كان زقاق الحلواني (قصة قصيرة)

بهار رضا
bahar-reza@hotmail.com

2013 / 6 / 13

كان زقاق الحلواني
(لا أعتذر من القارئ عن الأغلاط النحوية والأملاءية في النص وذلك لأسقاطي القدسية عن الوسائل لتبقى غايتي قدسية التواصل بالآخرين ).

كان ينتظرني هناك في نهاية الزقاق حيث إحدى المخرجين لا ثالث لهما ،هوّ ومجموعة من الشباب .السلبي في الموضوع ،معاكسته اليومية . والأيجابي بالموضوع ،إني كنت من نصيبه، وهذا يمنع الآخرين من معاكستي . عكس الجهة الأخرى من الزقاق الذي لا تسلم حتى العجوز من معاكساتهم ، والمشاركة بالمعاكسات، عمل شعبي وواجب وطني يتحتم على الجموع الغفيرة المشاركة به ولهم الاجر والثواب .
بعد أن إستطاعت والدتي أن تهرب مبلغ بسيط من المال . إشترت هذه الدار. كان المبدأ من شراء البيت الذي كان أصغر مساحتاً من مساحة مطبخنا في بغداد ، هوّ حفظ ماء الوجه. فأن تعرقل وصول المبلغ الذي كان من المفروض أن يصل بعد مدة من بغداد عن طريق عمي المقيم في الكويت الى طهران على الاقل السكن محفوظ. بالفعل إنتقلنا مباشرنا بعد وصول المبلغ المنتظر. في هذا المكان الضيق ، كانت والدتي مصرة على رتيبة وجودة حياة بغداد .يعني نظام البيت والاكل والشرب وو واخيراً المسئلة الأكثر أهمية المطالعة، حيث كانت المكتبة التي أسسها شاه ايران بقسمها العربي ما زالت قائمة وتحتوي على قائمة متنوعة من الكتب. من الادب العربي مروراً بالادب الفرنسي والادب ال ... الى الروسي وكانت الكتب سهلة المنال . كانت والدتي تعمل بمنهجية لأبقائنا على ماهينتا وعدم انصياعنا للرياح المختلفة . لا تترك لحظة الاّ وهي تحاول أن تشبعنا بالوطنية والثقافة ووو شعارات ( غسيل دماغ بالأتجاه المعاكس) وقد فلحت لأبعد ما تتصور هي .فلم تكن طهران سوى محظة انتظار في ساعة رملية أُفرغت من رملها لكي يكون الزمن خارج الرزنامة .
إذا لم يكن حاضراً في المكان في نهاية الزقاق تحت اللوحة المتصدءة والتي تشير لأسم الزقاق "كوچه قنادي" زقاق الحلواني .كانو أصحابه ينادون عليه "علي " جاءت محبوبتك " ويخرج هو من بيتهم المقابل للوحة أو أحياناً من بقالية والده والتي هي من امتداج البيت، ليسمعني أنواع الغزل في مدة لا تتعدى الدقائق ،والتي هي خروجي من الزقاق إلى الشارع الرئيسي حيث سرفيس المدرسة ينتظرني. كانت معاكساته تسبب لي الحرج أول الصباح وكنت أحس بأن الناس كلهم ينظرون لي وكأني مذنبة . كمراهقة كنت أضع اللوم على نفسي وبأني بطريقة أو أخرى أتسبب بتعرضي للمعاكسة من ما يجعل اللجوء الى أهلي من المستحيلات .
من النصائح التي كان علي إتباعها .
ــ تمشين وعينچ بالگاع وإذا واحد عاكسچ لا تردين عليه ! إفتهمتي ؟ إذا رديتي يعني تحبين تسمعين المزيد.
في أيام الأمتحانات كنت استقل المواصلات العامة وعادة ما تكون الحافلات خالية في هذه الساعات من النهار. كان يجلس في المقعد الخلف مقعدي ويغني لي (با تو با تو اگه باشم وحشت از مردن ندارم لحظهام پر می-;-شه از تو وقت غم خوردن ندارم)(عندما أكون معك لا أستوحش الموت ..لحظاتي تمتليء بك ولا يوجد فراغ ليتغلغله اللألم ) وكان يروي لي يومياتهم في البيت كل جزئيات العائلة الكريمة ،التي كانت تتكون من الأب والأم واخين أكبر منه تزوج الأول من قريبتهم ويسكن في نفس الحي والثاني الذي سيتزوج أيضاً من قريبه لهم في مسقط رأسهم حيث سينتقل للعيش معها ، وهو آخر العنقود.
كان يوم امتحان تاريخ وكنت مشبعة لحد القرف من تأريخ القاجارين وحريمهم وجواريهم والمعاهدات التي أدت بخراب إيران .وكأن الحكومات الاحقة عمرتها! جلس خلفي كالعادة ليقول لي بأنه سيغيب يومين ليحضر فرح اخوه ويعود بسرعة وبأنه سيشتاق اليّ واكيد ،أكيد انا بدوري سأشتاق اليه وسيحمل لي مفاجأ عند عودته !! لا أعرف كيف توصل لهذه المعلومة الفذة ، معلومة إشتياقي اليه ! وأي واحدة مني بعد بعد أن بعثرني التناقض الذي أمارسه يومياُ ،أي واحدة من شخصياتي ستشتاق الى هذا المعتوه ؟
المراهقة التي تسكن طهران ؟ أم المراهقة التي تسكنها بغداد ؟المراهقة التي تعشق الحياة وتسمع إنشودة المطرب موفق بهجت وهو بنشد عبر المذياع لبغداد (عيشي بغداد لك القلب عيشي بغداد) ...؟ أم الأخرى التي تردد كل صباح في طابور المدرسة ( الموت الموت ..الموت ... الموت لأمريكا الموت .. وأمريكا كانت تحيا من خيرات ايران التي دفعتها في صفقة ايران كونترا او ايران كيت) مراهقة تذكرّها والدتها كل يوم بأن مهما ثقل الحمل احني ظهرك ، ولكن تطلع للسماء برأس مرفوعة؟ أم مراهقة مع كل اذن لصلاة واجبة او مستحبة او تراويح كان يجب عليها في المدرسة ان تطأ طئ الراس على أرض المصلاة الكريهة الرائحة ؟
كان بودي أن أصرخ به لأقول له اني أكرهك ! واكره السلالة القاجارية ، وأكره الخميني الذي حاول تصدير الثورة لكربلاء، حتى يتسنى له من خلالها تحرير القدس "راه آزادي قدس از كربلا بايد گذشت ..از كنار مرقد ان سر جدا بايد گذشت" ! معادلة يصعب علية فهمها ليومي هذا، وهي معادلة تحرير القدس عن طريق كربلاء!! هذا مخصوصا وبعد ان أصبحت لكربلاء حكومة شيعية، وما زالت القدس تئن تحت وطأة الاحتلال. وأكره صدام الأرعن الذي أراد أن يكون قعقاع لقادسية جديدة هذه المرة على حصان خشبي صنع الغرب، يعتنق من خلالها الأيرانين الدين الإسلامي !!! الأيرانيون الذين بين جامع وجامع يوجد جامع . وحتى مرشدهم الاعلى الخميني كان يسكن أحد بيوت الله " حسينية جمران" يا لآضحوكة القدر كل محلتي ،"شارع فلسطين "كان لديها جامع واحد " جامع فوزية" كنا نشتري المرطبات من حمو رابي حيث كانت مدرستي " الحظارة" حتى أثناء فصل الشتاء ،ونفضلهاعلى الذهب لأسواق 14 تموز لشراء الشبس خشيتا من الجامع الفاضي . تخيلو الجامع الوحيد ، فاضي !! والعراقين يريدون إطفاء نار المجوس؟؟؟ .... إخترت السكوت وعللت النفس بأن الحياة قضاء وقدر ومن الممكن أن أتخلص منه بقدرة واحد أحد! حتى وإن كانوا يومين.. يومين تعتبر ايضاً غنيمة .
خرجت بعد يومين وكان يوم امتحان رياضيات والذي لم يكن من أعز الدروس على قلبي مررت من هناك وأمتلكني إحساس غريب لا بل إحساس بالغربة لعدم تواجده في المكان .اللوحة المتصدءة "كوچه قنادي" باتت حزينة ويتيمة من دونه !! يا للكارثة، اني بدأت أستفقد "مجنوني" هذا الذي كل ثلاث من سلالته تعادل حمار !(كتب التأريخ الأيراني تذكر. بعد خسارة تركيا في الحرب مع ايران في زمن رضا شاه ، إستبدلوا اسرى الأتراك كل ثلاث منهم بحمار واحد،وذلك عي عميلة تبادل الأسرىللأستفادة من الحمير لبناء ما خلفته الحرب من دمارفي الطرق الجبلية الوعرة .ومن حينها يسمى الاتراك في ايران ثلاث بواحد ). يا ويلي أيعقل إشتقت إليه؟
كان آخر إمتحان وبعده تبدأ عطلة النوروز. والتي نوينا ان نقضيها في مدينة مشهد. كنت محبطة لشعوري بأفتقاده .كنت أمقت هذا الإحساس، أحساس الشوق لمعاكسته التي لطالما أحرجتني! أنها خيانة لجميع القيم والمباديء التي نشأت عليها .
بعد عودتي من الامتحان عادة والدتي من البقال والذي كان والده لتقول
ــ هذا "اغا رضا " البقال رجل طيب والمسكين گعد يتوسل اذا نقبل بأبنة عريس وگال هو يدري عيب يمنة نجهز بتنة .وگال اني اسجل البيت والمحل بأسمها لأن العراقيات شريفات .واني گتلة نتشرف بيكم بس احنة راجعين لبلدنا فد يوم وما اگدر أعوف وحدة من بناتي هنا .
ضحكن أخواتي كثيراً على عرض اغا رضا وكيف تجرء وطلب يد إحداهن لتقول اختي الاصغرمن الكبيرة
ــ وهو شمدري انت عندج بنات كبار ؟ وهو ولد خريجين يا كلية هالحمير ؟ هي هي
ــ يا بنتي هو تحقيق ؟ ما غلط الرجال ! ما شتمنا ! رديت علي بأدب مثل ما طلب بأدب.
أحسست بكارثة سقطت على رأسي .تصورت عند وعده لي بمفاجيءه انها ستكون هدية يملئها القمل من مسقط رأسه . لم أتصور أن تصل به الوقاحة الى هذا الحد .قررت ان احط حد لهذه المهزلة وفكرة بأن أهينه أو ...لا أعرف كنت مشوشة وكان علي النوم مبكراً لأرافق والدتي صباح غد اول أيام العيد الى مقبرة جنة الزهراء لزيارة قبر جدتي التي لم تستحمل البُعد عن الوطن ففارقت الحياة بُعيد وصولنا الى طهران بمدة بسيطة .أخواتي الأكبر كانوا مخدرات والصغيرة صغيرة ، لتبقى هذه النوع من المهام هي وظيفتي ..فليكن كنت اشتاق لجدتي.
كانت مقبرة جنة الزهراء أسسها شاه ايران لتكون مقبرة طهران لعقد من الزمن ولكن بفضل والحرب وخيراتها إمتلأت بعُشر المدة. بعد أن بدأت المقبرة بزحفها نحو المدن المحاطة بها جاء الحل من الحكومة، وهو أن يكون السكن عامودي عفواً الدفن عامودي ، قبر بطابقين !
كانت المقبرة مقسمة الى ثلاث أجزاء. جزء للموتى العادين ، جميلة بنباتاتها ولوحات قبورها الرخماية التي تدل على الرخاء. جزء اخر للسياسين. والتي كُسرت لوحات قبورها الرخامية بشكل إنتقامي متعمد يلفقد المقابرقدسية الموت (تخلص العراق من هذه الظاهرة ،أي نبش قبور المعارضة عن طريق أحواض التيزاب ،وفرامة اللحم البشري التي كانت تتخلص من جثث المعارضة بفرمهم ورمي أشلائهم في نهر دجلة أو أنفلتهم بمقابر جماعية). اما الجزء الذي لم تطيئه قدمي، كانت (مقبرة الشهداء ). حاولت أن أدخلها مرة مع والدتي لزيارة قبر ابن عمتي الذي لم ينتظر الموت بل ذهب إليه في بداية الحرب، ليُقتل في الاحواز .دون جدوى . مجرد رؤيتي لصور الشباب المعلقة على قبورهم سمرتني في مكاني. إكفهر وجهي وكنت على وشك الغياب عن الوعي عندما أسعفتني بعض النسوة بكوب ماء وضعن فيه خواتمهن الذهبية ، متصورين أن ماء الذهب سيجعل صورة أسرى التراب مشرقة !
" مقبرة الشهداء" هكذا أسموها ، لا أعرف من أي منطلق حدووا لهم إسم موحد "الشهداء" ؟ متجاهلين بأن لكل من هؤلاء الضحايا أسم مختلف، قصة مختلفة لا تشبه قصص الاخرين، حبيبة مختلفة ،أحلام مختلفة ،صادروا حقهم في مطاردتها بوضع قطعة رخام بارد على أجسادهم الغرة. . "شهداء الوطن" وهل يريد الوطن سماد بشري لشقائق نعمانه ؟ يا لوقاحتهم أحقاُ شعوبنا يحتاج لشقاتق نعمان؟ أم لسواعد تزرع وتحصد سنابل القمح ؟ هل يحتاجهم الوطن ككوكة تراب أم يحتاجهم على قدميهم يدكون الأض صانعين زلازل ونهضات فكرية وحضارية؟
هنا في مقبرة جنة الزهراء كمقابر العراق كانت ثروة البلد ورأس مالها وكنوزها .كنوزها التي لا تُستخرج من باطن الأرض كما هو الحال مع الأمم الأخرى بل ترطم تحته !. في هذه المقابر يبرحون أماكنهم رغم تحويل السنة وتغير حال البعض لآحسن حال بفضل طمرهم للكنوز التى تحولت لقصائد يتغنون بها لأتجار .
لاحقاً بعد هذه الحادثة صرت أنتظر والدتي عند قبر جدتي وهي تزور على عجل قبر إبن عمتي.
عودتاً لزيارة القبور. أستيقظنا مبكراً ورتبت كل ما سنأخذه معنا من خيرات وإنطلقنا ونحن نستقل السرفيس للمقبرة لاحظت وجوده داخل الحافلة. أي بلاوى حطت على رأسي ؟ بقيت مشدودة من ما جعل والدتي تنتبه لسوء حالي لتقول لي
ــ انتي تعبانه ماما؟ نرجع بسرعة حبيبتي ما راح نتأخر
بعد أن وصلنا وجلسنا عند قبر جدتي ووزعنا الخيرات .كعادتها والدتي ذهبت لزيارة قبر ابن عمتي . لأبقى أنا وحدي .كان بودي أن أتوسل بها أن لا تتركني وحدي وتغض النظر عن زيارة قبره على الأقل اليوم ،لكن لم يكن اليوم عادي كان يوم عيد وعليه الزيارة مفروضة .أكثر ما إستطعت فعله ،أن أتظاهر بالمرض .وكنت بالفعل بدأت أحس بتقلصات معوية فضيعة من ما جعل والدتي توعدني بالعودة سريعاً. ما أن إبتعدت والدتي حتى تقدم ليقرء الفاتحة على القبر وإذا به يردد عبارة
الهي من بميرم تو بموني ................... سر قبرم بياي وقران بخوني
وفقط في تلك اللحظة وعند سماعي للمعاكسة والتي لطالما كرهتها وأعتبرها دبقة وأستحقرها ،آ.. نسيت أن أُترجمها ( الهي انا اموت وانتي تبقينن ..وتأني عند قبري والقران تتلين) تذكرت رفضي القاطع له من جديد. خطر لي خاطر بأن أخبر إحدى أخواتي وأترك لها الحل .عادت والدتي بسرعة وكان هو قد إبتعد عن القبر .عدنا الى المنزل وكأن الطريق أصبح دهراُ .
فور وصلي تحدثت الى أختي الأكبر وكنت خائفة من ردة فعلها ولكن فاجئتني بعباراتها الحنونة
ــ انتي ليش تتصورين ذنبج هذا الحيوان اني أعلمه .
خرجنا بحجة شراء هدية إضافية لأختي الأصغر والتي كان يوم مولدها أول يوم عيد النوروز. كنت قد طلبت من أختي أن تكون قاسية معه بعباراتها حتى يكف لا لأنه كان يزعجني بل بدأ يعجبني ! وهذا ما لا أتمناه لأنه ضد قوانين محطات الانتطار .في المحطات يجب ان يجمد كل شيء ..العواطف والأحاسيس والأرتباط !! وقانون يمنع السقوط السقوط مصطلح يشمل كل أنواع السقوط بما فيها السقوط بالحب وكتا جنود أوفياء لوالدتي وان كان على حساب بتر بعض المشاعر نهائيا والعيش مشوهين .لكن لا يستطيع المرء ان يتعايش مع كل الخيارات يجب التضحية ببعض الخيرات لتحيا أُخرى وهي هذا الوضع كان الحب مقابل الغرور والكبرياء . لأكون أكثر إنصافاً فإن قانون محطات الانتظار هوًّ عدم التعلق بشيء لأننا سنرحل .....ونتركه.
كان كالعادة واقف تحت اللوحة "كوچه قنادي" زقاق الحلواني ، هو وشلة الأنس العوطلية . وما أن إقتربت منهم أختي حتى فسحوا لها المجال وكـأنهم على علم بالمهمة التي جاءت من أجلها لتوجه الكلام لي بالعربية
ــ هو هذا ؟
ــ أي ..وأنا أنظر له وكأني أستسمحه على الذي ستفقله اختي به، أستسمحه لأني لست مستعدة للسكوت على مؤامرة تسلله الى قلب مسكون . كانت نظراته غريبة وكأنه يأخذني معه لا يودعني وهو يستمع لأهانات أُختي التي لم تقصر حتى بتشبيهه بأحدى شخصيات أفلام الكارتون ،ليوعدها بكل ثقة واصرار بعدم تعرضه لي .
عدنا الى البيت وانتهى الأحتفال برأس السنة الجديدة وبعيد مولد اختي وسافرنا عشيتها الى مدينة مشهد لنعود الى طهران بعد أسبوعين . كنت خلالهما أحزن لكم الأهانات التي وجهت له من قبل اختي وتنتابني حالات تأنيب الضمير لأعود واتذكر انه كان الحل الوحيد الذي توصلت له واطيب خاطري. عدنا من السفر وانتهت العطلة وكنت مشدودة كيف سيكون استقباله لي وماذا عن شلة العوطلية ؟ هل سينتقم ؟؟ هل ستكون المعاكسة جهاد أصغر ؟ في خطى ثقيلة صرت أمشي حتى آخر الزقاق ،لم يكن هناك ! ولم يكن احد متواجد من شلة العوطلية ، المكان بدء حزين وكئيب وكأن الجدار تبكي ووسط كل هذا اللون الرمادي كان شيء يزهي .اللوحة بدأت زاهية وبراقة ومتجددة الألوان وتغير شيء فيها ...يا الهي ما هذا ؟ لقد تغير اسم الزقاق ! لم يعد اسمه زقاق الحلواني بجدران سعيدة وشباب يلونونه بحب الحياة أصبح قطعة من الشجن بلوحة زاهية كتب عليها زقاق "الشهيد علي رضا" إذن كان إسمه علي رضا ! عرفت لاحقا انه كان في الخطوط الخلفية للجبهة وقتل ثاني يوم من التحاقة كجندي مكلف.
هذه ثوراتنا... خطوط على جدوران ،شعارات وحفنة شتائم . هذا وجه أوطننا الذي شوه والتي لم تستطيع أكبر عميلة تجميل إعادة جماليته .كانت الحرب قد أوشكت على نهايتها بعد أن تجاوز الطرفين مراهقتهم السياسية . على الأقل بالنسبة لحرب الخليج الأولى. تنازل الخميني عن التغني بالقضية الفلسطينية بتجرعه كاس السم على حد قوله وتنازل صدام عن دور البطولة في فلمه الباهض التكلفة "القادسية" ، بعد ان كانت المعارك تسوق تحت شعرات مطننة في أوائل الحرب، تحولت في أيامها الأخيرة الى معارك كان يموت فيها يوميا عشرات الآلاف من الأشخاص من أجل تقدم لا يتجاوز بضعة أمتار مربعة لا تصلح لشيء . سوى أن توسع هذا القبر الذي يسمى وطن. ليحيا البعض فية محبطين والأخر يحيى داخلهم الوطن في منفى بارد .. ويتوحد الجميع تحت راية الوجع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن