطبقة الرأسمالية التابعة التي يتشكل حكمها الآن برعاية الجيش و بالاستعانة بقيادات شعبية وثورية كغطاء شعبي لتضليل وخداع جماهير الثورة واعادتها مؤقتا إلى أحضان النظام، ولا أُخفي دهشتي وتعجبي من انصراف القوى السياسية سريعا وفي ذيلها الجماهير إلى بناء مؤسسات الثورة المضادة الدستورية والبرلمانية والرئاسية في ماراثون انتخابي يتسابق عليه المتسابقون ظنا منهم أنهم بذلك سواعد في بناء الديمقراطية، رغم أن تلك المؤسسات ليست سوى امتداد لمؤسسات الدولة التي ثار الشعب ضدها وقام بحلها في حقيقة مفزعة لا يتم تداركها الا بعد وقت كافي تُرهَق معه الثورة ويصيبها الاحباط في خِضم الاستفتاءات والاجراءات والانتخابات.
- وعموما فإن اسلامية الدولة أو مدنيتها أو ليبراليتها أو علمانيتها أو اشتراكيتها ليس حلا لكل مشكلاتنا سوى من وجهة نظر أصحاب تلك الأيديولوجيات، التي تنطلق عادة من جوانب نظرية عامة دون أدنى اجتهاد في بحثها ومقارنتها بالواقع الفعلي الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، ولأن السياق الاجتماعي لثورتنا المصرية يأتي في ظل تخلف رهيب وتراجع على كل المستويات الاقتصادية والثقافية بحكم وقوعنا عقودا تحت وطأة الاستعمار الإنجليزي، ثم الحروب المتوالية مع اسرائيل، ثم قبوعنا في قفص التبعية الحديدي للرأسمالية العالمية التي تتحكم في مصيرنا ومستقبلنا ولا تمنحنا ولو فرصة للنمو في عالم امبريالي لا يعرف رحمة أو شفقة، ولا أمل لنا في سلطة الدولة وحُكمها الذي لا مناص من أن يبقى ديكتاتوريا بحكم تلك التبعية، فلا يملك ما يقدمه لجماهير الشعب الثائرة سوى القمع والبطش والاستبداد اللهم إلا بعض التنازلات تحت ضغط الحركة الشعبية التي لا تخضع سوى لقانونها الخاص. لذلك فإن إسقاط الحكام واحدا تلو الآخر رغم قيمته ومجده إلا أنه لم يمثل حلا، بل أن الحكام السابقين واللاحقين في مصر لم يكونوا جزءاً من الحل، ولم يكونوا حتى سوى جزءاً من المشكلة، لكن المشكلة الحقيقية تكمُن في العلاقات وثيقة الصلة لأنظمتنا بقوى الاستعمار الخارجي ومصالحها التي حولت بلادنا إلى ملحقا تجاريا تحتكره الشركات العابرة للقارات، وليس أدل على ذلك من الموقف الراهن واهتمام الاتحاد الأوروبي من خلال زيارة مفوضيته كاثرين آشتون لكل أطراف الصراع الحالي بما فيهم جنرالات الجيش والوفد الإخواني والبرادعي وشباب تمرد وحتى مرسي في محبسه بملحق سجن طرة، ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه أمريكا من خلال السفيرة باترسون في مصر وكيف تلهث القوى السياسية للحصول على دعم ومباركة الكونجرس، وبنظرة صغيرة للحشود الاخيرة ستجد ان اعتصام ميدان رابعة العدوية يستعطف ويخاطب الغرب عن طريق لافتاته وعباراته المكتوبة باللغة الإنجليزية رغم أن الغرب بالنسبة للسلفية هم أولياء الشيطان، وفي المقابل فإن مناشدة الجيش للشعب بضرورة النزول للميادين لتفويضه في محاربة "الإرهاب" وتفرغ الفضائيات الخاصة رغم زخم برنامجها الرمضاني لبث التظاهرات لم يكن سوى وسيلة ليرى من خلالها العالم الغربي الدعم الشعبي لقرارات الجيش وتنفي عنه صفة الانقلاب، وبالنظر للموقف الاسرائيلي سنرى كيف تم تعليق بعض بنود اتفاقية السلام حتى يتمكن الجيش من ضرب العناصر الجهادية في سيناء. إذن إنها البرجماتية ولعبة المصالح فالغرب معك ويدعمك للوصول للسلطة طالما تضمن له مصالحه، وبنفس مقدار دعمه يتخلى عنك لو كنت آيلا للسقوط ويدعم غيرك الجاهز للسلطة وبنفس شروط وقواعد اللعبة. لذا لا أمل في أن تأتى سلطة الدولة بحلول تضع حدا لمعاناة المصريين وبؤسهم. فما الحل إذن يا أصحاب الحلول.؟
- وإذا كان السيسي بكل ما يمتاز به من شخصية قوية متزنة وكاريزما سياسية وجرأة وثقة وثبات استطاع في أقل من أسبوعين أن يحظى بشعبية وحب جماهيري جارف وضعه في خانة واحدة مع شارل ديجول، وايزنهاور، وناصر. وليس بعيدا أن يحمله الشعب "العفوي" من بيته ويأتي به رئيسا للبلاد رغم كل تأكيدات الجيش بالابتعاد عن الحكم المباشر. لكن هل يُعقل أن تُقدِّم الجماهير شخصا بهذه المواصفات كهدية لسلطة الدولة المضادة بطبيعتها للثورة.؟ وإذا كان السيسي بطلا قوميا بالفعل فهناك من يراه خائنا وهؤلاء بالطبع مؤيدي "الشرعية" المزعومة بحكم أن السيسي أتى به مرسي بعد الإطاحة بطنطاوي وعنان. وتلك هي أسطورة أخرى يعيش فيها ليس فقط أنصار ومؤيدي مرسي بل حتى كثير من معارضيه، أما عن الحقيقة فقد تحدثت عنها من قبل وأكدتها مجريات الأحداث وهي أن قيادات الجيش جددت من شبابها واختارت الاطاحة بالقيادة العجوز للمجلس العسكري السابق الذي تحالف مع الاخوان واضطر لتسليمهم السلطة مجبرا في نهاية الأمر تحت تهديدات الاخوان بإحداث حالة من الفوضى، في حالة مخالفة لعقيدة الجيش المعادية تماما للحكم الديني. ومن هنا كان دور السيسي والقيادة الجديدة التي اختارت احالة مجلسها العسكري العاجز الى التقاعد ومنحت الإخوان عاما في مواجهة الشعب وثورته كان كفيلا بتسهيل مهمة الجيش في 30 يونيو، وما يؤكد أيضاً هذا الاتجاه هو خطابات السيسي الأخيرة التي أكد فيها أنه كان دائم النصح لمرسي منذ تولى قيادة الجيش، ما ينفي حتى الخضوع الطبيعي في حالة أن مرسي من أتى به ومنحه رتبتان كترقية استثنائية. لكن ولماذا نذهب بعيدا في عالم الاستنتاجات؟ فالجيش كان وما يزال دولة داخل الدولة، أسدا متمردا لم ولن يستطيع أي رئيس سابق ترويضه بداية من ناصر ونهايةً بمرسي. وكيف الحديث عن الخروج الآمن لقيادات الجيش.؟ وتلك هي المؤسسة التي تَمنح وتَأخذ، الإمبراطورية الاقتصادية التي لا يستطيع أحد المساس بمصالحها أو وضعها أو ميزانيتها، بل يحاول أي حاكم أن يسترضيها. لكن انتقال السيسي من الزعامة الشعبية إلى منصب الرئاسة الخادع البراق لن يقدم للثورة سوى سلاحا مضادا وفتاكا بين يدي الدولة وسلطتها بل وسيمنحها أيضا مزيدا من الأبواق الاعلامية والدعائية التي ستهلل لكل قرار وستبرر لكل إخفاق، لذا أكرر أن الأمل ليس في شخص أو رئيس سينقلب في كل الأحوال على ثورة الشعب نتيجة أن الثورة والدولة دائما نقيضان لا يجتمعان.
- الأمل الوحيد ليس في شخصية الرجل الخارق أو القلب الشجاع الذي سيغير البلاد بلمسات سحرية، وخصوصا مع الوضع في الاعتبار الخطر الداخلي للتيارات الدينية المستمرة في تقديم خدماتها الجليلة للاستعمار الذي يحاول طمس معالم دولتنا وتفكيكها واستبدالها بأنظمة دينية وقبلية وطائفية، تتحول من خلالها الأيديولوجيا الدينية إلى رغبة في السيطرة وفرض تسلطها وسيطرتها على باقي طبقات المجتمع، بحكم الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يحولها لأداة من أدواته دون أيّ تغيير يُذكر في حياة وعناء وشقاء المواطن المسلم، والأكيد أن المجتمع المصري بحكم تخلفه الشديد اجتماعيا وثقافيا وفكريا وروحيا بيئة خصبة جداً لإنتاج ونمو نفس النَبَّت الشيطاني الخبيث.
- ولن يكون الأمل سوى باستقلال حقيقي يُخرجنا من دائرة الاستعمار الاقتصادي والتبعية للرأسمالية العالمية المتوحشة التي لم تترك لنا منفذا للهروب من سجنها العقربِيّ. إلا عبر دروب الصعاب الشاقة والسباحة ضد التيار نحو مجتمع صناعي رأسمالي قادر بنمطه الانتاجي على الوقوف بقوة وثبات في عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن أية شعارات اشتراكية أو قومية ديماجوجية جوفاء. الفرصة لن تتكرر كثيرا وثورتنا لن تُقدم في أفضل الأحوال أكثر من تمليكنا الأدوات والأساليب النضالية التي تحتاج منا بذل الجهد في تطويرها وتعميقها بوعيِّ يجعلها قادرة على محاصرة ديكتاتورية الدولة الحتمية وفتح ثغرة استثنائية نعبر منها بمجتمعنا المصري لآفاق رحبة من التطوير الشامل بشكل يقلب أوضاعنا الاقتصادية رأسا على عقب من خلال ثورة صناعية حقيقية تتضافر فيها الجهود حتى لا تصبح ثورتنا مجرد انفجار سكاني.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن