العلمانية والثيوقراطية والنظام المقترح لسوريا المستقبل

محمد رشو
mohammad_rasho@hotmail.com

2013 / 5 / 14

كلمة علمانية هي ترجمة خاطئة لكلمة Secularism و التي تعني اللادينية أي إلغاء جميع الأديان، أما سياسياً فتعني استئصال كل ما يمت للدين بصلة في نظام الحكم ومؤسسات الدولة. العلمانية كما نفهمها في منطقتنا هي تحكيم العقل و العلم في الحكم بعيدا عن الدين أي (العلمية) Scientism.
وتعود أسس العلمانية إلى أواخر القرن السادس عشر كردّة فعل على حكم الكنيسة الأوروبية الجائر، بينما تطبيق العلمانية في الشرق الأوسط مُنِيَ بفشل ذريع لكونها مصادمة للثوابت الدينية، وبسبب كون الذين استوردوها أغفلوا الفروق بين الواقع الغربي والواقع المسلم، بالتالي أسقطوا التجربة الكنسية الأوروبية على واقع مخالف تماماً.
العلمانية بتعريفها العام هي "فصل الدين عن الدولة" وهي مفهوم قابل للجدل و يشمل مستويين:
1- العلمانية الشاملة: وهي رؤية عامة للعالم ببعد معرفي وهي رؤية عقلانية مادية ذات مرجعية كامنة واحديّة مادية، يتكون الكون فيها من مادة واحدة لا قداسة لها، خالية من الأسرار وفي حركة عبثية.
2- العلمانية الجزئية: وهي الرؤية البراغماتية الإجرائية للواقع، ولا تتسم بالشمول، أما سياسياً فهي فصل الدين عن السياسة و الاقتصاد، مع التزام الصمت بشأن المجالات الأخرى من الحياة، ولا تعارُض بينها و بين المطلقات والكليات الأخلاقية والإنسانية والدينية والميتافيزيقية.
أ. النظام العلماني في الشرق الأوسط، النظام التركي نموذجاً:
إثر قيام النظام العلماني في تركيا على أنقاض الإمبراطورية العثمانية بتاريخ 29/10/1923، عمد أتاتورك إلى علمنة الدولة، بالتالي شرع في تعزيز شرعية علمانية الدولة (دستورية علمانية) وسط التقاليد الدينية المختلفة بدلاً من افتراض أن قيمة علمانية الدولة لا تحتاج إلى إثبات.
إلا أن محاولة فرض العلمانية رافقها الكثير من التناقضات، حيث أن النخبة الحاكمة سعت إلى ترويج العلمانية على أنها فصل الدين عن الدولة من دون أن تكون قادرة على معالجة ارتباط الدين بالسياسة إي ما يسمى (العلمانية السلطوية).
حيث أن الرؤية الأتاتوركية للعلمانية كانت قائمة على مبدأ " السيطرة على دور الإسلام والتلاعب به في الأمور السياسية و السياسات العامة". بالتالي هدف العلمانية في تركيا ليس فصل الدين عن الدولة ولكن وضع مفهوم جديد للتدين و إجبار الناس عليه.
بينما يكمن التناقض في النظام التركي في تقويض العلمانية لمبدأي الدستورية و حقوق الإنسان باسم الحفاظ عليهما، فهي تنتهك حقوق المواطنين الذين يعتبرون الإسلام دافعاً جوهرياً في حياتهم و تمنعهم من أن يعيشوا وفق لمعتقداتهم.
ب. النظام الثيوقراطي في الشرق الأوسط، نظام السعودية نموذجاً:
يقر النظام الأساسي للملكة العربية السعودية ما يلي:
المادة (1): المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام و دستورها كتاب الله تعالى و سنة رسوله...
المادة (7): يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله و سنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة.
المادة (26): تحمي الدولة حقوق الإنسان.. وفق الشريعة الإسلامية.
قد يرضي هذا النموذج الإسلاميين ولكنه مرفوض قطعاً من قبل فئات واسعة من المجتمع السوري، فمجرد أن يستمد الحاكم سلطته من كتاب الله و سنة رسوله أي أن من يخالفه هو كافر أو مرتد و يحق للحاكم أن ينتهك كرامته.
كما أن هناك عدم منطقية في أن يستمد الحكم سلطته من كتاب الله وذلك لاختلاف التفاسير بين علماء المسلمين والطوائف، كما أن السيرة النبوية الشريفة فيها اختلاف وقابلة للتأويل حسب الراوي، أما الدستور فيجب أن يكون واضحاً لا لبس فيه غير قابل للتأويل.
أما الطامة الكبرى في النظام الثيوقراطي السعودي هي عدم ذكر المرأة في أي فقرة من مواد النظام الأساسي للملكة وفي ذلك دلالات كبرى.
ج. النظام المقترح في سورية المستقبل:
بعد مراجعة تاريخية للعلمانية ووضعها في تركيا و الثيوقراطية في السعودية، يمكننا أن نستفيد من هذه التجارب لتشكيل ملامح نظام الحكم في سوريا المستقبل بما يرضي أغلب المواطنين بكافة توجهاتهم، ما يشكل أنموذجاً شرق أوسطياً قابلاً للتطبيق في العديد من البلدان ذات الأغلبية الإسلامية، سَمّيتُه العلمانية الشرق أوسطية.
ويقوم هذا النظام على الإقرار بدور الإسلام في الحياة العامة و تنظيم هذا الدور، واقتصار العلمانية على "علمانية الدولة" كإطار ضروري لمفاوضة الدور الطبيعي والشرعي للإسلام في الحياة العامة، مما يمكّن من التديّن الصادق في المجتمع، وليس علمانية الإنسان و المجتمع.
و المطالبة بضرورة حياد الدولة تجاه الدين لا تحول دون قيام المسلمين باقتراح سياسات و تشريعات تتوافق مع عقيدتهم، شرط أن يدعموا ذلك بما يطلق عليه "المنطق المدني" القائم على المنطق المشاع الذي يمكّن كل مواطن أن يقبله أو يرفضه أو أن يقدم البديل من الاقتراحات.
وليس في هذا المقترح تناقض مع الإسلام حيث أن القرآن الكريم يخاطب المسلمين كأفراد و كمجتمع من دون ذكر فكرة الدولة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن