عمال مصر في ثورة 2011

جمال احمد
jamalay@hotmail.com

2013 / 7 / 5

إن الأزمة الشاملة الأخيرة للرأسمالية التي بدأت عام 2008 لا تزال مستمرة ولا تبدو في أفق نهاية لها ، ومن نتائجها كانت التحركات الثورية في دول عديدة احتجاجا على الإجراءات المتخذة بالضد من مصالح الجماهير وبالأخص العمال ، اذ حاولت البرجوازية تحويل هذا الصراع الطبقي إلى صراع بين قوى دولية للبحث عن مصالح مستقبلية لها . والاهم من كل ذلك كانت التحركات الرأسمالية في الترويج للسياسة الليبرالية الجديدة في الدول المتطورة ، حيث أرسيت تلك السياسة في تسعينيات القرن الماضي وطبقت عملياً واشتدت مع الأزمة الشاملة أي منذ عام 2008 ؛ وتمثل ذلك ب :
1- إقصاء دور المنظمات العمالية (أي النقابات) في أية رد فعل تجاه الاجراءات الرأسمالية .
2- تجميد الرفع الدوري للأجور لمواكبة التضخم السنوي، وكذلك تخفيض الأجور مقارنة بسنوات ما قبلها.
3- زيادة شدة العمل واستعمال كافة الأساليب لتحقيق ذلك.
4- تحرير حدود يوم العمل لإطالته حسب رغبة أصحاب العمل.
. المشاريع الإنتاجية الممكنة للدول ذات الأجور المنخفضة وذات الحرية المطلقة لاستغلال العمال ....اَلخ .
6- وكذلك التقليل من كافة الخدمات المقدمة للمجتمع من الرعاية الصحية والتعليمية والترفيهية.
وكان السلاح الفعال لتحقيق تلك الإجراءات هو خصخصة الكثير من مشاريع القطاع العام .

إن ثورة 25 يناير المصرية جاءت في سياق الثورات والتحركات الثورية الجماهيرية في العالم ضد نتائج أزمة 2008 . ففي كل أزمة دورية للرأسمالية تنشأ أوضاع ثورية ، لكن هل تتحرك الجماهير وتنتفض وتثور في ظلها؟ هذا ما يعتمد على عوامل ( ما سأتطرق إليه لاحقا هنا ) . كما نعلم بان هذه الأزمة بدأت بقطاع البناء الأمريكي وسحبت من وراءها البنوك المستثمرة فيها محلياً وعالمياً وانعكست على مشاريع تلك البنوك في الدول الأخرى ومن بعده امتدت لتشمل مجمل الحياة الإنتاجية بدرجات متفاوتة. وكذلك أثرت بدرجات متفاوتة على بلدان اخرى بسبب بنية تلك الدول و موقعها من تقسيم العمل العالمي وإمكانياتها للتقليل من آثارها أو تحميل دول أخرى لتبعات أزمتها.
كذلك أن التاريخ الوطني لتطور كل دولة (مستقلة عن العامل الخارجي) تتأثر بهذه الأزمة بأشكال مختلفة تتبع وخصوصيتها.
بالرغم من تاريخ دولة مصر الحديثة تعود إلى فترة محمد علي حين قام بارساء بنى تحتية للاقتصاد الرأسمالي إلا أن إنشاء دولة المصر القومية المحددة المعالم ترجع إلى ثورة 1919 وتبعاتها باستقلالها من بريطانيا وإنشاء حكم ملكي ذات سياسة اقتصادية ليبرالية تتلاءم كاقتصاد تابع للدول المتطورة، برزت ونمت الطبقة البرجوازية في كنفها ، إلا إن ذاك الشكل من الحكم وتلك السياسة لم يكونا على مستوى تلبية حاجيات وتطلعات البرجوازية الوطنية المصرية ولم تؤديا إلى التطور المنشود الذي كانت تنشده ، فحدث انقلاب 23 يوليو1952 ليلبي طموحهم والتفت حوله جماهير عريضة من الشعب . وخلال سنوات الحكم الناصري الجمهوري قطعت مصر أشواطا في التنمية الزراعية والصناعية والخدمية ما نتج عنها تراكم رأسمال ضخم للدولة وكذلك خلق طبقة عريضة من العمال ، وقد أدى الاختلال في نمو استثمارات رأسمال الدولة مع التكوين المستمر للعمال إلى تكوين عرض عمل زائد عن الحاجة المحلية مما أدى به إلى تصديره عربيا أولا ثم عالميا لتكون ظاهرة مصرية بامتياز ، ومصدر من مصادر الدخل القومي . وانعكست سياسة الليبرالية الجديدة في تسعينيات القرن الماضي على مصر حين أخذ القطاع الخاص بالاستحواذ على ممتلكات القطاع العام ونهبها بشكل أدى إلى تفشي الفساد على كافة المستويات للاغتناء السريع مما حدا بتردي أوضاع قطاعات واسعة من الشعب وفي مقدمتهم العمال وأصبحت إضرابات المحلة الكبرى عام 2008 علامة مميزة تاريخية لتقصي تاريخ تلك المرحلة . إن قدوم جيل جديد من العمال لسوق العمل وعدم تشغيلهم واستخدامهم (أي عدم استيعابهم من قبل السوق) وانغلاق باب تصديرهم أدى إلى تكوين تذمر شعبي من الأوضاع القائمة ، وتراكم تلك العملية (إنتاج قوى عاملة وإبقائها عاطلة عن العمل بانتظار التشغيل) باستمرار قد فجر ثورة 25 يونيو والتي أطلق عليها بثورة الشباب لتمييع طابعها الطبقي وإخفائه .
إن تاريخ مصر المعاصر يتحدد بثلاث وقفات مفصلية ، هي ،1919 وانقلاب 1952 وثورة 25 يناير 2011. ولو وضعنا انقلاب 1952 جانبا لعدم اشتراك الجماهير فيه ، فان ثورة 1919 كانت حركة جماهيرية اشترك فيها العمال والفلاحون بقيادة البرجوازية وفي ظل افقها السياسي ومطلبها التاريخي في استقلال مصر وزيادة حصتها من الثروة والسلطة . على الرغم من مطالب عمال الترام والسكك الحديدية بزياد الأجور وتقليص يوم العمل وكذلك اشتراك عمال البريد والكهرباء والمطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية ومصلحة الجمارك في الثورة واشتراك الفلاحين من دون مطالب محددة ؛ فان تلك الثورة كانت ثورة برجوازية وانتهت من دون أية مكاسب للعمال والفلاحين . وان الجديد في ثورة 2011 هو إن الإضرابات العمالية قد سبقتها بأعوام وامتدت آثارها لتندمج بثورة 2011 ، واستمر النضال لتعم الثورة جميع المرافق الإنتاجية والخدمية والمطالبة بحقوق العمال و الشغيلة والتأكيد عليها ، إن نضالاتهم كانت الحدث الأبرز على الرغم من التعتيم الإعلام المحلي والعالمي عليها .
إن اشتراك العمال في ثورة 2011 ، لم يؤدي إلى تحررهم ولم يحصلوا على الحرية المبتغاة لكنهم حصلوا على وسائل التحرير من إنشاءهم لمنظماتهم المستقلة وإبراز مطالبهم في الأجور وأوقات وظروف العمل والمطالبة بتشغيل المنشأة المغلقة تعجيزياً والوقوف بوجه أصحاب الأعمال ، انه لخطوة عظيمة في سبيل تحقيق مكسب تاريخي في طريق الثورة المقبلة. وان الغياب السياسي للعمال لهو حكم تاريخي مربوط بحداثة نشؤه والتي لا يتعدى قرن من الزمن وان هذا الغياب السياسي قد حكم عليه بان يكون عاجزاً من تقرير مصير الثورة ؛ وان اليساريين ( ومن ضمنهم من يدعون بشيوعيين ) أكدوا في ساحات المواجهات بأنهم لايستطيعون تمثيل الطبقة العاملة وليسوا على مستوى هذه الطبقة العريضة المليئة بالحيوية وذات المطالبة الواسعة . ان غياب تلك الحركات اليسارية في المشهد السياسي المصري أو تعلقهم بأذيال الحركات السياسية البرجوازية لدليل على الغياب السياسي المستقل للطبقة العاملة . وان حركات ( مايسمى الشبابية ) العاطلين للجيل الجديد من العمال ، على الرغم من إمكاناتهم الواسعة في المواجهة والمليئة بالحيوية والمؤثرة بأبعاد كبيرة ، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى سياسي لغياب وعيها بذاته وعدم وضوحها وعدم تنظيمها الدائم المحكم المرجو للنضال الطبقي ، فلذا ستذوب في الحركات السياسية البرجوازية ، فلا أمل منهم في أحداث أية تغيرات تاريخية .
يجب على عمال مصر في هذه المرحلة أن لا يؤدي بهم غيابهم في المشهد السياسي الى اليأس و الاحباط ولا أن يستصغروا من مآثرهم في التنظيم المستقل بهم ومطالبهم المباشرة واثبات دورهم في الوقوف بوجه أصحاب العمل وفرض شروطهم عليهم . والاهم هو الحفاظ على استقلالهم الطبقي وتطوير ما تحقق لهم من مكاسب والارتقاء بها وعدم انسياقهم واصطفافهم خلف الحركات البرجوازية بأشكالها الدينية والليبرالية أو الحركات البرجوازية الصغيرة العاجزة. وان الحصول على قانون عمل ملائم للعمال المصريين وآلية عملية لتنفيذها وحماية تنظيمهم النقابي المستقل ، سيكون مأثرة تاريخية للعمال في كافة الدول العربية واكبر مكسب لعمال العالم في هذه اللحظات التاريخية الحساسة من الصراع الطبقي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن