المسألة الكورية هل سيتم توحيد الكوريتين بالحرب؟

مجدى خليل
magdi.khalil@hotmail.com

2013 / 5 / 6


أنتقلت انظار العالم فجأة إلى شرق اسيا بعد التهديدات الرعناء الحمقاء الجوفاء التى صدرت عن كوريا الشمالية ضد جارتها الجنوبية وضد الولايات المتحدة، وتصور البعض أن كوريا الشمالية يمكن أن تهزم كوريا الجنوبية واليابان وأمريكا، وتصور البعض أن الصين يمكن أن تعرض اقتصادها لهزة عنيفة مع الولايات المتحدة من آجل عيون كوريا الشمالية المفلسة الجائعة، وتصور البعض أن كوريا الشمالية ستشعل الحرب العالمية الثالثة........ كل هذه مجرد أضغاث احلام لا وجود لها فى الواقع الفعلى. كوريا الشمالية هى من بقايا أثار صراعات الحرب الباردة والتى تجسدت فى الحرب الكورية (25 يونيه 1950-27 يوليو 1953) والتى انتهت بهذا التقسيم. بعد الحرب سلكت كوريا الجنوبية طريق الانفتاح والتعاون مع الغرب والاجتهاد والعلم والحريات الدينية، فتحول معظمها إلى المسيحية. وسلكت كوريا الشمالية طريق الطغيان والفساد والقمع الوحشى للمعارضين، وها هى الأرقام تتحدث عن نتائج كل طريق. كوريا الشمالية مساحتها 120 الف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 24 مليون نسمة، والناتج المحلى الاجمالى لها 28 مليار دولار، ومتوسط دخل الفرد 1800 دولار سنويا، وميزانية الدولة 3 ونصف مليار دولار. قارن هذه الارقام الهزيلة بما وصل اليه العملاق الاقتصادى لكوريا الجنوبية لعام 2012، المساحة حوالى مائة الف كيلومتر مربع،أى أصغر من كوريا الشمالية، عدد السكان 49 مليون نسمة،أى حوالى ضعف عدد سكان كوريا الشمالية،حجم الاقتصاد 1151 مليار دولار،أى 41 ضعف اقتصاد كوريا الشمالية، متوسط دخل الفرد 32 الف دولار،أى 18 ضعف دخل الفرد فى كوريا الشمالية.
كوريا الشمالية تمثل واحدة من اسوأ دول العالم فى سجلات حقوق الإنسان،تضع قيود صارمة على حرية الإعلام والتعبير وتكوين الجمعيات،أكثر من 200 الف معتقل سياسى بها، مجرد الاستماع إلى راديو كوريا الجنوبية قد يؤدى بالفرد إلى عقوبة الإعدام، يتعرض النشطاء السياسيون إلى التعذيب والتجويع والأشغال الشاقة والاجهاض القسرى والاغتصاب والقتل خارج القانون والتجارب الطبية، ويعاملون اسوأ بكثير من معاملة العبيد، وتقدر منظمات حقوق الإنسان أن هناك أكثر من 10 آلاف شخص فى كوريا الشمالية يموتون كل عام فى معسكرات الاعتقال.
كوريا الجنوبية أخذت بالحريات العامة والحريات الدينية، وتحول معظم شعبها للمسيحية، وفى العاصمة سول توجد أكبر كنيسة فى العالم من حيث عدد الأعضاء، بها نظام ديموقراطى، تحكمها سيدة منتخبة.
ولأن كوريا الشمالية دولة مارقة وفاشلة، فقد تحولت إلى دولة صانعة مشاكل فى شرق اسيا، كما قلت تعتقل 1% من سكانها، وبها جيش قوامه مليون و200 الف شخص،أى 5% من تعداد سكانها تحول إلى عساكر جيش، هل يمكن لمثل هذه الدولة أن تنتج وتتقدم وهى تعامل مواطنيها بهذا الشكل العبودى؟، هل يمكن لعاقل أن يتخيل أن دولة فقيرة وبائسة ومفلسة وجائعة يمكن أن تهزم دول متقدمة. كوريا الجنوبية مثلا هى تاسع اكبر قوة جوية فى العالم ولديها أحدث الطائرات الأمريكية، فى حين تهدد كوريا الشمالية بصواريخها الاسكود البدائية وبعض الصواريخ البالستية طويلة المدى التى لم تدخل حيز الاختبار بعد.
إن ما ينطبق على كوريا الشمالية ينطبق على دول مثلها تم تقسيمها فى ظروف الحروب والصراعات، واتخذ كل جانب الطريق الذى يريده،أما ناحية الحريات وطريق التقدم والديموقراطية أو طريق المشاكل والقمع والطغيان والشعارات الرنانة الجوفاء، حث ذلك بين المانيا الغربية والمانيا الشرقية قبل توحيدهما، وحدث ذلك بين الهند وباكستان بعد انفصالها عن شبه القارة الهندية، وحدث ذلك بين قبرص الشمالية والجنوبية بعد الاحتلال التركى لقبرص الشمالية عام 1974.
انظر مثلا إلى قبرص لتصل إلى نفس النتيجة تقريبا. فى عام 1974 احتلت تركيا ثلث الجزيرة القبرصية الصغيرة، وفى عام 1983 اطلقت عليها أسم جمهورية شمال قبرص التركية ولم يعترف بهذه الدولة سوى تركيا المحتلة للجزيرة، وتحول الجزء الشمالى للجزيرة إلى استعمار استيطانى لتركيا بعد تهجير اكثر من مائتى الف تركى إلى الجزء الشمالى. انظر إلى ارقام 2012 لكلا من القسمين التركى واليونانى للجزيرة. مساحة الجزء التركى ثلت مساحة الجزيرة تقريبا، وعدد السكان حوالى 285 الف نسمة والناتج المحلى الأجمالى للجزء التركى عن عام 2012 يمثل ثلاثة ونصف مليار دولار معظمها قروض لا ترد من تركيا،فى حين أن ناتج الجزء اليونانى 23 مليار دولار ومتوسط دخل الفرد أكثر من ضعف متوسط دخل الفرد فى الجزء التركى.وتعوق تركيا محاولات الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة رغم هروب القبارصة الشماليين إلى الجزء اليونانى هربا من الفقر والبؤس.
خلاصة القول أنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولا يوجد طريق للتقدم والتنمية سوى الديموقراطية والحريات والسلام والعلم والاجتهاد والأنفتاح على العالم المتقدم،وأن الشعارات سواء كانت دينية أو قومية أو شوفينية لا تغنى ولا تسمن من جوع. وأن اغلب الناس التى تخرج فى الشوارع مؤيدة للزعيم أو فى توديع الزعيم ،كما حدث مثلامع رئيس كوريا الشمالية السابق، هى فى الواقع مخدرة وخائفة ومرعوبة ومذعورة وتائهة وتجر أرجل بعضها البعض خوفا من القمع والطغيان. وفى تقديرى أن الحماقة إذا قادت رئيس كوريا الشمالية ، ذلك الشاب الأرعن، لمهاجمة جارته أو الولايات المتحدة فسيكون ذلك طريقا لتوحيد الكوريتين بالقوة بعد هزيمة ساحقة لكوريا الشمالية، ولو كان هذا الرئيس يملك ذرة حب لشعبه لكان سلك الطريق الطبيعى الذى سلكته الالمنيتين لتوحيد دولتهم حتى اصبحت رقما صعبا فى المعادلة الأوروبية.
وحسنا قال المرنم أمامك طريقان طريق الحياة وطريق الموت فاختار الحياة لتحيا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن