مجلس الأمن .. وإشكالية الفيتو

محمداحمد الزعبي
alzmo33@yahoo.de

2013 / 5 / 14

لانهدف من كتابة هذه المقالة إلى التوقف عند البعد التاريخي لنشوء وتطور هيئة الأمم المتحدة ، والذي يعود إلى مطلع القرن الماضي ، كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى ، والذي يمكن العودة إليه من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بهذه الهيئة الأممية وهو : ) http://www.un.org http:// ) ، وإنما هدفنا هو إلقاء الضوء على الإشكالية السياسية والأخلاقية التي ترتبت على إعادة هيكلة هيئة ألأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، وإعطاء الدول الكبرى الخمس التي انتصرت في الحرب من جهة خمسة مقاعد ثابتة ودائمة في مجلس الأمن ،(المكون من 15 عضواً: خمسة دائمون وعشرة تتناوب بقية دول العالم عليها بموجب ترتيبات معينة) ، ومن جهة أخرى ، إعطاء كل من هذه الدول الخمس حق الفيتو أي حق الاعتراض على أي قرار يمكن أن تتخذه الأكثرية العددية في المجلس ، واعتباره بالتالي كأن لم يكن ،
2.
ترتكز إشكالية الفيتو في مجلس الأمن ، منذ عام 1945 ( التحول من عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة ) وحتى اليوم ، على ثلاثة أثاف هي :
1) انتصارالحلفاء وعلى رأسهم الدول الكبرى على دول المحور في الحرب العالمية الثانية ،
2) وجود الاتحاد الاتحاد السوفياتي ( ستالين ) كعنصر فعّال بين دول الحلفاء المنتصرة ،
3) استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة الذرية ، لأول مرة في التاريخ ، في تدمير هوريشيما
وناغازاكي اليابانيتين ، وقتل أكثر من ربع مليون إنسان فيهما ،لإجبار اليابان على الإستسلام .
إن هذا عنى ويعني واقعياً ، أن منظمة الأمم المتحدة ، قد تم تفصيلها ، وتعديل مقاساتها لاحقاً ،على مقاس تلك الدول المنتصرة في الحرب ، والتي كان من بينها دولتان اشتراكيتان (الاتحاد السوفييتي / ولاحقاً الصين الشعبية) ، وثلاثة رأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية ، وإنجلترا ، وفرنسا ) ، أي أنها ولدت وهي تحمل جرثومة التناقض التي سرعان ماأخذت طريقها إلى مجلس الأمن ،وتموضعت في إطار مابات معروفاً بـ " حق النقض/ الفيتو".
3.
لقد لعب وجود الإتحاد السوفييتي بين دول الفيتو الخمس دوراً إيجابياً ، تمثل في دعمه لحقوق المستضعفين في العالم الثالث من الدول والشعوب والجماعات ، وليس بعيداً عن ذاكرتنا الدورالإيجابي الذي لعبه ( بالتفاهم والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك) لوضع حد للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ( حرب السويس ) ، وإجبار كل من إنكلترا وفرنسا وإسرائيل على الإنسحاب من قناة السويس دونما قيد أو شرط . إن إشارتنا هذه للدور الإيجابي لأحد أعضاء " حق الفيتو " ، لايمنع من إعادة التأكيد على أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وقنبلتها الذرية ، وتطورها التكنولوجي العالي ، ولاسيما في المجال النووي العسكري ، هو من وقف ويقف وراء إعطائها لنفسها / أخذها " حق الفيتو" على قرارات مجلس الأمن ، اي على كل مايتعلق بحاضر ومستقبل العالم غير النووي .
4.
لقد زاد سقوط الإتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي ، وظهور النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، طين هذه الإشكالية بلّة . ذلك ان روسيا الإتحادية ، ذات التوجه الرأسمالي ، حلت أوتوماتيكياً محل الاتحاد السوفياتي ، الأمر الذي سمح لها أن " تلعب على الحبلين " ، حبل الرأسمالية وحبل الإشتراكية ، وأن توظف القدرات العسكرية الهائلة التي ورثتها عن الاتحاد السوفياتي في هذه اللعبة المزدوجة ، مستفيدة من الأزمة الاقتصادية التي مرت وتمر بها كل من أمريكا وأوروبا
منذ بضع سنوات ، وايضاً من هزيمة أمريكا وإنجلترا أمام المقاومة العراقية ، وإجبارهما على الانسحاب من العراق بعد بضع سنوات من غزوها واحتلالها عام 2003 بالتعاون مع حليفتهما الصفوية في طهران .

لقد ترتب على بروز "إشكالية الفيتو" في مجلس الأمن ــ ولاسيما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ــ التعطيل الفعلي لهذا المجلس ، ولحق الفيتو للدول الخمس الكبرى ( النووية) دائمة العضوية فيه ، وبالتالي الخروج عليه وعلى حق الفيتو فيه ، في عدد من الحالات التي يعرفها الجميع ( حرب الصرب ، غزوالعراق ، الثورة الليبية ) . بل إن حق الفيتو بات ألعوبة بيد الجانب القوى من بين هذه الدول الخمس ، بحيث يتم تفعيله أو تجاوزه ، أو التحايل عليه ، أو تجاهله ، في ضوء المصالح السياسية والاقتصادية لهذا الجانب المعني .
5.
إن ماتفعله روسيا منذ أكثر من عامين في مجلس الأمن ، فيما يخص الحالة السورية ،من حيث الحيلولة دون اتخاذ أي قرار ضد نظام بشار الأسد ، بالرغم من كل أعماله الإجرامية والهمجية المعروفة ، لايعود بنظرنا إلى أن الدول الخمس الكبرى ، قد عادت إلى احترام قواعد اللعبة الدولية ، التي تنطوي عليها مواثيق وأنظمة الأمم المتحدة ، والتي من بينها مسألة " حق الفيتو " ، وإنما إلى اتفاق هذه الدول ( ربما باستثناء الصين ) ، ومعها عدد من الدول الإقليمية ، على حماية إسرائيل ، مما يمكن أن تأتي به الممارسة الديموقراطية في سورية ، من نظام سياسي جديد ، يمكن أن يقوم بخرق قواعد اللعبة التي قامت وتقوم عليها العلاقة الاستراتيجية بين مثلث : عائلة الأسد ، دول الفيتو ، إسرائيل،منذ أربعة عقود ، وبالذا ت منذ اتفاق حافظ الأسد ـ كسنجر عام 1974 ، والذي ماتزال بنوده السرية مجهولة حتى يومنا هذا . إن سلوك النظام السوري ( عائلة الأسد ) طيلة تلك العقود الأربعة إنما يشير بصورة واضحة لالبس فيها ولا غموض ، إلى أن اعتماد النظام على مقولة " قل يساراً وسر يميناً " ، إنما هي ورقة التوت التي يحاول أن يستر بها عورته السياسية ، ولاسيما البلاغ العسكري رقم 66 الخاص بإعلان سقوط مدينة القنيطرة قبل أن تسقط ( أنظر ، محمد الزعبي ، خواطر شاهد عيان ، الخاطرة الثالثة ، في : الحوار المتمدن 22.8.11 ، مركز الشرق العربي ، القدس العربي 23.8.11 ) وصمته المطبق والمستمر منذ أربعة عقود على احتلال اسرائيل لهضبة الجولان في حرب حزيران 1967 ، وأخيراً وليس آخراً موقفه الطائفي والوحشي من ثورة 18 آذار 2011 السورية ، الذي تفوق به على وحشية كل من : نيرون في القرن الأول الميلادي ، وجنكيز خان وحفيده هولاكو في القرن 13 ، و مؤسسي الكيان الصهيوني قبل وبعد عام 1948 . إن محاولة عائلة الأسد إخفاء هذا السلوك المشبوه ، عن الناس ، بالكلام المعسول ، لاتعدو بنظرنا أن تزيد على محاولة من يعتقد انه يمكن أن يحجب نورالشمس عن الأرض بغربال .

إن رحيل بشار الأسد وشبيحته عن المشهد السوري ( قبل فوات الأوان ) ، هو مايمكن أن يحفظ لدول الفيتو الخمس عامة ولروسيا والصين خاصة ماء وجوههم ، ليس فقط أما م آلاف الأطفال السوريين الذين تم ويتم ذبحهم كل يوم ، أمام سمع وبصر هذه الدول العظمى و" الديموقراطية !" ، وإنما أيضاً أمام شعوبهم التي تقف بالتأكيد إلى جانب الطفل السوري الضحية ، وليس إلى جانب من يذبحه بالسكين
حتى ولو كان هذا السكين علمانيّاً .
ــــــــــ انتهى ــــــــــ









https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن