ضرورة فضح الديون الكريهة -المكسي بديال الناس عريان-

إدريس ولد القابلة
saharaokd@gmail.com

2013 / 6 / 21

بدأنا مؤخرا نسمع عن الديون الكريهة والقروض غير المشروعة، ويُقال اليوم أنها هذه القروض هي التي، عند التوقيع على العقدة أو إعادة التعاقد أو إعادة التفاوض بشأنها من خلال ما يتم تمويله بها (القروض ) أو فيما يتعلق بآثارها، تعيد إنتاج أو تخلق ظواهر وآليات وتصرفات تؤدي إلى المس بحقوق الإنسان: حقوق فردية أو جماعية (مدنية، سياسية، ثقافية، اقتصادية ) أو الحق في التنمية، الهوية أو الحق في العيش السليم أو الكريم. ومن بين علاماتها : قمع الشعوب والرشوة والتوزيع الغير العادل للثروات والتفقير ( أي إنتاج وإعادة إنتاج الفقر) وتخريب أو تدمير البيئة والتداول في الشؤون الداخلية للدول والمس بسيادتها.
فأين ديوننا الخارجية من كل هذا؟ وأين تتموقع؟ وهل فعلا استفاد منها أغلب المغاربة؟ وهل ثقل المديونية يسمح فعلا بتحقيق تنمية؟

تاريخنا مع الديون الخارجية حافل بما لا يستسيغه عقل سليم
منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، بدأ يبرز تنامي مديونيتنا الخارجية ، خصوصا وأن البنوك الغربية ارتفعت سيولتها النقدية بفعل عائداتها لذا عرضت هذه الأموال بمعدلات فائدة مغرية. وصرفت هذه الديون في إنجاز مشاريع ضخمة كالسدود والتجهيزات المائية الكبرى التي كانت تمتص أكثر من 30 بالمائة من الاستثمارات العمومية، وتدعيم مؤسسات عمومية كبرى كالمكتب الشريف للفوسفاط، والقرض العقاري والسياحي، وبنك الإنماء الاقتصادي، والقرض الفلاحي وغيرها... إنها صرفت لتطوير رأسمالية محلية، لكن على حساب الكثير من مصالح الشعب حيث ظل عرمرم من المغاربة تعيشون أوضاع البؤس والبطالة رغم أن القائمين على الأمور أثقلوا كاهل الأجيال القادمة بالدين.
وعلى حين غرة انطلقت أزمة المديونية مع بداية الثمانينات، حيث بلغت 12 مليار دولار سنة 1983 مقابل 0.9 مليار دولار في 1972. حصل المغرب على حوالي 50 مليار درهم خلال فترة 1974-1983، لكنه سدد برسم الفوائد فقط 18 مليار درهم، أي أكثر من ثلث القروض، وهذا في وقت عرف انخفاض كبير في أسعار الصادرات الأساسية ، مما نتج عنه تقلص العائدات من العملة الصعبة لتمويل الدين. وكانت النتيجة قبول برنامج التقويم الهيكلي ليعيش أغلب المغاربة – مغاربة "المغرب المحيط" وليس "مغاربة" "المغرب الجزيرة" الذين ظلوا في أحسن حال في السراء والضراء- أوضاعا كاريثية. هكذا جرى خفض النفقات العمومية المخصصة للقطاعات الاجتماعية (الصحة، التعليم، التشغيل..)، وتقليص أو إلغاء دعم أسعار المواد الأساسية، وتوسيع الضغط الضريبي على الكادحين، وتعميم مرونة الشغل وعدم استقراره، وتجميد الأجور، وفتح الحدود على مصراعيها في وجه السلع الأجنبية، وخوصصة المؤسسات العمومية والخدمات العمومية... وهذا ما أدى إلى تنامي البطالة، خاصة في صفوف الشباب والنساء، وتعميق مسلسل إفقار المنتجين الصغار، والهجرة القروية، وتنامي الفقر والبؤس، واتساع دوائر التهميش ... مما دفع على قيام احتجاجات عارمة رغم القمع الوحشي الهمجي (يونيو 1981، يناير 1984، ودجنبر 1990).
وستتوقف عملية إعادة جدولة الديون مع سنة 1993، لترتفع بذلك خدمة الدين من حوالي 145 مليار درهم لفترة 1984-1992، إلى 316 مليار درهم في فترة 1993-2003. وتفوق تكاليف سداد الديون (خدمة الدين) بكثير المبالغ السنوية التي يمنحها الدائنون. ففي سنة 1999 على سبيل المثال، بلغت قروض المغرب الجديدة حوالي 15 مليار درهم، في حين بلغ مجموع تكاليف الدين 29 مليار درهم. ويبين هذا الفارق الكبير، الذي يستنزف الميزانية سنويا خصوصا على حساب ما يتعلق منها بالجانب الاجتماعي، كيف تم إثقال كاهل الشعب المغربي وأجياله القادمة بديون لم تجر على أغلب المغاربة إلا الويلات. فقد أدى المغرب لمختلف الدائنين حوالي 16 مليار درهم كمعدل سنوي خلال سنوات 1996-1999.
وظل المغرب يستند على الديون ورهن مستقبل أجياله القادمة. إن مجموع الديون الخارجية العمومية تجاوزت 25 بليون دولار، وأصبحت تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي، في حين كانت تقدر بنحو 16 بليون دولار عام 2008 قبل الأزمة الاقتصادية العالمية. ومنذ انطلاق "الربيع العربي" تزايد اعتماد اقتصادنا على القروض الخارجية لمواجهة الأزمة.
واحتاجت الحكومة هذه السنة إلى اقتراض 65 بليون درهم لمواجهة عجز الموازنة وميزان المدفوعات الخارجية.
إن نهج الاعتماد على القروض الخارجية لم يجن منه أغلب المغاربة إلا الويلات، وظل هو النهج المعتمد إلى حد الآن رغم كثرة الانتقادات وحدتها، وظلت تدفع نحو تأزم الأوضاع، وتُفقر الطبقات الوسطى وتزيد التراجع في برامج الاستثمارات العمومية عبر خفضها مما يؤدي إلى تنامي عدد العاطلين.

الشعب يؤدي... وسيظل يؤدي...فقدره أن يؤدي ويؤدي فقط
أدت الأجيال السابقة ويؤدي الجيل الحالي وستؤدي الأجيال القادمة، ولكن ماذا جنى أغلب المغاربة من هذه الديون؟
مازال إلى حد الآن لم يشعر أغلب المغاربة أنهم جنوا ما يعتبرون أنه يخدم مصالحهم من الديون الخارجية التي مازالت نثقل كاهلهم.
علاوة على هذا وذاك، من الملاحظ أن معظم الدول التي تعيش على المساعدات والقروض – وبلادنا ضمنها - تعرف ارتفاعا صاروخيا للأموال المهربة إلى الخارج، والتي تفوق كثيرا حجم الديون التي ترهن مستقبل الأجيال. مع ارتفاع صاروخي في حجم الضرائب التي يقال إن أثرياءنا ظلوا يتهربون من دفعها – هذا بالرغم من كل الإعفاءات التي ظلوا يستفيدون منها- أليس من أقبح صور الظلم الاجتماعي أن يؤدي صاحب "السميك" الضريبة ولا يؤديها كبار ملاكي الأراضي الفلاحية؟. أفلا يكون منع تهريب الأموال مع وضع حد للتهرب الضريبي كافيين لاستغناء عن جزء كبير من ضرورة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي الذي هو في واقع الأمر نوع من الحجز على قرارها الوطني المستقل ؟
أليست هذه ديون كريهة في عرف أغلب المغاربة لأنهم لم يجنوا منها إلا الويلات؟
ومما يصعب على الكثير من المغاربة فهمه، أن هناك مشاريع ضخمة التي أطلقها المغرب والتي تمول في جزء كبير منها عن طريق المديونية – سيمل مشروع القطار الفائق السرعة طنجة – الدار البيضاء- وهي مشاريع قد يسري عليها المثال "ما قدوا الفيل زيدو فيلة" أو المثل القائل " آش خصك آ العريان...."..
لكن ما هي الديون الكريهة في عيون الخبراء ؟
هي الديون التي تقترضها الدولة باسم الشعب لاستخدامها في غير خدمةً الشعب ومصالحه ، وبالتالي تكون من الديون الكريهة بالنسبة للشعب. سيما إن ساهمت في تحقيق الإثراء الشخصي وتقوية آليات القمع وخدمة مصالح فئة معينة من الشعب دون الفئات الأخرى لأسباب سياسية أو كأداة للتمييز بين أفراد الشعب أو مجازاة المقربين والمساندين.
فمن السمات الأساسية للديون الكريهة، عدم استخدامها في مصلحة الشعب ، ومن مؤشراتها الفاضحة الاختلاسات الضمنية.
ومهما يكن من أمر إذا ظهر المعنى فلا فائدة في التكرار....



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن