ربيع مارون الراس الدموي

عديد نصار
adeednassar.12@hotmail.com

2013 / 5 / 14

كان ذلك منذ عامين. ( 15 أيار 2011 ) وفي ظل المد الشبابي والشعبي الذي انطلق فجره من سيدي بوزيد، حيث تساوت حياة المهانة والإذلال والإفقار والتهميش مع الموت، فأشعل محمد البوعزيزي جسده ليغدو الشعلة التي ألهبت جذوة الشباب، فانطلق يقتحم المستحيل المتمثل بأدوات القمع الكثيرة وأجهزة السلطة ومؤسساتها لا يلوي على شيء سوى إسقاط النظام الذي أغلق كل المنافذ والآفاق في وجهه، في ظل كل ذلك، وفي مثل هذا اليوم الذي يمثل بالنسبة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية كافة يوما للنكبة التي يفترض أن تتحرر من وطأتها ومن مسببيها المتمثلين بالكيان الغاصب وبالأنظمة العربية التي أمنت له الديمومة والتوسع والتفوق المضطرد، وتلبية لدعوات منظمات فلسطينية وقوى سياسية محلية، انطلق عدة آلاف من الشبان والشابات والكهول وحتى العجائز، محمولين على حافلات وبواسطة السيارات ووسائل نقل مختلفة، باتجاه مارون الراس، رمز المقاومة على مدى العقود التي شهدت استنبات الكيان الصهيوني في أرض فلسطين.
وصلنا إلى مارون الراس بعد رحلة طويلة شاقة، وقد زاد من مشقتها، رحلة أخرى كانت مقررة ومنظمة من قبل " قوى المقاومة" وفي مقدمها حزب الله، رحلة وزيارة لـ"أمير المقاومة" حمد أمير قطر، الذي جاء يدشن مشاريع إعادة الإعمار في القرى التي دمرتها حرب 2006 والتي تعهد هذا الأمير بإعادة بنائها. يرافقه عدد من المسؤولين اللبنانيين وقيادات حزب الله وحلفائه. وما رافق كل ذلك من تحضيرات لمهرجانات محلية في تلك القرى وحفلات خطابية متنقلة من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة. فعلى طول الطريق أقواس نصر ولافتات وصور وأعلام تتعانق: أعلام قطر ولبنان وحزب الله. وجنود وآليات تابعة للجيش اللبناني تنتشر تأمينا للطريق.
وصلنا إلى مارون الراس. كان كل شيء يوحي أن أمرا ما خطيرا سوف يحدث. الجو العربي العام: سقوط بنعلي، سقوط حسني مبارك، استمرار وتصاعد الحركات الشبابية والشعبية وتوسعها لتشمل اليمن والبحرين وسوريا والمغرب... حماس منقطع النظير لدى شباب في عمر الورود لا يمكن تحديد مساره العفوي، وغياب أي سيطرة أمنية لا رسمية ولا حزبية ولا محلية!!! ( خلا تواجد متواضع جدا للجيش اللبناني ).
وبمجرد وصول الجموع الغفيرة، واكتمال ظروف التغرير والدفع والاندفاع، اندفعت مجموعات متوالية من الشبان باتجاه الشريط الشائك الذي يفصلنا عن فلسطين المحتلة. حيث جنود الاحتلال يتربصون بين الأشجار خلف السياج بكامل جهوزيتهم. وبدأ إطلاق الرصاص!
وبعد أن كانت الحناجر الطلقة تصعد الهتافات الثورية والوطنية، هدأت لترتفع بعد ذلك، إلى جانب الهتافات، صرخات الوجع والبكاء! وتساقط الجرحى والشهداء!
عشرة شهداء سقطوا على الشريط الشائك! وما لا يقل عن 112 جريحا. مجزرة لم ينتظرها أحد! ولم يعمل على تفاديها أحد!!!
هل كانت هذه المجزرة مطلوبة لتؤكد للشباب أن اندفاعتهم لن تؤدي إلا إلى مجازر ترتكب بحقهم وبحق شعوبهم؟ هل كان المطلوب إيصال رسالة للشباب العربي كله أن انتفاضته فعل عبثي مجنون وأنه لن يكون بمقدوره، رغم إسقاط بنعلي ومبارك، أن يحقق أي تغيير حقيقي على الأرض، وأن بنعلي ومبارك لم تسقطهما الانتفاضات ولكن إرادات عليا لا طاقة لهؤلاء الشباب ولا لشعوبهم أن يبلغوها؟
في ذكرى النكبتين دعوني أقول:
إن إرادة النظم المعادية للتغيير في الاستمرار وإدامة سيطرتها تقترن بوعي مؤسساتي للظروف وبقدرات هائلة على الإحاطة بالمقدرات وتحريك الإمكانيات. لذلك، فإنه لزاما على قوى التغيير أن تطور وعيها وأن تتسلح بالكفاءة اللازمة في التنظيم لمواجهة كبرى ومصيرية تتفوق فيها على خبرة وتنظيم وأساليب الأنظمة وأدواتها كي تتمكن من تحقيق أهدافها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن