تركيا ... درسٌ جديد

حارث رسمي الهيتي
har88ith_2006@yahoo.com

2013 / 6 / 16

مرة اخرى تعطينا الشعوب الحية درساً في كيفية الوقوف بوجه الطغاة الذين ما انفكوا يتبرقعون ببرقع الحرية واحترام حقوق الانسان .
فبعد ان انتظر الشعب التونسي شرارة بسيطة تشعل كل الوقود الذي تراكم خلال وقت طويل . أتى محمد البو عزيزي ليلهب الشارع التونسي بانتفاضة مستمرة الى يومنا هذا وباشكال مختلفة فالأمر لم يحسم بعد بالرغم من غرور الاسلاميين بنصر يسمونه توهماً " نهاية المطاف " .
بعدها يكون الشاب خالد سعيد الذي قضى تحت تعذيب أجهزة الأمن المصرية سبباً في اشعال انتفاضة طالبت بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية مطالب لم يفهمها " الاخوان المسلمين " لانها غير موجودة في قواميسهم التي تتحدث فقط عن التحايل بشتى الطرق لاستلام السلطة . فاستلموها معلنين عن انتهاء الانتفاضة باحلال مرسي محل مبارك !! غير آبهين بما خرج من أجله الشعب الذي سيكنسهم عاجلاً أم آجلاً .
هذه المرة تركيا ، البلد الذي يسوق له الغرب على انه نموذج يحتذى به ، البلد الحليف لـ " الناتو " والذي تسعى الولايات المتحدة لتعميم تجربته في البلدان العربية التي شهدت انتفاضات وحركات جماهيرية ، باعتبارها البلد العلماني الذي يطبق مشروعاً اسلامياً " معتدلاً " يعد " نموذج " من وجه نظر الغرب .
ما يجري في تركيا اليوم أكبر بكثير من تحويل حديقة تاريخية ( غيزي بارك ) الى مركز تجاري وثقافي ، الموضوع يعود الى " الغباء الذي قصم ظهر الأمير " وأنا هنا أحاول ان ابتعد عن المثل الشائع الذي يتحدث عن القشة والبعير !!
اردوغان الذي تدخل بكل شاردة وواردة في شؤون البلدان المحيطة ببلده تركيا ، متحدثاً الى درجة انه أصبح عراب الحرية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية في البلدان العربية ..
تاركاً بذلك شعبه وما يعانيه من أزمات على الصعيد الداخلي بعد ان وعدهم أردوغان وحزبه عن تصفير المشاكل ، مثل حل المشكلة مع أكراد تركيا ، وحزب العمال ، والمشكلة الكبرى ايضاً التي بدأ يحس بخطرها الأتراك هو محاولة أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الانحراف بالدولة التركية عن علمانية واسس أتاتورك . أردوغان الذي وصل الى الحكم عام 2001 أخذ بمحاولة أسلمة نظام التعليم في تركيا ومحاربة الجنرالات الذين أحس بخطرهم على مشروعه الاسلامي بتهم التخطيط لإنقلاب .
والشعب التركي يشعر ايضاً بخطورة السياسة الخارجية التي اتبعها أردوغان وأحمد داوود اوغلو وزير خارجيته والمتمثلة بالعداء مع دول لها ثقلها بالمنطقة من روسيا الى الصين ثم ايران والعراق وسوريا ، والانتباه واجب هنا على ان من تكمن له العداء الحكومة التركية هي نفس الدول التي تقف الحكومة الامريكية بالضد منها اذا استثنينا العراق .
أردوغان حاله حال كل الطغاة الذين سقطوا من قبله ، لم يفهم أن من خرج الى الشوارع خلال الأربعة عشر يوماً الماضية مواطنيين أتراك لهم حقوقهم في التعبير عن رأيهم ، والذي اخذ اردوغان يتهمهم تارة بالمتطرفين وتارة بقطاع الطرق وأخرى بانهم انقلبوا على الديمقراطية وعليهم ان ينتظروا صناديق الاقتراع .
اما اقتحام ساحة تقسيم واستخدام أجهزته الامنية وكل وسائل القمع والاضطهاد من اجل تشتيت المعتصمين هي محاولة فاشلة منه للتفاهم مع شعبه وسيدفع ثمنها قريباً ، فتركيا على موعد مع وضع جديد .
وعليه ان يفهم ان اقتحام مقر الحزب الشيوعي التركي وقاعة ناظم حكمت تثبت للعالم ولنفسه ان وراء ما يدور في بلده اليوم أحزاب سياسية ونقابات عمالية ومنظمات مجتمع مدني ومثقفين وليس قطاع طرق ...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن