الحرية والديمقراطية / 2 ( رأي في الديمقراطية ) .

خليل صارم
kh.sarem@gmail.com

2013 / 7 / 7


على جري عادتنا في الإعجاب بكل مايردنا من الغرب فمنذ زمن طويل كان مثقفينا على العموم يدبجون القصائد والمعلقات والخمريات والغزليات "بالديمقراطية" لتتحول في هذه الأيام إلى شبه عدوى أصابت كافة المستويات والشرائح والاتجاهات والأطياف حتى المتشددين التكفيريين المتأسلمين بكافة تفرعاتهم ومسمياتهم يتغنون بها وربما قد يصل بهم الحال إلى زعم ريادتها وهم القمعيون حتى النخاع والرافضون لأي رأي آخر مهما كان اختلافه معهم بسيطا ً .
في الواقع وكما يعلم الجميع أن الديمقراطيه ليست زيا ًيلبس ولالون من ألوان الطعام ابتدعه طباخون يقدمونه إلى الزبائن في المطاعم والفنادق الراقيه
كما أنها ليست نظريه محدده لها اسسها مع أن الكثيرين يرونها كذلك . وبرأيي أنها أحد أوجه أنظمة الحكم قد يكون لها سماتها حسب حالة وأوضاع من يأخذ بها من المجتمعات .
بغض النظر عن آراء " سبينوزا " و"هيغل " واختلافهما حول الديمقراطية أواتفاقهما فالأمر سيان بالنسبة لنا لأنهما ربما توافقا في نقطة واختلفا في أخرى انطلاقا ً من واقع المجتمع الذي وجدا فيه أو من خلال اسلوب فلسفي في تناول الموضوع لو دققنا فيه قد نكتشف أنه في حقيقته مجرد ثرثرة مغلفة بألوان تلفت الأنظار أو أنه مجرد ابتداع مصطلحات تشغل بعض العقول الفارغة فتفسرها أو تبتدع لها تفسيرات قد لا يقصدها أصحابها ويستعملونها للدلالة فقط على مستواهم الثقافي كنخبه فيشرحون ويشرحون ويجتهدون في اكتشاف الغايات والنوايا مسودين الصفحات على شكل كتب أو أبحاث ومحاضرات يتحلق حولهم بعض البلهاء ليبدأوا حوارا ًحامياً يختلفون فيه أو يتفقون وأكاد أجزم على أنه في النتيجة حوار طرشان أو غناء في الطاحون . لأننا وفي المحصله لم نقرأ أو نسمع سوى تكرارا ً مملا ً لبضعة جمل تقول " حكم الشعب للشعب وبالشعب " وتحرير المرأة وحق العمل وحرية الرأي وحق الانتخاب والمشاركة "...الخ .
وطالما أنهم يكررون ويعيدون التكرار ويستنسخون عناوين وصلتهم منذ مدة زمنيه طويلة فما هي النتيجة التي يسعون لإيصالنا إليها .؟
هل يكتفون بذلك وبالتالي يتحولون إلى ديمقراطيون أو أئمة الديمقراطيه .؟!
ومصيبتهم أنهم إذا طلب إليهم التفصيل تلبسوا سبينوزا وهيجل وغيرهم من المنظرين والمتفلسفين الأجانب وكرروا آرائهم التي تبدو كمتاهه متشعبه لاتفيد المجتمع ( مجتمعنا )ولايفهمها ولايريد أن يفهمها . وربما أدخلونا في متاهات حول آراء روسو وروبسبير في الإصلاح وأسباب توافق الاشتراكية مع الآراء المناهضة للديمقراطيه حسب مزاعم البعض أو اتجاهات تكنوقراطية مستنده على السلطه الروحيه حسب تخيلات كونت . وسان سيمون ..الخ ثم حقيقة نوايا ماركس ولينين حيالها .
بحسب رأيي وقناعتي الشخصيه فإن كل ذلك لايهمنا لامن حيث الأسماء ولا ماأنتجته لأنه لاعلاقة له بمجتمعاتنا ومحيطنا .
وبلسان المواطن العادي يمكنني أن أقول متسائلا ً .. ماهي علاقتي بهؤلاء وآراء وثرثرة هؤلاء ورؤيتهم للأمر واختلافهم واتفاقهم . ؟
مايهمني كمواطن هو أن أسمع وألمس وأشاهد كيف يمكنني أن أمارس حياتي الطبيعيه براحة بال دون أن أدخل في سباق مع الآخرين للوصول إلى رغيف الخبز أو لأبحث عن عمل لتأمين مورد رزق ..؟
أو لماذا لاتتوفر لي الفرصة لإظهار ابداعاتي واستثمارها وفق قدراتي الذاتيه من خلال نظام ساهمت وشاركت في انتاجه يوفر لي المحيط اللازم ..؟
لماذا لاتكون أدق تفاصيل حياتي وحقوقي مصانة بقانون واضح لالبس فيه ولا مجال للاجتهادات أو للاختراقات والتلاعب والتحايل على القوانين ..؟
لماذا لايكون القضاء هو الحضن الدافيء الذي يحميني ويحمي حقوقي فأحتمي به وأنا مطمئن دون أن يساورني الشك به أو أن أتردد حياله بسبب الفساد أو تخلف النصوص القانونيه .؟
إلى متى سنبقى متلقين للعلم ومرددين كالببغاوات لما يردنا من علم وفلسفات وعليه.
لماذا لاتكون مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا الصناعية مراكز أبحاث وتجارب منتجة للعلم والخبرات التي نحتاج إليها كمجتمع ودولة ونحولها إلى مرجعيات ومراكز اختبار ودراسات واستطلاعات رأي .؟
لماذا يكون الميزان الاقتصادي الاجتماعي مختلا ً في بلادنا لصالح الفاسدين والمستغلين والمحتكرين ..؟
لماذا نحن مقصرون في مكافحة الفساد .؟
كيف دخلت الأفكار الطائفية والمذهبية والعنصرية المقيته تحت جلودنا وتسللت إلى وعينا الفردي والجمعي وكيف سنتخلص منها بإعادة تصحيح مساراتنا الثقافيه وإيجاد قوانين متشددة حيالها ..؟
وهناك عشرات التساؤلات تبدأ بـ لماذا ..؟ لاتجد لها إجابات أو أن لها إجابات لكن هناك أياد ٍ خفيه تعطل الاجابه عليها وتجسيد الحلول . خاصة وأن مجرد ورودها على الذهن تثير الحفيظة والغضب .
وطالما أن هناك دولة فهي مسؤولة عن حماية حقوقي وحريتي كمواطن وهي مسؤولة عني في أسوأ الظروف وهي الملجأ الأول والأخير للجميع لأن دورها هو حراسة القانون والمجتمع وحمايته .؟
لماذا لاأضمن المساواة أمام القانون للجميع كبيرا ً وصغيرا ً , أميرا ً وفقيرا ً تحت سقف المواطنه ..؟
الأهم من ذلك .
لماذا ننتظر لنرى ما يحصل في الغرب ثم ندخل في سباق لالتقاط الفكره أو المصطلح أو الحل ونتبناه ونبدأ بعلكه .؟
ألا يمكننا أن ندقق في واقع مجتمعاتنا ومايحصل فيه من تطورات سلبيه كانت أم إيجابيه وندرس أسبابها وتحولاتها ثم نخرج بمصطلحاتنا وأفكارنا وحلولنا لها .؟!
إن كل مالدينا من موروث وعقائد ومفاهيم وتاريخ وجغرافيا وعقول يحتاج إلى إعادة نظر ودراسة وتدقيق وابتداع حلول من عندياتنا وبشكل ملائم لحالتنا ومستوانا في الوعي والثقافة والاقتصاد ولا نحتاج لمن يأتي من وراء البحار ليفكر عنا . وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة دون حلول جذريه قابلة للتطور وفق ما قد يطرأ من تطورات على المجتمع .
• نحن لسنا بحاجة لثرثارين . نحن بحاجة لميدانيين يدرسون ويبحثون ويبتدعون الحلول الواقعية ويطبقون . أما مانراه وعلى المستوى العالمي من " ديمقراطيات " فهي لاتعدو تلاعبا ً بالجمهور وتوزيعه إلى قطعان تتقاتل حماسة ً وتأييدا ً للاعبين أساسيين موزعين على فرق يحسنون الخداع وممارسة البهلوانيات التي تمرنوا عليها جيدا ً. يطلقون بالونات ملونة تبهر الجمهور ومن يحسن الإبهار أكثر يحصل على مشجعين " أصوات " أكثر وجمهور أكبر وهذه هي حقيقة الأمر وحتى في أرقى الديمقراطيات المعمول بها في العالم وبالإجمال أن الناس ينقسمون إلى فريقين تماما ً كلعبة كرة القدم أو السلة . فريق يشجع هنا وفريق يشجع هناك وقد يصل الحماس بالمشجعين إلى حد التقاتل وتبادل اللكمات والحجارة والضرب بالعصي فيخرجون مهشمين نازفين بينما اللاعبين من الفريقين يتجادلون حول تفاصيل تافهة لاتسمن ولاتغني وقد ينتقدون إداء بعضهم البعض في المباراة واستغلال كل منهم لضعف إداء الطرف الآخر أو لخطأ بدر منه هنا أوهناك فاستفاد منه لكسب مشجعين أكثر . هذا إذا أخذنا الأمور بحسن نيه مع أن مانشاهده يشوبه الكثير من الخداع والتمثيل والحذلقة الكلامية واستعمال الألوان الخادعة . ويستمر الناس مأخوذين باللعبة
" الديموقراطيه "في تكرار ممجوج لنفس الأساليب وان اختلفت الأزياء وطريقة اللعب بين الحين والآخر .
ولا أرى في الديمقراطيه أكثر من مصطلح خرج به البعض لاختزال مجموعة مفاهيم طبيعية وصحيحة ومطلوبه لاتتعدى إذا كتبت بضعة أسطر ثم أضافوا عليها كل هذا الكم الهائل من الثرثرات ليدخلوها تحت عنوان الفلسفه فتشتت المطالب البسيطة والسهلة والطبيعية للناس أو للمجتمعات تماما ً كما يجلس فقهاء التفاصيل في الأديان فيشتقوا من هنا ويفسروا من هناك ويبتدعوا تفاصيلا ً تناسب ما يعتمل في نفوسهم متسترين بالعبارات الفضفاضه ومايرغب به الله أو مالا يرغب به فالصلاة عندهم تمنح راحة النفس في ظل أسوأ أنواع وأشكال الظلم ورضى بالظلم لأنه قدر من الله , والصوم في مفاهيمهم تعويد على تحمل الحرمان بدلا ً من أن يكون حاله يستعيد فيها الجسم شيئا ً من توازنه والزكاة كما يقصدونها تحولت إلى مسكنات للمجتمع وتأخير انفجاره وإذلال للفقير المحتاج ..الخ . وهكذا ذهبوا في الديمقراطيه وتفاصيلها التي تتوالد بمرور الوقت خاصة وانها صارت متداولة عندنا . ونحن كمجتمعات من عشاق التفاصيل فإذا لم نجد يمكننا أن نبتدع تفاصيلا ً قد لاتخطر على بال أعتى الأبالسة .
• في الواقع إن أهم ماتتميز به " الديمقراطية " لو صحت التسميه هو احترام الرأي الآخر والقبول به حوارا ً بغية الوصول إلى قناعات مشتركه يتم تحويلها إلى واقع يخدم الجميع دون تمييز .ولكن حتى هذه لها حدود فليس كل رأي يدعو للاحترام والقبول وبالتالي لايصلح مادة للحوار والنقاش لابل يتوجب أن يكون مرفوضا ً قطعا ً . فالخيانة وتخريب المجتمع وتشظيته تحت دعاوى طائفية ومذهبيه وعنصرية ومناطقيه وعشائريه في المجتمع الواحد وعلى الصعيد الإنساني ليست آراء ولا وجهات نظر قابله للنقاش طبعا ً .لابل أنه يتوجب مكافحتها ومكافحة حاملها تماما ً كما يكافح أي فيروس وبائي لغاية القضاء عليه تماما ً كما هو معمول به في القوانين . من هنا يمكننا أن ننظر إلى الديمقراطية على أنها حالة ثقافيه يتوجب تكريسها في المجتمع بشكل كمي وتراكمي وحتى بقوانين قاسية ومتشددة تعاقب بقسوة . ومن هنا ننتقل إلى العدالة في المجتمع من حيث
• توزيع الثروة الوطنيه
• وتوفير الحمايه والسعادة لأفراده
• وحقهم في الحصول بيسر وسهوله على حاجاتهم الضروريه في المسكن والملبس والمأكل والصحة والتعليم دون أية تعقيدات. فإذا تمكنت الدولة من تسهيل مرور هذه الأمور مع ضمانة السقف للأفراد بتطوير امكاناتهم وتحقيق الرفاهيه في ظل قوانين تحميهم وتوفر فرص التنافس الايجابي بينهم فهل سنتوقف عندها أمام التسميات سواء وصفناها بالديمقراطية أم بالعدالة أم بأية تسميه أخرى قد لاتحضرني الآن .؟
• فهل بعد ذلك نحتاج لهذا الكم من الكتب الفلسفية وأعداد المنظرين الثرثارين للغوص في عمق الأفكار الواردة إلينا وخلفيات العبارات والتسميات وابتداع معان ٍٍ لها .
الحياة بسيطة وسهلة لو أردنا ذلك بنفس الوقت هي معقدة جدا ً في حال أردنا تعقيدها ولاأرى في التعقيد إلا عملية تحايل على المجتمع والتفاف على غاياته بقصد سرقته والتلاعب به حسب مستوى وعي هذا المجتمع وتخلفه .

• نعود للديمقراطية التي اختزلوها بأنها " حكم الشعب بالشعب وللشعب " بالله عليكم فكروا جيدا ً .. أين هو هذا الشعب الذي سيحكم نفسه بنفسه ولنفسه .؟ أين هو هذا الشعب الذي يتوفر فيه كل هذا الإنسجام والتناغم .؟ هل هناك في هذا العالم من تمكن للوصول إلى شعب وجمهورية أفلاطون ..؟ يقولون .. حكم الأكثرية الشعبية عبر صناديق الانتخابات .؟ حسنا ً ماذا لو كانت هذه الأكثرية من لون طائفي أو اثني واحد ..؟ يردون فيقولون أن هناك قوانين تحمي الأقليات وتمنع التجاوز عليها وعلى حقوقها ..!! ولكن الأكثرية عندما تفوز يمكنها أن تطرح الدستور أو القوانين للتصويت وتعديلها وفق مقاسها ونتيجة التصويت تفرض نفسها ..؟ أليس هذا مايمكن حدوثه ..؟ ألم تعدل الأكثريه التركية الدستور قبل حوالي سنتين .؟ إذا ً هذا يمكن أن يحدث ومن خلال الديمقراطية يمكن العودة إلى ديكتاتوريه مقنعة أو مكشوفه بأسوأ الأشكال .إنها ديكتاتوريه الأكثرية .؟ إذا ً لماذا كانوا يشهرون بالشيوعيه التي كانت ترفع شعار ديكتاتورية البروليتاريا ( المظلومة تاريخيا ً) ..؟!!
ماذا لو كانت الأكثرية متخلفة ومتشددة طائفيا ً أو مذهبيا ً أو اثنيا ً .. لنستعرض الواقع على مستوى العالم .
من الذين يدخلون في المنافسة البرلمانيه .؟ أليسوا هم الأقوى ماديا ًوالمحتكرين وأعضاء التروستات والوكلاء التجاريون وملاك العقارات وكل من يملكون الثروات والقادرين على التأثير في النتائج عبر الإعلام وشراء الأصوات وذمم المراقبين والمشرفين والتلاعب بالفرز وآلية الانتخاب .؟ أليسوا هم من يملكون القدرة على التأثير في الإعلام وتوجيه استطلاعات الرأي " المزيفه " بما يقود إلى النتائج التي يسعون إليها . ؟ إذا ً أين قاعدة " حكم الشعب للشعب وبالشعب " ثانية نسأل عن أي شعب يتحدثون .؟
قد نتفق مع اسبينوزا في جانب من رؤيته على أن الحق الذي يعرف بقوة المجموع , هو الذي يسمى عادة بالحكومة . وهذا الذي يملك السلطة العليا , ( هو الذي يتولى أمر الدولة بموافقة الجمهور ) ..الخ نضيف أنه الجمهور الذي يشمل غالبية من كافة أطياف المجتمع ولايقتصر على أغلبية اللون الواحد عندها يكون الجمهور حقيقيا ً .
- هناك مشكلة عند اسبينوزا وهي أن أفكاره نتاج مجتمع ذي لون واحد أو طيف واحد ( أي أنه لاينتمي إلى مجتمع مكون من فسيقساء دينية وقومية ) وبالتالي فهو لايهم لديه عندما يتحدث عن قوة المجموع الذي يعود للون سياسي أو ألوان سياسية متقاربة في النهج أو رأي سياسي اقتصادي موحد يكون الأغلبية أو المجموع الذي يراه والذي يتفق رغم الاختلافات السياسية على عقد اجتماعي يضم الجميع أو يوافق عليه الجميع.
- هذا لاينطبق على مجتمعاتنا بوضعها الراهن ولايمكن الأخذ به ومحاولة قياسه علينا .
- ( يتبع ) .. وأي في الحرية .؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن