ذكريات رمضانية

عمار الأمين
o.maroc111@gmail.com

2013 / 7 / 18

كان الصوم عندنا ونحن صغار تحديا ، نفشل في تحقيقه عند كل محاولة، بدءا بالاستيقاظ لتناول وجبة السحور التي نندب حظنا عندما نخطؤها، فنحرص ألا تفوتنا في المرة القادمة، وقد ننجح في تناول وجبة السحور ونصبح صائمين كما تمنينا، لكن سرعان ما لا نقوى على مقاومة قطعة حلوى قدمت لنا أو حبة فاكهة، أو شربة ماء خاصة عندما نستغرق طويلا في اللعب.
أول محاولة صوم لي ،كانت بعمر ثمان سنين،كان يوما ربيعيا مشمشا،شمس ذلك الصباح لم تمنعنا أنا وصديقي جمال من لعب الكرة، رغم عزمنا الصوم معا ذلك اليوم. كان لعبنا المتواصل زهاء ساعة من الزمن كافيا ليأخذ منا الجوع والعطش مأخذهما،قدمت لنا بعض نسوة القرية : هذه حلوى وتلك خبزا مدهونا وأخرى تمرا، لم نستطع مقاومة العطش والجوع، انصرفنا الى منازلنا ،كدست تلك الأطعمة فوق المائدة أمامي ، صرت أحدق في تلك الأكوام من التمر والحلوى والخبز وأنظر إليها نظرة العاشق الولهان، وأنا أنازع رغبتي في الأكل و الشرب وأقاوم الجوع والعطش الذان استبدا بي ،فأنا أرغب أن أتم صومي يوما كاملا كما الكبار ، انهرت أمام الوحشين الكاسرين : الجوع والعطش،و انقضضت على ما فوق المائدة، كما ينقض النسر على فريسته من السماء، ألتهم التهام فرس النهر ، وأشرب شرب البعير، وانتهت قصة صيام ذلك اليوم.
كانت حكاية التراويح التي يحكيها أكابرنا سنا محط اعجابنا، ويرددون كل مرة تلك الأذكار والدعوات التي تعقب صلاة التراويح: "سبحان الملك القدوس ، رب الملائكة والروح..."أصررت على حضور الصلاة في المسجد ذات مساء ...بعد أن تلقيت ضمانات من أصدقائي بمرافقتهم ،وكذلك كان.
صلينا العشاء، ثم أعقبته سلسلة من الركعات نسلم بعد كل ركعتين لنقف من جديد، ونبدأ حلقة أخرى ...كان الإمام "سي مبارك" يثير فينا حماسا منقطع النظير، اذ كان يسرع في الصلاة كالفار من الأسد ! ويسرع في القراءة والحركات كالسائر فوق الجمر! وكنا نحن الصغار لا نقوى على مجاراته ، فيكثر بيننا التدافع والضحك، فينهروننا مباشرة بعد السلام الموالي.
صلينا آخر ركعة ، فتحلقنا حول "سي مبارك" فبدأ الكل في الترديد معا بمهارة،مما يوحي أنهم حفظوا عن ظهر قلب :"سبحان الملك القدوس...رب الملائكة والروح..." كان الايقاع موحدا ومنتظما يغري حتى بالرقص، لمحت " الدا بلا" البارع في ميادين "أحواش" وتهيأ لي أنه يتمايل من شدة الطرب عند وقفة : صلى اللـــــــــــــــــــه عليه وا سا لاما ".
كانت عادة بعض الشبان النوم والخمول نهارا، والسهر ليلا في لعب الورق والسمر معا حتى موعد السحور، وكنا نحن الأطفال نحسب ذلك طقسا من طقوس رمضان لا محيد عنه، دعانا كبيرنا "جامع" الى خوض تجربة السهر حتى الفجر،خضعت لذلك الاغراء،لكي أكتشف كيف يمكن قضاء الليل دون نوم!
كان ليل البوادي دون كهرباء مخيفا، تتراءى لنا الظلال ونحسبها أشباحا ووحوشا...اتفقنا على السهر ذات مساء ...لم تمنعني أمي ما دمنا سنلتئم معا تحت جدار غير بعيد عن المنزل،أحضرنا شمعتين وعود ثقاب تحلقنا حول الشمعتين ،بدأت أحاديثنا وحكاياتنا حول الجن والعفاريت، وكنا نرتجف خوفا مع كل حكاية رعب، لهيب الشموع يتراقص، أضفى على المكان جوا شاحبا حزينا ومرعبا،وظلالنا العملاقة على الجدار تجسد حكاياتنا عن أفراد رأوا عفاريت تمتد قاماتهم طولا لتصل الى السماء.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن